El título del éxito en la historia de José el Justo
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
Géneros
تتمثل في شخصيات المسرحية وطريقة كتابتها، حيث جاءت هكذا: «قال ممثل يوسف عليه السلام، قال ممثل يعقوب عليه السلام»، ولم يقل مثلا: «قال يوسف عليه السلام، أو قال يعقوب عليه السلام»! وهذا الأمر جاء على اعتبار أن كل شخصية منهما تمثل نبيا من أنبياء الله، ولا يحق دينيا أو رقابيا إظهار أحدهما على خشبة المسرح بصورة مجسدة! لذلك أراد المؤلف بقوله «ممثل يوسف، وممثل يعقوب» أن يعبر للجمهور أن من يقول هذا الحوار هو ممثل النبي لا النبي نفسه! وربما أثناء التمثيل كان ممثلا يوسف ويعقوب خلف الكواليس، ولا يظهر منهما سوى صوتهما فقط، أو كان هناك راو يتحدث من خلف الستار. وهذا احتمال يؤكده قول المؤلف: «قال ممثل يوسف، قال ممثل يعقوب». والدليل الأكبر على ذلك، أن بقية الشخصيات كانت تتحدث هكذا: «قال قائل من أخوته، قال أحد أبنائه، قال قائل منهم، قال وكيل يوسف»، وهذا يعني أن هذه الشخصيات كانت تظهر بهيئتها؛ لأنها ليست من الأنبياء.
والملاحظة الأخيرة:
تتمثل في شخصية امرأة العزيز، حيث ذكرها المؤلف هكذا: «قال ممثل امرأة العزيز»! وهذا يعني أن طالبا قام بتمثيل هذا الدور، ولم يكن الدور لامرأة أو لطالبة! وهذا الأمر لا يحتاج إلى معاناة في تفسيره أو شرحه، حيث إن المسرح في مصر في ذلك الوقت كان الرجال فيه يقومون بأدوار النساء في الأغلب الأعم، عدا بعض الفرق الشامية القليلة التي جلبت معها بعض النساء. وقد مر علينا - في أحد الهوامش السابقة - كيف كان هجوم الصحافة على فرقة القباني، التي تنكر رجالها للقيام بالأدوار النسائية! فما بالنا لو وقفت طالبة لتمثل دور امرأة العزيز على خشبة المسرح في إحدى المسرحيات المدرسية عام 1884!
أما من حيث المضمون الديني لمسرحية «يوسف الصديق»، فمن غير المعقول أن يعتمد تادرس وهبي - كعاشق وحافظ للقرآن الكريم - على مصدر آخر لهذه القصة غير القرآن! فعلى الرغم من أن قصة يوسف عليه السلام جاءت أولا في التوراة، إلا أنها جاءت بعد ذلك في القرآن لتحمل الكثير من المعاني والتفاسير التي لم تأت في التوراة، علما بأن قصة التوراة جاءت كثيرة الأحداث والشخصيات التي لم تذكر في القرآن! وعدم الذكر هنا كان مقصودا، حيث إن القرآن قدم قصة يوسف كمفاهيم أبدية للعلاقات الاجتماعية والعائلية. وهذا المعنى وعاه جيدا تادرس وهبي كحافظ للقرآن ومتفهم لمعانيه، فاعتمد في مسرحيته على النص القرآني في المقام الأول، ولم يعتمد على نص التوراة إلا في القليل النادر، خصوصا الأحداث التي تلت انتهاء أحداث القصة القرآنية.
10
والدليل على ذلك أن تادرس وهبي عرض في مسرحيته صورة عدل ورحمة يوسف عليه السلام في مصر، أثناء تعامله مع الناس كأمين على خزائن البلاد، قبل وبعد المجاعة والقحط، بالصورة التي جاءت في القرآن، ولم يتعرض للصورة نفسها التي جاءت في التوراة رغم ثرائها الدرامي، الذي كان سيساعده في عرض أحداث مسرحيته؛ لأنها صورة تمثل جبروت السلطة دون النظر بعين الرحمة إلى الشعوب الجائعة. وبمعنى آخر، إذا كان تادرس وهبي أراد أن يصور بعض الأحداث الدرامية التي تخدم مسرحيته وقدرته هو وطلابه على التمثيل، لكان عرض ما جاء في التوراة من أن يوسف عليه السلام ابتاع الطعام للناس في سنوات المجاعة السبع بالمال في السنة الأولى، وبالجواهر والحلي في الثانية، وبالدواب في الثالثة، وبالعبيد والجواري في الرابعة، وبالعقار في الخامسة، وبالأبناء في السادسة، وبالرقاب في الأخيرة ... ولكنه لم يفعل ذلك، واعتمد على النص القرآني.
والدلائل بعد ذلك كثيرة، يستطيع القارئ أن يستنبطها بعد قراءة المسرحية، ومن ثم يقارن بينها وبين قصة يوسف عليه السلام كما جاءت ابتداء من الإصحاح السابع والثلاثين إلى الإصحاح التاسع والأربعين في سفر التكوين بالتوراة، وفي الإصحاح السابع من سفر أعمال الرسل بالإنجيل، وفي سورة يوسف بالقرآن الكريم. وجميع هذه النصوص موجودة في ملحق الكتاب. وكل الدلائل والنصوص تؤكد أن تادرس وهبي ارتضى بالنص القرآني ليكون عماده الأول والأساسي في تآليفه لمسرحيته «يوسف الصديق».
هذه كانت رحلتنا مع تادرس وهبي بك، الذي يحتفل المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، بذكرى مرور سبعين سنة على وفاته، وبمرور مائة وعشرين سنة على تمثيل ونشر مسرحيته الأولى «يوسف الصديق»، وذلك بإصدار هذا الكتاب، الذي يحمل بين جنباته نص كتابه «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق» المتضمن نص مسرحيته «يوسف الصديق». والشكر كل الشكر إلى الدكتور سامح مهران رئيس المركز، الذي كلفني بكتابة هذه الدراسة، وأعطاني الفرصة كي أنفض غبار النسيان والتجاهل عن شخصية مصرية نصرانية فريدة في نوعها، استطاعت أن تجسد معنى التسامح الديني بحفظها للقرآن الكريم واستخدام آياته في كل إنتاجها الأدبي !
دكتور: سيد علي إسماعيل
كلية دار العلوم ، جامعة المنيا
Página desconocida