تادرس وهبي بك
مؤلفاته
تآليف أخرى
ريادة المسرح في مصر
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
مقدمة الكتاب
المقامة الأولى
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام
المقامة الثالثة: في ما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس المؤنة
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية، مع مراعاة الحروف الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول
ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
تادرس وهبي بك
مؤلفاته
تآليف أخرى
ريادة المسرح في مصر
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
مقدمة الكتاب
المقامة الأولى
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام
المقامة الثالثة: في ما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس المؤنة
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية، مع مراعاة الحروف الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول
ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
تأليف
تادرس وهبي
دراسة
سيد علي إسماعيل
تادرس وهبي بك
قبطي أزهري، حافظ للقرآن الكريم
هذا الكتاب يحمل بين طياته كتابا تراثيا نادرا، كتب عليه النسيان والضياع، كما كتب على مؤلفه التجاهل من قبل الأدباء والكتاب! فالكتاب هو: «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، الذي نشر عام 1885، أما مؤلفه فهو تادرس وهبي بك أستاذ وناظر المدرسة القبطية بحارة السقائين، ومدير مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، وناظر المدارس القبطية في مصر! ورغم هذه المناصب، ورغم بكويته، إلا أنه لم يحظ بأي تقدير أدبي أو تاريخي حتى اليوم، إلا من بعض الكتابات اليسيرة، التي جاءت في تراجم بعض المعاجم، وإن كان أفضل ما كتب عنه، الصفحات القليلة التي كتبها محمد سيد كيلاني في كتابه «الأدب القبطي قديما وحديثا»!
واليوم يقوم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بإحياء هذا الكتاب مرة أخرى، بعد مائة وعشرين سنة من طباعته لأول مرة، وذلك بإعادة نشره بصورته التراثية المطبوع بها أول مرة. ودراستنا هذه إتمام لهذا الإحياء، حيث سنتعرض فيها إلى الحديث عن حياة المؤلف ونشأة المدارس القبطية - وبالأخص مدرسة حارة السقائين - ومؤلفاته في النحو والصرف والتراجم والمراثي والمسرحيات والخطب والأشعار، ودوره الريادي في مجال المسرح المدرسي ... إلخ هذه الأمور التي نأمل من ورائها إجلاء صورة هذا المعلم والأديب المنسي؛ لنعيد إليه مكانته التاريخية في مجال الأدب والتعليم.
تادرس وهبي في مرحلة الشباب. (1) حياته
في أوائل القرن التاسع عشر، وبالأخص في بداية حكم محمد علي باشا، كان هناك فرق في معاملات الدولة بين المسلمين والأقباط في مصر. منها على سبيل المثال أخذ الجزية من الأقباط، على اعتبارهم من الذميين، كما أن محمد علي حرم عليهم الدخول في الخدمة العسكرية (التجنيد)، وبالتالي عدم توليهم المناصب العسكرية. وعلى الرغم من ذلك، فمن يقرأ تاريخ هذه الفترة لا يشعر بأن هذه الفروق أحدثت خللا اجتماعيا بين المسلمين والأقباط، أو جعلت الأقباط يشعرون بأنهم في مرتبة أقل من المسلمين! وتدريجيا وبمرور الأيام زالت هذه الفروق . وكفى بنا أن نستشهد برأي «جوج بوزنج» المبعوث الإنجليزي في مصر، في تقريره إلى بلمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1837، عندما قال:
كان الأتراك يعتبرون الأقباط طائفة منبوذة من الشعب المصري، وبالرغم من ذلك فهناك تعاطف بين القبط وأبناء العرب، لعله نتيجة ما يقاسونه جميعا من آلام، فضلا عما يتحلون به من صفات حسن المعاشرة وحب السلام والفطنة والذكاء، ولا يكاد يوجد بينهم وبين النازحين من الأوروبيين أي اختلاط، ولا يعرف عن عاداتهم المنزلية إلا القليل، شأنهم في ذلك شأن المسلمين، فالحجاب مضروب على نسائهم كما هو مضروب على نساء المسلمين ... وفي الريف لا تكاد تفترق عادات الأقباط عن عادات أبناء العرب ... وهم كالمسلمين يؤمنون بالخرافات الشائعة في البلاد، سواء أكانت تلك الخرافات راجعة إلى أصل إسلامي أم أصل مسيحي ... وإن التسامح يخطو خطوات واسعة، وإن الفوارق بين المسلمين والمسيحيين آخذة في الاختفاء تدريجيا.
1
وفي عام 1855 تم إلغاء الجزية المفروضة على الذميين في مصر، وبالتالي عن الأقباط. وفي عام 1857 تمت الموافقة على قبول تجنيد الأقباط في الخدمة العسكرية الوطنية، بعد أن أعفاهم من ذلك محمد علي باشا في السابق، وبذلك زال آخر وجه من أوجه التفريق بين الأقباط والمسلمين في مصر. وغير صحيح أن البطريرك كيرلس الرابع عارض تجنيد الأقباط كما جاء في بعض الكتابات! فعندما أشيع عنه ذلك قال صراحة، وبروح الوطني المتحمس لمصريته: «قول البعض إني طلبت إلى الباشا أن يعفي أولادنا القبط من الخدمة العسكرية، فحاشا لله أن أكون جبانا بهذا المقدار، لا أعرف للوطن قيمة، أو أفتري على أعز أبناء الوطن بتجردهم من محبة أوطانهم، وعدم الميل لخدمته حق الخدمة والمدافعة عنه، فليس هذا ما طلبت ولا ما أطلبه.»
2
في هذا الجو المتشبع بالتآخي والتسامح بين المسلمين والأقباط، ولد تادرس وهبي بحارة زويلة بالقاهرة عام 1856،
3
وفي الخامسة من عمره التحق بمدرسة الأرمن بالأزبكية، فتلقى فيها مبادئ اللغة الفرنسية ودرس اللغة الأرمنية. وفي العاشرة من عمره التحق بمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، فتعلم فيها اللغتين العربية والإنجليزية. ثم تقدم للامتحان النهائي، وكان يرأس لجنة الامتحان رفاعة رافع الطهطاوي. وقالت صحيفة الوقائع المصرية في 5 / 3 / 1872:
صار افتتاح الامتحان الذي ميز فيه تادرس أفندي وهبي بين الأقران، وأشير إليه في بالبنان. وكان امتحان هذا التلميذ في اللغة العربية والمنطق والبيان، واللغة الفرنساوية والإنجليزية، والهندسة واللغة الطليانية. فأحسن في كل هذه الإجابة، وظهرت عليه إشارات النجابة.
4
وبعد أن تخرج من المدرسة، عمل مترجما بنظارة المعارف، ودرس اللغة القبطية على يد برسوم الراهب. كما التحق في هذه الفترة برواق الأقباط بالأزهر الشريف،
5
حيث درس كثيرا من العلوم العربية والدينية، مثل الحديث والفقه والقرآن الكريم، الذي حفظه كاملا، فكان أول قبطي مصري حامل للقرآن الكريم في العصر الحديث. بعد ذلك ترك تادرس وهبي خدمة الحكومة، وعمل مدرسا للغتين العربية والفرنسية بمدرسة الأقباط بحارة السقائين ثم ناظرا لها، حتى أحيل إلى المعاش عام 1916، ومات عام 1934 عن عمر يناهز الثامنة والسبعين.
6
وعندما مات رثاه صديقه عزيز بشاي بقصيدة مطلعها:
7
زميل الصبا ودعت فيك صبابتي
وعهد شبابي الغض والمرح الجم
لقد كنت لي عند الملمة شافيا
وكنت دواء القلب والروح والجسم
دعوتك في الدنيا فلبيت صاغرا
تكفكف من دمعي وتدفع من همي
وفيا إذا قل الوفاء وصاحبا
إذا حل ذو حرب وأدبر ذو سلم (2) نشأة المدارس
أول مدرسة ظهرت في مصر في العصر الحديث كانت مدرسة الهندسة، التي أنشأها محمد علي باشا بالقلعة في سبتمبر 1820، وكان يدرس فيها اللغة الإيطالية والهندسة أحد القساوسة، أما الخواجة قسطي فكان فيها معلما للرياضة والرسم. وفي يوليو 1825 تم افتتاح المدرسة الجهادية بالقصر العيني، وكان ناظرها أحمد خليل. وفي فبراير 1827 افتتحت مدرسة الطب بأبي زعبل، وكان ناظرها كلوت بك. ثم توالى بعد ذلك افتتاح الكثير من المدارس في مصر.
8
ومن الجدير بالذكر أن أول مدرسة افتتحت في مصر للنصارى كانت للطائفة الأرمنية عام 1828، وهي مدرسة كالوسديان ببولاق، ثم توالى افتتاح المدارس بعد ذلك، ومنها مدرسة المرير كورد المجانية لجمعية ديفيل دي لاشارتيه الفرنسية سنة 1844 بالإسكندرية، ومدرسة دام ديبون باستير بشبرا عام 1846، التي أنشأتها جمعية بون باستير، ومدرسة سانت كاترين بالإسكندرية عام 1847، التي أسستها جمعية الفرير. وفي عام 1847 أيضا أسست الجالية اليونانية مدرسة توستسا بشارع جامع مسجد العطارين بالإسكندرية. وفي العام نفسه أنشأت جمعية الفرير مدرستين؛ الأولى: مدرسة سانت فام بشارع الرملي، والأخرى: مدرسة سان جوزيف بشارع الموسكي.
9
ومما سبق نلاحظ أنه لم يتم خلال حكم محمد علي باشا افتتاح أية مدرسة للأقباط في مصر، وأن جميع مدارس النصارى التي افتتحت كانت خاصة بالجاليات الأجنبية المقيمة في مصر، أو كانت تابعة لبعض الجمعيات الدينية الأوروبية. ولكن في عهد سعيد باشا تغير الحال، حيث ظهر أبو الإصلاح البطريرك كيرلس الرابع،
10
الذي أنشأ أول مدرسة للأقباط في مصر، وهي مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية بجوار البطرخانة عام 1855، وكان يقبل التلامذة فيها ويصرف لهم الكتب والأدوات المدرسية مجانا، وكان يباشر التعليم بنفسه، فلا يمر عليه يوم لا يتفقد فيه حالتها مرة أو غير مرة. ولزيادة الاعتناء بها اتخذ له محفلا فيها، فإذا أتى إليه زائر من الأجانب أو غيره من ذوي المعرفة باللغات والعلوم وطرق التعليم كلفه بزيارة المكاتب وفحص التلامذة وإبداء ملاحظته فيما يعود إلى تحسين حالتها وتسهيل طرق التعليم فيها.
11
وهذه المدرسة بدأت أول عهدها بمائة وخمسين تلميذا، ثم قام أبو الإصلاح بفتح أبوابها أمام كافة المصريين دون التفريق بين عقيدتهم أو مذهبهم أو دياناتهم. فنجد عدد التلاميذ في هذه المدرسة عام 1875، بلغ 379 منهم 302 من الأقباط و16 من المسلمين! ومن الواضح أن هذه المدرسة في عصر الخديوي إسماعيل لاقت كل تعضيد واهتمام، والدليل على ذلك مقالة كتبها القمص فيلوثاؤس رئيس مدارس الأقباط بمصر عام 1871 بعنوان «المآثر السنية في توطيد الدعايم التمدنية»، واصفا فيها الاحتفال بامتحان هذه المدرسة. ومما جاء فيها:
إنه من سجايا عظمة خديوينا الأكرم، ومكارم جلالة عزيزنا الأفخم، وجنوح جوانحه لنجاح العلوم، وانعطاف عواطفه لخير العموم، تعلقت إرادته السامية وتوجهت عنايته السنية الكافية بإرماق مدارسنا القبطية بلواحظ الامتنان، غامرا إياها بمناهل الجود والإحسان.
ومما أنعم - لدوام توطيدها وإصلاحها ونجاحها وتأييدها - امتحان تلامذتها امتحانا سنويا حافلا بأشرف رجال حكومته، مجللا بكواكب دولته. وعلى هذا الأثر انتظم عقد الامتحان العام بهذا العام في جيد الهناء والسرور والابتسام ... في المدرسة الكبرى بدار البطريركية بعد أن التأمت داخلها تلامذتها لاستقبال سعادة الذوات الكرام ... حضرة المولى الأستاذ شيخ الجامع الأزهر مفتي أفندي الديار المصرية، وحضرة العلامة مفتي مجلس الأحكام القطرية، وحضرات الذوات الكرام: سعادتلو شريف باشا ناظر الداخلية، وسعادتلو إسماعيل باشا صديق ناظر المالية، وسعادتلو عبد الله باشا رئيس مجلس شورى النواب، وسعادتلو حافظ باشا ناظر الدائرة السنية الرفيع الجناب، وسعادتلو بهجت باشا ناظر المدارس والأشغال الميرية، وسعادتلو أحمد باشا صادق محافظ مصر، وسعادتلو ثابت باشا وكيل الداخلية، وعزتلو محمد بك سيد أحمد ناظر قلم عربي الداخلية كاتب سر المجلس الخصوصي الأكرم، وعزتلو مصطفى بك وهبة كاتب سر مجلس شورى النواب الأفخم، وعزتلو إسماعيل بك الفلكي ناظر المهندسخانة والرصدخانة، وعزتلو السيد بك صالح مأمور إدارة المدارس الميرية المصانة، وعزتلو شافعي بك رئيس مدرسة الطب الشهير، وسيادة السيد المطران وكيل البطركخانة الكلي الاحترام.
ومذ شرف كل في مكانه وأخذ افتتاح الامتحان في إبانه، وكان المترأس عليه من أجزل المولى نعمه لديه سعادة الأستاذ رفاعة بك رافع الشائع سني صيته الذائع، تقدم التلميذ الابتدائي تاليا خطبة استفتاحية من قلم مصطفى أفندي رضوان خوجا أول فرنساوي ذي الفصاحة الألمعية، وكان التلميذ يوسف وهبه أفندي النجيب الذي أجاب فيما سئل بإيضاح اللفظ والمعنى المصيب، وتلاه التلميذ يسي أفندي عبد الشهيد الغصن البارع المجيد.
وبعد أن استتم فحصهما في العلوم النحوية والحسابية والجغرافية واللغات الفرنساوية والإنكليزية والقبطية، وشرحا الصدور بما أحسنا من الإجابات بادرت الداعي، وتليت خطبة تشكرية ... وفي الجلسة الثانية من الامتحان بوشر فحص أوائل الغلمان مبتدئا بالتلميذ البارع قليني يوسف عبد الشهيد وحنين عبد الملك الغصن المجيد، وتلاه أحمد مصطفى والتلميذ إسكندر قزمان غصن النجابة الفريد. وفي تلك الجلسة تليت خطبة من قلم برسوم أفندي إبراهيم نجل المدرسة ومعلم نحو وفرنساوي الآن بالصغرى والكبرى القبطي القويم حتى ختم ذلك اليوم بما شرح صدور القوم، وتلاه اليوم الثاني مبتدئا فيه بخطبة من قلم تادرس أفندي إبراهيم غصن المدرسة الزاهر المشهور في الترجمة الفرنساوية والإنكليزية البارع الماهر، وهكذا اليوم الذي بعده والامتحان جار على همته وجده إلى أن فحص جميع التلاميذ.
12
ويؤخذ من هذا الوصف عدة ملاحظات، منها؛ أولا: أن مدرسة الأقباط كانت مدرسة معترفا بها من قبل وزارة المعارف، وتدخل ضمن نطاقها، حتى ولو كانت معانة من قبل طائفة الأقباط، بدليل إشراف رفاعة رافع الطهطاوي على امتحانها. ثانيا: كان الاهتمام بها من قبل الخديوي والحكومة لا يقل عن الاهتمام بأية مدرسة أخرى، بدليل هذا الكم الهائل من المسئولين ممن حضروا هذا الامتحان من الوزراء ووجهاء الحكومة. ثالثا: حضور شيخ الأزهر، مما يعكس مدى التسامح الديني الذي كان منتشرا في هذا الوقت. رابعا: التعرف على المواد العلمية التي كانت تدرس في هذه المدرسة، وهي النحو والحساب والجغرافيا واللغات الفرنسية والإنجليزية والقبطية. خامسا: وجود مسلمين ضمن تلاميذ وأساتذة هذه المدرسة، مثل: الطالب أحمد مصطفى، والأستاذ مصطفى رضوان. سادسا: وجود مدرستين قبطيتين في هذا الوقت؛ كبرى وصغرى، فالكبرى هي مدرسة الأقباط بالأزبكية، وأما الصغرى فهي مدرسة الأقباط بحارة السقائين، كما سنرى.
ومن الجدير بالذكر، أن هناك مدرسة قبطية ثالثة تم افتتاحها عام 1867، وهي مدرسة المحاسبة القبطية. وهي مدرسة خاصة داخلية كان ناظرها المسيو ليونار الذي كان ناظرا أيضا على مدرسة السواري بالعباسية. وهذه المدرسة، كانت تنفق عليها وزارة المالية، ولم تكن معانة من قبل الأقباط. وهذه المدارس جميعا كانت خاصة بالبنين. أما بالنسبة لمدارس البنات، فمن المعروف أن أول مدرسة بنات للمسلمين كانت مدرسة السيوفية، التي عرفت فيما بعد بالسنية. وقد افتتحت عام 1873، وكان بها 334 طالبة، وهي مدرسة ابتدائية لتعليم الأشغال اليدوية، وكانت برعاية حرم الخديوي وعلى نفقتها الخاصة. أما ناظرتها فكانت السيدة روزة، ومديرها كان حسن صالح. ومن الملاحظ أن طائفة الأقباط كانت السباقة إلى افتتاح مدرسة للبنات قبل ذلك، حيث افتتحت أول مدرسة قبطية للبنات بصفة عامة في أسيوط عام 1868، وكانت مصاريفها على الأوقاف القبطية .
13
وأمام هذا الانتشار للمدارس القبطية في مصر، استطاع كيرلس الرابع أن يستأذن سعيد باشا بالتحاق خريجي المدارس القبطية بالمدارس الأميرية العليا كمدرسة الطب وغيرها، فكان له ذلك. وفي عام 1867 تبرع الخديوي إسماعيل باشا بمائة وخمسين فدانا من جفلك الوادي
14
كوقف للمدارس القبطية، بالإضافة إلى مائتين من الجنيهات سنويا. فخرج من هذه المدارس مجموعة كبيرة من المتعلمين، الذي عملوا في مصلحة السكك الحديدية والبنوك، سواء أكانوا من الأقباط أو من المسلمين، الذين وصلوا إلى أعلى المناصب السياسية، أمثال: بطرس غالي، وقليني فهمي، وكامل عوض سعد الله، وعبد الخالق ثروت، وحسين رشدي، ومحمود عبد الرازق.
15
مدرسة حارة السقائين
حارة السقائين المتفرعة من شارع الشيخ ريحان بمنطقة عابدين بالقاهرة، إحدى أشهر الحارات المصرية، كحارة النصارى وحارة اليهود، والتي ما زالت موجودة حتى الآن، مع احتفاظها بالاسم نفسه دون أي تغيير أو تبديل! فقد ذكرها السخاوي في كتابه «الضوء اللامع»، وذكرها الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار» باسم حارة السقائين. أما ابن الجوزي فقد ذكرها باسم «درب السقائين» في كتابه «المنتظم» عند الحديث عن أحداث عام 426 هجرية، وقال: إنها قريبة من سوق السلاح!
16
وكان يقطن هذه الحارة قديما عمال امتهنوا مهنة بيع الماء (السقا)، ولعل موقعها قديما أيام فيضان النيل كان مناسبا لهذه المهنة، حيث يتجمع ماء الفيضان ويثبت قرب الحارة على هيئة بركة، وبالتالي يترسب ويتخلص من شوائبه بصورة طبيعية، مما يسهل على السقائين تعبئة قربهم الجلدية، وبالتالي توزيع الماء على بيوت الأهالي. وفي ذلك يقول المقريزي في كتابه «المواعظ والاعتبار»: «وكان جهة القاهرة القبلية من ظاهرها ليس فيها سوى بركة الفيل وبركة قارون، هي فضاء يرى من خرج من باب زويلة عن يمينه الخليج وموردة السقائين، وكانت تجاه باب الفتوح.»
17
ومن الجدير بالذكر أن المثل الشعبي «يبيع الماء في حارة السقائين»، كان من الأسباب المهمة لشهرة هذه الحارة، وبقاء اسمها حتى الآن.
ومن الجائز أن أغلب من امتهنوا مهنة السقاء كانوا من الأقباط؛ لأن هذه الحارة في منتصف القرن التاسع عشر كانت تجمعا لطائفة الأقباط. وعندما قام أبو الإصلاح كيرلس الرابع بإنشاء مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، لاحظ أن مجموعة كبيرة من طلابها يأتون من مناطق بعيدة، خصوصا أقباط حارة السقائين، فأشفق عليهم، فأنشأ مدرسة وكنيسة هناك، ولم يكن بها من قبل كنيسة، وأناط المرحوم حنا أفندي القسيس بملاحظتها وتقديم ما يلزم لها من المعدات والأدوات، وكان حنا أفندي هذا من أفاضل القوم الغيورين، ولم يكتف جناب البطريرك بذلك، بل كان يزورها ويفحص حالتها مرة في كل أسبوعين على الأقل، فضلا عن تكليفه معلمها الأول بتعريفه عن حالتها وكيفية سيرها أول بأول.
18
وقد تم افتتاح كنيسة الأقباط بحارة السقائين أولا، ثم تم إنشاء مدرسة الأقباط الصغرى بعد ذلك بقليل، وتحديدا في عام 1857، لتكون نموذجا مصغرا من مدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، مطابقة لها في نظم التدريس. وكان بعض المدرسين يتناوبون التدريس في المدرستين، كما لاحظنا في مقالة وصف الامتحان السابقة. وفي عام 1875 كان عدد التلاميذ بمدرسة حارة السقائين 74 تلميذا، الأكثرية من الأقباط، والأقلية من المسلمين.
19
وقد تتلمذ في هذه المدرسة بطرس باشا غالي رئيس النظار ثماني سنوات، وعندما تخرج عمل بها أستاذا براتب قدره 700 قرش، وكان ناظر المدرسة وقتها يعقوب بك نخلة روفيلة.
20
ومن العجيب أن كنيسة الأقباط بحارة السقائين، ما زالت موجودة حتى الآن في موضعها، الذي بناها فيه أبو الإصلاح كيرلس الرابع، وهي كنيسة الملاك غبريال، التي ما زالت تؤدي دورها الديني! والعجب العجاب أن مدرسة الأقباط ما زالت موجودة وشامخة بجوار هذه الكنيسة بحارة السقائين أيضا، منذ أن بنيت عام 1875! ولكن بكل أسف موجودة كأطلال لا حياة فيها، حيث توقفت عن رسالتها التعليمية منذ سنوات قليلة، حيث تم إغلاقها كمدرسة تعليمية قبطية، وتفرق طلابها على بقية مدارس إدارة عابدين التعليمية، منذ عام 1998 فقط!
ففي صباح أحد أيام شهر يونيو 2004 ذهبت إلى حارة السقائين المتفرعة من شارع الشيخ ريحان بعابدين بالقاهرة، وهي حارة ضيقة نوعا ما، رغم امتدادها المتعرج الطويل، فوجدت بها كنيسة الملاك غبريال، وهي الكنيسة الوحيدة الموجودة في الحارة، وبابها الحديدي القديم كتب في أعلاه أن الكنيسة تم تجديدها عام 1882، وعندما دخلتها وجدت ساحة صغيرة فارغة، على يسارها مبنى الكنيسة الأساسي، وهو مبنى أثري قديم، رغم بعض التجديدات التي شوهت جماله التراثي القديم من الخارج. وعلى يمين الساحة مبنى من طابقين، وهو مبنى المدرسة القبطية التي أغلقت من ست سنوات. وطابقها الأول أو الأرضي مستغل الآن كحضانة، أما طابقها الثاني أو العلوي فمهجور ومغلق، ومنعت من صعوده أو رؤية ما بداخله من قبل العاملين بحراسة الكنيسة، الذين أخبروني بأن المدرسة كانت متكون من ثلاثة طوابق، وتم هدم الطابق الثالث منذ مدة ليست بالطويلة. كما وجدت في الساحة، صورتين كبيرتين زيتيتين مرسومتين، تم تعليقهما على الجدار الخارجي للطابق الأرضي من المدرسة. الأولى لقداسة الباب كيرلس الرابع، ومكتوب أسفلها: البطريرك رقم 110 وتاريخ تقليده للبطريركية من 17 / 4 / 1853 إلى 30 / 1 / 1861، والأخرى لقداسة البابا كيرلس الخامس، ومكتوب أسفلها أيضا: البطريرك رقم 112 وتاريخ تقلده للبطريركية من 1 / 11 / 1874 إلى 7 / 8 / 1927.
وشعرت بفرح شديد عندما علمت أن مدرسة الأقباط بحارة السقائين، التي عمل بها تادرس وهبي مدرسا فناظرا لها، كانت تؤدي رسالتها التعليمية حتى 1998. فهذا يعني أن إدارة عابدين التعليمية التي كانت المدرسة تابعة لها، تعلم عن المدرسة شيئا أو عن تاريخها أو أو ... إلخ. فذهبت في اليوم نفسه إلى المسئولين في إدارة عابدين، ويا ليتني ما فعلت! فعندما كنت أسأل أحدهم عن هذه المدرسة، التي أغلقت منذ ست سنوات، كان يقول: «ياه! من ست سنين وجاي تسأل عنها دلوقتي!» فيا ترى ماذا سيكون رده لو علم أنني أبحث عنها من أجل أستاذ وناظر، كان يعمل فيها منذ مائة وعشرين سنة!
وبعد مشقة كبيرة، أخبرني أحد الموظفين بأن أذهب إلى إدارة المباني بالإدارة التعليمية، لعلني أجد إجابة عن هذه المدرسة. فذهبت ولم أجد من يستمع لي! فقال آخر: اذهب إلى إدارة كذا، ولم أجد غير الضحك والسخرية، عندما أبنت أنني أبحث عن ناظر لهذه المدرسة كان يعمل منذ أكثر من قرن مضى، فرد علي أحد الموظفين: «طيب اسأل عنه، مش يمكن يكون لسه عايش؟» ... إلخ التعليقات المحبطة! حتى لاحظت إحدى الموظفات، واسمها يدل على أنها نصرانية، قالت لي: اذهب إلى البطرخانة بالعباسية؛ لأن هذه المدرسة كانت معانة من قبل الأقباط، فاستحسنت رأيها الذي أثلج صدري بعد يأس كبير.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى البطرخانة بالعباسية. والحق يقال، فقد تم استقبالي على أحسن وجه ممكن أن يقابل به أي مواطن من قبل الموظفين! وقابلت شخصين يعملان في سكرتارية ديوان البطرخانة، وشرحت لهما الموقف كله، وأنا في حرج شديد باعتباري أحد المسلمين، يريد أن يكتب عن أحد النصارى! والحقيقة أن استقبالهما وحوارهما معي أزال هذا الحرج، وشعرت للمرة الأولى بمعنى التسامح الديني بين المسلمين والنصارى بصورة عملية! وعندما علما بموضوعي، راح كل فرد منهما يبحث في أوراقه وملفاته عن خيط يؤدي بنا إلى معرفة المزيد عن تادرس وهبي، ولكن بكل أسف دون جدوى! فعلى سبيل المثال، تم البحث في كشف المقابر القبطية في مصر، لعلنا نجد مقبرة باسمه، ومن خلالها نعلم من هم ورثته أو أولاده، ولكننا فشلنا في هذا. وذهب أحدهما إلى رئيس الديوان لعله يعلم شيئا عن هذا الرجل، دون جدوى أيضا. وفي النهاية أخذ الموظفان عنواني وطرق الاتصال الخاصة بي، لعلهما يجدان شيئا مفيدا قريبا، فيسارعان بإخباري به. ولكن للأسف حتى كتابة هذه السطور لم يصلني أي شيء منهما!
هذه هي قصتي مع مدرسة الأقباط بحارة السقائين، أردت ذكرها بصورة تفصيلية ليشعر القارئ بقيمة وأهمية التاريخ الذي يضيع بين أيدينا، وليشعر أيضا مدى المعاناة التي يتكبدها الباحث وراء المعلومة. فكنت أتمنى أن أجد كل شيء عن هذه المدرسة، حتى تكون خلفية لدور تادرس وهبي، والذي عمل أستاذا وناظرا لها منذ مائة وعشرين سنة، ذلك الدور الكبير، الذي سنحاول التعرف عليه من خلال مؤلفاته.
مؤلفاته
أجمعت بعض المراجع التي كتبت عن تادرس وهبي - بصورة مقتضبة جدا - أن مؤلفاته تتمثل في الكتب الآتية: «الأثر الجليل في رثاء إسماعيل»، «الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس»، «بهجة النفوس في سيرة أرتيينيئوس»، «تاريخ مصر مع فلسفة التاريخ»، «التحفة الوهبية في اللغة الفرنسية»، «الخلاصة الذهبية في اللغة العربية»، «الدر الثمين في تاريخ المرشال طورين»، «الدروس الابتدائية في اللغة القبطية»، «ديوان شعره وخطبه»، «رسالة الاختراعات الحديثة»، رواية «تليماك»، «العقد الأنفس في ملخص التاريخ المقدس»، «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، «كتاب في فنون الأدب»، «مرآة الظرف في فن الصرف».
1
وعلى الرغم من كثرة هذه المؤلفات، إلا أن هناك مؤلفات أخرى لم تذكرها هذه المراجع، مثل كتاب: «ترجمة الأمير الجليل المرحوم عريان بيك أفندي». ومهما يكن من الأمر، فأغلب هذه المؤلفات مفقود، ولا وجود له على الإطلاق! فقد أصبحت معظم هذه المؤلفات مجرد أسماء محفوظة في بعض المراجع! ولا نعلم فحواها ولا تفاصيل صفحاتها العتيقة! والبقية الباقية من أسماء هذه المؤلفات، والتي ما زالت محفوظة بفهارس بدار الكتب المصرية، ما هي إلا مجرد بطاقات تحمل أسماء هذه الكتب، وغير مسموح بتصويرها، رغم وجودها الفعلي، بسبب قدمها وتآكلها، وعدم صلاحيتها للتصوير!
وأمام هذا الأمر، بذلت جهدا كبيرا بمساعدة الدكتور سامح مهران رئيس المركز، والأستاذ رضا فريد يعقوب مدير إدارة التراث بالمركز، ومساعدته الأستاذة رانيا عبد الرحمن، للحصول على إذن كتابي بتصوير بعض مؤلفات تادرس وهبي، بكاميرا خاصة، بعد مكاتبات ومراسلات رسمية كثيرة! وبسبب هذا العناء، ولثقتي الكبيرة في استحالة تكرار هذه المحاولة من قبل الباحثين في المستقبل، سأصف هذه المؤلفات مرتبة حسب تاريخ نشرها. مع ذكر أغلب مقدماتها ومدائحها وتقاريظها الواردة فيها، ما عدا وصف مسرحية «يوسف الصديق»، الذي سيحتل الصفحات الأخيرة من هذه الدراسة. (1) كتاب في النحو
ألف تادرس أفندي وهبي، عندما كان مدرسا للغتين العربية والفرنسية بمدرسة حارة السقائين، كتابا مدرسيا، أطلق عليه اسم «الخلاصة الذهبية في اللغة العربية»، ونشره في يونيو عام 1875، ولعله أول كتاب يؤلفه. وقد كتب إبراهيم عبد الغفار تصديرا لهذا الكتاب، قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الواهب العطية، والصلاة والسلام على خير البرية. أما بعد ... فالإنصاف نصف الدين، والتعسف من شأن المتعنتين، وأداء الشهادة أمر واجب ولو مع اختلاف الدين . فمنح الشهادة الخالصة لكل ذي فضيلة علمية أو أدبية من شيم أرباب الأخلاق المرضية. ولذا سوغ لي الميل إلى الرجوع إلى الحق في الجملة - بقطع النظر عن الاختلاف في الجنس والملة - أن أهنئ الشاب النجيب البارع الأديب، الآخذ من الاجتهاد العلمي بنصيب، حتى انتظم في سلك معلمي اللغة العربية، وصار ذا فكر مصيب وسير جميل عن مهارته ينبي، جناب تادرس أفندي وهبي معلم اللغتين الفرنساوية والعربية بإحدى مدارس الأقباط المصرية، بأنه قد أجاد في تأليف هذه الرسالة، بفكرته الذكية السيالة، حيث أبرز فيها كثيرا من قواعد النحو، على صورة السؤال والجواب، غير حائد عن طريق الصواب. فهي رسالة مختصرة مفيدة، ذات فوائد ابتدائية عديدة، نافعة لكل طالب، بغية لكل راغب، فناهيك به باذلا نفسه لنفع أبناء جنسه. وحيث إن هذه منفعة قدمها بيديه، فلا بأس بإدخال السرور عليه، فهو ممدوح على هذه الفعلة، ولا يذمه إلا ذو غفلة. والحمد لله في البدء والختام، والصلاة والسلام على أشرف الأنام، محمد وآله وصحبه الكرام، ما طلعت ذكاء، ودرجت الظباء. قاله بلسانه، وكتبه ببيانه، راجي غفر الأوزار، إبراهيم عبد الغفار.
ومما يلاحظ على هذا التصدير، شيوع السجع والصنعة اللفظية في أسلوب كتابته، وهو أسلوب شائع في كتابات القرن التاسع عشر. كما أن كاتبه من المسلمين، ولعله أحد المشاهير المغمورين. ومن المحتمل أنه كان مدرسا للعلوم العربية، بدليل كتابته لتصدير خاص بكتاب في علم النحو. ومن أهم ما جاء في هذا التصدير أسلوب التسامح الديني الذي أوضحه الكاتب؛ حيث أكد على أن شهادته بنبوغ ومهارة المؤلف شهادة حق وإنصاف رغم اختلاف الملة والدين.
أما تادرس وهبي، فقد كتب مقدمة لكتابه هذا، قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الفاعل المختار، الذي بيده الرفع والخفض، وهو العزيز القهار. أحمده حمدا يعرب عن صدق حب، سلم جمعه من التكسير، وأشكره شكرا تحرك عوامله ما سكن في صميم الضمير. وأصلي وأسلم على خيار الأنبياء والمرسلين، الذين خفضوا جناهم لمن اتبعهم من المؤمنين. أما بعد، فإنه لشمول العدالة الخديوية كل حاضر وباد، وانتشار فضائلها على كافة العباد، وإشراق الديار المصرية بأنوار العلوم والمعارف، وتعزيزها بالمنافع واللطائف. ففضائلها ظاهرة لا تنكر، وفواضلها الزاهرة أجل من أن تذكر. ولكوني ممن غمرته هذه المراحم، وشملته تلك المكارم، أحببت أن أقدم خدمة لأبناء وطني المصريين، ولا سيما الأمة القبطية، الآخذة بالعناية الخديوية في أسباب التمدين. فوضعت هذه النبذة اللطيفة، والنخبة المختصرة المنيفة، وجعلتها عن طريق السؤال والجواب، لتسهيل تناولها على الطلاب، متجنبا فيها التقصير المخل، والتطويل الممل، مع فوائد جمة وزوائد مهمة، فجاءت بحمد الله في فن النحو واسطة عقده وخلاصة نقده، وسميتها الخلاصة الذهبية في اللغة العربية. وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الملك المعبود، فأقول وعلى الله القبول.
ومما يلاحظ على هذه المقدمة - بخلاف إشادة تادرس وهبي باهتمام الخديوي إسماعيل بالمدارس القبطية، وإنعامه عليها ورعايته لها في هذا الوقت - شيوع الأسلوب الإسلامي فيها! فكفى بتادرس وهبي أن بدأ خطبته بالبسملة، ثم استخدم أسماء الله الحسنى (العزيز القهار). كما أن قوله «وأصلي وأسلم على خيار الأنبياء المرسلين»، قول لا ينطبق إلا على محمد
صلى الله عليه وسلم ، على الرغم من عدم ذكر اسمه صراحة. هذا بالإضافة إلى استخدامه معاني بعض الآيات القرآنية، عندما قال: «الذي بيده الرفع والخفض»، وهذا القول مأخوذ من معاني آيات قرآنية كثيرة، منها على سبيل المثال:
قوله تعالى في الآية رقم 32 من سورة «الزخرف»:
أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون . وكذلك الآية رقم 11 من سورة «المجادلة»:
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير . وأخيرا الآية رقم 165 من سورة «الأنعام»:
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم .
وبعد الانتهاء من المقدمة ، يجد القارئ فصول الكتاب وموضوعاته النحوية المختلفة، والتي عرضها المؤلف عن طريق السؤال والجواب. ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال؛ س: ما حد علم النحو؟ ج: حده أنه علم بأصول تعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء. س: إلى كم قسم تنقسم الكلمة؟ ج: إلى ثلاثة أقسام؛ اسم، وفعل، وحرف. س: إلى كم قسم ينقسم المبني؟ ج: إلى أربعة أقسام؛ مبني على الكسر، ومبني على الفتح، ومبني على الضم، ومبني على السكون ... وهكذا حتى ينتهي الكتاب. وهذا الأسلوب يعتبر أسلوبا جديدا في الكتابات النحوية الحديثة، ويعتبر تادرس وهبي ثالث من شرحوا النحو لطلاب المدارس بأسلوب السؤال والجواب في العصر الحديث.
2 (2) ترجمة عريان بك
في منتصف عام 1888 نشر تادرس وهبي - عندما كان ناظرا لمدرسة حارة السقائين القبطية - كتيبا صغيرا من اثنتي عشرة صفحة من القطع الكبيرة، بعنوان «ترجمة الأمير الجليل المرحوم عريان بك أفندي»، وذلك في المطبعة الكبرى العامرة ببولاق مصر القاهرة، كما جاء في نهاية الكتيب! وهذا العمل عبارة عن ترجمة عريان بك، والحديث عن وفاته وجنازته وتأبينه. وكأن الكتيب عبارة عن رثاء لهذا الفقيد، الذي توفي في فبراير من العام نفسه. ونعلم من الترجمة أن عريان بك هو ابن تادرس عريان باش محاسبجي المالية المصرية، ابن المعلم عريان إسحاق الوزان بدار الضرب العامرة بمصر، ابن المعلم إسحاق إبراهيم الخناني كاتب يد علي بك الذي كان والي مصر قبل دخول الفرنسيس. وعريان بك صاحب الترجمة ولد بالقاهرة سنة 1832، وقد التحق بالخدمة الأميرية كرئيس قلم في الحكمدارية السودانية في عهد عباس باشا حلمي الأول، ثم باشكاتب ضبطية الإسكندرية، ثم رئيس قلم بمحافظة مصر، ثم التحق بنظارة المالية. وفي سنة 1872 عمل باشكاتب مديرية الغربية، وفي 1878 عمل باشكاتب نظارة المالية، ثم استقال سنة 1884، وقبل وفاته انتخبته حكومة نوبار باشا للنظر في حسابات عموم الأوقاف، ولكنه أصيب بداء النقطة المخية في أواخر يناير 1888، ومات في أول فبراير 1888، وكانت جنازته يوم 10 / 2 / 1888، ورثاه تادرس وهبي بك بقصيدة قال فيها:
3
غلاف كتاب ترجمة عريان بك.
ما بال سوق النوى قامت على قدم
ولج حادي الجوى في موقف السدم
وأصبحت مقل الآمال سائلة
تذري عقيق المآقي من وريد دم
وعيل صبر المعالي في الوجود على
ذبول روض الحجى والجود والحكم
وكيف لا ورحى الأقدار دائرة
على مدار أولي الأقدار والهمم
يا طالعا في سماء المجد قد أفلت
أنواره فدجا ليل من الظلم
وخاتلته الليالي بعدما جدحت
يد الصروف له كأسا من السقم
لقد أتاك الردى يسعى على عجل
كما سعى قبل في عاد وفي إرم
فكنت أكرم من لبى وفاز بما
يروم في العالم الباقي من النعم
ما حيلة العبد والآجال ظامئة
إلى ورود حياض الموت والهرم
ما حيلة العبد والآمال ما برحت
تهدي إليه نقيع السم في الدسم
فاربأ بنفسك يا ابن الأكرمين فما
هذي الحياة سوى طيف من الحلم
وكن على حذر مما يسوء وإن
أحسنت ظنك بالأيام فاتهم
واستور زند الجوى في كل جارحة
واصدع بما جاء في الشكوى من الكلم
واشرح حديث رثائي في أخي ثقة
جد الرحيل به في مهيع العدم
لا أوحش الله من إيناسه وطنا
لم يأل فيه عن المأثور من خدم
ولا نبا سيف جد كان يرهفه
لكي يذود به عن حوزة الذمم
ولا تداعى فناء الفضل منه ولا
شن الفناء عليه غارة الألم
ولا ألم به الداء العياء إلى (أن اشتكت قدماه الضر من ورم)
وفارق الآل والأصحاب مرتقيا
إلى جوار الإله البارئ النسم
فأي قلب عليه غير منصدع
وأي دمع عليه غير منسجم
يا سائلا عن علاه وهو نادرة
لله درك قد أنصفت فاحتكم
لا تطلبن له ندا يساجله
ولا تطف لسواه اليوم في حرم
عزم وحزم وآثار وفيض ندى
وعزة صدرت عن مورد الشمم
وا ضيعتاه وقد سارت جنازته
في مشهد يدهش الألباب مزدحم
وشقت الأرض يوم الأربعاء له
وكل صدر بسهم النائبات رمي
فيا فؤاد علاه ذب عليه أسى
وكن كما أنت في بؤس وفي ندم
ويا شقيق حلاه لا ترم شططا
فهذه عادة الأيام من قدم
والصبر في كل رزء عز موقعه
يحلو وإن مر عند الحازم الفهم
وأنت خير امرئ ترضى حكومته
ولست فيما قضى الرحمن بالحكم
واذكر - فديتك - إن أوتيت مقدرة
ما قاله فيك رب السيف والقلم
عزيز مصر أبو العباس من بسقت
فروع أفضاله من دوحة الشيم
وافخر بها منة كبرى وكن رجلا
وبالولاء له يا سيدي اعتصم
واصبر على مضض البلوى وإن فتكت
بمن فقدت المنايا فتك مجترم
لا زال يروي ثراه غيث مكرمة
ينهل صيبه من عارض الديم
ما قال شادي معاليه يؤرخه
عريان مات حليف العز والكرم [عريان = 331، مات = 441، حليف = 128، العز = 108، والكرم = 297]
1305 هجرية
ومن الملاحظ أن تادرس وهبي أرخ لهذه القصيدة بعام وفاة عريان بك عن طريق حساب الجمل، كما هو واضح من الأرقام والتاريخ أسفل الشطرة الأخيرة، علما بأن سنة 1305 هجرية توافق سنة 1888 ميلادية. كما يلاحظ أيضا استخدامه معاني الآيات القرآنية في قوله:
لقد أتاك الردى يسعى على عجل
كما سعى قبل في عاد وفي إرم
وهو المعنى المأخوذ من قوله تعالى، في الآيتين السادسة والسابعة من سورة «الفجر»:
ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد . وقد اختتم تادرس وهبي هذا الكتيب أو هذا الرثاء بقصيدة مدح لباسيلي بك، شقيق عريان بك المترجم له، قال فيها:
ليل دعواي في الصبابة حالك
فتلطف يا قلب في عرض حالك
وترافع مع الغرام وحاذر
من محام يطيش سهم جدالك
بأبي من علقت أحور أحوى
لج في الصد وهو وعر المسالك
قلت يوما وقد أحب خلافي
هل تلونت في شروط وصالك
يا قليل الإنصاف كم أتقاضى
منك دين الوفاء خوف مطالك
ما الذي ضر لو بعثت رسولا
ولو ان الرسول طيف خيالك
قال ويك اتئد إذا كنت صبا
واقتعد غارب الهدى في فعالك
صاحب الشأن لو يبوح بشكوى
فهو في الشرع لا محالة هالك
فتنازل عما ادعيت وإلا
فاحتمل في هواي فوق احتمالك
وادفع الشك باليقين وحاول
لك أمرا فقلت وهو كذلك
حسبي الله كم شهود عدول
أيدت في الورى دليل دلالك
يا أخا الشوق ما عهدتك تبدي
محضر الميل في ندي اعتدالك
فاتق الله في فكاك أسير
قد رأى الضيم في سجون ملالك
وترامى به الجنون على ما
صورته له رسوم محالك
وتخلص من النسيب وأوسع
في مديح النسب ذرع مقالك
وتمسك بعروة الصدق تظفر
بثبوت المقصود من آمالك
فرعى الله للأنام مليكا
عز يا مصر نصره في الممالك
شاد في عهده بناة المعالي
بيد الجد ذروة استقبالك
أيهذا الأمير يا من ترقى
في بروج السعود بدر كمالك
أنت أنت المعروف في كل آن
باحتساب المعروف من رأس مالك
أنت والحق يا أبا الفضل أولى
آية الله في مقامات آلك
آل إرث العلا إليك فأكرم
بك من مالك له وابن مالك
لك رأي في المعضلات أصيل
واطلاع ينبي على أعمالك
لا يجاريك في السياسة إلا
من يباريك في فري سجالك
فلئن رق فيك نظمي وراقت
درر الحمد في عقود خلالك
فأنا الآن والولاء غريمي
باخع بالمزيد من أفضالك
ليت شعري ماذا أقول وإني
في قصور عن احتذاء مثالك
فاقض يا سيدي بما أنت قاض
فولاة الآمال من عمالك
وإذا ما ادعى حلاك زنيم
وتعدى القانون يوم نضالك
قل له كف يا دعي وأقصر
ليس يفتى وفي المدينة مالك
ويلاحظ على هذه القصيدة ختامها «ليس يفتى وفي المدينة مالك»، وهو القول المشهور الذي أصبح مثلا يضرب بين الناس. ومالك هذا هو الإمام مالك صاحب أحد المذاهب الإسلامية الأربعة، ومهما يكن من أمر هذه الملاحظات فإن التساؤل الذي يطرح نفسه: من هو عريان بك هذا؟! وما أهميته التي تصل إلى درجة أن تادرس وهبي يخلده في كتيب مطبوع، علما بأن تادرس وهبي لم يطبع رثاء لأحد آخر، غير الخديوي إسماعيل! فمن هو عريان بك الذي طالت قامته عند تادرس وهبي، كي يساويه برثاء الخديوي إسماعيل؟!
الحقيقة أن بحثي عن هذا الشخص لم يسفر إلا عن ظهور احتمالين؛ الأول: أنه أحد أقرباء تادرس وهبي أو من المقربين له، فأراد إظهار مشاعره في هذا الكتيب. والاحتمال الآخر: أن يكون أحد أقطاب اللغتين العربية والقبطية، وأحد معلميها في هذا الزمن، وأنه كان أستاذا لتادرس وهبي في هاتين اللغتين، وكانت له علاقة وطيدة بحفني ناصف أيضا. وهذا الاحتمال يعضده دليلان؛ الأول: ما جاء في كتاب «تاريخ الكنيسة القبطية، ص676» لمنسي القمص، الذي ذكر وفاة عريان بك عام 1888، وقال إنه نبغ في إنهاض اللغة القبطية من كبوتها. والدليل الآخر، عبارة عن بيتين قالهما حفني ناصف تأريخا لوفاة عريان بك عام 1888، تم وضعهما على قبره، وفيهما يقول:
4
لقد هوى في أفق هذا المكان
بدر العلا عريان فخر الزمان
ومذ أتى الجنات أرخته
عريان أضحى في ثياب الجنان (3) كتاب في الصرف
غلاف كتاب: «مرآة الظرف في فن الصرف».
في عام 1889 نشر تادرس وهبي كتابا مدرسيا أيضا، في 104 صفحة من القطع الصغيرة، بالمطبعة الباهرة ببولاق مصر القاهرة، أسماه «مرآة الظرف في فن الصرف». وجاء على غلافه: إنه مصوغ في قالب جديد، يقرب المراد للمريد! وقد ألفه وهبي بك عندما كان ناظرا لمدرسة حارة السقائين القبطية، ومدرسا للإنشاء والعلوم العربية والفرنسية. وقد كتب المؤلف مقدمته بنفسه، قائلا فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله استأثر كماله بصفات الجلال، وتعالت أفعاله عن النقص والإعلال، أحمده جل في بيداء الجود ثناؤه، وتقدست في فضاء الوجود أسماؤه، وأسلم على أنبيائه المرسلين، أرباب الدراية الذين امتازوا بسلامة القلوب، ونشروا في العالمين أعلام الهداية ففازوا بأعظم مطلوب. ثم أبسط أكف الدعاء في محراب الولاء ببقاء الجناب، الذي لهج كل قائل بحديث علاه، وأفاء ظلاله على كل قائل، وهو القائم بأمر الله عزيز مصر «محمد توفيق باشا»، أطال الله أيامه، وأنفذ في كل ما شاء من المقاصد الخيرية أحكامه، ما جد رسل اليراعة في بث العلوم، وتمثلت مثل البراعة في نث الكلوم. أما بعد، فإن العلم أرجح المناصب التي ينافس فيها البعيد والقريب، وأنجح المآرب التي يعض عليها بالنواجذ كل أريب لا يصدر عن موارده إلا كل ذي ذوق سليم ولا يلم بشوارده إلا كل حفيظ عليم ، فهو مطمح أنظار العقلاء أولي الهمم، ومسرح أفكار الفضلاء من الأمم، وإن لهذه اللغة التي أقيم على أساس البلاغة بناؤها، واستضاء بنبراس صناعة الصياغة أبناؤها، لخصائص مشهورة ومحاسن موفورة، لا يرفرف عليها إلا كل مأثور الكعب، ولا يحوم حواليها إلا من استسهل الصعب، فلا غرو وأن أصبح بيتها المحجوج لمن استطاع إليه سبيلا، وخصمها الممجوج ولو جاء بالبينات قبيلا.
ولطالما جست خلال ديارها، واستطلعت الخفي من آثارها، فكنت أود لو أن بعض الجهابذة من الأساتذة، يلتقط من هذه الفنون الدر المختار، ويستنبط السر المصون من ضمير الاستتار، حتى بعث الله من ناظر المعارف أميرا عليا، أقبل عليها إقبال العارف بشئونها مليا، فأساغ بيد الإحسان من غصتها، وجلا خردها الحسان على منصتها، فأفعمت غرائبها النادرة وعاء كل خاطب، بعد أن كانت صفقتها الخاسرة، لا شهدها حاطب. ولقد أماطت المدارس القبطية حجب الالتباس، وسارت في كل حملية وشرطية على هذا القياس، مرموقة بأنظار السند الأكرم الصادع بمأثور اليقين جيد المراء، والبطريرك المعظم الذي لا يحيط بفضله المبين لسان إطراء.
وحيث إني منوط بتدريس هذه اللغة في إحداها، وقد أطلت لتوفير هذه البلغة
5
في كل شأو مداها، عن لي أن أشرح صدر الصدور، وإن كنت في قصر من القصور، فاستوعبت فرائد الجزالة في ظرف، وألفت هذه الرسالة في فن الصرف، فجاءت ولله الحمد سهلة الترتيب، واضحة التبويب، عقبت جميع فصولها بفوائد جديدة، وعوائد صلات موصولها مفيدة، أوردت فيها من الحكم المشروعة آيات، ومن الأحاديث المرفوعة بينات، وعززتها بالجم الغفير من كلام البلغاء وأمثال الحكماء، مما يحتازه أخو الأرب درا ثمينا، ويكون للإلمام بعلوم العرب ضمينا. وقد وسمت مؤلفي هذا «مرآة الظرف في فن الصرف»، والله أسأل أن يتقبله بقبول حسن، وأن ينفع به أولي الفطن، لا سيما أبناء الوطن، إنه أكرم مسئول وأعظم مأمول.
ولما كان من العادة التي تتأيد بها السعادة، أن من حذا حذو الألباء، ونسج في تأليفه على منوال الأدباء، أهداه لبعض ذوي المآثر المأثورة، والمفاخر المذكورة المشكورة ، ممن يقدر المؤلف وما فيه، ويستطلع بقريحته النقادة وفكرته الوقادة طلع خافيه. وكان الأمير الأصيل، رب المجد الأثيل، صاحب الدولة «عباس بك» ولي عهد مسند الخديوية الشريف، وحامي حمى مصر المنيف، خير من اقتعد في هذا الوقت الحالي، سنام كل غاية، وتلقى عن والده الكريم حديث المعالي، دراية ورواية، تعين علي تقديم هذا الكتاب إليه، وأن أتشرف بعرضه عليه، حتى يفوز بلثم أعتابه، ويكون رسمه بعنوان جنابه، أدام الله إجلاله وكلأ كماله، إنه على ما يشاء قدير، وبإجابة هذا الدعاء جدير.
ويلاحظ على هذه المقدمة، أن المؤلف تحدث بالمدح عن الخديوي توفيق ومآثره الحميدة، وعن ناظر المعارف علي باشا مبارك كذلك، كما أوضح شكره وامتنانه للبطريرك كيرلس الخامس. وأخيرا أهدى كتابه إلى الأمير عباس حلمي الثاني ولي العهد. هذا بالإضافة إلى ما جاء في المقدمة من أن المؤلف كان يتمنى ألا يقحم مجال الصرف ويؤلف فيه كتابا مدرسيا، وكان يتمنى أن يقوم بذلك أحد جهابذة هذا العلم من المعاصرين له! وهذا وإن دل فإنما يدل على أن هذا الكتاب، يعتبر - كنظيره السابق في النحو - من أوائل الكتب المدرسية المؤلفة في هذا العلم في العصر الحديث، إن لم يكن أولها بالفعل.
6
وآخر ما يلاحظ على هذه المقدمة، استمرار تادرس وهبي في الحفاظ على أسلوبه، المعتمد على الاقتباس من معاني الآيات القرآنية، كقوله: «استأثر كماله بصفات الجلال»، وهو معنى مأخوذ من قوله تعالى، في الآية رقم 27 من سورة «الرحمن»:
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . وأيضا قوله: «أصبح بيتها المحجوج لمن استطاع إليه سبيلا»، مأخوذا من معنى الآية رقم 97 من سورة «آل عمران»:
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين . وكذلك قوله: «أشرح صدر الصدور»، فمأخوذ من الآية رقم 25 من سورة «طه»:
قال رب اشرح لي صدري . وأخيرا قوله: «إنه على ما يشاء قدير»، فمأخوذ من آيات كثيرة وردت في القرآن، منها على سبيل المثال الآية رقم 189 من سورة «آل عمران»:
ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير .
وبعد مقدمة الكتاب، كتب المؤلف مقدمة علمية عن بيان علوم الأدب، حيث قسم هذه العلوم إلى أصول وفروع. فمن الأصول ما يبحث فيه عن المفردات مطلقا، وهو ثلاثة أنواع؛ الأول اللغة، وهو علم يبحث فيه عن مفردات الألفاظ الموضوعة من حيث دلالتها على المعاني، وفائدته الاحتراز عن الخطأ في حقائق الموضوعات اللغوية، والتمييز بينها وبين المجازات والمنقولات العرفية. وحكمه أنه من فروض الكفايات، حيث قال بعض الحكماء: اللغة أركان الأدب والشعر ديوان العرب، ولولا اللغة ذهبت الآداب، ولولا الشعر بطلت الأحساب.
والنوع الثاني كان الصرف، وهو علم يبحث فيه عن صور الألفاظ وهيئاتها، وموضوعه الأفعال المتصرفة والأسماء المتمكنة. والنوع الأخير كان الاشتقاق، وهو علم يبحث فيه عن انتساب الألفاظ بعضها إلى بعض من حيث الأصالة والفرعية، وأقسامه ثلاثة؛ صغير وكبير وأكبر. ومن الأصول ما يبحث فيه عن المركبات وهو خمسة أشياء؛ الأول: النحو، وهو علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء. والثاني: المعاني، وهو علم يبحث فيه عن أحوال اللفظ العربي التي يكون بها الكلام مطابقا لمقتضى الحال ... إلخ هذه المقدمة العلمية.
بعد ذلك تبدأ فصول الكتاب، ومنها: ميزان الأفعال المجردة، في مزيدات الأفعال، في أحكام اسمي الفاعل والمفعول والصفة والمشبهة، في أحكام المنقوص والممدود والمقصور من جمع المذكر السالم، في أحكام التصغير، أحكام النسب ... إلخ موضوعات علم الصرف المعروفة. وكان المؤلف يصنع تمرينا مدرسيا للطلاب في نهاية كل فصل، كتدريب عملي على الموضوع أو كواجبات منزلية. وفي نهاية موضوعات الكتاب، أدرج المؤلف قاموسا لغويا لمعنى جميع الكلمات المستخدمة في الكتاب، على نسق المعاجم المدرسية المبسطة. وقد سار في ترتيب الكلمات على نهج القاموس المحيط للفيروزبادي. وكمثال على الكلمات الواردة في هذا القاموس، قوله: «حرب». الحرباء دويبة تستقبل الشمس، وتدور معها حيث دارت، وبها يضرب المثل في التلون. «شعث». الشعث محركة انتشار الأمر، والأشعث اسم رجل ومنه الأشاعثة، والهاء للنسب ... إلخ.
وقبيل نهاية الكتاب ، وجدنا كلمة تقريظ للكتاب ولصاحبه، كتبها محمد الحسيني مصحح العلوم بدار الطباعة العامرة ببولاق مصر القاهرة. قال فيها: يا من صرف نفوس الأذكياء إلى انتهاج مناهج الأدباء، فسلكوا بمجموع لفيفهم من ذلك أقوم سبيل، وتصرفوا في فنون البلاغة بصحيح أفعالهم، ونافذ مفعولهم وأفكارهم؛ حتى أقاموا على براعة العربية أصح دليل، وروحوا أرواحهم في رياض الأدب، بمعتل نسيمها فبلغوا منتهى الأرب، وانتهلوا من منهلها العذب السلسبيل، فسبحانه من إله خص من شاء بما شاء، فجعل الأدب مملكة دولتها اللطفاء والظرفاء، وحماتها مصاقع البلغاء وفرسان الفصحاء وأسود النبلاء. نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونصلي ونسلم على صفوته من خليقته وخلاصته من بريته.
أما بعد ... فلما كان علم الصرف محله من العربية محل الروح من الجسد، والضياء من العين، أعمل الفضلاء في تحصيله اليعملات، وأسهروا في تدوينه العين، فوطدوا قواعده وقيدوا شوارده، وأصفوا موارده، وأرووا صادره ووارده، فجاراهم في طريقهم، واندرج في عدد فريقهم، ظريف هذا الزمان، ونابغة هذا الآن، الذكي اللبيب، والجهبذ الأريب، ذو الفكر الثاقب واللب المتين، حضرة وهبي بك ناظر المدرسة بحارة السقائين، فصنف هذه الفكاهة الشهية، ومثل هذه النصة البهية، وحلاها بكل درة درية، وجلاها في الحلة العبقرية، فبرزت تثيبه بحسن مثالها على أمثالها، وخطرت تعجب بلطف شكلها على أشكالها، وشرع مؤلفها في طبعها بالمطبعة الكبرى الميرية ببولاق مصر المعزية، فانتهت بحمد الله على هذا السمت الحسن، تلعب بلب عاشقها فتمنعه الوسن، في ظل الحضرة الفخيمة الخديوية، وعهد الطلعة المهيبة البهية التوفيقية، حضرة من أفاض على رعيته غيوث الإنعام، وشملهم بنظر الرأفة والإكرام، العزيز الأكرم، والداوري الأفخم، الملحوظ بعين عناية مولانا العظيم العلي، أفندينا محمد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي، لا زالت الأيام منيرة بشمس علاه، والليالي مضيئة ببدر حلاه، ولا برح هني البال بأشباله الكرام، فرح الفؤاد بأنجاله الفخام، مدى الليالي والأيام، ملحوظا هذا الطبع الجليل، والشكل الجميل، بنظر من عليه حسن أخلاقه، يثني حضرة وكيل الأشغال الأدبية بهذه المطبعة محمد بيك حسني .
وكان تمام طبعه وانجلاء بدره وكمال ينعه وابتسام زهره، في أواخر شهر الله المحرم الحرام عام سبعة بعد ثلاثمائة وألف من هجرة سيد الأنام عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام، ما لا بدر تمام وفاح مسك ختام.
واختتم الكتاب بكلمة تقريظ ومدح أخرى، انتهت بأبيات مؤرخة لطباعة الكتاب، جاء فيها: ولما تم طبعه، وحسن وضعه، أرخه الأستاذ العلامة اللغوي المشهور، رب الفضل المأثور، الشيخ طه محمود، أحد المصححين بالمطبعة الأميرية، التي هي بكل مدح حرية، حيث قال - وأجاد في المقال: بسم الله الرحمن الرحيم. نحمدك الله حمد من صرفت جوارحهم في صحيح الأفعال، وصرفت جوانحهم عن أبنية النقص والاعتلال، فلم جمعهم أن يكسر، والتحق مصغرهم بالمكبر. ونصلي ونسلم على السادة الصفوة، أولي المكانة والحظوة، من سهرت لخشيتك أجفانهم، وملئت من الثقة بك أجفانهم.
أما بعد ... فإن «مرآة الظرف في فن الصرف» مؤلف من أصبح خدنا للغة العرب، وإلفا لفنون الأدب، حضرة الأستاذ وهبي بك مدرس اللغة المذكورة بمدرسة حارة السقائين المشهورة، كتاب سلك به مؤلفه في هذا الفن المسلك الحسن، وتلطفت فيه ما شاء، أرأيت تلطف الوسن، يبلغ به الصرفي منتهى أربه، ويتمتع منه الأديب بحسن أدبه، فلله أي منهج نهجه، وأي كتاب له بين كتب الصرف أرفع درجة، فما أحوج الطلاب إليه، وما أولاه بأن يعول عليه، فهو لعمري حسنة من حسنات الدهر، ومحاسن هذا العصر، وأقوى دليل واضح على ما للمصريين من السعي الناجح، والعقل الراجح، وأنهم من الفضل والأدب في ثروة، ومن سلسلة المجد في الذروة، وأن من سوى بهم غيرهم لم يقدرهم قدرهم، ففي هذا الكتاب، فليتنافس أولو الألباب، وليغتنموا حصته، ولينتهزوا فرصته، وليبادروا إلى خيره العاجل، وليسمعوا قول القائل:
بالعلم تستغني عن النور صاح
في حندس ما كنت أو في صباح
هل بالمعالي فاز إلا فتى
غدا إلى سوق المعاني وراح
أهل النهى هم سادة الكون لو
لا هم لما كان لشيء صلاح
فاسمح بنبل النفس في صفقة
كل منيع أن أتيحت متاح
واجنح إلى العلم ولا تتبع
عميا بجهل ما عليهم جناح
ودونك الصرف فانظره في
مرآته واضمم عليها الجناح
رسالة الصرف التي قد أتت
منظومة نظم اللآلي الصحاح
جاد بها وهبي الذي لا ترى
سعيا له إلا قرين النجاح
فاحصل على مرآته إنها
قد أعربت بالبينات الفصاح
وإذا جلاها الطبع أرضتها
للصرف في المرآة وجه صباح
والشطرة الأخيرة من هذه الأبيات، هي تأريخ لطباعة الكتاب سنة 1307 هجرية، الموافق 1889 ميلادية بحساب الجمل. وأخيرا يلاحظ على هذين المدحين أو التقريظين، أنهما مكتوبان بيد مسلمين، وكأنه منهج انتهجه تادرس وهبي في تآليفه، حيث من يكتب له المقدمات أو التقاريظ لا بد أن يكون مسلما! وقد أعلن عبد الله النديم في مجلته «الأستاذ»، عن هذا الكتاب بكلمة قال فيها: أهدانا الفاضل وهبي بك ناظر مدرسة حارة السقائين كتابا من تأليفه سماه «مرآة الظرف في فن الصرف»، وهو كتاب اشتمل على مائة صحيفة ملئت فوائد نحوية وصرفية ولغوية، يهم كل متعلم معرفتها. وقد اعتنى حضرة مؤلفه به كما اعتنى بجميع مؤلفاته الكثيرة الفوائد. وفقه الله لمثل هذه الخدمة العامة.
7 (4) خطبة في رثاء الخديوي إسماعيل
في عام 1895 مات الخديوي إسماعيل في منفاه بإيطاليا، ومن ثم حمل جثمانه ليدفن في القاهرة، فأقيمت له جنازة مهيبة يوم الاثنين الموافق 11 / 3 / 1895. وبهذه المناسبة ألقى تادرس وهبي خطبة بليغة في رثائه، ومن ثم نشرها في نوفمبر 1895 في كتيب صغير من ثماني صفحات، بعنوان «الأثر الجميل في رثاء جنتمكان أفندينا إسماعيل». وقد جاء على غلاف هذا الكتيب الآتي: «من منشآت حضرة وهبي بك ناظر المدرسة القبطية»! وهذا يعني أن تادرس وهبي، ترك نظارة مدرسة حارة السقائين، وأصبح ناظرا للمدارس القبطية، أي مشرفا عاما عليها! وهذا من أكبر المناصب التعليمية في ذلك الوقت. والغريب في الأمر أن هذا المنصب على أهميته الكبرى، لم يذكر مطلقا في أي مرجع من المراجع التي تتحدث عن تادرس وهبي!
وعلى اعتبار أن هذا الكتيب يحمل خطبة كاملة من خطب تادرس وهبي، حيث إنه كان خطيبا مفوها - كما سنرى فيما بعد - بالإضافة إلى أن ديوان شعره وخطبه مفقود، سواء كان مطبوعا أو مخطوطا؛ لذلك لزم علينا ذكر هذه الخطبة بصورة كاملة، حيث إنها الخطبة الكاملة الوحيدة التي حصلنا عليها، وفيها يقول الخطيب تادرس وهبي:
غلاف كتيب الأثر الجميل في رثاء جنتمكان أفندينا إسماعيل.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، رسم في صحائف الأقدار لكل حي أجلا، وبعث من محبي الخير لهذه الأقطار في كل عصر رجلا، فسبحانه قدر الجزاء على الإحسان تفصيلا وجملا، وبشر وأنذر كل إنسان ليبلوكم أيكم أحسن عملا. إنا لله وإنا إليه راجعون. أحمده حمدا يستدعي دوام المزيد، عداء الصروف، وأسلم على كل رسول كريم، بسط لواء الأمر بالمعروف، تسليم من لاذ بأعطاف التسليم، إذعانا لمقتضيات الظروف، فعلم أن الملك لله وما قدر يكون.
أما بعد ... فإن القضاء المحتوم لا بد من نفاذه على أي حال، ولكل إنسان أجل معلوم يؤدي إلى الارتحال، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، ودوام الحال محال، ولله عاقبة الأمور، وهو شديد المحال، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فيا مصعرا للناس خد علاه، بكرة وعشيا، إنما الفضل لمن أطاع مولاه، ولو كان عبدا حبشيا، أفتذهب بحمامة الفؤاد، على نار الأوزار شيا، وقد ساء مثل الذين في كل واد يهيمون. أما علمت أنك ستذوق من حياض الحمام صديدا حميما، ويتخلف عنك كل حمام ولو كان صديقا حميما، ثم تتنبأ يوم القيامة بما صبغت به أديما، وتندم ولات حين ندامة، على ما قدمت يداك قديما، وإنك ما فرطت في جنب الله لمغبون، فلا تستور زند الاستئثار، بحب الذات واللذات، فتكون نموذجا لذوي الاستبصار، في ملافاة ما فات، وأحسن إذا ساعدك الجد، إن الحسنات يذهبن السيئات، واعلم أن من جد وجد، وكل ما هو آت آت، وإن لنا الأسوة بالسلف الصالح، وهم السابقون الأولون.
فيا من اختط في مزاولة الأحكام خطة أريب، قل أن يضارعه في ضروب الأحكام ضريب، ويا من فارقت روحه عالم الأحياء في البلد الغريب، فاستمطر عليه شئون العلياء كل بعيد وقريب ، بعد أن استحالت الحال وبدلت الشئون. لقد أفحمت أمراء الكلام، عن الإلمام بما لك من آثار العمار، فكنت والحالة هذه حجة الإسلام، على كل ممار في هذا المضمار، فما الذي يحتمله مقام الإسناد، من جلائل الأفكار ومآثرك المذكورة في كل ناد، لا يشوبها جحود ولا إنكار، وهذه جواري أفضالك المنشآت في بحار العلوم والفنون. فرحم الله جدك، استنبطت ما كان كامنا في صدر كل عاقل حي، حتى صارت مصر حرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شي، ففجرت الأرض عيونا، حامت عليها حمائم الري، وملأت بأنوار الفضل عيونا، كانت تغشاها ظلمات الغي، وإن لك يا مولاي لأجرا غير ممنون.
ولقد راعيت جانب الاقتضاء، مستبقا في كل ميدان، فكانت لك اليد البيضاء، في استقصاء ما وراء السودان، ولكان عنايتك بكل مفيد، مما لا يحتاج إلى بيان، وصلت بحر القلزم ببحر سفيد، بعد أن كان بينهما برزخ لا يبغيان، وطال الفصال اتصالهما في الدول السابقة تمخضت القرون، ولقد جعلت المشورة قاعدة لسائر أعمالك، بدون استثناء، مستعينا بالله في قضاء آمالك، بما يستوجب مزيد الثناء. ثم تذرعت بأحسن ذريعة، فيما يمحو آثار اختلاف الأهواء، وشرعت للمحاكم المختلطة شريعة، سارت بالكل على خط الاستواء، بعد أن كانت تستحل بمصر حرمات القانون. ثم حذوت حذو جدك الفخيم في كل أمر ذي بال، وبلغت مقام إبراهيم بما لم يخطر على بال، فأيدت مقام الخلافة في مواطن الحروب، والحرب سجال، ودفعت عنها غوائل الكروب، بالمال والرجال، وكل ألف من جنودك بمائة ألف أو يزيدون، ومما يؤثر في تاريخ عليائك، أنك استصدرت خير رقيم، شددت به عضد أوليائك، من كل باد ومقيم، ثم بذلت غاية جهدك، في الاستئثار بالملك والملك عقيم، وجعلت في أكبر أبنائك ولاية عهدك، على عمود النسب المستقيم.
وقد أصبحت سدتك كعبة لذوي الحاجات، وهم من كل حدب ينسلون، ولم تزل قدوة لأولي الهمم القعساء، في اجتلاء كنوز المطالب، حتى ساء القدر وأساء، ولكل قضاء جالب، فتغاضيت جهد الإمكان، عن جناية الحظ السالب، فكان ما كان ، وإن أمر الله غالب. وقد تضاربت الأفكار وتخالفت الظنون، فلله درك حفظت علاقة هذه الديار كما تروم، بالخلفاء من بني عثمان، وسرت في بحر الروم، ميمما بلاد الرومان. ثم استدعاك صاحب الإمامة الكبرى، بعد حين من الزمان، فاحتملت على مر الحوادث صبرا، حتى حيل بين الروح والجثمان، ولم يدفع عنك المنون مال ولا بنون. كيف لا وقد دبت إلى فؤادك السليم عقارب الداء من سائر الأعضاء، وأصبح جسمك السليم يتقلب على أحر من الرمضاء، ثم أنفذت فيك الأقدار، أحكام القضاء، ولم يغن إنك من ذوي الأقدار، بعد أن وقعت الواقعة وحم القضاء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، ثم جئت من الآستانة على قدر، وقد احتدم أوار الغليل، وصار ماء اليم مشوبا بكدر، وإن كان النسيم غير عليل، ووجد عليك الأقربون والبعداء، من بيت إسماعيل، وتمنوا لو تأتي الفداء، والصبر عليل، وقد شاب الكدر على فقدك الصفا والحجون، فلا كان هذا الرزء الجليل، اتخذ سويداء المكارم غرضا، ولم يذر لك سوى الأثر الجميل، جوهرا ولا عرضا، ولقد كان الاحتفاء بجنازتك من عظائم الأمور، واجبا مفترضا، ثم أصبحت من سكان القبور، بالرغم لا بالرضا، ولمثل هذا يا مولاي فليعمل العاملون، أحسن الله عزاء المعالي، على احتسائك كأس الردى.
وأدام الجناب العالي (أفندينا عباس حلمي باشا)، علما مفردا، ولا برح لآل جده المشهور ملجأ وسندا، وحسام جده المشهور في ما يشاء مهندا، قائما فينا، بأمر الله في كل مفروض ومسنون، آمين.
طبعت في أواسط جمادى الثاني سنة 1313 هجرية.
ويلاحظ على هذه الخطبة، أنها لم تكن رثاء للخديوي إسماعيل فقط، بل كانت تأريخا لحياته وأهم إنجازاته. فعلى سبيل المثال نجد الإشارة إلى أن وفاته كانت خارج مصر، وبالأخص في الآستانة، ومن ثم نقل منها إلى مصر كي يدفن فيها. ثم نجد الإشارة إلى قيامه بتطوير مصر من حيث العمارة والعلوم والفنون. وهذه الإشارة تذكرنا بما قام الخديوي إسماعيل من إنشاء المباني والميادين والمناطق السكنية الحديثة، ولا سيما منطقة الأزبكية. أما في مجال العلوم ، فكفى أنه انشأ مجموعة كبيرة من المدارس، منها: التجهيزية، والمبتديان، وأركان الحرب، والطب البيطري، ومدرسة الأنجال. وفي مجال الفنون أنشأ: الأنتقخانة ببولاق، ودار الكتب المصرية، ومسرح الكوميدي فرانسيز، والسيرك، والأوبرا الخديوية.
ثم نجد الإشارة إلى تقدم الري في عهده، وذلك من خلال بناء القناطر وإقامة السدود وشق الترع. كما نجد الإشارة إلى اتساع سيادة الحكومة المصرية على الأراضي، التي وصلت إلى درجتين شمال خط الاستواء. كما نجد الإشارة إلى افتتاح قناة السويس، واتصال البحرين الأحمر والمتوسط، ذلك الاتصال الذي عجز عنه الحكام السابقون. وكذلك الإشارة إلى افتتاح مجلس شورى النواب، والمحاكم المختلطة. هذا بالإضافة إلى استصدار أهم الفرمانات العثمانية بتوريث الخديوية لأكبر أبناء الخديوي إسماعيل سنا، بعد أن كانت لأكبر أفراد أسرة محمد علي سنا.
8
ولعدم مناسبة الموقف الحزين للخوض في أسباب تخلي الفقيد عن حكمه، نجد تادرس وهبي يحيل الأمر على الحظ العاثر وقسوة القدر، الذي جعل الخديوي إسماعيل يتنازل عن الحكم لصالح ابنه الأكبر الخديوي توفيق، ومن ثم نفيه إلى نابولي وتنقله منها إلى الآستانة ... إلخ هذه الأمور. ثم نجده في النهاية يصف مشهد الجنازة المهيب، ويستخلص منها ومن حياة الخديوي العبر والمواعظ، التي تتناسب مع مقام الخطبة.
كما يلاحظ على هذه الخطبة، تقدم تادرس وهبي في استخدامه للأسلوب القرآني الصريح. فبعد أن كان يستخدم معاني بعض الآيات القرآنية، أصبح في هذه الخطبة يستخدم بعض الجمل الصريحة من الآيات، بل ويستخدم آيات كاملة من القرآن الكريم. فعلى سبيل المثال، قوله: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا»، مأخوذ من الآية السابعة في سورة «هود»:
وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ، وأيضا من الآية الثانية في سورة «الملك»:
الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور . أما قوله: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، فمأخوذ من الآية رقم 156 من سورة «البقرة»:
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .
وقوله: «وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور»، مأخوذ من الآية رقم 185 من سورة «آل عمران»:
كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور . وقوله: «ولله عاقبة الأمور»، مأخوذ من الآية رقم 41 من سورة «الحج»:
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور . وقوله: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون»، هو نفسه الآية رقم 23 من سورة «الأنبياء»:
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . وقوله: «بكرة وعشيا»، مأخوذ من الآية الحادية عشرة من سورة «مريم»:
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، وكذلك من الآية رقم 62 من السورة نفسها:
لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا .
وقوله: «وقد ساء مثل الذين في كل واد يهيمون»، مأخوذ من الآية رقم 225 من سورة «الشعراء»:
ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وقوله: «إن الحسنات يذهبن السيئات»، مأخوذ من الآية رقم 114 من سورة «هود»:
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين . وقوله: «ففجرت الأرض عيونا»، مأخوذ من الآية الثانية عشرة من سورة «القمر»:
وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر . وقوله: «بعد أن كان بينهما برزخ لا يبغيان»، مأخوذ من الآية رقم عشرين من سورة «الرحمن»:
بينهما برزخ لا يبغيان . وقوله: «وكل ألف من جنودك بمائة ألف أو يزيدون»، مأخوذ من الآية رقم 147 من سورة «الصافات»:
وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون . وقوله: «وهم من كل حدب ينسلون»، مأخوذ من الآية 96 من سورة «الأنبياء»:
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون .
وقوله: «ولم يدفع عنك المنون مال ولا بنون»، مأخوذ من الآية رقم 88 من سورة «الشعراء»:
يوم لا ينفع مال ولا بنون . وقوله: «بعد أن وقعت الواقعة»، مأخوذ من الآية الأولى من سورة «الواقعة»:
إذا وقعت الواقعة ، وأيضا الآية رقم 15 من سورة الحاقة:
فيومئذ وقعت الواقعة . وقوله: «إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون»، مأخوذ من آيات كثيرة، ومنها الآية الثانية عشرة من سورة «النحل»:
وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون . وقوله: «ولمثل هذا يا مولاي فليعمل العاملون»، فمأخوذ من الآية رقم 61 من سورة «الصافات»:
لمثل هذا فليعمل العاملون .
ولم يكتف تادرس وهبي باستخدام الآيات القرآنية في هذه الخطبة، بل استخدم أيضا الأحاديث النبوية الشريفة باللفظ أو بالمعنى. فعلى سبيل المثال قوله: «إنما الفضل لمن أطاع مولاه، ولو كان عبدا حبشيا»، مأخوذ من الحديث الشريف: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة». هذا بالإضافة إلى تطعيم خطبته بكثير من الحكم والأقوال المأثورة، مثل قوله: «من جد وجد، وكل ما هو آت أت». (5) تاريخ بطرس الأكبر
في عام 1904، نشر تادرس وهبي بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، كتابا بعنوان: «الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس». وجاء في الكتاب: إنه من إنشاء عزتلو وهبي بك، مدير مدرسة الأقباط الكبرى، وناظر المدارس القبطية! وهذا يعني أن الكتاب مؤلف وليس مترجما، كما قال الزركلي.
9
ولكن الأهم من هذا، هو ما صار إليه تادرس وهبي من المناصب في هذا العام أو ما قبله، حيث إن الكتاب ينص على أن تادرس وهبي في عام 1904 كان مديرا لمدرسة الأقباط الكبرى! تلك المدرسة التي تعتبر أول وأكبر وأهم مدرسة للأقباط في هذا الزمان! مع احتفاظه بمنصبه الآخر، وهو نظارته للمدارس القبطية! علما بأن المنصب الأول لم يذكر إلا في مرجع واحد!
10
وإذا أتينا إلى وصف محتويات هذا الكتاب، سنجده يتكون من 160 صفحة من القطع المتوسط، بدأه المؤلف بمقدمة مسجوعة طويلة، محلاة بالمحسنات البديعية والصنعة اللفظية، ومطعمة بالآيات القرآنية،
11
والأحاديث النبوية الشريفة ، كما هي عادته. ثم كتب مقدمة أخرى بعنوان «التاريخ العام»، وقسمها إلى ثلاثة أقسام، تحدث في الأول عن التاريخ القديم قبل الميلاد، وفي الثاني تحدث عن تاريخ القرون الوسطى، وفي الأخير تحدث عن تاريخ القرون الحديثة حتى عام 1789.
غلاف كتاب الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس عام 1904.
وفي الباب الأول من الكتاب، تحدث المؤلف من خلال فصوله عن حالة العمران بمصر منذ عهد مينيس إلى العصر الحديث، حيث تجول في تاريخ مصر القديم قبل الإسلام، حتى وصل إلى عهد محمد علي باشا وأسرته. ثم خصص الفصل الرابع من هذا الباب للحديث عن فن التمثيل - وسيكون لنا وقفة مع هذا الفصل لاحقا - أما الباب الثاني، فقد خصصه المؤلف للحديث عن ملخص تاريخ بطرس الأكبر، من خلال الحديث عن حالة بلاد الروس قديما، ومبايعة بطرس الأكبر بالملك، وما قامت به شقيقته صوفيا من الفتن والدسائس، وتأسيس مدينة بطرسبورج مع نشر المعارف والعلوم، وزواج بطرس من كاترين، ثم الحديث عن الخلاف بين بطرس وولده ألكسيس، الذي وصل إلى حد إعدام إلكسيس، ومن ثم وفاة بطرس الأكبر.
أما الباب الثالث والأخير، فقد خصصه المؤلف لنص مسرحيته «بطرس الأكبر»، أو كما أطلق عليها «في محاكمة ألكسيس». وهذه المسرحية قسمها إلى خمس مقامات ذي عناوين محددة، وكل مقامة تتكون من فصلين من الفصول المعنونة. وحوارها يتنوع بين النثر المسجوع ذي الصنعة اللفظية، وبين الشعر الغنائي ذي المذاهب والأدوار الموسيقية. والمسرحية عبارة عن وضع القصة التاريخية المذكورة في الباب الثاني في قالب تمثيلي مع تضمينها الآيات القرآنية بالألفاظ والمعاني.
واختتم المؤلف كتابه بخاتمة تاريخية، أطلق عليها عنوانا هو «في خلاصة تاريخ الروس بعد وفاة بطرس الأكبر»، وهي خاتمة كبيرة شغلت 43 صفحة من الكتاب! لذلك قسمها المؤلف إلى أربعة فصول، تحدث فيها عن الحوادث الروسية من سنة 1725 إلى سنة 1904، وبالأخص حرب الروس مع بني عثمان، وما جرى في عهد القيصر نقولا الثاني من الحوادث. ثم جاء بعد ذلك تقريظ الكتاب، الذي كتبه طه محمود قطرية رئيس التصحيح بمطبعة بولاق الأميرية، وفيه قال:
سبحانك اللهم وبحمدك، نحمدك حمد من خضعوا لباهر سلطانك وعظيم مجدك، ونشكرك يا من وهب الإنسان، بالقلب واللسان، أفضل ما وهب، شكرا ننتظم به في سلك من أحسنوا في خدمة مولاهم الأدب، وقاموا بما وجب، حتى فازوا بالأرب، وحازوا رفيع الرتب. ونسألك أن تشغل بما يرضيك منا القلوب والألسنة، وأن تجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وأن تصلي وتسلم على من جعلت له من محاسن الأخلاق أعوانا وأنصارا، وأعطيته جوامع الكلم واختصرت له الكلام اختصارا، وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين، ومن كانوا بهديهم مهتدين، وعلى آثارهم مقتدين. أما بعد ... فلما كان لعلم التاريخ ورواية أخبار الأولين من الفضل المبين، والنفع المتين، ما يقتضي تقدمه في الصف الأول من العلوم النافعة، وكونه عضوا رئيسا عاملا في مصالح الدين والدنيا، لا سيما في نظر من حسنت آدابهم، وقويت بحسن التربية من الكمالات أسبابهم. فإن العاقل إذا مارس التاريخ، وتصفح أخبار الأوائل؛ لم يعدم واعظا يوعظه، ومؤدبا يؤدبه ويوقظه، ومرشدا يبصره بالمحاسن فيرغب فيها، وبالمساوئ فينبذها وينفيها، ومسليا ومثبتا للفؤاد المحزون، الذي خامرته الهموم وساورته الشجون. كما قال الله لنبيه
صلى الله عليه وسلم :
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا . انبعثت همة حضرة صاحب العزة وهبي بك ناظر المدارس القبطية، إلى تدوين سيرة الملك الهمام مشيد الدولة الروسية، بطرس الأكبر، واقتصاص ما جرى له مع ولده ألكسيس، الذي جفا أباه وخانه وعقه، ونكث عهده، ونبذ وده، وجحد حقه، وجرى مع هواه وشيطانه، في عنان بغيه وعدوانه، فأمكن الله منه أباه وأوقعه القضاء في سوء الجزاء بما كسبت يداه، وذلك مصداق ما يؤثر عن العرب من حكمهم الباهرة وأمثالهم السائرة «من حفر مغواة أوشك أن يقع فيها.»
تصدى ذو الفضائل الوهبية لهذه الرواية التاريخية، فأفرغها في أحسن القوالب، وسلك بها من طرق التمثيل أحسن المذاهب. وأهداها إلى الأدباء في أفصح اللغات، لسانا ولسنا، وصاغها صوغا بديعا وحسنا، وحلاها بأبيات على غيره أبيات، قد ملأها برقائق الحكم والعظات. وبالجملة فقد تلطف (حفظه الله) في هذه الرواية ما شاء، فسبحان من أقدره على مثل هذا الإنشاء، حتى أصبحت تجر ذيل إعجابها، على صواحبها وأصحابها، على أنها ليست بالغريب على مثله، العزيز على فضله ونبله. بل هي سهل عليه يسير، في جنب ما عرف به من الفضل الكثير، والأدب الغزير. قام بها خدمة لوطنه تكسبه الأجر، وتخلد له طيب الأحدوثة وجميل الذكر، وتطول. فأجرى طبعها على نفقته بالمطبعة الأميرية، في عهد الدولة الفخيمة الخديوية العباسية، مد الله ظلالها، وألهم العدل والإصلاح رجالها. وفرغ من طبعها في أوائل جمادى الثانية عام 1323 من هجرة من هو للأنبياء ختام، عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام.
تآليف أخرى
إذا كنا قد وصفنا بعض المؤلفات المطبوعة لتادرس وهبي، مما وقع بين أيدينا، فإن هناك تآليف أخرى تمثلت في كتابته لبعض المقالات، وإلقائه لبعض الخطب، ونشره بعض القصائد. وهذه الأمور أشارت إليها بعض الدوريات والمراجع، فعلى سبيل المثال، نجد تادرس وهبي بدأ كتاباته الأدبية في الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية»، وفي مجلة «روضة المدارس المصرية»، عندما كان مترجما بنظارة المعارف،
1
ويقال: إنه تولى تحرير جريدة «الوظيفة المصرية التركية».
2
أما في مجال الخطابة، فمن الواضح أن تادرس وهبي كان من خطباء عصره، حيث كانت أخبار خطبه تتناقلها الدوريات في حينها. وقد أوردنا نموذجا لهذه الخطب، ومن خلال الحديث عن كتيبه في رثاء الخديوي إسماعيل، ومن أخبار خطبه الأخرى ما ذكرته مجلة «الحقوق» عام 1886، قائلة: وقفنا على خطبة بديعة لحضرة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين، تليت بجلسة امتحان مدرسة المنيا القبطية سنة 1602، فإذا هي غرة في جبين الخطابة، وفريد في جيد البلاغة. تدل بألفاظها ومعانيها على سعة فضل واطلاع جامع مغازيها، ورافع مبانيها. وكنا نود أن تكون هي المترجمة عنها بها، لولا أن ضيق المقام منعنا عن ذلك.
3
ولم يكتف تادرس وهبي بإلقاء الخطب في احتفالات المدارس، بل كان يلقي معها بعض القصائد. وفي هذا الأمر قالت مجلة «اللطائف » عام 1889، تحت عنوان «احتفال المدرسة القبطية الأرثوذكسية بالمنيا»: جاءنا من وكيلنا المتجول في المنيا ما يأتي: في الخامس من شهر نوفمبر 1889، احتفلت هذه المدرسة احتفالا بامتحان تلامذتها السنوي في دار الأسقفية ... وفي الليلة الثانية من الامتحان مثل تلامذة المدرسة المذكورة رواية «الابن الشاطر» بحضور الأفاضل أصحاب العزة ... وكان حضرة الفاضل وهبي بك قد افتتح مقام التمثيل بخطبة غراء وقصيدة في مدح الحضرة الخديوية ...
4
وفي مجال الشعر أيضا، قالت مجلة «الأستاذ» عام 1893: تأخر لدينا قصائد خديوية ورياضية، منها قصيدة الفاضل وهبي بك ناظر مدرسة حارة السقائين، وقد عرضت على الحضرة الخديوية وفازت بالقبول.
5
هذا بالإضافة إلى قيام تادرس وهبي بتأليف مجموعة من الأناشيد الدينية، التي كانت ترتل في الكنائس، وأيضا ألف أناشيد أخرى رتلها طلاب مدرسة الأقباط في الذكرى الأولى لمقتل بطرس غالي سنة 1911، بالإضافة إلى قصيدة نظمها في بطرس غالي أيضا، عندما تولى رئاسة الوزارة عام 1908.
6 (1) في مجال المسرح
أشرنا فيما سبق أن تادرس وهبي كتب فصلا عن التمثيل في كتابه «الأثر النفيس في تاريخ بطرس الكبر ومحاكمة ألكسيس». وهذا الفصل كان الفصل الرابع من الباب الأول في الكتاب، وجاء بعنوان «في إجمال تفصيل يتعلق بفن التمثيل»، وفيه تحدث عن تاريخ التمثيل المسرحي منذ نشأته عند اليونان، مع التفريق بين القالب الهزلي والقالب التراجيدي. ووصل في تاريخه المختصر إلى الحديث عن كورنيل وراسين وشكسبير وفيكتور هوجو، ثم تطرق إلى الحديث عن نشأة التمثيل المسرحي في مصر في عهد الخديوي إسماعيل، حتى وصل إلى دور الطائفة القبطية ومساهمتها في هذا الفن، فقال:
ولما كان أبناء الطائفة القبطية أحرص الناس على مثل هاته الكمالات، لا سيما بعد أن غذوا بلبان المعارف في المدارس التي أنشأها المغفور له الأنبا كيرلص الرابع وجدد فيها ما شاء من ضروب الإصلاح، غبطة الباب المعظم «أنبا كيرلص الخامس»،
7
وهو البطريرك الحالي؛ عن لي أن أجاري أرباب هذا الشأن، فأنشأت ومثلت بمرسح حديقة الأزبكية في يوم 15 فبراير سنة 1884 رواية «يوسف الصديق عليه السلام». وقد شهد تمثيلها الجناب العالي «عباس حلمي باشا الثاني» أيام كان وليا للعهد، ومعه شقيقه الأمير محمد علي. وقد ضمنتها كتاب «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، وثنيت برواية «بطرس الأكبر»، وعززتهما بثالثة وهي «رواية تليماك». وقد مثلتا كذلك؛ إحداهما في يوم 15 مايو سنة 1886، وثانيتهما في يوم 12 إبريل سنة 1887، وانتفعت بما جمع منهما جمعية المساعي الخيرية القبطية.
8
إذن ألف تادرس وهبي ثلاث مسرحيات في غضون ثلاث سنوات. فالمسرحية الأولى «يوسف الصديق» - موضوع كتابنا هذا - تم تمثيلها بمسرح حديقة الأزبكية يوم 15 / 2 / 1884، بناء على قول مؤلفها السابق، ولكن نشرها كان في إبريل 1885، أي: إن تمثيلها سبق طباعتها بعام تقريبا. وعندما طبعت كانت تباع في دكان عبد الملك أفندي صليب بشارع كلوت بك، بجوار كتبخانة الوطن،
9
وقد قرظتها مجلة «الحقوق» عام 1887، بكلمة تحت عنوان «عنوان التوفيق»، قالت فيها:
أتحفنا حضرة الفاضل العامل وهبي بك، ناظر مدرسة حارة السقائين القبطية، ومدرسة فن الإنشا والعلوم العربية والفرنجية، كتاب عنوان التوفيق، فإذا به قصة يوسف الصديق. وقد جعلت رواية أدبية تاريخية، وجمعت من المبادي العلمية والقصصية قدرا ليس بقليل. فمثلت للقارئ عوائد الإسرائيليين البسيطة، ومناهج المصريين المنيفة في تلك الأعصار الخالية، وبينت ما كانت عليه مصر في تلك الأزمان القديمة، من الصولة وعلو الكلمة في مجامع الأمم الدانية والعالية. فهي رواية تكسب النفوس تنزها وارتياحا، وتقضي للقراء بجوايز فكاهية وفوائد تاريخية، ما يبدل النواح أفراحا والقنوط نجاحا. جمعت من كل جوهر فريدتين، وجنت من كل فاكهة قطفين، والخبر ليس كالخبر، فعلى من أراد نوال ما ذكر أن يفضل العين على الأثر.
10
أما مسرحيته الثانية «بطرس الأكبر»، فقد مثلتها جمعية المساعي الخيرية القبطية يوم 15 / 5 / 1886، تبعا لقول مؤلفها السابق. والحقيقة أن هذه المسرحية مثلتها الجمعية يوم الخامس من مايو بالأوبرا الخديوية. وعن هذا الأمر قالت جريدة «القاهرة»: «عزمت جمعية المساعي الخيرية القبطية على تشخيص رواية «بطرس الأكبر قيصر الروس»، في قاعة الأوبرا الخديوية، وذلك يوم الأربعاء 5 مايو 1886، وهي رواية عربية غريبة في بابها، جمعت إلى الفوائد التاريخية الفرائد الأدبية ... وأن تشخيص هذه الرواية سيكون تحت إدارة عزتلو وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين. وهي ذات خمسة فصول جيدة الوضع مفيدة الصنع. وقد أعلن مجلس إدارة الجمعية أن أوراق الدخول تباع بمحل الأوبرا في يومي الثلاثاء والأربعاء 4 و5 مايو 1886.»
11
وقد مثلت هذه المسرحية عدة مرات بعد ذلك، حيث مثلتها جمعية النشأة القبطية بالأوبرا الخديوية عام 1899، وعندما طبعت المسرحية عام 1904 مثلتها جمعية المعارف الأدبية الخيرية بالتياترو المصري بشارع عبد العزيز.
12
أما مسرحية تادرس وهبي الثالثة والأخيرة، فهي مسرحية «تليماك»، التي قال عنها: إن جمعية المساعي الخيرية القبطية مثلتها يوم 12 / 4 / 1887. وبالبحث عن أخبار هذا اليوم وما قبله وما بعده، لم نجد أي خبر عن مسرحية «تليماك» لتادرس وهبي! والغريب أننا وجدنا أخبارا وإعلانات كثيرة عن تمثيل مسرحية «تليماك»، دون ذكر اسم مؤلفها، منذ يناير 1887 حتى ديسمبر 1925! فاكتشفنا أن هذه الإعلانات كانت تخص مسرحية «تليماك» لسعد البستاني، الذي كتبها ونشرها عام 1869، وأن هذه المسرحية مثلتها كافة الفرق المسرحية بلا استثناء! فأعدنا البحث مرة أخرى، حتى وجدنا إعلانا منشورا في جريدة «القاهرة» بتاريخ 5 / 4 / 1887، جاء فيه الآتي: «رواية عجائب القدر» وهي الرواية التي سيجري تشخيصها مساء غد الأربعاء في تياترو الأوبرا الخديوي، على ذمة الجمعيتين الخيريتين لطائفتي الأقباط الأرثوذكس والروم الكثوليك. وستكون - بحوله تعالى - في غاية الإتقان، تمتاز على سواها بمزايا حسان. إذ لا يخفى أن لمنشئها - حضرة وهبي بك ناظر مدرسة الأقباط بحارة السقائين - اليد الطولى في فن التشخيص. وهو صاحب روايتي «بطرس الأكبر» و«يوسف الصديق» وغيرهما. فنستنهض الهمم إلى الاشتراك في هذه الليلة، ليروا من المناظر الجميلة والمحاسن الجليلة، ما لا يخرج عن الأصل، بل يوافق الذوق التاريخي في كل فصل. والأوراق تباع على باب التياترو بالأسعار الآتية: 10 فرنك كرسي فوتيل، 6 فرنك كرسي أستال، 2 فرنك أعلا التياترو. أما اللوجات فقد صار توزيعها عن آخرها وتكرر طلبها فعز وجودها.
وهذا الإعلان يوضح لنا عدة أمور مهمة، منها أن مسرحية «تليماك» لم تمثل في التاريخ الذي ذكره مؤلفها، بل مثلت قبله بأسبوع تقريبا. وعندما مثلت تم تغيير اسمها من تليماك إلى «عجائب القدر»! وذلك لحث المشاهد على رؤية مسرحية جديدة بعنوان جديد، حتى لا يظن أنه سيرى مسرحية «تليماك» الشهيرة، التي مثلتها كافة الفرق، وهذا أسلوب كان متبعا في لك الوقت. والدليل على أن تليماك تادرس وهبي هي مسرحية عجائب القدر، أن الإعلان أشار إلى اسم مسرحيتيه السابقتين «يوسف الصديق وبطرس الأكبر»، والمعروف أن تادرس وهبي لم يكتب إلا ثلاث مسرحيات فقط. وأخيرا نجد الإعلان يثبت أن المسرحية مثلت من قبل جمعيتين خيريتين، لا من قبل جمعية المساعي الخيرية وحدها.
ريادة المسرح في مصر
وإذا عدنا مرة أخرى إلى ما كتبه تادرس وهبي في فصله عن التمثيل بكتابه «الأثر النفيس»؛ سنجده تحدث عن نشأة التمثيل عالميا. وعندما تحدث عن هذه النشأة في مصر قال: ولما رأى الخديوي إسماعيل أن البلاد في حاجة إلى استكمال ما تناقص من وسائل العمار شيئا فشيئا، لا سيما بعد أن مرج البحرين يلتقيان، بحر الروم والبحر الأحمر، وأصبحت مصر - كما نقل عن لسانه - قطعة من أوروبا، أنشأ مرسح «الأوبرا»، وجعل فاتحة العمل فيه رواية «عائدة»، وأنعم على الأستاذ يوسف فردي يومئذ بمبلغ طائل من المال ليجزيه أجر ما وقع أدوارها على أنغام الموسيقى. ولمكان عناية الخديوي المذكور بأرباب المعارف انصرفت نحوه وجوه الغرباء لما كان يخصهم به من الإيثار، وفي جملتهم جماعة من فضلاء الشام، ذوو إلمام بفن التمثيل، تلقوه إما مباشرة وإما بالواسطة عن المغفور له المعلم مارون النقاش، الذي نبغ بجبل لبنان في أوائل القرن التاسع عشر، وأولاهم بحسن الأحدوثة الفاضلان سليم أفندي النقاش وأديب بيك إسحاق مثلا بمصر والإسكندرية ما كانت تسمح لهما به ظروف ذلك الزمان، وجاء على أثرهما أديب زمانه عبد الله أفندي نديم، فمثل بالإسكندرية رواية عنوانها الوطن.
ونفهم من هذا الكلام، أن تادرس وهبي عاصر هذه الأحداث، وربما شاهدها بنفسه، على اعتبار أنه من كتاب المسرح. فقد تحدث عن افتتاح الأوبرا بمناسبة افتتاح قناة السويس، وعن تمثيل أوبرا عائدة، وسخاء الخديوي إسماعيل على ملحنها الموسيقار فردي. ثم تحدث عن الرائد المسرحي العربي الأول مارون النقاش، ثم تحدث عن أول من أنشأ مسرحا عربيا في مصر وهو سليم النقاش بمساعدة أديب إسحاق، وهما من الشوام، ثم تحدث أخيرا عن عبد الله النديم كمسرحي مصري. وهنا يظهر السؤال المهم ... أين يعقوب صنوع من هذا كله؟!
أين صنوع الرائد المسرحي المصري ... كما يقال؟! أين صنوع الذي دافع عنه الأدباء والعلماء دفاعا مستميتا؛ كي يغرسوا جذوره الواهية في عقولنا وثقافتنا! أين صنوع الذي كتبت عنه عشرات الكتب والرسائل الجامعة، ومئات الدراسات والمقالات؟! أين صنوع أكذوبة المسرح المصري؟! ألا يعتبر عدم ذكر تادرس وهبي - كشاهد عيان - لأي نشاط مسرحي يذكر ليعقوب صنوع دليلا جديدا، يضاف إلى الأدلة المذكورة في كتابي «محاكمة مسرع يعقوب صنوع»؟! مجرد سؤال!
1 (1) الكتاب المنشور
لم يبق أمامنا إلا الحديث عن كتاب «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، المنشور في هذا الكتاب، والمشتمل على مسرحية «يوسف الصديق»، وهو كتاب نشر عام 1885، وتم طبعه في المطبعة الإعلامية، وبعض الملازم طبعت في مطبعة مرآة الشرق المصرية. وأول ملاحظة لنا على هذا الكتاب، أن تادرس وهبي نشره بعد الحصول على ترخيص خاص من قلم المطبوعات بنظارة الداخلية، تبعا للعبارة الموجودة على الغلاف!
وقلم المطبوعات هذا، هو الجهة الرسمية بنظارة الداخلية للقيام بمراقبة المطبوعات والإعلانات والمسرحيات قبل وبعد تمثيلها، وذلك بناء على قانون المطبوعات الذي أصدره الخديوي توفيق عام 1881.
2
وعلى ذلك يعتبر هذا الكتاب من أوائل الكتب المطبوعة في مصر، التي خضعت للرقابة! حيث إنه كتاب يتعرض إلى قصة النبي يوسف عليه السلام، وبه مسرحية عنه ستعرض أمام الجمهور!
غلاف كتاب عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق عام 1885.
أما تصدير الكتاب، فقد كتبه علي بك فهمي رفاعة رافع الطهطاوي.
3
ومن المحتمل أن تادرس وهبي كان على علاقة طيبة بهذا العالم، وقد جمعتهم نظارة المعارف معا فترات طويلة، فلم ينس تادرس علاقته بالآخرين حتى بعد خروجهم من السلطة. فعلي فهمي في ذلك الوقت كان على المعاش منذ عام 1882. ومهما يكن من أمر العلاقة بينهما، فإن علي فهمي في تصديره تعرض إلى قضية من أخطر القضايا التي تفجرت مسرحيا فيما بعد، وهي قضية تحريم التمثيل دينيا،
4
فهو بذلك كان من أوائل من تعرضوا لهذه القضية في ذلك الوقت.
والحقيقة أن حديثه عن قضية تحريم التمثيل دينيا، كان حديثا يتسم بالذكاء والفطنة والتنوير أيضا، حيث لم يقطع بتحريمه، وكذلك لم يقطع بجوازه إلا بشروط معينة! ولأن هذه القضية خطيرة، وأن حديثه عنها - بما له من ثقل أدبي ومكانة اجتماعية مرموقة - سيحسب له أو عليه! نجده يبدأ الحديث بأن هناك اتصال بين العلوم والفنون، وأن أحدهما لا يستغني عن الآخر من الناحية الاجتماعية. ثم يضرب مثلا بعلم التاريخ - الذي استحسنته جميع الأديان، وخصوصا الدين الإسلامي - هو العلم الذي أنتج لنا فرعا منه مجهول النسب، وهو فن التمثيل والتشخيص! والمقصود بمجهول النسب، أن التمثيل ليس من الأصول العربية أو الإسلامية، التي أنتجت أو استحسنت علم التاريخ! أي إنه اعتبر أن المسرحية التاريخية - على اعتبار مسرحية «يوسف الصديق» مسرحية تاريخية - فرعا من علم التاريخ!
وبعد أن وضع هذا المعنى، الذي يجيز فن المسرحية التاريخية دينيا، على اعتبار أنه فن ناتج من علم التاريخ المستحسن دينيا، نجده يقول: «إلا أن هذا الفن المستحسن لا يمكن لنا الحكم له أو عليه، وأن نسبة التحريم أو الجواز تصل إليه، إلا إذا عرضناه بذاته وصفاته على حكم الشرع، الذي قبل الأصل ولم ينص على قبول الفرع!» وهنا يتنصل علي فهمي من كلامه السابق بلباقة وحنكة! فقد خشي أن يفهم كلامه على أنه فتوى يفتيها في جواز التمثيل شرعا؛ لذلك يحيل هذا الأمر إلى المفتي أو إلى الحاكم الشرعي؛ لأن التمثيل يحتمل الوجهين؛ الجواز أو التحريم، ولكنه يساند الجواز على التحريم، بدليل قوله: إن الإسلام أصل هذا الفن، وهو علم التاريخ، ولكنه لم ينص على قبول الفرع وهو فن التمثيل!
وبعد أن أوضح أن حل هذه القضية في يد الحاكم الشرعي أو المفتي، نجده يدلي برأيه الخاص في هذه القضية، فيظهر استحسانه لهذا الفن الذي يطهر الأخلاق ويتوافق في موضوعاته مع قواعد الدين الإسلامي. أما سلبياته التي لا تليق بالإنسانية - ويطلق عليها اسم المدنية - فهي مرفوضة ومن الممكن إزالتها والتغلب عليها. ولو حدث هذا فإن هذا الفن بمدلوله الأصلي إن خلا من عوارض تشينه، وتحلى بمباحات تزينه، وتقلد بعلو همة، وتجرد عن انتهاك حرمة، ولم يكن آلة موصولة للنفوس الدنية إلى ارتكاب ما لا يليق بالإنسانية؛ فهو الواجب سياسة والجائز شرعا، والمباح عادة والمحلل طبعا، والحسيب النسيب أصلا وفرعا.
وبعد هذا التصدير يجد القارئ قصيدة نادرة في مدح الكتاب ومؤلفه، نظمها الشاعر الأديب حفني ناصف.
5
وهذه القصيدة تدل على أن تادرس وهبي كانت له علاقات كثيرة مع كبار أدباء وأعلام عصره. ومن هذه القصيدة نقتطع منها هذه الأبيات، وفيها يقول الشاعر:
كتاب لوهبي بك عز نظيره
إذا قسته بالدر يستحقر الدر
تخال إذا طالعته أن ما مضى
من الأمر مشهود وهذا هو السحر
وتنظر في أسجاعه حسن يوسف
فيا حبذا في حسنه السجع والشعر
وفي الكتاب مقدمتان كتبهما تادرس وهبي، الأولى بدأها بملخص شديد عن تاريخ مصر في عهد ذي القرنين، ثم في عهد البطالسة وإنشاء مكتبة الإسكندرية، ثم في عهد الرومان حتى الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص. ثم تطرق إلى عهد المماليك والعثمانيين والحملة الفرنسية، حتى وصل إلى عهد محمد علي باشا، وما قام به من إنشاء المدارس. ثم خصص مساحة للحديث عن المدارس القبطية وما وصلت إليه من تقدم، واشتغال طلابها في الوظائف الأميرية. ثم تحدث عن نفسه وما قام به في مدرسة حارة السقائين، وأنه أراد وضع قصة يوسف الصديق في قالب التمثيل، مع الحفاظ على معانيها كما جاءت في التنزيل. ويحذر الناقد من إساءة الظن به لتطرقه إلى هذا الموضوع. ويختتم مقدمته بوصف من حضر تمثيلها من الجمهور الغفير عندما مثلت لأول مرة في مسرح حديقة الأزبكية، وعلى رأسهم طلعة الأنجال ... ويقصد بذلك حضور الأميرين عباس حلمي الثاني ومحمد علي.
والملاحظ أن المؤلف سار في كتابته لهذه المقدمة على أسلوب السجع المتبع في جميع كتاباته بما فيه من صنعة لفظية، وتضمين لآيات القرآن الكريم باللفظ والمعنى. فعلى سبيل المثال قوله: «وأورد في كتبه ما فيه مزدجر حكمة بالغة»، مأخوذ من الآيتين الرابعة والخامسة من سورة «القمر».
ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر . وقوله: «أوتوا من الحكمة وفصل الخطاب»، مأخوذ من الآية 20 من سورة «ص»:
وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب . وقوله: «وما له في الأرض من ولي ولا نصير»، مأخوذ من آيات كثيرة، منها على سبيل المثال الآية رقم 22 من سورة «العنكبوت»:
وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .
وقوله: «وإذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة»، مأخوذ من الآية رقم 34 من سورة «النمل»:
قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون . وقوله: «ولقد مكن الله في الأرض لذي القرنين»، مأخوذ من الآيتين 83 و84 من سورة «الكهف»:
ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا . وقوله: «ونبه أجيالا بها كنت تحسبهم أيقاظا وهم رقود»، مأخوذ من بداية الآية رقم 18 من سورة «الكهف»:
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود .
وقوله: «فهي الروضة الناضرة ذات القطوف الدانية»، مأخوذ من الآيتين 22 و23 من سورة «الحاقة»:
في جنة عالية * قطوفها دانية . وقوله: «دعائم عظة تنشرح بتلاوتها الصدور»، مأخوذ من الآية رقم 57 من سورة «يونس»:
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين . وقوله: «والله أسأل أن يتولاني بتوفيقه فيما عولت، فهو حسبي، تبارك اسمه وعليه توكلت»، مأخوذ من الآية رقم 129 من سورة «التوبة»:
فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
أما مقدمة الكتاب الأخرى، فقد قسمها المؤلف إلى فصلين: الأول تحدث فيه عن ملخص قصة يوسف عليه السلام، وفي الآخر تحدث عن دلالة علو درجة مصر في قصة يوسف. ثم تأتي بعد ذلك مسرحية «يوسف الصديق»، وقد كتبها على هيئة مقامات، وكل مقامة تنقسم إلى فصول.
والمقصود بالمقامة - تبعا للمفهوم الحديث للمسرحية - فصل المسرحية، والمقصود بفصول المقامة - تبعا للمفهوم الحديث للمسرحية أيضا - مشاهد فصول المسرحية.
واختتم المؤلف مسرحيته بخاتمة قصيرة، جاءت بعنوان «خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية»، اختتمها بقصيدة دعائية من قصائده. وكعادة تادرس وهبي في أسلوبه الكتابي، وجدناه ضمن هذه المقدمة عدة آيات من القرآن الكريم، سواء باللفظ أو المعنى، ومن أمثلة ذلك، قوله: «إن العمالة الصالح تجارة لن تبور»، مأخوذ من الآية رقم 29 من سورة «فاطر»:
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور . وقوله: «إن الله عز وجل يبعث من في القبور»، مأخوذ من الآية السابعة من سورة «الحج»:
وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور .
وقوله: «ساعة تبيض فيها وجوه وتسود وجوه»، مأخوذ من الآية رقم 106 من سورة «آل عمران»:
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . وقوله: «وترى الناس سكارى وما هم بسكارى» هو جزء من الآية الثانية من سورة «الحج»:
يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد . وقوله: «وجعل الله ما عملوا من عمل هباء منثورا»، مأخوذ من الآية رقم 23 من سورة «الفرقان»:
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا .
وقوله: «فلا أقسم برب الأرباب الذي فطر السموات والأرض»، مأخوذ من الآية رقم 79 من سورة «الأنعام»:
إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين . وقوله: «إن المرء لينظر ما قدمت يداه» مأخوذ من الآية رقم 40 من سورة «النبأ»:
إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا . وقوله: «ويحشرنا مع من أوتي كتابه بيمينه»، مأخوذ من الآية رقم 71 من سورة «الإسراء»:
يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا . وقوله: «يوم تبلى السرائر»، هو الآية التاسعة من سورة «الطارق»:
يوم تبلى السرائر .
وبعد هذه الخاتمة سيجد القارئ «مقامة وهبية»، أي حكاية أو قصة قصيرة من تأليف تادرس وهبي، تحكي عن شيخ مسن يروي قصة اتصاله بشاب شجاع ملك الكثير من الأراضي والبلدان، وتقلبت عليه الأحوال؛ تارة بالسعادة وتارة أخرى بالشقاء. ونعلم من هذه القصة، أن الشيخ المسن هو التمدن، أما الشاب فهو الوطن، والمقصود به مصر! وهكذا نجد المؤلف يستخدم الرمز في رسم شخصيات قصته، وهو أسلوب لم يستخدم بكثرة في هذا الوقت، ولعل تادرس وهبي بهذا النهج يعتبر من رواد هذا الأسلوب!
وبعد هذه القصة أو المقامة نجد «فائدة تاريخية» عن أحوال مصر أيام يوسف عليه السلام. ثم بعدها يأتي جزء كبير من الكتاب، وهو عبارة عن معجم تفسير الألفاظ الواردة في مقامات الكتاب، مرتبة حسب القاموس المحيط للفيروزبادي. فعلى سبيل المثال نجده في باب «الألف المهموزة» يأتي بالترتيب الآتي: برأ، خبأ، درأ، رزأ، رفأ، عبأ، فيأ، كلأ، نبأ، ومأ. وكمثال لتفسير هذه الألفاظ، نجده يقول عن «كلأ»: الكلأ العشب، وكلأه الله كلأه بالكسر أي حفظه وحرسه. وهكذا يسير المؤلف في بقية أبواب المعجم حسب الترتيب الهجائي لحروف اللغة العربية.
ريادة المسرح المدرسي
في آخر صفحتين من الكتاب جاءت الخاتمة، وقال فيها المؤلف عن مسرحيته «يوسف الصديق»: «فجاء تمثيلها بالإطراء حريا، نهضت به مع طلبة مدرسة حارة السقائين، فجاءوا بالعجب العجاب، وانتدبوا لإعلاء كلمة الآداب أيما انتداب، فأنا أفاخر بهم وهم أولوا الفطن، وأحتسب كوني مفتتح باب التمثيل دون أبناء الوطن، حتى ينفسح نطاقه بعناية أولي الأمر، ونكون في غنية عن زيد وعمرو؛ لأنه الفن المحرض على الفضائل، الحاث على نبذ الرذائل». ونستنبط من هذا الكلام أمرين؛ الأول: أن مسرحية «يوسف الصديق»، قام بتمثيلها المؤلف تادرس وهبي بنفسه، مع طلاب مدرسة حارة السقائين القبطية. والأمر الآخر: أن تادرس وهبي هو رائد المسرح الأول في مصر ، الذي ألف مسرحية تعتمد على مسرحة المناهج الدراسية! ولنناقش هذين الأمرين بشيء من التفصيل.
فبالنسبة للأمر الأول ربما يظن القارئ خطأ، أن طلاب مدرسة حارة السقائين القبطية هم أول طلاب يمثلون إحدى المسرحيات المدرسية في مصر عام 1884! فهذا الأمر له سوابق كثيرة، من أهمها مسرحية «أدونيس» التي مثلها طلاب مدرسة العمليات عام 1870، وقد أشارت إلى ذلك مجلة «وادي النيل» قائلة - تحت عنوان «امتحان تلامذة مدرسة العمليات المصرية»: «وبعد انتهاء الامتحان ازداد أهل المجلس استغرابا وانبساطا، واشتدوا عجبا ونشاطا بما حصل بعد تناول الطعام المعتاد في مثل هذا اليوم لسائر المدعوين والمعلمين والتلامذة المتعلمين من تصوير كوميدية أي لعبة تخليعية مضحكة من نوع الألعاب التياترية، في خمسة فصول تسمى باسم «أدونيس» أو «الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل»، كان قد ألفها من قبل وأحفظها للتلامذة باللغة الفرنساوية المعلم لويز معلم هذه اللغة المشهور في المدرسة المذكورة، فقام بتصويرها وحسن إلقائها وتقريرها كل واحد منهم فيما نيط منها لعهدته ... وكان اللعب بها في صحن المدرسة على مجرد ترابيزة صغيرة مستظرفة.»
6
وفي عدد آخر من المجلة، علمنا أن مؤلف المسرحية هو مدرس اللغة الفرنسية لويس فاروجيه، وأن تمثيل المسرحية تم في المدرسة يوم 15 / 11 / 1870، وقام بتمثيلها بعض الطلاب وهم: محمد فهيم أفندي وقام بدور قيصر الحلاق، محمد رشاد أفندي وقام بدور أدونيس، أحمد شوقي وقام بدور الموسيو دوشارم السائح الفرنسي، أحمد عبد الوهاب أنسي أفندي وقام بدور الموسيو مونفرو رفيق السائح الفرنسي، نيازي أفندي وقام بدور جيفار صديق قيصر الحلاق، نديم أفندي وقام بدور ريزينيه رفيق أدونيس، محمد وهبي أفندي وقام بدور بومبه الترجمان، محمد فاضل أفندي، وقام بدور شارلوت ولد بونفور، شاكر أفندي وقام بدور كرونتار صديق دوشارم.
7
أما المسرحية الثانية، التي مثلها طلاب المدارس في مصر فكانت مسرحية حربية، مثلها طلاب مدرسة أركان الحرب عام 1873، وكانت باللغة الفرنسية. وقام بتأليفها سعيد نصر مدرس اللغة الفرنسية وفنون الحرب بالمدرسة، ونشرت مجلة «الجنان» ترجمتها.
8
أما المسرحية الثالثة والرابعة ، فكانتا «العرب» و«الوطن وطالع التوفيق»، من تأليف عبد الله النديم، وتم تمثيلهما من قبل طلاب مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالإسكندرية.
9
ومما سبق نستطيع القول: إن تادرس وهبي هو أول أستاذ يمثل مع طلابه مسرحية منشورة ومؤلفة باللغة العربية! على اعتبار أن مسرحيات «أدونيس» و«العرب» و«المسرحية الحربية» تم تمثيلها من قبل الطلاب فقط، وأن مسرحية «الوطن وطالع التوفيق» تم تمثيلها من قبل الطلاب مع أستاذهم ومؤلفها عبد الله النديم بمسرح زيزينيا بالإسكندرية عام 1881، ولكنها غير منشورة، ومفقود نصها. هذا بالإضافة إلى أن مسرحية «أدونيس» و«المسرحية الحربية» تم تمثيلهما باللغة الفرنسية، على الرغم من أن مسرحيتي «العرب» و«الوطن وطالع التوفيق» تم تمثيلهما باللغة العربية، ولكنهما غير منشورتين ونصهما مفقود!
أما الأمر الآخر، الخاص بأن تادرس وهبي هو رائد المسرح الأول في مصر، الذي ألف مسرحية تعتمد على مسرحة المناهج الدراسية! فهذا الكلام صحيح، ولكنه يحتاج إلى تحديد أكثر. فمثلا سيلاحظ القارئ أن تادرس وهبي قال: «وأحتسب كوني مفتتح باب التمثيل دون أبناء الوطن»! ولعل هذا القول يفهم خطأ بأن تادرس وهبي هو رائد المسرح في مصر على الإطلاق! وهذا الأمر لم يقصده تادرس وهبي، بل إنه الرائد المصري الأول للمسرح المدرسي كصاحب أول مسرحية مدرسية منشورة في كتاب!
والدليل على ذلك، انه في عام 1904، عندما نشر مسرحيته الثانية «بطرس الأكبر»، نص صراحة بأن الريادة المسرحية في مصر كانت لسليم النقاش وأديب إسحاق، رغم كونهم من الشوام! ولكنه هنا نص على أنه مفتتح باب التمثيل دون أبناء الوطن! أي إنه كمصري له حق الريادة المسرحية بعيدا عن الشوام! ولكنه ذكر أيضا عام 1904 أن عبد الله النديم سبقه في هذا الأمر، ولكن مسرحياته غير منشورة، ولم تكن تعتمد على مسرحة المناهج الدراسية، علما بأن «المسرحية الحربية» التي سبق ذكرها كانت تعتمد على مسرحة المناهج الدراسية.
ومسألة مسرحة المناهج الدراسية، عبر عنها تادرس وهبي بقوله: «وأحتسب كوني مفتتح باب التمثيل دون أبناء الوطن، حتى ينفسح نطاقه بعناية أولي الأمر، ونكون في غنية عن زيد وعمرو »! وهذا القول يقصد به تادرس أنه أول من فكر في شرح المناهج الدراسية عن طريق المسرح، عندما قام بمسرحة قصة يوسف الصديق كقصة تعليمية لطلابه، ويأمل في توسيع نطاق تجربته هذه، حتى تتخلص المدارس من ضرب الأمثلة «بزيد وعمرو» كناية عن أمثلة كتب النحو التراثية التي تستخدم «زيد وعمرو» في أمثلتها. وبناء على ما سبق في مجمله، نستطيع القول: إن تادرس وهبي هو أول أستاذ يمثل مع طلابه مسرحية مدرسية منشورة مؤلفة باللغة العربية، تعتمد على مسرحة المناهج الدراسية!
المسرحية بين الشكل والمضمون
على الرغم من أن نص مسرحية «يوسف الصديق» بين يدي القراء الآن، إلا أننا سنلقي بعض الملاحظات العابرة عليه؛ لنبين أسلوب تادرس وهبي في كتابته للمسرحيات من حيث الشكل؛ لأن الأسلوب المتبع في هذه المسرحية هو الأسلوب نفسه المتبع في مسرحية «بطرس الأكبر».
وأول ملاحظة لنا:
أن المؤلف لم يقسم مسرحيته إلى فصول - كما هو معروف في أسلوب كتابته المسرحية حاليا - بل قسمها إلى عدة مقامات! على اعتبار أن مفهوم ومعنى المقامة هو: «الخطبة أو العظة أو الرواية التي تلقى في مجتمع من الناس»، وهو أحد مفاهيم ومعاني المقامة، كما جاءت في المعاجم اللغوية. وهذا الأسلوب يعتبر فريدا، حيث إننا لم نجد مؤلفا مسرحيا أطلق على مسرحيته اسم المقامة! بل المعروف في هذا الوقت أن المسرحية كان يطلق عليها «لعبة، أو تشخيصة، أو رواية تشخيصية».
والملاحظة الثانية:
أن المؤلف لم يقسم مقاماته إلى مشاهد، كما هو معروف حاليا! بل قسم كل مقامة إلى عدة فصول، أي إن الفصل داخل المقامة عنده بمثابة المشهد داخل الفصل في الكتابة المسرحية الحديثة. وهذا الأسلوب فريد أيضا، حيث كان المعروف في ذلك الوقت أن الفصول تقسم إلى أجزاء، باعتبار الجزء هو بمثابة المشهد. وهذا ما قام به مارون النقاش في كتاباته المسرحية، المنشورة في كتابه «أرزة لبنان» عام 1869.
والملاحظة الثالثة:
أن المؤلف كان يضع عناوين لمقاماته - أي لفصول مسرحيته - وعناوين أخرى لفصوله - أي لمشاهد فصوله - فعلى سبيل المثال نجده يضع عنوانا لمقامته الثانية - أي للفصل الثاني من المسرحية - يقول فيه: «في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام، وفيه فصلان»، ثم يضع عنوانا للفصل الأول - أي للمشهد الأول من الفصل الثاني - يقول فيه: «فيما جرى بين يعقوب وبين الرسول»، ثم يضع عنوانا للفصل الثاني - أي للمشهد الثاني من الفصل الثاني - يقول فيه: «فيما جرى بين يعقوب وبين أبنائه حين دخلوا عليه وهو يخاطب الرسول».
والملاحظة الرابعة:
أن المؤلف كان تارة يكتب بعض الإرشادات المسرحية بصورة صحيحة، واضعا إياها بين أقواس، وتارة أخرى يكتبها ضمن سياق الحوار بدون أقواس، مما أحدث بعض الخلل في سياق الحوار الدرامي. وكمثال للأسلوب الأول نجد أحد إخوة يوسف يقول في ص36: من وجد في رحله فهو جزاء كما إنا نكون عبيدا لمولاك يحق علينا ولاؤه، ويخفق على رءوسنا علم عدله ولواؤه ... ثم فتش رحالهم فاستخرج السقاية من رحل بنيامين فقال: الآن حصحص الحق وزهق الباطل ... إلخ.
وكمثال للأسلوب الثاني، ما جاء في ص14: ثم رأى بعضهم يوسف قادما، فانتدب يقول - غير ناظر لما تضمنه قوله بعين المعقول: قد قدم إليكم أيها الإخوة الأنجاب صاحب الأحلام يختال في حلة الإعجاب فاقتلوه أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم ... إلخ. وكان من المفترض وضع العبارة الآتية بين قوسين: «ثم رأى بعضهم يوسف قادما، فانتدب يقول غير ناظر لما تضمنه قوله بعين المعقول»، على أنها تقع ضمن الإرشادات المسرحية.
والملاحظة الخامسة:
تتمثل في شخصيات المسرحية وطريقة كتابتها، حيث جاءت هكذا: «قال ممثل يوسف عليه السلام، قال ممثل يعقوب عليه السلام»، ولم يقل مثلا: «قال يوسف عليه السلام، أو قال يعقوب عليه السلام»! وهذا الأمر جاء على اعتبار أن كل شخصية منهما تمثل نبيا من أنبياء الله، ولا يحق دينيا أو رقابيا إظهار أحدهما على خشبة المسرح بصورة مجسدة! لذلك أراد المؤلف بقوله «ممثل يوسف، وممثل يعقوب» أن يعبر للجمهور أن من يقول هذا الحوار هو ممثل النبي لا النبي نفسه! وربما أثناء التمثيل كان ممثلا يوسف ويعقوب خلف الكواليس، ولا يظهر منهما سوى صوتهما فقط، أو كان هناك راو يتحدث من خلف الستار. وهذا احتمال يؤكده قول المؤلف: «قال ممثل يوسف، قال ممثل يعقوب». والدليل الأكبر على ذلك، أن بقية الشخصيات كانت تتحدث هكذا: «قال قائل من أخوته، قال أحد أبنائه، قال قائل منهم، قال وكيل يوسف»، وهذا يعني أن هذه الشخصيات كانت تظهر بهيئتها؛ لأنها ليست من الأنبياء.
والملاحظة الأخيرة:
تتمثل في شخصية امرأة العزيز، حيث ذكرها المؤلف هكذا: «قال ممثل امرأة العزيز»! وهذا يعني أن طالبا قام بتمثيل هذا الدور، ولم يكن الدور لامرأة أو لطالبة! وهذا الأمر لا يحتاج إلى معاناة في تفسيره أو شرحه، حيث إن المسرح في مصر في ذلك الوقت كان الرجال فيه يقومون بأدوار النساء في الأغلب الأعم، عدا بعض الفرق الشامية القليلة التي جلبت معها بعض النساء. وقد مر علينا - في أحد الهوامش السابقة - كيف كان هجوم الصحافة على فرقة القباني، التي تنكر رجالها للقيام بالأدوار النسائية! فما بالنا لو وقفت طالبة لتمثل دور امرأة العزيز على خشبة المسرح في إحدى المسرحيات المدرسية عام 1884!
أما من حيث المضمون الديني لمسرحية «يوسف الصديق»، فمن غير المعقول أن يعتمد تادرس وهبي - كعاشق وحافظ للقرآن الكريم - على مصدر آخر لهذه القصة غير القرآن! فعلى الرغم من أن قصة يوسف عليه السلام جاءت أولا في التوراة، إلا أنها جاءت بعد ذلك في القرآن لتحمل الكثير من المعاني والتفاسير التي لم تأت في التوراة، علما بأن قصة التوراة جاءت كثيرة الأحداث والشخصيات التي لم تذكر في القرآن! وعدم الذكر هنا كان مقصودا، حيث إن القرآن قدم قصة يوسف كمفاهيم أبدية للعلاقات الاجتماعية والعائلية. وهذا المعنى وعاه جيدا تادرس وهبي كحافظ للقرآن ومتفهم لمعانيه، فاعتمد في مسرحيته على النص القرآني في المقام الأول، ولم يعتمد على نص التوراة إلا في القليل النادر، خصوصا الأحداث التي تلت انتهاء أحداث القصة القرآنية.
10
والدليل على ذلك أن تادرس وهبي عرض في مسرحيته صورة عدل ورحمة يوسف عليه السلام في مصر، أثناء تعامله مع الناس كأمين على خزائن البلاد، قبل وبعد المجاعة والقحط، بالصورة التي جاءت في القرآن، ولم يتعرض للصورة نفسها التي جاءت في التوراة رغم ثرائها الدرامي، الذي كان سيساعده في عرض أحداث مسرحيته؛ لأنها صورة تمثل جبروت السلطة دون النظر بعين الرحمة إلى الشعوب الجائعة. وبمعنى آخر، إذا كان تادرس وهبي أراد أن يصور بعض الأحداث الدرامية التي تخدم مسرحيته وقدرته هو وطلابه على التمثيل، لكان عرض ما جاء في التوراة من أن يوسف عليه السلام ابتاع الطعام للناس في سنوات المجاعة السبع بالمال في السنة الأولى، وبالجواهر والحلي في الثانية، وبالدواب في الثالثة، وبالعبيد والجواري في الرابعة، وبالعقار في الخامسة، وبالأبناء في السادسة، وبالرقاب في الأخيرة ... ولكنه لم يفعل ذلك، واعتمد على النص القرآني.
والدلائل بعد ذلك كثيرة، يستطيع القارئ أن يستنبطها بعد قراءة المسرحية، ومن ثم يقارن بينها وبين قصة يوسف عليه السلام كما جاءت ابتداء من الإصحاح السابع والثلاثين إلى الإصحاح التاسع والأربعين في سفر التكوين بالتوراة، وفي الإصحاح السابع من سفر أعمال الرسل بالإنجيل، وفي سورة يوسف بالقرآن الكريم. وجميع هذه النصوص موجودة في ملحق الكتاب. وكل الدلائل والنصوص تؤكد أن تادرس وهبي ارتضى بالنص القرآني ليكون عماده الأول والأساسي في تآليفه لمسرحيته «يوسف الصديق».
هذه كانت رحلتنا مع تادرس وهبي بك، الذي يحتفل المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، بذكرى مرور سبعين سنة على وفاته، وبمرور مائة وعشرين سنة على تمثيل ونشر مسرحيته الأولى «يوسف الصديق»، وذلك بإصدار هذا الكتاب، الذي يحمل بين جنباته نص كتابه «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق» المتضمن نص مسرحيته «يوسف الصديق». والشكر كل الشكر إلى الدكتور سامح مهران رئيس المركز، الذي كلفني بكتابة هذه الدراسة، وأعطاني الفرصة كي أنفض غبار النسيان والتجاهل عن شخصية مصرية نصرانية فريدة في نوعها، استطاعت أن تجسد معنى التسامح الديني بحفظها للقرآن الكريم واستخدام آياته في كل إنتاجها الأدبي !
دكتور: سيد علي إسماعيل
كلية دار العلوم ، جامعة المنيا
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
جامعة الإمارات العربية
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
كتاب عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق للكاتب الأديب والنابغة الفاضل الأريب حضرة «وهبي بك» ناظر مدرسة حارة السقائين القبطية ومدرس فن الإنشاء والعلوم العربية والفرنساوية، حفظ الله كماله وبلغه من المقاصد الحسنة آماله آمين
وإذا بدا لا تستقلوا حجمه
وحياتكم فيه الكثير الطيب
الطبعة الأولى
برخصة من قلم المطبوعات بنظارة الداخلية
بالمطبعة الإعلامية سنة 1302 هجرية
فهرست كتاب عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق.
صحيفة
2
خطبة الكتاب.
7
مقدمة الكتاب، وفيها فصلان.
7
الفصل الأول: في ملخص قصة يوسف عليه السلام.
9
الفصل الثاني: في الدلالة على علو درجة مصر من قصة يوسف.
12
المقامة الأولى: في مبدأ أمر يوسف عليه السلام، وفيه فصلان.
12
الفصل الأول: في بيع إخوة يوسف إياه، وما حدث بينهم حين قص عليهم رؤياه.
15
الفصل الثاني: في بيع يوسف للإسماعيليين.
17
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل في هذا المقام، وفيه فصلان.
17
الفصل الأول: فيما جرى بين يعقوب وبين الرسول.
19
الفصل الثاني: فيما جرى بين يعقوب وبين أبنائه حين دخلوا عليه وهو يخاطب الرسول.
21
المقامة الثالثة: فيما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر، وفيه فصلان.
21
الفصل الأول: في مراودة امرأة العزيز ليوسف عن نفسه.
25
الفصل الثاني: فيما جرى ليوسف عليه السلام مع فوطيفار وزير فرعون مصر.
26
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر، وفيه فصلان.
26
الفصل الأول: في رؤيا فرعون، وما جرى بينه وبين رئيس السقاة.
28
الفصل الثاني: في تأويل يوسف عليه السلام رؤيا فرعون مصر.
30
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس المؤنة، وفيه فصلان.
30
الفصل الأول: فيما جرى بينهم وبين يوسف عليه السلام.
32
الفصل الثاني: في مفارقتهم يوسف وتأسفهم على ما وقع منهم في حقه.
34
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته، وفيه أربعة فصول.
34
الفصل الأول: في قدوم إخوة يوسف مع بنيامين من أرض كنعان إلى مصر.
35
الفصل الثاني: في إرسال يوسف عليه السلام وكيله خلف إخوته عقب رحلتهم من مصر.
35
الفصل الثالث: فيما جرى بين الإخوة وبين الوكيل وأصحابه.
36
الفصل الرابع: في وقوف الإخوة بين يدي يوسف عليه السلام، وما جرى بينهم وبينه من الحديث في هذا المقام.
40
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر، وفيه فصلان.
40
الفصل الأول: في اجتماعه بيوسف عليهما السلام.
43
الفصل الثاني: في اجتماع يعقوب عليه السلام بفرعون مصر.
45
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان، وفيه فصلان.
45
الفصل الأول: في رثاء يوسف ليعقوب عليهما السلام.
47
الفصل الثاني: فيما خاطب به الإخوة يوسف عليه السلام.
47
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية.
49
مقامة وهبية تروي بحلاوة روايتها الغليل، وتأتيك بالخبر المسلسل عن وادي النيل، منشأة بقلم مؤلف هذا الكتاب، لا زالت فرائد فوائده تملأ الحقيبة والوطاب.
57
فائدة تاريخية: في الكلام على الدولة المصرية التي قدم في عهدها يوسف عليه السلام إلى مصر.
59
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية مع مراعاة الحروف الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول.
87
خاتمة الكتاب.
تمت الفهرست.
إصلاح خطأ وقع في بعض نسخ هذا الكتاب.
صحيفة
سطر
خطأ
صواب
16
15
فارحموه وواخوه
فارحموه وآخوه
17
9
بالله إن جزتم على
بالله إن عجتم إلى
42
5
وألفيت به اثنين
ودخله معي فتيان
44
19
أسعد بأخبار اللقاء واسعف
فاذكر أويقات اللقاء واسعف
46
13
ورفوا لثوب الغم
ورفأ لثوب الغم
49
14
بيد الذي برأ العباد
بيد الذي أنشا العباد
56
19
من مصر تمكن أمكن
من مصر تمكنا أمكن
57
19
ونسخوا ما وجدوه
ودمروا ما وجدوه
61
5
في المثل حبلك
وفي المثل حبلك
73
22
الخفوق والخفقان مصدرا
الخفوق والخفقان مصدر
75
23
السدل مصدر أسدل
السدل مصدر سدل
84
14
والموسى آية
والموسى آلة
ملاحظة: قوله «أمم» في صحيفة 76 سطر 23 حقه أن يوضع بعد قوله «أزم» في الصحيفة التالية. (1) صورة ما كتبه الحسيب النسيب رب المعالي المزرية أقلامه بالسمر العوالي من إجابته السعيدة بلبيك، حضرة الأمير صاحب العزة علي بك فهمي، نجل المغفور له رفاعة بك، لا برح يعزز بطارف مجده تلاده، ومآثره الغر في جيد الزمان قلاده
بسم الله الرحمن الرحيم
باسمك يا مصور الكائنات يستفتح المقال، وبإرشادك يا مقدر تجري الحركات والسكنات على أبدع مثال، فنحمدك على أن جعلت أرواحنا لبديع ذاتك القدسية مرايا تمثيل وتشخيص، وأشباحنا لمظاهر صفاتك الجمالية والجلالية ربوع تأنيس ومعاهد تنصيص، ونصلي على جميع أنبيائك في أرضك وسمائك، الذين طبعوا صور الهداية في قلوب تابعيهم، وتخلقوا بأخلاق الله فصدع بأمر الحق داعيهم، وعلى ختام مسكهم وعقد نسكهم محمدنا الأكرم وهادينا الأعظم أفضل صلاة وأزكى سلام، يتأرج بغررهما ويتتوج بدررهما سواد الليالي وبياض الأيام. وبعد ... فمن البين ما ينجم عن فن التاريخ من الفوائد، وما يصل من تلك الفوائد إلى المجتمع الإنساني من العوائد. وكما أن سلسلة العلوم والفنون متصلة الحلقات، مرتبطة العلاقات، لا يستغني الواحد منها عن الآخر من حيث ضرورة الهيئة الاجتماعية، على اختلاف الجنسية، وتباين النوعية، فكذلك الصدور القابلة والألسنة القائلة والأعين الناظرة وسائر القوى المدركة، وهي وإن اختلفت أميالها الاختلاف المحسوس، لكنها جعلت الائتلاف العام متحدة المذاهب على إيراد مورد العلم المأنوس، ونخص في هذا الموضع من بين ما ذكرناه فن التاريخ المعتبر؛ فإنه فضلا عن إجماع الأديان على استحسان تعلمه، قد عده علماء الإسلام مما له بين العلوم العربية النفع الأكبر، حيث متجددات الأزمان، والمستحدثات التي قضى بضرورتها الإمكان، ولدت فرعا منه مجهول النسب، حارب الممالك بمعنوياته، فتارة غلب وتارة غلب، إلى أن سمى على التخصيص باسم فن التمثيل والتشخيص، ولقب هذا الطفل اليفاع بألقب البطل الشجاع، وخاطب نفسه بنفسه بعد أن تمكن من إخماد أثره وإنتاج غرسه بقوله:
وقولي كلما جشأت وجاشت
من الأبطال ويحك لا تراعي
فإنك إن سألت بقاء يوم
على الأجل الذي لك لم تطاعي
إلا أن هذا الفن المستحسن لا يمكن لنا الحكم له أو عليه، وأن نسبة التحريم أو الجواز تصل إليه إلا إذا عرضناه بذاته وصفاته على حاكم الشرع، الذي قبل الأصل ولم ينص على قبول الفرع. أما من حيث ذاته والغاية المقصودة، فهو الضالة المنشودة والآية المحمودة، التي تدفع غائلة الاستبداد، وتضمن خلو البلاد من الفساد والإفساد، وتطهر الأخلاق وتجدد في العروق دما أصيل الأعراق، وتوافق بلا شك ما عليه قواعد الدين من السعي في قطع دابر الظلمة الملحدين. وأما من حيث صفاته العارضة، فهي التي ينظر فيها بعين المعارضة والمناقضة، اللهم إلا أن يكون في الإمكان إزالتها حيث ساءت حالتها، واشتملت على ما ليس يليق بالإنسانية، المشروط اعتبارها في الأديان، واشتبهت على أهل البلاد الأجنبية فسموها بتكميل أنواع المدنية، وهو محض بهتان، بل وساوس شيطان، فينتج من ذلك أن هذا الفن بمدلوله الأصلي إن خلا عن عوارض تشينه، وتحلى بمباحات تزينه، وتقلد بعلو همة، وتجرد عن انتهاك حرمة، ولم يكن آلة موصلة للنفوس الدنية، إلى ارتكاب ما لا يليق بالإنسانية، فهو الواجب سياسة والجائز شرعا، والمباح عادة والمحلل طبعا، والحسيب النسيب أصلا وفرعا. وكما أن عين الأهمية لحظت هذا الأثر الحميد، واعتبرته كل جمعية إنسانية لجيد المدنية عقده الفريد. كذلك كان القائمون بالتأليف فيه، وجميع عماله وواضعيه، معدودين في الطبقات الأهلية من الطراز الأول، وفي رفع راية المدنية ممن عليهم المعول، فلا جرم أن قادت النفس الناطقة والهمة الصادقة ذا الفضل الكسبي والوهبي، المتفنن في كل فن سائغ المشرب هني، الماجد الأنجب، والأكمل المهذب، حضرة وهبي بك ناظر مدرسة حارة السقائين القبطية، ومعلم دروسها اللسانية والعلمية إلى الانتظام في رجال هذا السلك النفيس، بتأليف هذه القصة التي اشتملت على تشخيص أعاظم رجال طيوة ومنفيس، وأسفر بدرها الغير المحجوب، عن وجه يوسف وسرور يعقوب، وانتظم درها وما انتثر، بالكواكب الأحد عشر، هذا ولا لوم ولا تثريب على مؤلف هذه القصة الأديب الأريب كما يسبق إلى الذهن من أول وهلة، وإلى من لا يألف هذا الفن في الجملة، لا زالت دولة القلم ظافرة بجيوش الجهالة، وصولة العمل قائمة على تبديد البطالة، ورجال التأليف آخذين بعنان الاجتهاد وبنان الترصيف مخضبة بسواد المداد ما بلغ أولو العلم المشتهى، وتم أمر وانتهى. آمين. (2) صورة ما كتبه الأديب رب البراعة، وحائز قصب السبق في ميدان اليراعة، حضرة حفني أفندي ناصف، أحد متوظفي قلم النيابة العمومية بمحكمة مصر الاستئنافية. قال فراع الألباب بأدبياته، ونظم الثريا في أبياته
أعيذك من شر الحواسد يا مصر
فقد آن أن يزهو بأبنائك العصر
وتظهر للأيام منهم براعة
يكون بها بين البلاد لك الفخر
وما أنت في حوز الفخار دعية
ولكن قضاء والليالي لها سر
وتلك صروف في ظروف تقدمت
لتأخيرنا حينا فلا ردها الدهر
فإن كنت قد قصرت فيما مضى ففي
طوالع الاستقبال ينتظم الأمر
وحسبك أن قد لاح فيك أئمة
لهم في دواوين النهى النهي والأمر
غنوا بابتياع المجد حتى علا لهم
على المشترى قدر وسار لهم ذكر
ومالوا إلى نشر المعارف والهدى
ففاح على الأكوان من طيبها نشر
وإن جحد الغر الجهول فخارهم
فهذا دليل أن آثارهم غر
كتاب لوهبي بك عز نظيره
إذا قسته بالدر يستحقر الدر
تخال إذا طالعته أن ما مضى
من الأمر مشهود وهذا هو السحر
وتنظر في أسجاعه حسن يوسف
فيا حبذا في حسنه السجع والشعر
به تشحذ الأذهان والروح ترتوي
بعذب معانيه ويسترشد الفكر
فإن تك أقوال الأنام كثيرة
فما مثل هذا يحسن النظم والنثر
فيا قومي احذوا حذو ناسج برده
فما للفتى من دون آدابه قدر
وأحيوا بهذا العصر لهجة قومكم
فليس على نسيانها يحسن الصبر
كتاب عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق للكاتب الأديب، والنابغة الفاضل الأريب حضرة «وهبي أفندي» ناظر مدرسة حارة السقائين القبطية ومدرس فن الإنشاء والعلوم العربية والفرنساوية حفظ الله كماله وبلغه من المقاصد الحسنة آماله آمين
وإذا بدا لا تستقلوا حجمه
وحياتكم فيه الكثير الطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الدنيا أم العبر، يعتبر المتأخر فيها بأنباء من مضى وغبر، فأورد من اختصه بتوفيقه موارد نعمائه السائغة، وأورد في كتبه ما فيه مزدجر حكمة بالغة، فسبحانه من إله جعل شمائل أنبيائه ديوانا أودع ما رق من الفوائد وطاب، وفضائل أصفيائه عنوانا على ما أوتوا من الحكمة وفصل الخطاب. أما بعد ... فإن من توشح من الأذكياء بوشاح الأدب، وترشح لأن يميز من الحقائق بين الدرر والمخشلب، يتبين ما قضت به الأقدار بتزكية شهود العادة، من أن كل مملكة يتنازعها قوتان شقاء وسعادة، فحيثما كان ولي الأمر طيب المزايا، تشف عن ضياء سيرته الحميدة مرايا، فهو ولا مرية أولى من الأول بالثاني، وخير من يغني ذكر ما آثره اللبيب عن رنات المثاني، وإن أدل بدولته فأشقى الرعية، وأسخط الحق بانتهاكه حرمة الأصول المرعية، كان بمصير أمره في الآخرة غير بصير، وما له في الأرض من ولي ولا نصير، وبطرفي هذا في القياس تعقد سعادة البلاد وشقاؤها، ويجري القضاء بما فيه انقراض الدولة أو بقاؤها، فالحمد لله؛ أتاح لمصر أميرا هو السيد المرتضى.
والهمام الذي استأصل شأفة الطغاة بسيف عزمه المنتضى، أصبحت المدارس بعنايته كأنها روض وريف وريق، أو حلبة آداب يستبق فيها كماتها فريقا يتلوه فريق، فلله دره ابتسم عهده فاستبكى كل عهد ذهب، وارتسم اسمه في تاريخ ملوك مصر بماء الذهب، وإن لمصر في التاريخ لشأنا دونه الفرقدان، وفخرا يرويه عنها من أبناء الزمان قاص ودان؛ لأنها البقعة المباركة التي ضربت فيها سرادقات العمار، والكعبة التي كان بها للطائفين هناك اعتمار، ولكم يؤمها الآن حريص من العلماء، على مشاهدة آثار القدماء، فيتهيب أنى جاء تلقاء أبي الحجاج أو الهرمين، تهيب جماعة الحجاج ساعة زيارة الحرمين، ولو هاله أبو الهول وهو يحدق لعين شمس، ويفرق بين حاله اليوم وما كان عليه بالأمس، لارتضى بالدلالة الالتزامية قولا شارحا لعظم هاتيك القرون، الذين كانوا يبيعون المعارف على سواهم من الأمم ولا يشترون، ثم أوسعهم الدهر حسدا، وكر عليهم بصروفه أسدا، فاضطروا الآن يستبدلوا الإقدام بالإحجام، وأن يدينوا وهم صاغرون لملوك الأعجام، الذين طفقوا يقيمون عليهم من حيث لا يحتسبون أدلة، وإذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، ولقد مكن الله في الأرض لذي القرنين، وخضعت له الأمم على بعد المشرقين، فأغلق في وجوه أولئك الفرس باب النصر، وافتتح برأيه المسدد وسيفه المهند ملك مصر، ثم ثبطته المنون عما كان يروم إليه الجنوح، فأصبحت ممالكه تبكي على شبابه الغض وتنوح، وتقسم بعض قادته آخذا من القسمة المقدرة بنصيب، مصيبا زعيم البطالسة عروس الأقطار الشرقية بنصيب، فكانت له في إنشاء مكتبة الإسكندرية يد بيضاء، ولخلفائه من بعده عزيمة ذات مضاء، إلى أن أخنى على دولتهم بمصر الزمان، واعتاض عنها بالتي هي لقياصرة الرومان، فأرسل إليها أولئك من الرعاية طرفا كليلا، ولم يقبلوا على ملاحظة شئونها إلا قليلا، فلو لم تدفع بمقاليد الطاعة لابن العاص، ويستسلم لأحكامه من أهلها منقاد وعاص، لما نزلت منزلة الصدر في صدر الإسلام، ولما اعتزت بصيرورة دار الخلافة مدينة السلام، وما زالت الأيام تحكم عراها وتحلها، وآونة ترحل عنها السعادة وآونة تحلها، حتى انقلب ملوكها مماليك، واستوى سراتها والصعاليك، فأغار عليها في ولاية الغوري آل عثمان، واستسلمت للسلطان سليم عقب فتكه بطومان، لكنها لم تبرح حالها متشاكسة متعاكسة، لتداولها بين أيدي الولاة وبقاء نفوذ الشراكسة؛ فلهذا طمعت الجمهورية الفرنساوية في افتتاح أبوابها المغلقة، وأن تسود عليها - والحالة هذه - سيادة مطلقة، وأصرت على أن تجعلها إقليما فرنسويا، ولم تعد إلى دار الخلافة إلا بعد ثلاث سنين سويا، حين أتيح لها من ناضل عنها بحسامه وقلمه، وبسط عليها منصور لوائه ومنشور علمه، فاقتطف من الآمال ثمرا جنيا، وشرف وهو - محمد علي باشا - لكون أصله مقدونيا، بل نظم المنتثر من أحوالها نظم العقود، ونبه أجيالا بها كنت تحسبهم أيقاظا وهم رقود، وقد اقتدى به - ولله الحمد - خلفاؤه، الذين هم أولياء التمدن وحلفاؤه، فاختصوا بمنشآت يتمدح بها من شدا أو أشاد، وأوتي ولو مثقال ذرة من الرشاد، وحسبك بمن يتنقل في الرئاسة من أصل لفرع، مؤيدة سياسته وهو سمي التوفيق بنصوص أحكام الشرع، حتى اعتز به القطر بعد البؤس والباس.
وافترت ثغور المعارف كأنه الرشيد في بني العباس، مدارسه العامرة تدحض بآياتها البينات حجة الممتري، وتغلو سيمتها على ذات الراصد القاصد المشتري، هي الروضة الناضرة، ذات القطوف الدانية، والغادة الناظرة، إلى مديرها اليعروف سرا وعلانية، ومنها المدارس القبطية التي هي شامة في وجنة المدارس، كما أن من عرف غبطة رئيسها الروحي وشامه، علم أنه المحيي من مآثرها الطلل الدارس، وكأي للجناب العالي من منن كبرى وآلاء، يخفق لها على المدارس القبطية لواء علاء، حتى روى حديثها أولو الفضل أيما رواية، وتجاوزت في ترقية أبناء الوطن حد الكفاية، لا سيما مدرسة حارة السقائين الزاهرة، في محروسة مصر القاهرة، فقد تفرق طلبتها بين ممتط غارب الآداب، أو متعلق من العلوم العقلية بالأهداب، وبين ماد للخدمة الأميرية ليفوز في الوطن بالوطر باعا، أو معمر على حداثة سنه من معاني الأدب أبياتا ورباعا، ولقد قمت بخطة نظارتها وفق الأرب قيام الأمين، وتلقيت بها راية العلوم الأدبية تلقي عرابة العرب باليمين، فانتقيت الدر المختار، من أصداف المنافع، واستسقيت بيد الاختبار، السائغ من مياه تلك المنابع، ولما كانت قصص الأنبياء ريحانة الألباء، والمرآة التي تجلو بصيرة المشتغل بفن الألف والباء، عن لي أن أفرغ قصة الصديق عليه السلام، في قالب من صياغة التمثيل، وأقدم بها على رحاب أمراء الكلام، مع كوني حفيظا على معاني التنزيل، إذ هي قصة مدبجة المعاني، بديباج عجائب المقدور، مؤسسة المباني، على دعائم عظة تنشرح بتلاوتها الصدور، قصة يوسف حسنها عزيز، وثمين كنزها جوهر وإبريز، تعانق فيها التاريخ بالحكم، فعز أن يكون لها نظير في الكيف والكم، اشتملت على تجارة رابحة، ومخاصمة ومصالحة، ورشاد وغواية، ومبدأ وغاية، ومكائد نساء، وإحسان لمن أساء، وخفض ورفع، وضرر ونفع، وتدبير وسياسة، وتوفير في القوت حكمت به الكياسة، وعفة وأمانة، واهتمام بخيانة، وعالم منام، وصادق أحلام، صححها عالم الحقيقة، على أبدع طريقة، وفن حفظ زراعة، لدفع أزمة مجاعة، وبالجملة فهي جوهرة من أنفس الودائع الفاخرة، وسفينة ببضائع البدائع ذاخرة، وأكمل قصة جمعت بين خيري الدنيا والآخرة، ولرب منتقد يطلع عليها فيستوكف مزن الانتقاد، ويقوده الغرض إلى سوء الاعتقاد فينقاد، على أنه لو تصفحها تصفح الذكي الأريب، وألحقها بالمقامات التي لها كبير مدخلية في التهذيب، لأدرك بأن هذا الأسلوب أشد علقة بالأسماع، والصراط الحميد الذي انعقد على تقريظه نطاق الإجماع، وأين أنت ويوم عروبة شهدها فيه أولو الألباب، وتقاطروا علينا في حديقة الأزبكية من كل باب، فنهضنا بتمثيلها نهضة الرجال، وأسعدتنا المقادير ببزوغ شموس طلعة الأنجال، وها أنا أبديها خريدة، على منصة الجمع بين الأصول، وأهديها فريدة، في عقد مقدمة وثماني مقامات وخاتمة وفصول، موسومة «بعنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، والله أسأل أن يتولاني بتوفيقه فيما عولت، فهو وحسبي تبارك اسمه وعليه توكلت.
مقدمة الكتاب
وفيها فصلان
الفصل الأول: في ملخص قصة يوسف عليه السلام
نطقت الكتب المنزلة والآثار، وأطبقت العلماء ورواة الأخبار، بأن يعقوب عليه السلام نبئ في زمن جده إبراهيم، وبعد وفاته بنى على لية ابنة خاله لأبان ثم على راحيل أختها، فرزق من الأولى براءوبين وشمعون ولاوي ويهوذا وإيساخر وزبولون وابنة يقال لها دينا ومن الثانية بيوسف وبنيامين، وماتت في نفاس بنيامين، وخلف من زلفة سرية لية جادا وأشير ومن بلهة سرية راحيل دانا ونفتالي فهؤلاء بنو يعقوب الاثنا عشر وهم الأسباط، وكان يوسف أحب أبنائه إليه وأكرمهم منزلة لديه، فحسده إخوته وأضمروا له السوء، وما زالوا به حتى أرسله أبوه معهم إلى البادية، فأباحوه ما في نفوسهم وأخذه بعضهم فجلد به الأرض، ثم جثم على صدره، وقال له: لتنقذك الآن رؤياك التي كنت ترويها، وتطفئ بها غلة أمانيك الباطلة وترويها، وكان قد رأى وهو ابن سبع عشرة سنة الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدين له على تأويل كون الكواكب أخوته والقمرين أباه وخالته، فاستغاث يوسف ب «راءوبين»، وقال له: حل بيني وبين من يريد اغتيالي، فأدركته رحمة الأخوة، وصدهم عنه، فألقوه في غيابة جب، هناك بعد أن نزعوا قميصه، ولبث يوسف في الجب وإخوته يرعون حوله، حتى جاءت سيارة يريدون الرحلة إلى مصر للتجارة، فاستقوا من الجب فتعلق يوسف بالرشاء، فأخرجوه، فجاء إخوته وقالوا : هذا غلام أبق منا فشروه منهم بعشرين درهم، ثم جاء إخوته على قميصه بدم كذب، وأرسلوه إلى أبيهم وساروا إليه عشاء يبكون ويقولون: أكل يوسف الذئب، فاشتد بيعقوب الحزن على فقده، ولم يحل لديه الصبر من بعده، وجاء به السيارة إلى مصر، وأوقفوه بمدينة منف للبيع، فتغالى الناس في ثمنه، واشتراه فوطيفار صاحب سلاح الملك، وكان يوسف قد انتهى إلى ذاته الجمال، وإلى صفاته الكمال، فراودته امرأة العزيز عن نفسه فأبى واستعصم، فتحيلت في الإيقاع به حتى تمكنت حبسه، واجتمع في السجن بصاحب طعام الملك وصاحب شرابه، فتوسما فيه الخير وقص عليه كلاهما رؤياه فعبرها لهما ولم يزل مسجونا حتى رأى الملك حلمه، واستفتى فيه حكماء مصر فلم يأت بتأويله منهم أحد، فاستدعى بواسطة صاحب شرابه يوسف من السجن، فعبره له فعظم في عينه واستوزره، وفوض إليه أمر مصر، وجعله أمينا حفيظا على خزائنها، ثم زوجه بابنة ملك عين شمس. وقد امتلأت الخزائن من القوت في عهد يوسف عليه السلام، فقام بتدبيرها وحسن إدارتها أحسن قيام، لا سيما اختراعه طريقة حفظ البر في سنبله من آفات الفساد، ولما جاء القحط كان يوسف يبيع الميرة بأغلى القيم، أعني مكيال البر بمكيال من الدر، فاشترى أهل مصر بأموالهم فحليهم فماشيتهم فعقارهم فعبيدهم فأبنائهم فرقابهم، وكان يوسف لا يشبع في تلك الأيام، ويقول: أخشى أن أنسى الجائع، وبلغ القحط إلى كنعان، فأرسل يعقوب أبناءه إلى مصر ليمتاروا، وقال: يا بني، قد بلغني أن بمصر ملكا صالحا، فانطلقوا إليه فاقرءوه مني السلام.
فلما جاءوا إلى مصر دخلوا على يوسف فعرفهم وأنكروه، فقال لهم: أخبروني من أنتم؟ وما شأنكم؟ قالوا: نحن قوم من أهل الشام، رعاة أصابنا من الجهد ما أصاب الناس، فجئنا نمتار. فقال: لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي، فقالوا: معاذ الله، ما نحن بجواسيس، إنما نحن إخوة بنو أب واحد، وهو شيخ كبير يقال له يعقوب، وكنا اثني عشر، فهلك أحدنا في البرية، وكان أحبنا إليه، وقد أمسك أخا له من أمه يستأنس به، فقال: ائتوني به ودعوا أحدكم عندي رهينة، فاقترعوا فيما بينهم فأصابت القرعة شمعون، فخلفوه عنده، ثم جعل يوسف بضاعتهم في رحالهم، فعادوا إلى أبيهم يقولون له: منع منا الكيل، فأرسل معنا أخانا نكتل، فقال: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل، وعز عليه أن يبعث به معهم، ثم اضطرته شدة القحط لإرساله، بعد أن ضمنوا له حفظه، فلما دخلوا على يوسف أكرم وفادتهم ودعاهم إلى طعامه، فأجلس كل اثنين منهم على مائدة، فبقى بنيامين شقيق يوسف وحيدا يبكي ويقول: لو كان أخي حيا لأجلسني معه، فضمه يوسف إليه، وقال له: أنا أخوك، فلا تبتئس. ثم احتال عليه فوضع الصاع في رحله، وأمر رسله فاتهموه في الظاهر بالسرقة، ولم يقدر إخوته على خلاصه، وعادوا فوقفوا أمام يوسف موقف الذل، فقال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ وأماط الحجاب عن نفسه، فعرفوه فقالوا: أئنك لأنت يوسف، فقال: أنا يوسف وهذا أخي، فقالوا: تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين، ثم سألهم عن أبيه وأهله، وكلفهم بأن يأتوا بهم إلى مصر أجمعين، فآبوا إلى أرض كنعان وجاءوا بأبيهم، فأكرم يوسف مثواه، وجعل أرض رعمسيس مأواه، وأقام يعقوب بمصر سبع عشرة سنة، ولما حضرته الوفاة أوصى يوسف فحمله إلى الشام، ودفنه مع أبويه إبراهيم وإسحاق، كما أن يوسف قبل وفاته بمصر أوصى بما أوصى به أبوه، فحمل على يدي موسى عليه السلام، ودفن بعد خروج بني إسرائيل من مصر في أرض الشام.
الفصل الثاني: في الدلالة على علو درجة مصر من قصة يوسف
لا يخفى أن صفة المدنية لا تتوفر في أية مملكة من الممالك إلا بوجود أمور ثلاث، حسن الإدارة الملكية، والسياسة العسكرية، ومعرفة الألوهية. ومن تدبر تاريخ مصر القديم يعلم أن أهلها كانوا في غاية الطاعة لأولياء أمورهم، كما أن أولياء الأمور كانوا مقيدين بقوانين كافلة بصلاح الدين والدنيا، كافية في ترقية الأمة إلى الدرجة العليا، وكانت مصر منقسمة إلى عمالات، على كل عمالة حاكم ، وأراضيها منقسمة بين ثلاث طوائف؛ قسم للملك، وقسم لأمناء الدين، وقسم للجنود، وما خلا هذه الطوائف الثلاث طوائف أخر تتعيش من أعمالها وصنائعها. وبالنظر لهذا التقسيم قويت شوكة أمناء الدين، فاختصوا بممارسة العلوم وسن الشرائع والقوانين، وكانت طائفة الجنود بمصر ذات بأس وقوة؛ بدليل أن الملك سيزوستريس جند جيشا عظيما بقصد افتتاح بلاد العراق والعجم والهند، فسار إليها من طريق الشام، وافتتحها بعد استيلائه على بلاد فلسطين، ولو لم تكن جنوده ذات ثبات في مواقع الحروب، ووثبات على اقتحام الكروب، لما اقتضى ثمر النصر من الرقاب، وخلد اسمه في التاريخ على ممر الأحقاب، وكان الدين كذلك مؤسسا على أساس متين، فكان أمناؤه يعتقدون بألوهية ذات علية ليست على صفة البشرية ولهم أسرار عجيبة لا يطلعون عليها، إلا القليل من الناس، وأما منشأ عبادة العامة للأوثان، فلأنهم يؤلهون كل من اخترع أمرا غريبا من قانون أو علم أو فن، فكانوا أصحاب براعة في كثير من العلوم، كالهندسة والمساحة وتقويم البلدان والطب والتاريخ والفلك، وبالنظر لحرص الدولة المصرية على العدل الذي عليه مدار سعادة الممالك انتخبت من مدنها الثلاث - عين شمس وممفيس وطيوة - قضاة ليكونوا أرباب المشورة القضائية وعدتهم ثلاثون، وكان صاحب مصر يعاهدهم على أن لا يطيعوه إذا أمرهم بما لا ينطبق على لائحة أو قانون، وكانت مذاكرة المجلس في المصالح والقضايا والآراء تكتب بالقلم والمحاورة والمناقشة والمرافعة كذلك؛ لئلا يسدل على الحق حجاب الفصاحة، لما في البيان من السحر، وللحق عندهم صورة مجسمة، فإذا تبين الحق لأحد الخصمين رفع رئيس المجلس الصورة بإحدى يديه، وأذن للمحق أن يضع يده عليها إشارة إلى أن القاضي في الواقع إنما هو الحق.
وقد دلت التواريخ على أن ديوان حكومتها كان على غاية من حفظ الرسوم الملوكية المعتبرة والعوائد السلطانية المقررة، ومن أمعن النظر في مبدأ أمر يوسف من اقتصار فوطيفار على سجنه، وعدم المبادرة بالانتقام منه مع كونه مملوكه، علم أن أمور الدولة المصرية كانت تدور على محور الاعتدال التام، ولا يفصل فيها إلا بمقتضى نصوص قوانين وأحكام، ومن هنا يتبين بأن قانون معاملة الرقيق من هذا القبيل لا يسوغ معه للسيد الذي أساء عبده كل الإساءة أن ينتصف منه لنفسه كما يحب ويختار، وأما سجن يوسف مع صاحب طعام الملك وصاحب شرابه؛ فمدلوله أن فرعون مصر كان له أصحاب مناصب في قصره كما في الدول المتمدنة، وأن اثنين منهم اتهما بالخيانة الملوكية؛ أي: أرادة سم الملك، فغضب عليهما وأمر بسجنهما لحين تحقيق دعواهما، ولما اتضح له أن أحدهما مذنب بما يوجب القتل قتله، وأن الآخر بريء فرج عنه فعاد إلى منصبه. ويستنبط من التواريخ الأثرية أيضا أنه كان لفرعون يوسف في كل سنة عيد عظيم لمولده يحتفل بإقامة شعائره في القصر الملوكي، وهو من جملة الأدلة على أن التمدن قديم العهد بمصر. ومما يؤيد ما كان لديوان فرعون من الرسوم التي يحافظ عليها بدون تسامح، أنه لما مات يعقوب وحزن عليه يوسف حزن بني إسرائيل اجتنب أن يتمثل بين يدي فرعون في ديوانه وهو بزي الحزن، ومن المعلوم أنه لا يتصف بهذه الآداب الرسمية إلا الجمعية ذات التقدم في المعارف والمدنية، ولا مرية في أن سائر ما ألفته الدول المتأخرة من العوائد في هذا العصر، كان له نظير في الدول القديمة التي حكمت على مصر، فليس التمدن من خصوصيات الأزمان الأخيرة، وإنما الذوقيات تختلف بما يلائم طباع الوقت في أمور كثيرة، ومع ذلك فكل نبي بعث في أي جيل هو على تقدمه أقوى حجة وأقوى دليل.
المقامة الأولى
وفيها فصلان
الفصل الأول: في بيع إخوة يوسف إياه، وما حدث بينهم حين قص عليهم رؤياه
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن الحب الأخوي ريحانة النفوس، والسر الذي تسري رقته في الجوانح كحميا الكئوس، بحيث يرتاح الأخ لأن يبايع أخاه بأنبائه، ويتابعه فيما يبديه له من ملاحظاته وآرائه؛ فلهذا جئت لأقص حلما رأيته على أسماعكم، بغية أن أقتبس تأويله من إبداء إبداعكم، أفتأذنون لي في سوق حديثه بنصه، وأن آتيكم أيها الأخوة بالخاتم وفصه .
قال قائل من أخوته: عليك بقص ما رأيت في منامك؛ لعلك تمتطي بواسطة تأويلنا سنام مرامك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إني رأيت أحد عشر كوكبا والقمرين سجدت لي سجودا، وكتبت لي كتائب الإجلال - وايم الله - جنودا، فأفتوني في هذه الرؤيا التي تحار فيها الأفكار، وأطلعوني بذكائكم البارع على ما انطوت عليه من أسرار.
قال قائل منهم: ما بالك تغاضبنا بهذا الخطاب وتأتينا من حديثك، ولكن لا بما حسن وطاب، حتى رأينا منك بطرف الفراسة أنك ستستأثر لنفسك بحق الرياسة، أتريد أن أبويك وأخوتك يخرون لك سجدا، وأن تصبح - على حداثة سنك - زعيما وسيدا، اعلم أن دون إدراك تلك المنية خرط القتاد، والتخلف عن مثلها بغية كل طالب مرتاد، ولئن تماديت على قصدك كمن اغتر بزخرف المحال، ولم تكترث بصروف المستقبل مراعاة لظروف الوقت الحال، لندمت على كونك تظنيت السراب ماء، ولعلمت أن هاتيك الكواكب إن هي إلا أسماء، وقد أنذرناك إنذارا يعقبه الجزاء، وحذرناك بما نطق به لسان الإخاء، فإن شئت فقم وامض إلى أبيك، لعله بتأويل رؤياك ينبيك.
ومن تلك الساعة أصر إخوته على الانتقام منه، وعلق بأفئدتهم الغيط مما صدر عنه، وما زالوا به حتى أغروه بمرافقتهم وآنسوه فأنسوه ما تعوده من مفارقتهم، ثم اجتمعوا بيعقوب عليه السلام، فأنزلوه منزلة الإجلال، وخاطبه أحد أبنائه على لسان الكل، فقال: يا أبانا، دام عزك وبقاؤك، ما لك لا تأمنا على يوسف وكلنا أبناؤك، تعلم منا النصح له ولا تبديه، وتنضي عن منكبيك رداء الخوف آونة وأخرى ترتديه، أرسله معنا غدا يرتع ويلعب في مروج البادية، ثم يعود إليك وأمارات السرور على محياه بادية، وإنا له لحافظون وبعيون العناية يا أبتاه ملاحظون.
قال ممثل يعقوب عليه السلام: إني ليحزنني أن أفارقه فراقا يعز بعده اللقاء، وأن تذهبوا به وتغادروني حليف شجن وبكاء، وأشفق من أنكم بحفظه لا تحتفلون، وأن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون.
قال أحد أبنائه: كن آمنا مما تخشى بالله عز وجل، ولا تركن لما يخامر فؤادك من أسباب الوجل، وإن مثلنا لممن يرعى حق الأخوة، ويمنعه كرم تجارة مما بنا في المروءة والفتوة، وها نحن عن سوقنا وأيدينا حاسرون، ولئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون.
قال ممثل يعقوب عليه السلام: رضيت بإرساله ليلبث فيكم قليلا ثم يعود، وحسبي الله في من أقدم على نقض العهود.
وحينئذ مضى يعقوب عليه السلام، فقام أحد أبنائه، كأنما نشط من عقال وخاطب إخوته في شأن يوسف وقال: حتام تغشانا من الذل غمرات، ونتغاضى عن صرائح الحقائق ونصائح الإشارات، ضربت علينا الذلة والمسكنة، وأصبحت سجية الجبن من قلوبنا متمكنة، يمن علينا يوسف برؤياه منا، غير مكتف بكونه أحب إلى أبينا منا، فيا أيها الإخوة (نداء من استفزته الأريحية والنخوة)، لقد علمتم أن أبانا لفي ضلال، كما أن أخانا يتهم وينجد في أودية الدلال، فإن آثرتم أن لا تذهب ريحكم، وأن يسير مسير البدر ليلة كماله مديحكم، فاقتلوه قتل أولي الباس، أو ألبسوه من الغربة عن الوطن شر لباس، وما أظنكم ترضون بالذل والهوان، وتغضون الطرف عما أتاه يوسف من العدوان، وأنتم عصبة اعتصبتم من الاتحاد بعصابة، وأصبتم محجة الرشاد أيما إصابة.
قال قائل منهم: حاشا لله أن نحتمل ضيم الآباء، ونصبر على ما جاء به يوسف من الأنباء، وقد استرضينا أباه ليرسله إلى هذا المقام، حتى نجرد له متى قدم حسام الانتقام، فيرى أن أحلامه لا تستطيع له إنقاذا، ويود لو أنه اتخذ الاعتدال ملجأ وملاذا، ثم نجيء بدم كذب على قميصه، ليعلم أبوه أن الذئب أراغه بصفة قنيصه، لا زالت أيها الأخ في مشورتك الصادقة أهدى من القطا، تصونك أصالة الرأي عن الخطل والخطا.
ثم رأى بعضهم يوسف قادما، فانتدب يقول (غير ناظر لما تضمنه قوله بعين المعقول): قد قدم إليكم أيها الإخوة الأنجاب، صاحب الأحلام يختال في حلة الإعجاب، فاقتلوه أو اطرحوه أرضا، يخل لكم وجه أبيكم ثم تقضوا من التوبة فرضا، فإن الذل خطة لا يرضاها الحر لنفسه، وإن أطعتموني فألحقوا حاضر يومه بغابر أمسه.
فأخذه بعضهم ، فجلد به الأرض، ثم جثم على صدره وقال له: قل لرؤياك تخلصك من أيدينا، أو تمكنك من كونك تراوحنا من بعد وتغادينا، إذ ليس للمترفع عن الجوزاء سوى القتل وايم الله جزاء.
فاستغاث يوسف براءوبين، فتشفع فيه لدى إخوته بقوله:
بالله إلا ما حقنتم ماء وجهي بحقن دمه، وقدرتم أنه لم يفد إليكم ساعيا على قدمه، أو ليست صلة الأخوة جامعة بينكم وبينه، تناجيكم بلسان الحال أن اتقوا فراقه وبينه، وإلا فإن أجمعتم على قتله، وعزمتم على انتهاج طرق الغدر وسبله، فكيف تلاقون أباه وقد أحرقتم بنار الجوى كبده، أو تخاطبونه بلسان وقد نقضتم ذمته وعهده، فامحوا من صفات قلوبكم بعض آثار الحب، وألقوه إن كنتم فاعلين في غيابة الجب. (ثم جاءت سيارة، فعقب قوله بهذه العبارة).
وإن شئتم أن تضيعوه، فبيعوه لأولئك التجار، واقضوا ببيعه ما في أنفسكم من لبانات وأوطار.
قال قائل منهم: إن لأخينا هذا من رحمة الأخوة أوفر نصيب، وسهم مشورته في هذا الصدد مصيب، فلا بأس من الأخذ بآرائه، ومخابرة أولئك السيارة في بيع يوسف وشرائه.
الفصل الثاني: في بيع يوسف للإسماعيليين
قال ممثل أحد الأخوة: أيها السادة التجار أولي الشرف والنجار، الذين رزقوا سعة الغنى، وجنوا من رياض السعادة ثمرات المنى، هل لكم في شراء هذا الغلام البارع الصفات، الجامع في أفعاله لمحسنات البديع، وبديع المحسنات، الحريص على التمسك بأذيال القناعة والتمسك في ابتغاء مرضاة مولاه بالتنسك والطاعة، وهو مع ما اتصف به من صدق اللهجة وسلامة المهجة، إذا اؤتمن على كتمان الأسرار نسج على منوال الأحرار، وها أنا أنادي عليه والشوق يفاجيني ويناجيني، والقلق أداجيه على مرارة فراقه ويداجيني، كأن من حبه روحا في كل جارحة، أو بين قسي البين وأوتارها سهاما جارحة، فقاتل الله الحوادث الدهرية القهرية بأسرها، حيث أصابتني كما هو الواقع في حبائل أسرها، فلم ألف مناصا من الانتفاع بثمنه، ولا طائل في البكاء على أطلال الربع ودمنه.
قال ممثل يوسف عليه السلام : أيها الإخوة، أي شر جنيت؟ وأي ثمر من مغارس الإساءة جنيت؟ حتى تبيعوني بيع الرقيق، ويفوتكم أنما مثلي هو الحر الرقيق، فهل اجتث من أفئدتكم عرق الإخاء، وصمت آذانكم والحالة هذه عن سماع الدعاء، ألم يأتكم أن من أعظم الكبائر قطيعة الرحم، وأن الله لا يرحم من عباده إلا من رحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ويحتسب لكم الأجر على كونكم رحماء، واستحضروا في أذهانكم حال الأب الشفوق، القائم لكم من ضروب الإحسان بأداء الحقوق، وإن لم ترحموني وتواخوني، فارحموه وآخوه، أو لم تؤثر فيكم شفاعة يوسف فحسبكم في الانفراد أخوه.
قال قائل منهم: كيف ترجو أن يكون لك من شرك الإسماعيليين مناص، وقد أوجبت علينا أن نكف عاديتك بهذا القصاص.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن كان الموجب لبيعي هو الرؤيا التي قصصتها، وخلصتها من إبريز الحقيقة المحضة ولخصتها، فأعاهدكم الله أن لا آتي بعدها بحديث، ولا أتنقل في الرواية من قديم إلى حديث، ولكن فاقضوا ما أنتم قاضون، واحكموا علي بما أنتم به راضون، فلست أخاطبكم الآن إلا بلسان العتاب، داعيا عليكم دعوة مظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ثم أنشأ يقول:
مني على يعقوب ألف سلام
تسري به لحماه ريح سلام
يا إخوة ظل القضاء محتما
يقتادهم من حكمه بزمام
ناشدتكم بالله أن لا تقطعوا
بمدى الفراق قرابة الأرحام
أنتم أولو الأحلام كيف يسوءكم
حلم هديت له من الأحلام
لا تنكثوا عهد الإخاء وحاذروا
أن لا تفوا لأبي بحفظ ذمام
فهو النبي إذا رمى عن وحيه
سهما يقرطس أي باغ رام
وا حسرتاه على أب يبكي أسى
والقلب ملتهب بنار ضرام
وا حسرتاه عليه يذكر يوسفا
ويقول يا أسفى وطول سقامي
بالله إن جزتم إلى وادي الحمى
فاتلوا من الأشواق آي غرامي
وتلطفوا في ذكر ما حكمت به
غير الزمان على سليل كرام
قسما بمن ساس الوجود بحكمة
أعيت أولي الأحكام في الإحكام
إن كان قد حكم الزمان ببعدنا
فسنلتقي يوما من الأيام
ثم مضى إخوته بعد قبض دراهم معدودة من التجار، الذين ذهبوا بيوسف إلى مصر فابتاعه قائد الجند المسمى فوطيفار.
المقامة الثانية: في حزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، وما جرى له مع أبنائه بالتفصيل
في هذا المقام
وفيه فصلان
الفصل الأول: فيما جرى بين يعقوب وبين الرسول
قال ممثل يعقوب عليه السلام:
حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
حتى يرى خبرا من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقذاء والأقذار
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار
فاقضوا مآربكم عجالا إنما
أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وحاذروا
أن تسترد فإنهن عوار
فالدهر يخدع بالمنى ويغص أن
هنا ويهدم ما بنى ببوار
ليس الزمان - وإن حرصت - مسالما
خلق الزمان عداوة الأحرار
أيها الرسول الذي جاءني بما يسوء من الأنباء، كما فاجأني بالقميص الذي أيقنت أنه لأعز الأبناء، لقد أذبت مني الفؤاد، وحجبت عن عيني طارق الرقاد، واستلبت مني اللب استلابا، وغادرتني لا أعي خطابا، ولا أحير جوابا، فبالله إلا ما عللت فؤادي بتكرار مقالك، وأطفأت لوعتي بخبر مجيئك وانتقالك، فإني لم أدرك إلى الآن معنى ما تقول، ولم أعلم يقينا إن كنت رسولا أو غير رسول، وكأني بك وقد كلفت بإعطاء قميص يوسف لأبيه ليمعن الطرف في أعلامه وحواشيه، فيا ليت رجلا أوصلتك إلي قطعت، وعينا هدتك إلى لقائي قلعت، فقد أثرت مني شجنا كامنا، وحركت ما كان طي الفؤاد ساكنا، وكيف لا أذرف بدل الدموع دما، ولا أعض يدي على ما جنتا سدما وندما. وقد استلب مني الدهر درة يتيمة، وجوهرة لا تقوم بقيمة. فوا حسرتاه عليك يا ولدي، ووا حر قلباه عليك يا فلذة كبدي، بل وا أسفاه عليك يا سندي وعضدي، زهد فيك الإخوة، فعقدوا على ضياعك النية جميعا، ولم تلف لك من غائلة كيدهم منجدا ولا شفيعا، نقضوا عهد صغى الله ولم يراعوا ، وأضاعوك يا يوسف ولكن أي فتى أضاعوا، فلله أية كبد لا تنقطع! أم أي فؤاد لا يحزن ويتوجع! بل أية عين لا تهمي وتدمع! ولقد كدت أمزج دمع المقلتين بدم المحاجر، وأوثر آيات الأحزان ولو بالخناجر على الحناجر، لولا أن دعاني داعي التثبت فأجبت لدعائه، لعلمي أن تثبت المحزون يوفر في ثوابه وجزائه، ليتني الآن في زمرة الأموات، ولم تذهب نفسي على ضياع يوسف حسرات، ويا ليت والدته أدركتني وقت حلول هذا المصاب، وشاركتني في وصف من اغتصبه الضياع أيما اغتصاب.
قال الرسول: كيف تخاطبني بهذا الكلام؟ وتشير إلى دون سواي بإشارات الملام، مع علمك العلم اليقين، بأنه ما على الرسول إلا البلاغ المبين، وقد أرسل معي هذا القميص أبناؤك الأسباط، المرتبطون بسبب الأخوة، كما هو الظاهر أيما ارتباط، فجئت به وأنا على يقين من أن الحسد لا يقود أمثالكم مهما يكن الأمر بحبل من مسد، ومع ذلك فإنه لكل أجل كتاب، ولا يقي مما قضى الله وزر ولا حجاب.
الفصل الثاني: فيما جرى بين يعقوب وبين أبنائه، حين دخلوا عليه وهو يخاطب الرسول
قال ممثل يعقوب عليه السلام: حدثني قلبي - وناهيك بحديث الفؤاد - وصانتني الفراسة عن أن أهيم من الحيرة في كل واد، وأدركت - والله أعلم - بما كان وما يكون أنهم أضاعوه، وجاءوا أباهم عشاء يبكون، ولكم قلت له يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا، ويصيدوك من يم الثقة بشص الانتقام صيدا، أولم أذكر قوله وهو الصديق الأمين: يا أبت إني رأيت الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا رأيتهم لي ساجدين، وكيف بانت على وجوههم للكيد أمارة، وحسبوا أن ستكون له على عصابتهم أمارة، فقطعوا من صلة الإخاء ما كان موصولا، ووصلوا من أسباب الجفاء ما وصلوا به إلى الغدر وصولا، وإنما فعلوا ذلك ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فمن ثم حازه سائم الشراء بأبخس الأثمان، بعد أن ألقاه إخوته بالقضاء المحتم في غيابة جب الأحزان.
قال قائل من أبنائه: مهلا أيها الوالد مهلا، وأهلا بعتابك وسهلا، كيف تعهد فينا الإقدام على إضاعة أخينا، أتظن أنا أخذنا مبيض القسوة من الإغماد، ولم يبق من فرق بين قلوبنا وبين الجماد، أو لم يطل عليه حين ذهبنا نستبق أمد الانتظار، وأكله الذئب فروى من دمه ظمأ تلك القفار، فتعز يا أبتاه على فقده، وليكن بنيامين أحب إخوته إليك من بعده:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا
ولا وزر مما قضى الله واقيا
وإلا فإلام تبكيه، وحتام تفتأ تذكر يوسف وترثيه، لقد ابيضت من الحزن عيناك، وأصبحت على شفا جرف هار من الهلاك، فخفض عليك ما تلاقيه من برحاء الوجد، واعلم أنك إن لم تره اليوم فسوف تراه بعد.
قال ممثل يعقوب عليه السلام: لا والله لأبكين عليه ما دمت حيا، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، ولئن تكن قد سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل، والله حسبي سبحانه وتعالى ونعم الوكيل، فلا تخاطبوني في ذلك مرة أخرى، واعلموا أن التفويض أليق بمثلي وأحرى، ثم أنشأ يقول ما معناه:
ألا إن دمعي أصبح اليوم جاريا
وهيهات دفع الحزن ما كان جاريا
ولم يبق لي والله في العيش مطمع
وعز على فقد العزيز عزائيا
ولكن بدرع الصبر ما زلت أتقي
سهام الرزايا المصميات فؤاديا
لئن غاب عن عيني الحبيب فإنني
أراه وأيم الله في القلب ثاويا
يقولون يا يعقوب مهلا أما دروا
بأني لا أنفك أرثيه باكيا
لقد كنت أفديه بنفسي إذا قضى
وقال لي ابذلها فديت فدائيا
فوا حر قلباه عليه فقد غدا
رمية جب شط عنا مراميا
ولكن قضى الرحمن ما قد أراده
وما لي لا أرضي بما كان قاضيا
رجوت إلهي أن أرى وجه يوسف
وما خاب من أم المهيمن راجيا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
المقامة الثالثة: في ما جرى ليوسف عليه السلام بدار فوطيفار وزير فرعون مصر
وفيه فصلان
الفصل الأول: في مراودة امرأة العزيز ليوسف عن نفسه
قال ممثل امرأة العزيز:
لك منزل في القلب ليس يحله
إلا هواك وعن سواك أجله
يا من إذا جليت محاسن وجهه
علم العذول بان ظلما عذله
الوجه بدر هدى جبينك أفقه
والشعر ليل دجى يزينك ظله
هذي جفونك أعربت عن سحرها
والسحر منك نجله ونحله
مثلي كثير في الهوى متهتك
لكن جمالك ليس يوجد مثله
هل في الورى حسن أهيم بحبه
هيهات أضحى الحسن عندك كله
إي وربي، لقد جمعت المحاسن وأصبح مورد محبتك عذبا غير آسن، فلا جرم أن عقدت لك راية التحكم في دولة الجمال، ولم يشاركك أحد في صفة من صفات الكمال، فلله درك ما أزكى شمائلك التي هي أرق من الشمائل، وفضائلك التي أعجزت بها الأواخر فضلا عن الأوائل، وما أجمل محياك الذي فضح البدر ليلة تمامه، وأشد سواد شعرك الدجوجي، الذي مد رواق ظلامه، وبالنضرة وجنتيك مع اجتماع ضدين جنة ونار، ونصرة سهام لحظيك في تأييد شوكة الورد وشقيقة الجلنار، فامنن بالعطف على هائمة في أودية غرامك، وكأنما فؤادها طائر على غصن قوامك، ولا تغادرها كل ليلة ترعى شقيقك الزاهر، وتدعوك بلسان الضمير لتميزك عنه بالفرق الظاهر، لا أحرق الله لك باصطلاء نار الجوى فؤادا، ولا أرق لك طرفا هام في أودية الهوى ولم ينل من وصل الغانيات مرادا، فلعلك ترتاح لإجابة سؤل السائل، ولا تقابل دمعه بالنهر وهو في الحقيقة جار سائل.
قال ممثل يوسف عليه السلام: أيتها المترنحة بصهباء الغرام الغير ناظرة إلى تمييزها الحلال من الحرام، كيف أقدم على انتهاك حرمة الأدب، وهو من محض أعمال السفهاء ولا أحجم عن قضاء هذا الأرب، وأنا مكتوب عند الله في ديوان الأنبياء. أما المحاسن التي أبدعت في وصفها بلسان الإطناب، وأوقعت نفسك في حبائلها إجابة لداعي عنفوان الشباب، فما هي إلا أعراض تمحوها يد الفناء من صحيفة البقاء مآل الصورة الآدمية وقت حلول القضاء والنقلة من عالم الأحياء، فيا لها من عظة يتعظ بها الرامق اللبيب، ويعتبر بمصيرها العاشق الذي يعلل النفس بوصال الحبيب، أوليس أن شعري هو أول ما ينتثر على لحدي ، وعيني هما أول ما يسيل في قبري على خدي، وهل فاتك أن وجهي الحسن هذا أول ما يأكله التراب، وتعلوه صفرة الموت فتنقلب عن رؤيته أبصار الأتراب، كما أن سائر ما في الجسم يأكله الدود، وأصله من التراب وإلى التراب غدا يعود، معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، وأتمني من بين العبيد دون سواي، معاذ الله أن أجزيه بدل الخير شرا، وأجيء والحالة هذه شيئا نكرا، فاستغفري مولاك إنه أقرب للتقوى، وتمسكي من وثيق العفاف بالسبب الأقوى.
قال ممثل امرأة العزيز:
ما حيلتي شوق يزيد ومدمع
أبدا يسيل ومهجة تتفطر
ولقد نظمت من الدموع قلائدا
وفتنت فيك وأنت بي لا تشعر
سل عني الليل الطويل فإنه
أدرى بما فعل الغرام وأخبر
عجبا لقلبي في الغرام أطاعني
وإذا ذكرت له التسلي ينفر
يا عاذلي دعني فما أمر الهوى
بيدي ولست على الهوى أتأمر
أتظن أني من تباريح الضنى
أنجو وقد لاح العذار الأخضر
كيف الخلاص ولي فؤاد كلما
عرفته باب التسلي ينكر
أيها الرامي عن عمده الآخذ بسيف الصد من غمده، الذي غربت لطلعته الشموس، وأربت حميا حديثه بالكميت الشموس، حتام أعلل النفس بتعلة وصلك، وكلما أوشكت أن أجني ثمرة حمتها حماة قولك وفعلك، تسمعني من الوعظ ما لا أطيق له سماعا، وتكشف بيد الهداية عن وجه الحقائق قناعا، ألا ترى كيف انطبعت في مرآة شكلي صورة محاسنك البديعة، وشبيه الشيء كما يقال منجذب إليه بكهرباء الطبيعة، ولئن شئت أن تكون لك في تحقيق دعواي حرية الاختيار، وآليت أن تختبرني بما يرضيك من فنون الاختبار، فلا أقسم بمن زين العيون بسواد الأحداق، وجعل صبح الجبين فتنة لذوي الصبابة من العشاق، لقد ملكت أزمة قلبي وألب هواك بلبي، وغادرتني أكابد فيك أشواقا، وأستعذب منك العذاب وإن مر مذاقا، فرفقا أيها الحبيب بحالي، ولا تغضض الطرف عن استماع شكوى مقالي.
أشكو الغرام وأنت عني غافل
ويجد بي وجدي وطرفك هازل
يا بدر كم سهرت عليك نواظر
يا غصن كم ناحت عليك بلابل
البدر يكمل كل شهر مرة
وهلال وجهك كل يوم كامل
وحلوله في قلب برج واحد
ولك القلوب منازه ومنازل
قتل النفوس محرم لكنه
حل إذا كان الحبيب الفاعل
أرضى فيغضب قاتلي فتعجبوا
يرضى القتيل وليس يرضى القاتل
قال ممثل يوسف عليه السلام: كيف أرضى بما لا يرضى به عاقل، ولا أبى أن أسلك مسلك غوي غافل، أنسيت أن الله حرم الزنى؛ لأنه كان فاحشة وساء سبيلا، وحرم من يقربه نعمة الغنى، فهيهات أن روي من يم كوثره في الحياة غليلا، فضلا عن كون سيدي أكرم مثواي فهل أكفر إكرامه، وعهد في الأمانة فأنى لي أن أخفر ذمامه، فكفي أيتها السيدة عن مقالك، واحتفلي بادخار ما ينفعك في يوم مآلك، ولئن كنت لا أستطيع صبرا على إغضابك، ولا يسوغ لي إلا الامتثال لأداء فريضة الطاعة في محرابك، فإني في ما ترومين مولع بالخلاف، أوثر الاعتكاف، في زاوية الصلاح والعفاف، فلا تغلبي هواك على عقلك، وتكتبي هذا الآباء في جريدة المؤاخذة بأقلام فضلك، واحتسبي نصحي وقاية من اشتغال نسوة المدينة بعذلك.
قال ممثل امرأة العزيز: ما بالك ثم ما بالك، وما تلك الظنون التي يصورها خاطرك وبالك، أفكلما عرضت عليك شكواي زاد جفاؤك، وكلما آنست مني إقبالا كان جزاءه صدك وإباؤك، فإن كان غرضك بذلك أن تجل لدي اعتبارا، وأن تريني نجوم ليل المحبة في أفق الصدود نهارا، فقد أصبت محجة الرشاد، وكنت أول من ساد بالاطلاع على أسرار الحب وشاد، لا سيما لإفراغك وسائل الدلال في قالب الوعظ، وتكلفك الصبر على المخاطبة معي بما مر من اللفظ، وإن كنت في الحقيقة مستعصما غير راض، وآثرت معاذ الله أن تتمسك بأذيال الإعراض، فقد أخطأت خطأ مبينا، وأبطأت في انتهاب وانتهاز هذه الفرصة يقينا. ثم غلقت الأبواب وقالت: هيت لك، ودونك امرأة ملك بل شقيقة ملك، وقدت قميصه من دبر واستبقا الباب، وألفيا سيدها فألبست عليه التمييز بين القشر واللباب.
الفصل الثاني: في ما جرى ليوسف عليه السلام مع فوطيفار وزير فرعون مصر
قال ممثل امرأة العزيز: أيها القرين الكريم، ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم؟!
قال فوطيفار: من ذا الذي أحب أن يأتي هذا المنكر في بيوت الوزراء، ويجعل نفسه هدفا لبطش الأمراء دون مراء، من هو حتى أجاريه في أمر الإساءة الذي احتار لنفسه مضماره، وأجازيه على ما سولته له نفسه الأمارة، من هو حتى أكفر إساءته بالسجن الدائم، ولا أحرمه لوم عاذل على غوايته ولاثم.
قال ممثل امرأة العزيز: هو الغلام العبراني الذي أقمته على دارك وكيلا، وفوضت إليه فيها التصرف كما لو كان أصيلا، اختلجت بصدره من العدوان خوالج، وتأججت بجوانحه وجوارحه نيران لواعج، وقد أمسك بي فعمدت إلى الفرار، لأتخلص من عبد سيئ يريد العبث بالمحصنات الأحرار، والحمد لله الذي أعثرك فيه لتحكم عليه بما تريده وتصطفيه.
قال ممثل يوسف عليه السلام: ماذا أقول لأثبت براءة ساحتي إثباتا كليا، وأميط قناع الإقناع عن وجه الحقيقة ظاهرا جليا، ولا سبيل للحصول على تلك الغاية، أو الوصول في مقام المحاجة إلى حد الكفاية، هذا مع كوني لا أقدم على تفنيد كلامها، أو المسيس - معاذ الله - بشرف مقامها.
هذه قصتي وهذا حديثي
ولك الأمر فاقض ما أنت قاض
ثم أنشأ يقول ما معناه:
زادك الله رفعة ومقاما
يا هماما للفضل أضحى إماما
ها أنا قد قصدت بابك أرجو
وحياة الأمير أن لا أضاما
فالسماح السماح عني فإني
لك لا أبرح الزمان غلاما
كيف أنسى فضل العزيز وأبغي
حين أبغى ما لا يرام مراما
حاش لله ثم حاشا وكلا
إن فعل الفحشاء كان حراما
راودتني فما رضيت وحتى
ألزمتني وصالها إلزاما
فرأيت الفرار أوفر حزما
ووجدت السكوت أوفي احتشاما
علم الله أنني لم أخنها
ومن الغي أن أضيع الذماما
وزماني أمسى يفوق ظلما
من جعاب العدوان نحوي سهاما
فكأني له عدو مبين
رام من حقده علي انتقاما
أسأل الله وهو حسبي بأن يج
لو عني تلك الكروب العظاما
ليرى سيدي بأني برء
خاطبتني جهلا فقلت سلاما
قال فوطيفار: إني لك أيها المحتال بالمحال، أظننت أن زوجتي كانت بغيا، أم تناسيت كوني بك حفيا، فلأودعنك السجن مليا، ولأذيقنك لباس الجوع والخوف ما دمت حيا.
ثم أمر بسجنه بناء على تلك الشكوى؛ ليحكم عليه بما تقضي به خلاصة الدعوى.
المقامة الرابعة: في خروج يوسف من السجن، وصيرورته وزيرا لفرعون مصر
وفيه فصلان
الفصل الأول: في رؤيا فرعون، وما جرى بينه وبين رئيس السقاة
قال فرعون مصر: وا مصيبتاه، وا حر قلباه، لقد توالت علي الأحزان، وأضرمت في فؤادي لواعج الأشجان، حتى أصبحت في شدة وبرحاء، وأعياني من القلق حمل تلك الأعباء، فهل من حكيم يدرأ عني الأوهام، ويكاشفني بشرح ما أوحي إلي في عالم المنام، فقد رأيت الليلة ما أقلق مني الخاطر، واستهمى ماء الوساوس من سحاب فكر ماطر، فيا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون، واجتازوا معي هذا البحر اللجي إن شئتم أيها الملأ تعبرون، وما جزاء من أهداني برأيه القويم، وهداني بصحيح نبئه الصراط المستقيم، إلا أن استخلصه لنفسي وزيرا، وأرخص له في القيام بمباشرة الأحكام إدارة وتدبيرا.
قال بعض الحكماء: ليهدأ روع سيدنا، أنجمع الحق آماله، وأوضح بمشكاة الهداية أقواله وأعماله، هذه بوادر أوهام، طالما ذهبت بألباب الألباء، وغادرتهم عقب اليقظة من المنام، لا يهتدون للإلمام بما فيها من الأنباء، مع كونها منزهة عن شائبة الحقيقة، لا يحسن أن تخفق لها على أفكارك حقيقة، وما نراه أقرب لليقين وحق رب العالمين أنها أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
قال صاحب شراب الملك: بشراك أيها الملك، فقد لباك رسول التوفيق، وقضى لك قاضي العناية العلوية قضاء الشفيق، فأتاح لك من يزيل ما علق بصدرك من الريب، ويميط حجاب اللبس عن الحقائق لا رجما بالغيب، فقاتل الله النسيان الذي أنساني هذا الأمين، الذي هو بكل مكرمة جدير وقمين، ولقد تبينت أنه ورث الشرف كابرا عن كابر، وأوتي من العلوم الوهبية ما يستنفذ مداد المحابر، حيث نبأني وصاحب الطعام بما طابق الواقع، وكان خير ناجع لشفاء الغليل وناقع، حين رأى كل مناما مني الفؤاد بداء إعلاله، وقيد اللب في سجن الحيرة بسلاسله وأغلاله، فقال: ما خطبكما أيها الصاحبان، أما علمتما أنه متى اشتد الكرب هان، فقلت له: إني أراني أعصر خمرا، كأن لي في مقام وظيفتي الأولى نهيا وأمرا، وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا، تأكل الطير منه وتوسعني - ويا للعجب - وكزا ووخزا، نبئنا بتأويله، وميز لنا أيها الآسي صحيح القول من عليله، إنا نراك من المحسنين، أولي الحرص على الأفضال والمؤمنين، الذين يستضيء بهديهم كل غوي ضال، فتأمل في الحديث تأمل الناقد البصير، وقال: أنا أنبئكما بتأويله ولا ينبئكما مثل خبير، يا صاحبي السجن، أما أحدكما فيسقي ربه خمرا بكأسه، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه. وقال للذي ظن أنه ناج من ذنبه: اذكرني عند ربك، فأنساه الشيطان ذكر ربه، وها أنا أحن إلى ذكراه حنينا وأي حنين، وإن كنت تناسيته فلبث في السجن بضع سنين، وقد تعين علي من الآن أن أستطلع شئونه وأخباره، وإن شئت أن أجيئك به فأنا رهين الإشارة.
قال فرعون مصر: علي بهذا الأريب؛ لأرى أيخطئ في تأويل الرؤيا أم يصيب.
قال صاحب الشراب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، عسى أن يهدأ بصادق تعبيره روعك وخوفك.
الفصل الثاني: في تأويل يوسف عليه السلام رؤيا فرعون مصر
ثم جاء به من السجن صاحب الشراب، فتمثل بين يدي سيده يخاطبه بهذا الخطاب:
أتشرف بالعرض على أعتاب مولاي، بأنني جئت إطاعة للأمر بالشاب الذي فسر رؤياي، فلاحظه وأنت الآمر الناهي بأنظارك، ومن عليه يا مولاي بإظهار مضمر أسرارك، عسى أن يجد لتأويل رؤيا الملك سبيلا، ويصبح بالعناية الفرعونية عزيزا نبيلا.
قال فرعون مصر: أيها الشاب الزكي الشمائل، المزدان جيده بحلية الفضائل، إني أرى سبع بقرات سمان، خرجت من النيل تسعى، وما برحت ترتع في المراعي وترعى، حتى تلتها سبع عجاف فأكلتها أكلا، ولم تذر لها في عالم الوجود هيئة ولا شكلا، ثم رأيت سبع سنبلات خضر طالعة في ساق، وأخر اشتعل فيهن من أحشاء الأرض أور الاحتراق، فأفتنا أيها الصديق في هذه الرؤيا التي سمعتها، وقصصت لك تفصيلها فوعيتها، أتم الحق نعمته عليك، ولا برح سعد السعود طوع يديك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: لا زالت الآمال تطوف ببيت السيد وتعتمر، والأيام والليالي خادمة لسدته يأمرها فتأتمر، لقد فهمت محصل الرؤيا التي سيدي رآها، واجتلى في مرآة النوم مرآها. فأما السنابل الخضر والبقرات السمان، فكناية عن خصب يتسلطن سبع سنوات من الزمان، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد، يعم فيهن الخطب العباد والبلاد، فتصبح في حاجة لمن يمد لها يد الإعانة والإسعاف، مصداقا لإشارة السبع السنبلات اليابسات والسبع البقرات العجاف، فيجمل بالملك أن يقيم من أمناء رجاله، ونبهاء نبلاء عماله، من يكون حفيظا بأصول السياسة التي هي ذات شعاب وفروع لا تأخذه عن مراعاة شرائط الكياسة سنة غفلة، كما لا يقوى عليه هجوم هجوع، فيدخر ما زاد من محصول السنين السبع الأولى، لتكون لك في سد خلة الأهالي مدة القحط اليد الطولى، ولقد أراد الله إنقاذ الرعية من أشراك، فأراك في عالم الرؤيا من الأسرار العالية ما أراك، فاتل آيات الشكر لله على خلاصك من المصائب، واجل جنح تلك الأزمة بنبراس الرأي الصائب.
قال فرعون مصر: لله ما أعلى فراسة صاحب شرابي فيك، وما أغلى ما قرظت به سمعي من درر فيك، فقد أعربت عن تأويل رؤياي إعرابا يبعد عن الإغراب، وجئت من النصيحة بما يحمدك عليه عجم وأعراب، ومن لي بأغزر منك فضلا، وأوفر في مسألة الاقتصاد السياسي حكمة وعقلا. فأنعم عليه برتبة الوزارة إنعاما، وأركن إليه في الأخذ بمقاليد الأحكام نقضا وإبراما، فاهنأ بما أوتيت من علو المكانة وسمو المكان، وعليك بتدارك هذا الأمر حسب المقدرة والإمكان، وليكن مطمح نظرك الادخار مع دفع غائلة الفساد، والفرار مما يطرأ على سوق الرخاء من الكساد، لا زال التوفيق مظهر أعمالك، وجب الخير العام منجزا لآمالك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن لساني ليقصر عن القيام بشكر آلائك، كما أن فؤادي لا ينفك متمسكا بعروة ولائك، حيث استطلعت طلع أمري جليا، ورفعت قدري - أيدك الله - مكانا عليا.
ثم أنشأ يقول ما معناه:
لا زلت تقصد من بعيد مرامي
وحماك كعبة آمل لمرام
والدهر ينجز ما تشاء وحسبه
بك من سري ذي مقام سامي
ولقد أراد الله جل ثناؤه
إنقاذ مصر بهذه الأحلام
فأراكها حتى تقوم بشكره
وبحفظ هذا القطر أي قيام
وتكون خير مملك سن الندى
وروى بفيض الفضل كل أوام
ولئن أتيتك بالحقيقة مبديا
في عرض قولي آية الإلهام
فلك الجميل علي أما شكره
فتحار فيه دقائق الإفهام
حيث ارتقيت بك الوزارة منصبا
وأخذت من أمر الورى بزمام
فلأذكرنك كلما هب الصبا
أو غردت في الروض ورق حمام
ولأشكرنك ما حييت وإن أمت
فلتشكرنك في التراب عظامي
لا زالت ساحتك الشريفة ملجأ لذوي الآمال، وسدتك المنيفة حرما لا تشد إلا إليه الرحال.
المقامة الخامسة: في قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر من أرض كنعان لالتماس
المؤنة
وفيه فصلان
الفصل الأول: فيما جرى بينهم وبين يوسف عليه السلام
قال ممثل يوسف عليه السلام: أيها الغرباء القادمون لاستطلاع خبايا الأسرار، من زوايا دواوين الوقائع والأخبار، والله لئن لم تنبئوني بسبب حضوركم، وتطلعوني على خبيئة كنه أموركم، لأعاقبنكم أشد العقاب، ولأجرعنكم وايم الله كأس العذاب، فقد تراءى لي أن قدومكم إلى هذه المملكة، ليس الغرض منه إنقاذ الأهل والولد من حبائل التهلكة، وإنما أنتم عيون وجواسيس، جئتم لاختبار أحوال مدينتي طيبة ومنفيس، أظننتم أن أمركم يلبث وراء حجاب المواربة مستورا، ومحصل غرضكم لا يبرح في سجل الكتمان مسطورا، أولم يخطر على قلوبكم أن في السويداء رجالا وأي رجال، وحكماء ينفسح لهم في الإدارة الملكية نطاق المجال، لقد جئتم شيئا إدا، وخرجتم عن دائرة الرشد جدا، وها أنا فوقت إلى الغرض سهم فكري فأصاب، فتدبر وافي القول وإياكم والمراوغة في رد الجواب.
قال قائل من أخوته: نخبر السيد الجليل المقام، الذي له بحبل الله المتين اعتصام، دام الله عليه نعماءه، وسدد لغرض الصواب آراءه، أن عبيدك لم يقدموا إلى هذه الديار، التي جرت بمعاليك ذيل الغمغار، على سائر الممالك والأقطار، إلا بغية التماس المئونة، واقتباس أضواء الإسعاف من سماء المعونة، وإن شئت أن نقيم على هذا المقال دليلا، وأن نفصل لك أيها العزيز فباءنا بالحق تفصيلا، فإن أبانا شيخ وهن منه العظم، وقعدت به أحكام الكبر عن العزم، له بتربية الماشية كلف وعناية، وبحب الوطن شغف رفع له من الإيمان رايه، وقد رزق باثني عشر ولدا، اشتد بهم عضدا، أحدهم اغتاله الضياع بكلتا يديه، وشقيقه وهو الأصغر مقيم لديه، وها نحن العشرة متمثلون أمام حنانك، بغية أن نلجأ من الكوارث إلى رحابك، وقد أبحناك سر المسألة، وبسطنا لك الحديث آخره وأوله، فنرجوك أن تعاملنا بحلمك لا بحكمك، وأن تأخذنا بفضلك لا بعدلك وفصلك، فقد بخعنا إليك بالاستكانة، وأشهدنا على ما نقوله الحق سبحانه.
قال ممثل يوسف عليه السلام: ربما كان هذا الحديث من قبيل الخداع، والمغتر بزخرفه كمن اغتر بسراب لماع، وكأنكم لا تعلمون أن من حفر لأخيه بئر الردى، فقد قسط عن سواء سبيل الهدى، واحتفرها لنفسه فسقط فيها وتردى، فاستغفروا بارئكم ذلكم خير لكم، ونزهوا عن شائبه المواربة فعلكم وقولكم، ولقد بدا لي أن أسجنكم حتى حين، وأن لا أطلق سراحكم حتى تجلو ظلمات الريب مصابيح اليقين، ثم أخذتني الشفقة على حالكم، ولم أرد أن يفوتكم موعد ارتحالكم، فتصدقت عليكم هذه المرة بإيفاء الكيل، وملت إلى الرأفة بكم احتسابا بوجهه تعالى بعض الميل، لعلمي أن افتقار أبيكم إلى الزاد، كلما مر به يوم اشتد وزاد، فاتركوا أخاكم هذا (وأشار إلى شمعون)، ليقيد مكانكم جميعا، وائتوني بأخ لكم من أبيكم ليقوم فيكم لدي شفيعا، فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي، ويصبح أخوكم هذا إلى ما شاء الله أسيري وعبدي.
قال قائل منهم: ما أدق نظر المولى، وأحقه بالرعاية وأولى، ولكن كيف نراود عنه أباه، ونحن نعلم أنه لا يفارق شقيق روحه برضاه، لا سيما وقد أخبرناك بضياع أحد أبنائه قبل الآن، ولولا تعزية نفسه عليه بالتأسي لألحق بخبر كان، فلا تسمه أيها العزيز ما لا يستطيع معه صبرا، ولا تحملنا في أمر هذا الأخ المقيد وزرا، حرسك الله وحماك، ولا انفكت ركائب العفاة تزجي إلى حرم حماك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: هيهات هيهات أن تقبل منكم شفاعة، أو يسعكم أيها الجماعة الفرار من أنياب المجاعة، ولئن لم تفعلوا ما آمركم به لتستوجبن العقاب، ولتكونن قد افتريتم على الله الكذب فيسحتكم بعذاب.
قال قائل منهم: أمر السيد مطاع، والوداع أيها الأخ المقيد الوداع، أفرغ الله علينا الصبر على بلوانا، وألهمنا الصواب فيما نراود به لدى العودة أبانا.
الفصل الثاني: في مفارقتهم يوسف وتأسفهم على ما وقع منهم في حقه
أنشأ ممثلو الإخوة يقولون ما معناه:
كيف التوصل للوزير الأعظم
وإلام يلحظنا بعين تهكم
وعلام ينهرنا الجميع مغاضبا
ومخاطبا بلسان من لم يرحم
ما نحن بالقوم الذين تمسكوا
بعرى الخداع تمسك المستعصم
فلأي داع أو لأية علة
يقضي بأسر أخ لنا لم يأثم
وكذا يروم أخا سواه وفاته
أنا بغير الحق لم نتكلم
لكن نقول - ويا لها من حكمة
أبدا نرددها بحسن ترنم:
إن الجزاء على الجريمة عاجلا
أو آجلا لا بد منه لمجرم
يا ويح يوسف كان يضرع قائلا
أجنيت فيكم مرة لمحرم
وكم استغاث ولا مغيث لعلنا
نروي غليل فؤاده المتضرم
تعسا لنا، أنى أضعناه بلا
ذنب ولم نعبأ بلوم اللوم
فغدا أبوه وهو يبكي آسفا
بمدامع محمرة كالعندم
وا خجلتاه حين جاء قميصه
ورآه مخضوبا بمكذوب الدم
لولا الغواية لم نكن لنضيعه
ونبيعه بالبخس بيع الأدهم
فلننشدن مع التحزن والأسى
ندم البغاة ولات ساعة مندم
ثم انصرفوا، وقد أحاط الغيظ بهم كلهم، بعد أن قال يوسف لفتيانه: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم.
المقامة السادسة: في تعرف يوسف عليه السلام بإخوته
وفيه أربعة فصول
الفصل الأول: في قدوم إخوة يوسف مع بنيامين من أرض كنعان إلى مصر
قال بعض الإخوة يخاطب يوسف عليه السلام: أدام الله السيد تاجا على هام الوزراء، وعقدا تزدان به أجياد العظماء والأمراء، نعرض أننا أنجزنا ما وعدنا، وجئناك من الشام بأخينا بنيامين وعدنا، فالحمد لله الذي من علينا برؤية محياك، يتلألأ بدر عزك في سماء علاك، وها هو واقف وقفة المغترف من دأماء عليائك، المقتطف ثمرة الفرج من دوحة حكمة قضائك، فانظر إليه بعين الشفيق، وارأف به رأفة الشقيق بالشقيق، ولعله يشفع لديك في فك أسر أخيه، ويرجع بنا رافعا علم الفوز لأبيه.
قال ممثل يوسف عليه السلام: لقد أحرزتم قصب السباق في ميدان الإنجاز، واتخذتم الحقيقة لقضاء حاجتكم خير مجاز، فلعل أباكم يكون في عيشة من الشوائب صافية، رافلا من نعمة العافية، في مطارف ضافية، وعسى أن يكون قد اتخذ الصبر لباب الفرج مفتاحا، وأيقن بأنه سيقدر له الله في غابر الأزمان نجاحا متاحا، بارك الله فيك يا بني بركة طيبة، وصب عليك من غيث الإكرام وابله وصيبه.
قال قائل منهم: لا زال الوزير بحرا تلتقط منه لآلئ الفضائل، وبدرا تجتاب أضواؤه بروج الأندية والمحافل، إن أبانا ما برح حيا إلى الآن يثني عليك بلسان الشكر الذي هو خير لسان، وكيف لا يقابل أمر السيد بالطاعة، والتمسك بسبب الصبر الذي هو لمثله بضاعة، وثبته بالله كشف تلك الكروب، وشروق شمس صفائه التي كادت تجنح إلى الغروب، لا برحت نعماؤك موصولة بصلة البقاء، مكتسية على مدى الأيام أردية ثناء ودعاء.
قال ممثل يوسف عليه السلام: قد حقت علينا معاملتكم بالجميل، وإيثار دلالة أخيكم البينة على ألف دليل، فأكرم وفادتهم أيها الوكيل إكراما، وأعد لهم على مائدتي اليوم طعاما، وها نحن مقتفوك لنتناوله مع أولئك الأمناء الغرباء، الذين ليسوا كما علمنا عيونا ورقباء.
الفصل الثاني: في إرسال يوسف عليه السلام وكيله خلف أخوته عقب رحلتهم من مصر
قال ممثل يوسف عليه السلام يخاطب الوكيل: عليك باقتفاء أثر أولئك الرجال، والبحث عن السقاية لعلك تستخرجها من بعض الرحال، وقل لهم: ما بالكم أسأتم إلى من أجزل قراكم وأحسن بكم وآواكم.
الفصل الثالث: في ما جرى بين الإخوة وبين الوكيل وأصحابه
قال وكيل يوسف عليه السلام: أيها القوم، كيف مددتم أيدي الأطماع، وأقدمتم على السرقة التي حكم بحرمتها الإجماع، أما علمتم أن الإساءة من حيث يرجى الإحسان أضر، والإغضاء عن تأديب الكنود تقوم بتجريحه دعوى النظر، فابسطوا لي حقيقة ما جرى، وعند الصباح يحمد القوى السرى.
قال قائل منهم: حاشا لله أن نمد إلى السرقة يدا، وتالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض أبدا، أولم نضرب عن أنكار ما جعل في رحالنا من البضاعة إضرابا، ولم نرد أن نجعله لسيف الطمع غمدا وقرابا، وكيف لا ندرأ عنا شبهة هي لحميد الخلال منافية، أو نجرأ على استجلاب سخط رب الجلال الذي لا تعزب عنه خافية.
قال الوكيل: فما جزاء من وجد الصواع في رحله، ونوى أن ينقلب به راجعا إلى أهله؟!
قال قائل منهم: من وجد في رحله فهو جزاؤه، كما أنا نكون عبيدا لمولاك يحق علينا ولاؤه، ويخفق على رءوسنا علم عدله ولواؤه.
ثم فتش رحالهم فاستخرج السقاية من رحل بنيامين، فقال: الآن حصحص الحق وزهق الباطل، وتبين أن قولكم عن حلية الصدق عار عاطل، فهلم إلى صاحب السقاية ليعاقب السارق بما يشاء، أدبا له وعبرة لغيره من ذوي الأغراض والأهواء.
قال قائل منهم: ما هذا الأمر الموجب للهوان؟ وما هذا العار الذي لم يكن لنا في حسبان؟ بل ما هذا التواني عن شق الجيوب، وبث لواعج الحزن على بني يعقوب؟ وا أسفاه على حلول هذه المصيبة، التي سهامها في العصابة الإسرائيلية مصيبة، ليتنا لم نتأبط عصا الرحلة بنية الرجوع، أو انتهشتنا ببلاد كنعان أنياب الجوع، ولكن هيهات الفرار، مما رقمته في اللوح المحفوظ أقلام الأقدار.
الفصل الرابع: في وقوف الأخوة بين يدي يوسف عليه السلام، وما جرى بينهم وبينه من الحديث في هذا المقام
قال ممثل يوسف عليه السلام: ما بالكم قابلتم نعمتنا بالكفران؟ وجازيتمونا بالإساءة مكان الإحسان ؟ هلا انتهجتم محجة الهداية؟ وعالجتم بدواء الرشاد داء الغواية؟
قال قائل من إخوته: لا سبيل لنا إلى رد الجواب، أو التفوه ببنت شفة في معرض الخطاب، فدونك رجالا يعتكفون في محاريب نهيك وأمرك، ولا يكتفون إلا بمطلق التقيد بقيود أسرك.
قال ممثل يوسف عليه السلام: أنى لي أن آخذ الجار بذنب الجار، وأنحرف عن جادة الصواب كمن ظلم وجار، لا والله لآخذن أخاكم الأصغر أسيرا، ولا أراه يحاسب على الجناية إلا حسابا يسيرا، فامضوا إذن من حيث أتيتم، واشهدوا لدى أبيه بما شاهدتم ورأيتم.
قال قائل منهم: أيها العزيز أعز الله شانه، وحفظه من طوارق الحدثان وصانه، إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه.
قال ممثل يوسف عليه السلام: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، ومن سرق من أحد صار بمقتضى الشريعة عبده، فليأخذ كل منكم عصا التسيار باليمين، آيسا بالمرة من تحرير رقبة بنيامين.
قال قائل منهم: لا برحت ملحوظة بطرف الكمال صفات كمالك، ونيل الوفاء يستمد من مقياس أصابع يمينك وشمالك، أعرض لسيدي وأنا استغفر الله حياء من الناس، وأضرب مما جرى به القدر أخماسا في أسداس، إننا حين راجعنا أبانا بقصة شمعون واعتقاله، وراودناه عن بنيامين مع تعليق العودة على شرط إرساله، عظم عليه هذا الأمر، وكاد - لولا الصبر - يتقلب على الجمر، وقال: ما بالكم أطنبتم في رواية خبري إطنابا، وجعلتم لها رءوسا وأذنابا، حتى ارتاب الأمير في حقيقة حالكم، وأحب أن ينجلي له صدق مقالكم، أتجاوزتم حد الآداب، ولم تميزوا في قولكم بين خطأ وصواب، أم تناسيتم ما سولته لكم النفس الأمارة من الخداع، وأردتم أن تلقوا بنيامين كما ألقيتم يوسف في جب الضياع. فقلنا: لا، بل ما حسب الأمير جوهر مقصدنا إلا عرضا، وما ظن أن لنا من المآرب السياسية إلا غرضا، فلم نلف مناصا من كشف تلك الظنون، والاستدلال من ترجمتنا على البراءة من سواد العيون، فليطمئن قلبك من جهة الغلام، فإن له من الله عينا كالئة لا تنام. فأصر على عدم الرضى، وقال: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه فيما مضى، ثم رأى أن رد البضاعة لا يلائمه السكوت، وأحكام الضرورة قاضية بالذي يحفظ الرمق من القوت، فأخذ علينا من الله موثقا وعهدا، بأن لا نألو في العناية بحفظه جهدا، فعاهدته على ذلك عهدا وثيقا، وألجأته لأن يرسله معي قرينا ورفيقا، فإن شهدنا أمامه تصريحا وضمنا، وقلنا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا. قال: بل سولت لكم أنفسكم أمرا، وايم الله لقد جئتم شيئا إمرا، وإن قلنا أكله الذئب كان أوجع لقلبه بإعادة الحزن القديم، وقال: عسى الله أن يأتيني بهم جميعا، إنه هو العليم الحكيم. فبالله كيف أصبر على الحنث في يميني، أو أصافح أباه لدى العودة بيميني، لقد عز علي التخلص من هذا الإشكال، ولم أصل إلى نتيجة من مقدمات تلك الأشكال، فأناشدك بالله أن ترأف بي أيها الأمير الأمين، فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين.
قال ممثل يوسف عليه السلام: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، وأدركتم مآل إلغاء كل منكم لأواخيه، ولقد أنبأ ظاهر فعلتكم بانقيادكم إلى الجفاء الذي ليس له ثبوت، وتمسككم بسبب الاعتداء الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، ثم كدتم لأخيكم من أبيكم كيدا، ولم يأتكم أن الله إنما يمهلكم رويدا، وقد ظهرت دلائل عدله سافرة القناع، ومن علي وعلى أخي بمنة الاجتماع، وهي منة لاح في صحيفة التقوى عنوانها، ودل على حصول الفرج بعد الشدة برهانها.
قال قائل من أخوته: تالله لقد آثرك الله علينا بأنواع الفضائل، وأنطقك بقول فصل لم يبق معه مقال لقائل، فلله درك من ذي سيرة حسنة شهودها عدول، وسريرة ما لها عن ابتغاء مرضاة الحق عدول، ولئن أخطأنا في صنعنا بك خطأ بينا، وعددنا قطيعة الرحم أمرا هينا، فنحن مسيرون لما سبق في علمه تعالى، وحلمك يطمعنا في أن نتفيأ من الفضل ظلالا، ولا مرية في أن العفو شأن أولي الشان، وإسداء المعروف على كرم المحتد أوضح عنوان.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن رحمة الله لأوسع من أن تحصرها الأحلام، ويختص بها قوم دون قوم ولو في الأحلام، فلا تثريب عليكم اليوم ولا عتاب، وعفا الله عمن استغفر مولاه وتاب، ولو لم تسيركم فيما صنعتم أحكام الإرادة، لما وصلت لمقام مهد الله لحفظ عشيرتكم مهادة، فابشروا بشرى من استمطر غيث العفو ففاز بأعظم منحة، أو ميئوس من برئه اشتم من روض الألطاف عبيق عبير الصحة، وها هو يوسف يخاطبكم بلسانه، ويترحم عما وقع من الحوادث بترجمان بيانه، فليكن إعلامكم لأبي مصوغا في قالب التحقيق، كافيا في الدلالة على أن الصلاح عنوان التوفيق، بحيث لا يجد لتفنيد مقالكم مجالا، وائتوني بأهلكم أجمعين نساء ورجالا، وإليكم مني هدية تدل على صدقكم في الرواية، وتبعث أباكم لأن يلحظكم بطرف الرعاية.
فأنشأ ممثلو الإخوة يقولون ما معناه:
ألا بشراك دام لك البقاء
وعز بيمن طالعك الإخاء
تقلدت الوزارة فاستقامت
أمور الملك وانجاب الشقاء
وصرت لكل ذي أمل ملاذا
فمات اليأس واستحيا الرجاء
ومن يقصد حماك ينل مناه
ويحرز من جميلك ما يشاء
وقد جئناك نسترضيك عنا
ومنك العفو يرجى لا الجزاء
فإن تكن الإساءة شر داء
فعفوك أيها المولى الدواء
وما نرجوه إلا من كريم
عزيز الشان شيمته الوفاء
فإن تمنن به فيها ونعمت
وإن تضنن به فلك القضاء
سنبلغ عنك والدك المفدى
تحيات سيعقبها اللقاء
وأشواقا تترجم عن ولاء
وإخلاص ويا نعم الولاء
وينشده لسان القول منا
ألا بشرى فقد برح الخفاء
وأصبح نجلك الأسمى وزيرا
تلازمه السعادة والعلاء
عسى يستغفر المنان عنا
فيقبل منه لا شك الدعاء
أدام الله عزك في كمال
وسعدك في الصعود له ارتقاء
المقامة السابعة: في قدوم يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر
وفيه فصلان
الفصل الأول: في اجتماعه بيوسف عليهما السلام
قال ممثل يوسف عليه السلام: مرحبا بمن عز عليه الفراق، وجرى لما جرى به حكم القدر دمعه المهراق، مرحبا بمن لبث مدة محجوبا عن الناظر، ولكنه لم يبرح مصورا في مرآة الخاطر، يناجيه الضمير بلسان الولاء، ويراعيه بإنسان غشيه ما غشيه من يم البكاء، مرحبا بمن اتخذ الصبر الجميل شعارا، وهبت ريح يسره رخاء بعد أن لاقت إعصارا، مرحبا بمن وازرني دعاؤه فأصبحت وزيرا، وحق علي ولاؤه صغيرا وكبيرا.
إذا ظفرت من الدنيا بقربكم
فكل ذنب جناه الدهر مغفور
ولقد ألفيت لشرح رسائل الشوق وسائط ووسائل، فلا ترام على عنقك أخاطبك يا أبتاه بلسان القائل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فما أسعد يوما روى مني الغلة، وشفى من فؤادي المفئود أيما علة، بل ما أحسن إدبارا عاقبته إقبال، ويوما تزري براعة مطلعه بكل أمر ذي بال، ولتلك عادة الأيام تحسن وتسيء، وتولي آونة وآونة تجيء، لا أذاقنا الدهر صرف صروفها الماضية، ولا برحت طوالع سعودها بجمع الشمل قاضية.
قال ممثل يعقوب عليه السلام: ليت شعري، بماذا أجيب وأشرح ما خامر الخاطر من السرور بلقاء الحبيب، أم بأي وصف أصف يوما انتظم عقد وفائه، واجتلب منازل السعود بدر صفائه، وقد أحيى ببهجته ميت الأحياء، ونبه طرف أمله - ولله الحمد - بعد الإغفاء. ليت شعري، أنى يتهيأ لي بث الشوق، ويهنأ لي أن أسوقه بلسان البيان أجمل سوق:
ولي فم كاد ذكر الشوق يحرقه
لو كان من قال نارا أحرقت فمه
فمرحبا بك يا قرة عيني، يا من عز فراقه لدي، مرحبا بمن لم يبرح في سويداء الفؤاد، ومحله من العين قرين السواد، مرحبا بمن أبرأ داء أشجاني بلقائه، ورد فؤادي المسلوب بسحر بيانه الحلال وحسن إلقائه.
شكى ألم الفراق الناس قبلي
وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي
فإني ما سمعت ولا رأيت
فهنيئا لك بنعمة قلد بها جيدك، وعزز بطريقك من المجد تليدك، بل هنيئا لي فلأنعم الآن بالا، وأقبل على اجتلاء أنوار طلعتك المباركة إقبالا، ملتمسا منك العفو عمن أساءوني وإياك، ونووا أن يوقعوك من الضياع في أشراك، حتى نكون متفقين في اغتفار الإساءة، مستبقين في قضاء ما أوجب الله علينا قضاءه، لا برح سعيك المشكور مشيد الأركان، مؤسسا بنيانه على تقوى من الله ورضوان.
قال ممثل يوسف عليه السلام: إن لله ألطافا لا يحوم عليها طائر فكر، ولا يقوم بحق ثنائها لسان الشكر، فطوبى لمن استقبل قبلة الطاعة، وأنفق في سبل البر رأس مال البضاعة، فهو المنتهج خطة الهدى، الموفق لما يحمد عليه اليوم وغدا، وقد لاحظتني عيون العناية بيقين، وتسنى مع نعيم الدنيا ليوسف صلاح الدين، نظرا لحرصي على ابتغاء مرضاته، وعلى اتقائه تبارك وتعالى حق تقاته، ولكم راودتني التي كنت في بيتها عن نفسي فأبيت، وآثرت السجن على قضاء لبانتها وهي صاحبة البيت، ودخله معي فتيان اتهما بالخيانة الملوكية أيما اتهام، أحدهما صاحب شراب الملك والآخر صاحب الطعام، فقص علي هذان الفتيان، حلمين كانا فيهما يستفتيان، فنبأتهما بما كشف عن تأويلهما النقاب، ورد أحدهما إلى وظيفته كما استوجب الآخر العقاب، ثم رأى الملك رؤيا تشعبت فيها الآراء، وأعجز تأويلها من بمصر من السحرة والحكماء، فجرى ذكري على لسان رئيس السقاة، ووسمني أمام فرعون بسمة الكملة الثقات، فدعيت لأن أعبر تلك الرؤيا تعبيرا، وأتنسم من خلال أزهار أسرارها مسكا وعبيرا، فرأيت معناها بعيدا قريبا، ومؤداها أمرا عجيبا غريبا، يستدعي استنهاض الهمم، والسعي في ادخار الزاد على ساق وقدم، فرارا من غائلة قحط يعز تلافي إتلافه، وينتشر بخيله ورجله في أطراف القطر وأكنافه، فقلدني الله مقاليد التدبير، وأقامني لديه - أيده الله - مقام الوزير، كل هذا ببركة دعائك، وتيسيرا لوسيلة بقائك وبقاء أبنائك، فجزى الله أخوتي خيرا على هذه الفعلة، التي هي من قبيل الإرادة الإلهية في الجملة، وكيف لا ألحظهم من طرف مكارم الأخلاق بإنسان، ولا أتغاضى عن إساءة كلما وايم الحق إحسان، أم كيف لا أقتدي بأبي، وقد أحسن تأديبي، ولا أهتدي بنجوم آدابه الزواهر، وهو ولي تهذيبي، فيا إخوتي ثقوا بي وثوقا كليا، واعلموا أني لا أنكث عهد الإخاء ما دمت حيا.
قال قائل من أخوته: لقد استوفيت أجر من ابتلي فصبر، وجوزيت جزاء من أغناه مولاه فشكر، فلله درك ما أزكى شمائلك، وما أكرم في مقام العصمة فضائلك، وإن عفوك عنا لقطرة من ديم تلك المآثر، ومكرمة يحق لنا أن نفاخر بها ونكاثر، حيث استرضينا جانب الابن وأبيه، وأمضينا نية جمع الشمل بين الوالد وبين بنيه، فلنسجد لله على هذه المنن شكرا، ولنثبتها لك في جريدة الثناء الجميل ذخرا.
الفصل الثاني: في اجتماع يعقوب عليه السلام بفرعون مصر
قال ممثل يوسف عليه السلام يخاطب فرعون مصر: يا حضرة الملك، هذا أبي يشيد بيت مديحك تشييدا، ويبتهل إليه تعالى بأن يؤيدك بتوفيقه تأييدا، قادما يزجي لمصر ركائب الأشواق، طامعا في ما تحليت به من مكارم الأخلاق، فلا تصده عن تفيؤ عوارفك الوارفة الظلال، والسقيا من مورد كرمك الأعذب من الماء الزلال، لا زالت حياض آلائك مورودة، ورياض حماك لكل آمل مقصودة.
قال فرعون مصر: كرم الله وجهك أيها الشيخ الذي قصد حمانا، وقلدنا من قلائد المنة درا وجمانا، كيف لا نسر بقدومك وأنت معدن الحكمة والبركة، ومهبط أسرار هي بينه وبين يوسف مشتركة، فدونك بلدة طيبة تعيش فيها حيث شئت رغدا، وبشراك وأهلك فقد يسر الله لكم من أمركم رشدا، ولكم سعى نجلك في نفع هذه الديار، فكللت بإكليل النجاح مساعيه، وكفاها مؤنة الافتقار وإنسان عين العناية يرعاه ويراعيه، فلهج بشكره أهلها، وصار في قبضة أسره كثرها وقلها، فهكذا تكون ثمرة تربية الآباء، بل هكذا يكون مظهر نجابة الأبناء، إذ لولا تعلقه بأهدابك واقتداؤه بآدابك، لما شب مترشحا لمباشرة الأحكام، متوشحا بوشاح الكياسة المعقود بنطاق الأحكام، ولا مرية في أن الولد سر أبيه، أشبه شيء به جل من لا له شبيه.
قال ممثل يعقوب عليه السلام: لا زالت روضة مآثرك الغراء دانية القطاف، وعروس الأدب بإنشاء محامدك وإنشادها مترنحة الأعطاف، هذا فؤادي يقتبس دراري الأمل من سماء آلائك، ويلتقط درر الثناء الجميل من بحار ولائك، فهبني استنزلت لشكرك الدراري في أفلاكها، أو أتحفتك بالدرر منضدة في أسلاكها، لما حسبت إلا محدثا عن روايتك، آخذا في المديح برأيك ورايتك، ولئن استرضاك ولدي بالإقبال على خدمة هذا الوطن، وسار في أهله سيرة النبلاء أولي الفطن، فقد اقتدى بحضرة الملك قدوة الفرع بأصله، وعمل على شاكلته في حكمه وفصله، كيف لا وقد توسمت فيه الخير فاصطنعته لنفسك، وسقيته خمرة السياسة الملكية من سقايتك وكأسك، فهو غرس نعمتك ونبات راحك وراحتك، وقد بلغت من العمر مائة وثلاثين سنة إلى الآن، جلها بل كلها أكدار وأحزان، تنحرف في خلالها الأيام عني انحرافا، وتريني الأحداث والكوارث ألوانا وأصنافا، بيد أن فضلك الجم أنساني ما سلف، وجعل لي - ولله الحمد - مندوحة عن الأسى والأسف.
غير مأسوف على زمن
ينقضي بالهم والحزن
وستراني بأرض رعمسيس راعيا عهدك وذمامك، راجيا منه تعالى أن يجعل عاقبة الخير ختامك.
ثم أنشأ يعقوب يقول ما معناه:
راق الزمان فطف بكأس القرقف
وأعد حديث تشوقي وتشوفي
وانس الفراق كما نسيت وإن تشأ
فاذكر أويقات اللقاء وأسعف
فلقد ظفرت من الزمان بمنية
نفت الهموم عن الفؤاد المدنف
وحظيت بالزلفى لدى الملك الذي
ألفيت منه نصرة المستضعف
من شب مغرى بالجميل كأنه
لسوى اتخاذ صنيعة لم يألف
وكفى به ملكا بصائب رأيه
أمسى إمام المقتدي والمقتفي
فله الثناء على عنايته التي
قد كان مصدرها الجناب اليوسفي
يا من بوادي النيل طاب مقامه
ورقى به أوج المقام الأشرف
إن اللقاء لخير ما قرت به
عينا أبيك الواجد المتلهف
فلأشكرن الله شكرا كلما
رددته قال الولاء استأنف
ولأنفقن من الحياة بقية
في مدح ذي القلب السليم الأرأف
لا زالت الأيام توليه المنى
فيما يروم من الصلاح ويصطفي
المقامة الثامنة: في نقل جثة يعقوب عليه السلام من مصر إلى أرض كنعان
وفيه فصلان
الفصل الأول: في رثاء يوسف ليعقوب عليهما السلام
قال ممثل يوسف عليه السلام: ما لي أرى الأيام مولعة بالجفاء، مغرمة بتفريق الآباء من الأبناء، لم تهدأ لها حال إلا اضطربت، ولا اتخذت يدا إلا استلبت ما وهبت، فواها لأرومة الأفضال اغتالتها يد الردى، وجرثومة الكمال ذهبت بها ريح الفناء سدى، ووا حسرتاه على بحر المعارف غيض ماؤه، وبدر العوارف حجب عن الأبصار ضياؤه، ودع فأودع بقية من الأحشاء، بقيت ويا للعب دون سهام الأيام طي غشاء.
وأظنها لا بل يقينا أنها
قلبي فإني لا أرى قلبي معي
ولقد أنست بوالدي في مصر سبعة عشرة سنة، ثم تنبه لي طرف المنية بعد السنة، فأنسيت في لحظة حلاوة تلك الأيام، التي مرت وما كأنها إلا أضغاث أحلام، وقد اطمأنت نفسي بلقياه بعد الغياب المدة الطويلة، وفاتني أن الدهر كلف بتفريق الأحباب يتوسل إليه بأية وسيلة، فما أبعد المغتر بزخرف الدنيا عن مهيع السداد، وأقرب المطرحها ظهريا من الفوز بمرضاة رب العباد.
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركم مني ابتسام
فقولي مضحك والفعل مبك
ويا للرزء من رزء جليل
يطول به التوجع والتشكي
فهلم نستمطر لرثائه سحب الدموع من سماء الجفون، ونفجر على ذكرى مآثره المبرورة عيون العيون، فقد عز علي الصبر على فقده، ولا أعلم يا إخوتي من يكون لنا بمنزلته من بعده.
قال بعض أصحابه: فسح الله لسيدي في أمد بقائه، وشرح صدره للمطالعة في كتاب عزائه، لقد عظمت لدينا الفجيعة التي فجعك بها الحدثان، وحق علينا أن نشاركك في بث لواعج الأشجان، دفعا لغائلة الهم بجيش التعزية، ورفأ لثوب الغم بخياط التسلية.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
وفي علم مولاي كتب الله له بذلك أجرا، وألهمه على هذا المصاب عزاء وصبرا، أن هذه الدنيا ليست بدار إقامة، بل هي سفينة يتوصل بها إلى بر سلامة أو ندامة، فيا سعادة من تزود منها بالأعمال الصالحة، وكانت تجارته في سوق الحياة الدنيا رائجة رابحة، ويا شقاء من باء منها بصفقة خاسرة، ولم يتزود في أولاه بزاد الآخرة، ولا ريب أن أباك قد ورث الجنة بأعماله، وانبعث في أفقها من شمس الهداية شعاع كماله، يتهلل فرحا بالفوز في مصاف الأنبياء، ومن أعقب فكأنه في عداد الأحياء، فطب نفسا بما أوتي من جزيل الثواب، واعلم أن الرضى بحلول القضاء عين الصواب، وقاك الله شر انتياب النوائب، وجعل هذا الرزاء خاتمة ما ألم بك من المصائب.
الفصل الثاني: فيما خاطب به الإخوة يوسف عليه السلام
قال بعض الإخوة: لله هذا الصاحب، فقد أعرب عما في ضمائرنا، وأغرب في التسلية فشرح صدر أولنا وآخرنا، فناهيك أيها الأخ عظة بمقاله، وقدوة بمثاله البديع وأمثاله، وما لنا نجزع على وفاة الوالد عليه السلام، ولا نطمع في الحصول بالعمل الصالح على حسن الختام، وله تعالى وحده الملك والملكوت، ومآل كل حي في الدنيا أن يموت ويفوت.
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل
فلنكن يدا واحدة في إنجاز وصية الوالد وعهده، وننقل جثته من مصر إلى قبر أبيه وجده، لتكون جامعة عظام آبائنا بلاد كنعان، قياما بحب الوطن الذي حبه من الإيمان.
قال ممثل يوسف عليه السلام: هلم بنا نقبل على إخلاص الولاء، ونتمسك بعروة مراعاة شئون الوفاء، ولكم عزمت أن أفتتح باب الحديث في هذا المقام، وهممت أن أقوم بوفاء العهد أيما قيام، فرأيت أني عن إبداء هذه الملاحظة لفي عقال، وكأني أسير لا يطلق إلى ساحة الحرية المقال، وقد بعث الله لي منكم معينا على إنجاز تلك الأمنية، التي أوشك أن يبوح بها يقينا لسان حال النية، فينبغي علينا أن نقوم والحالة هذه بحفظ الذمام، ونحتفل بتشييعه سعيا على الأحداق لا سعيا على الأقدام، بلغنا الله الأوطار بالرحلة إلى تلك الأوطان، وحقق ما وعد به آباءنا فيما غبر من الزمان، إن الله لا يخلف الميعاد، وإليه تبارك وتعالى المرجع والمعاد.
خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن أطلع في آفاق بصائر المؤمنين أضواء الهداية، ونزه عباده المخلصين عن موارد الغواية، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء، الذين هدوا الخلق بما جاءوا به من الأنباء. أما بعد ... فيا أيها الناس، أما فيكم ذاكر غير ناس، أو حبيب مواس، أو طبيب للأرواح آس، حتام ترتعون في نضير روضة الآثام ، ولا ترتاعون لنذير زئير قسورة الحمام، تطلقون يد الأفكار في اقتطاف اللذات، وتنفقون نقد الأعمار في اقتراف السيئات، تزدهيكم عروس الدنيا الفانية، وتلهيكم عن الصواب أغنية وغانية، طالما شهدتهم الجنائز بعين الإغضاء، وقرع الوعظ أسماعكم فأعرتموه أذنا صماء، كأنما خطرت على أفهامكم خواطر أوهام، ولم تدركوا أن سحاب الأماني سحاب جهام، فهلا قطعتم بمدى العزائم علائق الآمال، ووردتم شريعة الإنابة قبل حلول الآجال، وعلمتم أن العمل الصالح تجارة لن تبور، وأن الله عز وجل يبعث ما في القبور، فيا لها من ساعة تخشع فيها الأبصار، وتخضع الجبابرة أمام الواحد القهار، ولا تنفع المرء حينئذ حماة ولا أنصار، ساعة تبيض فيها وجود وتسود وجوه، ويفوز من يرجو رضوان الكريم بما يرجوه، ساعة تكفهر فيها وجوه الفجرة اكفهرارا، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، فرحم الله امرأ انتهز الفرصة قبل الفوات، وعالج بداء التوبة الخالصة داء الهفوات، وكان ممن سمع المواعظ بأذن واعية، ولاحظ العبر بعين مراعية، وكيف لا يتعظ العاقل بمن مضى من القرون، ولا يتيقظ الغافل لمآل كسرى وقيصر وقارون، وقد أصبح أثرهم مدثورا، وجعل الله ما عملوا من عمل هباء منثورا، فلأقسم برب الأرباب، الذي فطر السموات والأرض، وقدر العقاب والثواب، وهو الفاعل المختار يوم العرض، أن المرء لينظر ما قدمت يداه، والسعيد من ابتاع دينه بنقد دنياه، نسأله تعالى أن ينير بمشكاة يقينه منا البصائر، ويحشرنا مع من أوتي كتابه بيمينه يوم تبلى السرائر، آمين.
يا من يجيب إذا دعاه
داع له يبغي رضاه
اغفر لجان ما جناه
وأزل بواعث كربه
المرء في الدنيا خيال
بفنائه ولع الزوال
لكن إذا زكى الفعال
أو كان متسع النوال
أو أعقب النسل الحلال
ربح الخلود بكسبه
أما الذي يجني الذنوب
وتراه يقترف العيوب
والعمر آذن بالغروب
ويقول سوف غدا أتوب
هيهات في عظم الكروب
تغني شفاعة صحبه
لله در أخي الصلاح
ومن اقتدى بأولي الفلاح
فأضاء بالحسنى ولاح
من صنعه ضوء النجاح
وإلى الإله غدا وراح
كيما يفوز بقربه
إن الضلالة والرشاد
بيد الذي أنشا العباد
وإليه يرجع في المعاد
سبحانه مغو وهاد
إن شاء يعف وإن أراد
أخذ المسيء بذنبه
مقامة وهبية، تروي بحلاوة روايتها الغليل، وتأتيك بالخبر المسلسل عن وادي النيل، منشأة بقلم مؤلف هذا الكتاب، لا زالت فرائد فوائده تملأ الحقيبة والوطاب. •••
حدث نسيم الصبا، قال كلفت منذ الصبا، بانتهاج أقوم المسالك، في معرفة أحوال الممالك، فكنت لطمعي في اختلاس هذه الأمنية بيد الاقتباس، وفرط شغفي باستطلاع أخبار الناس، كلما سنحت لي فرصة أنتهزها لوقتها، أو تهيأت لي رغيبة أعززها بأختها، حرصا على ثمرة أقتطفها أو طرفة أستطرفها أو نادرة أوردها، أو شاردة أقيدها، فبينما أنا في بعض الأيام، مع رفقة من العلماء الأعلام، نتجاذب أطراف الحديث في الأحوال الحاضرة، ونقتطف ثمارها من أفنان روضتها الناضرة، أذ وفد علينا شيخ ظريف الشمائل، تسترق من لطف خلائقه نسمات الشمائل، يترجم لسان حاله عن براعة وفصاحة، ووقوف على الحقائق باقتحام عناء السياحة، وقد أخذ بيد فتى بلغ قاصية الجمال، وملك من الحسن ناصية الكمال، فحيانا تحية نسجت حلتها على منوال الأدب، وصيغت حليتها في قالب من شذور الذهب، ثم قال: قد بلغني أنكم آخذون للعلم بناصر، محتفلون بإحياء فنونه التي تعقد عليها الخناصر. فأفعم فؤادي بهذا الخبر سرورا، لعلمي بأن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وقد آليت أن يخفق لوائي على ناديكم، وأن أسعى اليوم للقيام بشكر أياديكم، فتهنأ وأيما آتاكم الله من فضله، وتهيأوا لأداء واجب فرض العلم ونفله. قال الراوي: فلما خلينا بعذوبة بيانه، وأهدى إلينا طرفا من حلاوة لسانه، قلنا له: لله درك كيف وصلت إلينا، واستدللت من تلقاء نفسك علينا. فقال: أما أنا فقد ولعت بالأسفار، وشغفت باستنشاق أخبار الأخيار، فحيثما وجد فريق منهم جذبني إليه مغنطيس حلاه، وأرشدني أرج شذاه إلى حماه. فكدنا نطير بقدومه طربا، وقضينا مما حكاه لنا عجبا، وعلمنا أن هناك من عجائب المقدور درا مكنونا، وسرا لا يزال ضميره في حيز الاستتار مصونا، ورجونا أن يتحفنا بذكر ما رآه في أسفاره، ويطرفنا بغريبة من غرائب أخباره ، فقال: لقد بلوت من ظروف الزمان صروفا، وشهدت من صنوف الوقائع مئات وألوفا، فإن شئتم استماع نبأ ما عاينته في أسفاري، ولم يجر لأحد بمثله قط قلم الباري، فدونكم ما أقصه عليكم مما تتعلق به الأطماع. ثم صعد منبر الخطابة وقال: سماع سماع.
اعلموا يا أولي الألباب، وكواكب سماء الفضل والآداب، إنني رجل من أولي العزائم، لا أقدم إلا على الأمور العظائم، ولا تأخذني في الله لومة لائم، ولي صاحب كريم الأخلاق، متحل بحلية الفضل بين الرفاق، إذا وفد على مملكة فأكرمت وفادته كما ينبغي، واستضاءت بنبراس آرائه الأصيلة فيما تروم وتبتغي، علا شأنها على ممالك الدنيا، وصارت كلمة أهلها بهذه المثابة هي العليا، بخلاف ما إذا تخلت عن القيوم بشئونه، أو تولت عن المسابقة في مضمار فنونه، فإنه ينتقل إلى غيرها من الممالك، داعيا عليها بالوقوع في مهاوي المهالك، وليس بين دعوته وبين الله حجاب، فلا جرم كانت تعم تلك المملكة أسباب الخراب، وقد عودني - أطال الله بقاءه وجعلني فداءه - أنه كلما انتقل من مملكة إلى أخرى، ورآها أحق به من غيرها وأحرى، لا يستطيع بدوني على الإقامة صبرا، فيوعز إلي بالقدوم، فلا أعصي له أمرا، أما مسقط رأسنا فهو القطر المبارك الذي لا يجارى في مجال فخار، ولا يشارك لبثنا في أهله ليالي وأياما، كانت في جبين الدهر غرة وفي فم الدنيا ابتساما، وكان هذا الصاحب صدر الصدور، الآخذ فيها دون سواه بمقاليد الأمور، آتاه الله الحكم صبيا، ولم يجعل له من قبل سميا، وكنت أنا زعيم جنوده، وعاقد ألويته وبنوده، فكنا نجتني ثمار النصر من ورق الحديد الأخضر، ونبتني منار الفخر على دعائم العز والمظهر.
الدهر طوع يميننا
والسعد بين جبيننا
والحب يجمع بيننا
ويزيد في تمكيننا
ثم فوق إلينا الزمان سهام غدره عن قوس مكره، فعاد ضياؤنا ظلاما، وارتواؤنا أواما، وسعودنا نحوسا، وابتسامنا عبوسا، وخزائن أموالنا أفرغ من فؤاد أم موسى، فارتحل صاحبي من تلك الأنحاء، إلى بعض أقطار شاسعة الأرجاء، بيد أنه رآه مركزا للاختلال ، متأصلة في أرضها جرثومة الضلال، فأحب أن يعقد له فيها لواء رئاسة، وتراءى له أن مفاوضة رجال السياسة من الكياسة، فنظروا إليه نظرة المريض إلى طبيبه، أو المحب إلى حبيبه، ثم قاموا بنصره، وأجمعوا على شد أزره، وولوه عليهم أميرا، وأوعزوا إليه بأن يجعل له من أهله وزيرا وسميرا.
لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة لمن جهالهم سادوا
فأرسل لي بالحضور طبق عادته، وكأن أولئك القوم اطلعوا على إرادته، فلبيت دعوته بقلب فرح وصدر منشرح.
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
ولم آل جهد في إنجاز مآربه، واستنباط أسرار غرائبه ورغائبه، حتى تفجرت بها عوارف المعارف عيونا، وتوفرت فيها أسباب الرفاهية فقرت بها الأهالي عيونا، وصارت محط رحال الفضلاء، وموئل القصاد والنبلاء، تزجي الركائب إلى حرمها الآمن من كل واد، وترجى الراحة من راحة عميدها الذي هو نعم العماد، ولم يزل الشوق إلى الوطن الأول كامنا في الصدور، نود لو تظهره من حيز الخفاء عجائب المقدور:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
وكلما غردت ورقاء على فنن، حركت ما سكن في صميم الضمير وما استكن، وذكرتنا سالف أوقات مرت حلوة، كأنها لقصرها سويعات، ويأبى الله إلا قضاء ما أودع في أم الكتاب، وهو العليم بما انطوى عليه مطوي ذلك الحجاب، حتى استفتحنا بتكرار الدعاء بابا كان مقفلا، واجتلينا من خدور الاستجابة وجه الرجاء أغر محجلا، وأتاح لنا الله محمد علي باشا نزيل الجنة، وأوحى إلينا باتخاذ حماة من الكوارث وقاية وجنة، فخفق طائر الفكر إلى رؤياه وطار، وحدانا حادي الإجابة إلى القدوم من تلك الأقطار، بفيقان نطالعه بما في النفس من الأوطار، فألفيناه رجلا جمع بين الرئاستين؛ رئاسة السيف ورئاسة القلم، وفاز بالسبق في الحلبتين؛ حلبة الشجاعة وحلبة الكرم، فعرضنا عليه تلك القضية، ورجونا أن تكون حاجتنا بعنايته مقضية، فبرقت أسارير محياه سرورا، وآنس من هذا الاقتراح ارتياحا وحبورا.
وقال: الآن أبشرك يا مصر بالعمار، وأؤمل أن تصبحي بتوفيقه تعالى شامة وجنة الأمصار، ثم قال: أسألكما معذرتي عن قضاء تمام الأرب، وأرجوكما أن لا تتمسكا والحالة هذه بعروة الطلب، فإنه لا تتلألأ أضواء فضائلك يا حضرة الشيخ في سماء الإمارة، ولا تنتقل مواكب وسائل في مناكب المملكة تنقل الكواكب السيارة، إلا إذا والى هذه الأقطار المباركة سمي وتولاها، وأجل في ميزان الممالك الشرقية علاها، وإني لأغبطك على كونك ستعاصره، وتشد عضده وتناصره، فتمحو ما كان على صفحات المقادير سطورا، وكم يأتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فهو الذي تقسم به دولتي غارب العلياء، ولا تبرح به عائلتي دوحة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فحمدت الله الذي قرب انجاز الأمل ثم أخره، وأماته مدة عشرين جيلا ثم أنشره، ونطقت مني الرغبة بتأويل تلك الرموز، ورجوت أن أفتتح بمفتاح الصبر أبواب تلك الكنوز، حتى حقق الله أمنيته التي تمناها، وقد كانت حاجة في نفس يعقوب قضاها، واجتبى لمصر بعد فترة سميه رافع منار العدل، وأتم نعمته عليه وعلى آل إسماعيل كما أتمها على أبويه من قبل، فاجتمعت قلوب الرعية على ولائه، وتقاطرت النفوس الازدحام تحت لوائه، فنهضت لاستلفات أنظار نجباء مصر، ليأخذوا بنصيب من مزايا هذا النصر، إلى أن خلا لي الجو مع ذلك الرفيق الشفيق، وغشيني - ولله الحمد - نور التوفيق، كيف لا وقد طرت إلى سماء المنى بجناح نجاحه، وكافحت الأيام بسلاح إصلاحه، وطمحت إلى مطالب لم تخطر لي على بال، ومآرب أخرى هي في الحقيقة من ذوات البال، ولا مرية في أن عموم المصالح قبل الولاية، قد بلغت من سوء الإدارة كل حد وغاية، فأصبحت الآن دائرة على محور الانتظام، قائمة بأمر الإصلاح خير قيام، يعلم ذلك من قاس الحاضر بالغابر، وكان على مطالعة الوقائع أول مثابر، وما ذلك إلا بعناية عزيز مصر سمي الهمم، ورعاية وزرائه النبلاء أرباب السيف والقلم، حيث حركتهم أريحية حب الوطن لتسوية صعاب المسائل بوسائط هن لتحسين الحال نعم الوسائل، ولا مجال لسرد مآثرهم التي يضيق عنها نطاق الحصر ، وعد مفاخرهم التي تضوعت بنشر أريجها آفاق مصر، فقد تغنت بذكرها صحف الأخبار، وسارت بها الركبان في سائر الأقطار.
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
قال الراوي: فلما وعينا ما سمعناه، واستنبطنا من سياق الخطاب محصل معناه، قلت له: الله أكبر، لقد خلبتنا بحديث أرق من النسيم، وجلوت علينا من حميا السياسة كأسا كان مزاجها من تسنيم.
من كل معنى تكاد الراح تعشقه
لطفا ويحسده القرطاس والقلم
فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس، والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، إنه لقول فصل، يعرب عن كمال نبل وفضل، مصدره ذو قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين، فبالله إلا ما أخبرتنا عن اسمك، وأعربت لنا عن حدك ورسمك، فإنا ما سمعنا بمثل ذلك فيما غبر، وإن ما ألم بك كله لعبرة لمن اعتبر. فأومأ إلى فتاه، وقال: سلوه فإنه لسان حالي، ومعتزى روايتي في حلي وترحالي، إن شئتم أن أكاشفكم بحقيقة خبري، وأطلعكم على عجري وبجري، فانبرى الفتى كأنما نشط من عقال، وقال: لكل مقام مقال، وإن حديثي وحديثه لأغرب ما أنتجته الليالي الحبالى، وأعذب ما ارتشفت صرف كوثره الأسماع معينا زلالا.
والليالي من الزمان حبالى
مثقلات تلدن كل عجيبة
ولقد رفعني في النشأة الأولى مكانا عليا، ثم تولى عني فأصبحت من بعده مهجورا شقيا، تحدق بي المصائب من كل جانب، وتعبث بحقوقي أيدي الأقارب والأجانب، فطفقت أعلل النفس بعودة النائي إلى سكنه، ورجوع الغريب إلى وطنه، حتى أظفرته يد الأقدار بهذه المنية، وأنالته قوة الاقتدار الفوز بهذه البغية، وعاد متلقيا راية التمدن بيمينه وشماله، منفقا من سعته على الوطن إبريز نواله، فعدت بيمنه إلى خطة العز بعد الخمول، وأبصرت في سماء المعالي شموس المعارف بعد الأفول، ولئن كنت أختال اليوم في برد الشباب، وأسحب مطارف الفخار على الأتراب، فله المنة التي لا تحيط بإيرادها دائرة الكلام، ولا تنفد ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام.
ولا فضل لي فيما أقول وإنما
أياديه عندي ألسن تتكلم
قال المخبر بهذه الحكاية: فأمعنا النظر في المقالتين إمعان أولي الفطن، وأدركنا أن الشيخ هو التمدن وفتاه هو الوطن، ثم أستأذن الشيخ في الانصراف من أرباب النادي، واحتفز للرحلة وهو يترنم بمدحنا ترنم الشادي، بعد أن دعانا لمشاهدة ما رواه بلسان الحديث، ورآه أثناء اجتيابه البروج من القديم إلى الحديث، فتعلقنا بأهدافه وسرت في أفهامنا حميا آدابه، وما برحنا نجد السير مع ذلك الأمين، حتى هتف بنا داعي الشوق
ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ، فرأينا بها ما شاء العزيز من مدارس جامعة، جرت فيها جداول العلوم والفنون، وتغنت بمغنى روضتها الغناء حمائم الآداب على الغصون، ومن مجالس تحرت العدل فحررت الأحكام، وراعت حرمة القوانين مع الضبط والإحكام، ومن جرائد أفعمت من الفوائد بغرائد، وعاد عائد موصولها على الصادر والوارد، ومن أماكن معدة لتهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، وإبداء عرائس الآداب مكتسية من صورة التمثيل أفخر جلباب، ومن سكك حديدية تطير آلاتها على أجنحة البخار، وأسلاك برقية سخرتها ملكة الاختراع لنقل رسائل الأخبار، ومن شوارع لا تذر فيها الأشجار شمسا ولا زمهريرا، تجري بها عيون يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، ومن رياض ائتلفت فيها صحبة الأزهار، وصارت كأنها جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن مصابيح دبت أرواحها في مجاريها دبيب السيل، ونسخت مشكاتها من صحيفة الجو آية الليل، وناهيك بدار التحف التي تأخذ بالأبصار، وتحار في وصفها دقائق الأفكار، وأما النظارات الكبرى التي هي مركز دائرة الأعمال، وقبلة الأماني والآمال، فقد رأينا بها ما ملأ الجوانح انشراحا، وملك الجوارح طربا وارتياحا، من الانتظام الذي بلغ الغاية والنهاية، وطاب لأرباب الأقلام في وصفه مقام الرواية.
رأينا بها ما يملأ العين قرة
ويسلي عن الأوطان كل غريب
ثم سألناه عمن اشتغل بمدح خلاله من الأطناب، وافتتح لشرح حاله باب الإعراب، فقال: أوما رأيتموه مستويا على عرش المدارس، يقتبس من فوائده كل لبيب ممارس. فقلنا: الظاهر أن العلم هو المقصود بذلك الصاحب المعهود. فقال: إي وربي إياه أقصد، وبنار هداه أأتم وأسترشد، فشكرا لمن تمكن بواسطته من مصر تمكنا أمكن، وأجاد فيما آتاه من فنون الإبداع وأتقن، ثم انتقل من مقام الثناء، وأقبل على أداء فريضة الدعاء، فأمنا عليه بلسان الخلاص، وعقدنا على حب الجناب العالي شرائط الاختصاص.
قال الراوي: وقد اضطرني بسحر شجونه وملح فنونه، أن أتخذه وأصحابي خليلا صفيا، وأعاهد الله أن أروي هذه المقامة ما دمت حيا. (1) فائدة تاريخية: في الكلام على الدولة المصرية التي قدم في عهدها يوسف عليه السلام إلى مصر
تنقسم دولة الفراعنة إلى ثلاثة أقسام أصلية؛ أحدها: الدولة المصرية القديمة، وهي عبارة عمن تولى على مصر من ابتداء العائلة الملوكية الأولى إلى العاشرة، وذلك من سنة 4000 إلى سنة 3000ق.م ثانيها: الدولة المصرية الوسطى، ومبدأ أمر ملوكها من العائلة الحادية عشرة إلى السابعة عشرة، وذلك من سنة 3000 إلى سنة 1700ق.م ثالثها: الدولة المصرية الحادثة، وأول عائلاتها العائلة الثامنة عشرة وآخرها السادسة والعشرون، وذلك من سنة 1700 إلى سنة 527ق.م.
وقد شن الغارة على مصر في عهد العائلة الخامسة عشرة القوم البغاة، المعروفون في تاريخها بالملوك الرعاة، «ويلقبون أيضا بلقب إيكسوس، وهي كلمة مركبة من لفظين، أحدهما إيك، ومعناه باللغة المصرية القديمة ملك، وسوس ومدلوله راع»، وكانت مصر حينئذ مختلة النظام، متوفرة بين أمرائها أسباب البغضاء والاختصام، ومن ثم امتلكها أولئك القوم، ونسخوا أحكام الدولة المصرية المتوسطة، ودمروا ما وجدوه من آثار الفراعنة الأصليين كما صنع التتار لدى استيلائهم على بلاد الصين، ثم لم يلبثوا أن تخلقوا بأخلاق أهل مصر، واتخذوا بيوت ملك كالتي كانت للفراعنة في ذلك العصر، ونازعهم في الملك قوم من أهالي الصعيد، ممن توفرت فيهم العصبية الملية والنخوة الأصلية، فانقسمت مصر إلى مملكتين؛ أحدهما بالجهة الجنوبية، وهي مصرية محضة، أخذ بمقاليد الحكم عليها فراعنة العائلة الخامسة عشرة والسادسة عشرة، وقاعدة ملكهم مدينة طيبة. وثانيتهما بالجهة الشمالية، وأولياء أمورها الملوك الرعاة، وقاعدة ملكهم مدينة تانيس أو «أواريس». وقد ذكر المؤرخ يوسيفوس العبراني أن الملوك الرعاة يهود ، جاءوا إلى الشام واستولوا على الوجه البحري الاستيلاء التام، وهو قول متشينع في نسبة الأقدمية لقومه. وقال شامبوليون الفرنساوي: إنهم من سكان آسيا الشمالية، من أبناء السيتيين، مستدلا بما رآه مرسوما على الآثار المصرية، من كونهم ذوي بشرة بيضاء وعيون زرق وشعر أشقر أو أحمر، والصحيح ما قاله مانيتون المصري من أنهم فينيقيون وعرب لا غير.
وقد قدم يوسف عليه السلام في عهد فرعون «آبوفيس» أحد الملوك الرعاة إلى مصر، وترقى إلى منصب الوزارة، وأقطع إخوته أرض جاشان، التي تعرف برعمسيس أيضا، وفي خطاب بعث به المغفور له مارييت باشا الفرنساوي إلى الكونت روجيه العالم بعلم الآثار المصرية، ما يدل على أن استيلاء الملوك الرعاة على مصر لم يمح آثارها، ويطفئ - كما زعم مانيتون المصري - أنوارها، بل انتهى الأمر بهم إلى أن أقبلوا على التمدن المصري كل الإقبال، وأعانوا على توسيع نطاقه لكونه أمرا ذا بال، والدليل على ذلك ما وجد في أطلال مدينة أواريس من إتقان الصناعة، الذي يثبت للملوك الرعاة السبق في ميادين البراعة، هذا فضلا عن كون فرعون يوسف الآنف الذكر اتخذ اللسان الهيروجليفي اللغة الرسمية، وآثر أداء العبادة للآلهة المصرية، مشركا معها إلها آخر يقال له «سوتيكا»، مع حرصه في ذلك كله على عدم الإخلال بشعائر المصريين الدينية، حتى إنه صور الإله المذكور بصورة تماثل صور آلهتهم.
ولم يزل الرعاة حكاما على مصر حتى انقرضت العائلة السادسة عشر وأعقبتها السابعة عشرة، وفي عهدها قام المصريون على ساق وقدم، وتمشى دم النخوة في مفاصلهم كتمشي البرء في السقم، وانتدب مؤسسها المسمى فرعون آموزيس، وحارب الملوك الرعاة وظفر بهم، واستولى بطريق العنوة على قاعدة ملكهم، ثم اضطروا لأن يفروا إلى ما وراء برزخ السويس، ويهاجروا إلى قارة آسيا، غير أنه رخص لبقية منهم في المقام بمصر مستأمنين، وأقطعهم بعض أراض يفلحونها (قال مارييت باشا)، وقد صارت تلك البقية طائفة مخصوصة في شرقي الأقاليم البحرية، كما كانت طائفة بني إسرائيل في ذلك العصر، والفرق بينهما أن بقية الملوك الرعاة لم تكن لها حادثة هجرة وطنية كالتي أثرت في التوراة عن بني إسرائيل، بل هي مقيمة إلى الآن على شواطئ بحيرة المنزلة، وتمتاز بقوة البنية وعبوسة الوجه.
ومن هذا الفصل يؤخذ بأن التي راودت فتاها عن نفسه لم تكن مصرية الحسب، بل هي من الملوك الرعاة غريبة المحتد والنسب.
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامات الأدبية من كلمات لغوية، مع مراعاة الحروف
الأصول وضبطها على ترتيب حروف المعجم ضمن أبواب وفصول
(1) باب الألف المهموزة
برأ:
تقول: برئت منك ومن الديون برأة، وبرئت من المرض برأ بالضم والفتح، وتبرأت من كذا وأنا براء منه؛ أي: خلاء منه.
خبأ:
بمعنى ستر وأخفى، والخبيء - على فعيل - ما خبئ.
درأ:
الدرء: الدفع، وفي الحديث: «ادرءوا الحدود ما استطعتم.»
رزأ:
الرزء: المصيبة، والجمع أرزاء، ورجل مرزء أي كريم.
رفأ:
أصلح، يقال: رفأت الثوب إذا أصلحت ما وهى منه.
عبأ:
العبء عدل المتاع، والجمع أعباء، وما عبأت بفلان؛ أي: ما باليت به.
فيأ:
الفيء ما بعد الزوال من الظل، والجمع أفياء.
كلأ:
الكلأ: العشب، وكلأه الله كلئه بالكسر، أي: حفظه وحرسه.
نبأ:
النبأ: الخبر، والجمع أنباء، ومنه أخذ النبيء؛ لأنه أنبأ عن الله تعالى.
ومأ:
أومأ يومئ إيماء، بمعنى أشار. (2) باب الباء
أرب:
الأرب والمأرب بمعنى الحاجة، وفي المثل مأرب لا حفاوة.
ترب:
الترب: الصاحب، والجمع أتراب.
ثرب:
التثريب: الاستقصاء في اللوم، ويثرب مدينة الرسول.
جعب:
الجعبة واحدة جعاب النشاب.
جلب:
الجلباب: الملحفة، والجمع جلابيب.
جوب:
جاب البلاد واجتابها، أي: قطعها، وانجابت السحابة: انكشفت.
حلب:
الحلبة بالتسكين خيل تجمع للسباق من كل ناحية.
خطب:
الخطب: الأمر العظيم.
خلب:
بمعنى خدع، واختلب مثله، وفي المثل: «إذا لم تغلب فاخلب.»
رغب:
الرغيبة العطاء الكثير، والجمع رغائب.
سرب:
السراب الذي تراه نصف النهار كأنه ماء.
شعب:
الشعب بالكسر: الطريق في الجبل، والجمع شعاب.
شوب:
الشوب الخلط، والشائبة واحدة الشوائب، وهي الأقذار.
صوب:
الصوب: نزول المطر، والصيب السحاب ذو الصوب.
صهب:
الصهبة: الشقرة في شعر الرأس، والصهباء: الخمر، سميت بذلك للونها.
ضرب:
الضرب: الصنف من الأشياء، والجميع ضروب، وأضرب عن كذا، أي: أعرض.
عرب:
العرب: جيل من الناس، ويوم العروبة: يوم الجمعة، وعرابة بالفتح اسم رجل من الأنصار.
غرب:
الغارب: ما بين السنام والعنق، وفي المثل: «حبلك على غاربك.»
غيب:
غيابة الجب: قعره.
قرب:
أي: دنا، وقراب السيف: غمده.
كتب:
الكتيبة: الجيش، والجمع كتائب.
لبب:
ألب بالمكان، أي: أقام به، واللباب: الخالص.
نصب:
النصيب: الحظ من الشيء، والنصيب: الحوض، والنصيب: الشرك.
نكب:
نكب عن الطريق، أي: عدل، والمنكب: مجمع عظم العضد والكتف.
نوب:
انتاب فلان القوم انتيابا، أي: أتاهم مرة بعد أخرى، وأناب إلى الله، أي: أقبل وتاب.
وطب:
الوطب: سقاء اللبن خاصة، والجمع أوطب ووطاب.
هب:
يفتح فسكون أمر بمعنى ظن، واستعماله مع أن وصلتها قليل.
هدب:
هدب الثواب وهدابه: ما على أطرافه. (3) باب التاء
سحت:
السحت: الحرام، وسحت وأسحت، أي: استأصل.
كمت:
الكميت من الخيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولونه الكمتة وهي حمرة يشوبها سواد غير خالص، والكميت من أسماء الخمرة لما فيها من سواد وحمرة.
هيت:
هيت لك، أي: هلم لك، يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع مطلقا. (4) باب الثاء
جثث:
اجتث أي: اقتلع.
حنث:
الحنث: الخلف في اليمين، وتحنث بمعنى تعبد واعتزل الأصنام.
ضغث:
الضغث: قبضة الحشيش المختلطة الرطب باليابس، وأضغاث الأحلام: الرؤيا التي لا يصح تأويلها لاختلاطها.
كرث:
الكارثة: المصيبة، والجمع كوارث.
لبث:
اللبث واللباث بمعنى المكث والإقامة.
نكث:
نكث العهد والحبل فانتكث، أي: نقضه فانتقض. (5) باب الجيم
أجج:
الأجيج: تلهب النار، وقد أجت تؤج أجيجا، وأججتها فتأججت.
أرج:
الأرج والأريج: توهج ريح الطيب.
برج:
البرج: واحد بروج السماء، والبرج: الحصن، ومنه قوله تعالى:
ولو كنتم في بروج مشيدة .
حجج:
الحجة: البرهان، تقول حاجه فحجه، أي: غلبه بالحجة، والمحجة الطريقة، وأبو الحجاج بلدة بصعيد مصر من منشآت الفراعنة.
خلج:
خلج واختلج بمعنى جذب وانتزع، وخلج فلانا كذا، أي: شغله.
دبج:
الديباج فارسي معرب، ويجمع على ديابيج أو دبابيج.
دجج:
الدجة - بالضم: شدة الظلمة، ومنها ليلة ديجوج وليل دجوجي.
عوج:
عاج بالمكان يعوج، أي: أقام، وعاج إلى بمعنى مال ورجع.
لعج:
أي: آلم، وهوى لاعج بمعنى محرق الفؤاد من الحب.
لهج:
اللهج بالشيء الولوع به، واللهجة اللسان وقد يحرك.
مهج:
المهجة: دم القلب خاصة، يقال خرجت مهجته: إذا خرجت روحه.
نهج:
المنهج: الطريق الواضح، وكذلك المنهج والمنهاج. (6) باب الحاء
برح:
البرحاء: شدة الأذى، ومنه التبريح، أي: الجهد، والجمع تباريح.
تيح:
تاح الشيء وأتيح، أي: قدر، وأتاحه الله، أي: قدره.
جرح:
الجوارح من السباع والطير: ذوات الصيد، وجوارح الإنسان: أعضاؤه التي يكتسب بها.
جنح:
الجنوح: الميل، والجوانح: الأضلاع التي تحت الترائب، والجناح - بالضم: الإثم، وجنح الليل - بالضم والكسر: طائفة منه.
دوح:
الدوحة: الشجرة العظيمة، والجمع دوح.
رشح:
الترشيح: التقوية، وفلان ترشح للوزارة، أي: تربى وتأهل.
رنح:
الترنح: التمايل من السكر وغيره.
روح:
الريحان: نبت معروف، والريحان: الرزق، والأريحية: الارتياح، والراحة: باطن الكف.
سرح:
أي: أرسل، وتسريح المرأة: تطليقها، والاسم السراح.
سنح:
سنح لي رأي في كذا، أي: بدا وعرض، وسنحت لي فرصة، أي: تهيأت.
طمح:
الطماح: ارتفاع النظر.
كفح:
كافح بمعنى استقبل، وفلان يكافح الأمور، أي: يباشرها بنفسه.
ندح:
المندوحة والمنتدح بمعنى السعة، ومنه: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وشح:
الوشاح: ما تشد به المرأة بين عاتقيها وكشحيها من أديم عريض مرصع بالجواهر.
ويح:
ويح: كلمة رحمة، وويل: كلمة عذاب.
باب الخاء
خال. (7) باب الدال
أدد:
الإد بالكسر والإدة: الداهية والأمر الفظيع.
أمد:
الأمد والمدى بمعنى الغاية.
برد:
البرد صنف من الثياب، والجمع برود وأبراد.
بند:
البند فارسي معرب، معناه: العلم الكبير، والجمع بنود.
تلد:
التالد: المال الأصلي، وهو نقيض الطارف.
حتد:
حتد بالمكان بمعنى أقام به، والمحتد الأصل.
حقد:
الحقد: الضغن، والجمع أحقاد.
خرد:
الخريدة من النساء: البكر، واللؤلؤة الخريدة: التي لم تثقب.
ردد:
ردد أي: رجع وكرر.
رصد:
الترصد: الترقب، والرصيد: السبع الذي يرصد ليثب.
رود:
المراودة والرواد مصدر راود بمعنى أراد، والارتياد مصدر ارتاد بمعنى طلب.
سود:
ساد فلان قومه إذا أصبح سيدهم، وسويداء القلب وسواده حبته، والسواد من الناس عامتهم.
عضد:
المعاضدة: الإعانة ، والعضد: الساعد، وهو من المرفق إلى الكتف.
عمد:
العمادة: البناء الرفيع، والجمع عماد، وعميد القوم: سيدهم.
غمد:
الغمد: غلاف السيف وقرابه، وتغمد الله فلانا برحمته: غمره بها.
فأد:
الفؤاد: القلب، والجمع أفئدة، والمفئود: المصاب بداء في فؤاده.
فند:
الفند - بالتحريك: الكذب، والتفنيد: اللوم وتضعيف الرأي.
كسد:
الكساد نقيض الرواج، وأكسد الرجل، أي: كسدت سوقه.
مسد:
المسد - بالتحريك: الليف أو الحبل منه، ومنه آية
في جيدها حبل من مسد .
نجد:
النجد من الأرض: المرتفعة، والجمع نجاد، وأنجد فلان، أي: أخذ في بلاد نجد، وفي المثل: «أنجد من رأى حضنا.»
نضد:
التنضيد: وضع الشيء فوق بعضه.
نفد:
النفاد: الفناء، وأنفد فلان، أي: ذهب ماله أو فني زاده.
وفد:
الوفادة: الورود والقدوم، وأوفدت فلانا إلى الأمير بمعنى أرسلته.
هند:
المهند: السيف المطبوع من حديد الهند. (8) باب الذال
فلذ:
الفلذة القطعة من الكبد واللحم والمال وغيرها.
لوذ:
الملاذ: الملجأ. (9) باب الراء
أثر:
الإيثار: التفضيل، والأثر بالتحريك ما بقي من رسم الشيء، والجمع آثار.
أزر:
الأزر: القوة، وقوله تعالى:
اشدد به أزري
أي: ظهري.
إمر:
الإمر - بالكسر: الشدة، ومنه آية
لقد جئت شيئا إمرا .
أور:
الأوار - بالضم: حرارة النار والشمس والعطش.
بجر:
البجر - بالضم: الأمر العظيم، والعجر والبجر بمعنى العيوب.
بدر:
البادرة بمعنى الحدة، والجمع بوادر، والبادرة الخطأ والسقط.
ثبر:
المثابرة على الشيء بمعنى المواظبة، والثبور: الهلاك والخسران.
جوهر:
الجوهر: ما قام بنفسه، وهو نقيض العرض.
حجر:
الحنجرة والحنجور - بزيادة النون: الحلقوم، والجمع حناجر.
حسر:
الحسر: الكشف، والحسرة: أشد التلهف على فائت.
حشر:
الحشر: الجمع، ومنه آية
ثم لنحشرنهم والشياطين .
حور:
الحور: الرجوع، وكلمت فلانا فما أحار لي جوابا، أي: ما رد.
خدر:
الخدر: الستر، وجارية مخدرة، أي: ملازمة له.
خفر:
الخفرة - بالضم: الذمة، وأخفرت فلانا إذا نقضت عهده وغدرت به.
خمر:
المخامرة: المخالطة، واستخمر فلان القوم، أي: استعبدهم.
دبر:
الدبر: خلاف القبل، والإدبار: نقيض الإقبال.
دثر:
الدثور: الدروس، يقال: دثر الرسم وتداثر بمعنى عفا .
زأر:
الزئير: صوت الأسد، والزأرة: الأجمة.
زجر:
الزجر والمزدجر بمعنى النهي والمنع.
زمهر:
الزمهرير: شدة البرد، وازمهرت عينا فلان، أي: احمرتا من الغضب.
سرر:
السرر واحد أسرار الكف والجبهة، وهي خطوطها، وصيغة منتهى الجموع أسارير.
سفر:
الأسفار: مصدر أسفرت المرأة، أي: كشفت عن وجهها.
سمر:
السمر والمسامرة: حديث الليل.
شذر:
الشذرة: القطعة من الذهب، والجمع شذور.
شفر:
الشفر والشفير: حرف كل شيء كالوادي ونحوه.
صغر:
الصغار -بالفتح: الذل، والصاغر: الراضي بالضيم.
عذر:
عذار الرجل: شعره النابت في خديه.
عصر:
الإعصار: ريح شديدة تثير الغبار الذي يستدير كالعمود، وفي المثل السائر: «إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا.»
عمر:
الاعتمار: الزيارة، وفعل ما خلا الوقوف من أركان الحج.
غبر:
الغابر: يطلق على الباقي والماضي، وهو من الأضداد.
غدر:
الغدر: نبذ الوفاء، والمغادرة: الترك.
غمر:
الغمرة: الشدة، والجمع غمرات، والغامر من الأرض خلاف العامر.
فتر:
الفترة: الضعف، والفترة: ما بين الرسولين.
فطر:
الفطر: الشق، تقول: تفطر الشيء إذا تشقق.
قسر:
القسر: الإكراه على الشيء، والقسور والقسورة: من أسماء الأسد.
قطر:
القطر: المطر، وتقاطر القوم: جاءوا أرسالا.
كبر:
الكابر: بمعنى الكبير، ومنه قولهم: فلان ورث المجد كابرا عن كابر.
كثر:
الكثر - بالضم - من المال: الكثير، والقل نقيضه، والكوثر: نهر في الجنة.
كفهر:
الاكفهرار: عبوسة الوجه، وأن يضرب اللون إلى الغبرة مع الغلظ.
نجر:
النجر والنجار بمعنى الأصل والحسب واللون.
نصر:
النصير والناصر: من يستنصره الإنسان على عدوه، والجمع أنصار.
نضر:
النضار: الذهب، والنضرة: الحسن والرونق.
نكر:
النكر والمنكر بمعنى، ومنه آية
لقد جئت شيئا نكرا .
نهر:
نهر وانتهر بمعنى زجر، والمصدر منهما النهر والانتهار.
وذر:
وذر يذر - مثل وسع يسع - بمعنى ترك وقد أميت صدره.
وزر:
الوزر: الإثم، واتزر الرجل: ركب الوزر.
وطر:
الوطر: الحاجة، والجمع أوطار.
هور:
الهور: السقوط، ومنه الجرف الهاري. (10) باب الزاي
جوز:
الاجتياز: السلوك، والجوزاء: نجم معروف.
حفز:
الحفز: الطعن من خلف، واحتفز بمعنى استوفز.
وخز:
الوخز: الطعن بالرمح ونحوه، وخز فلانا الشيب، أي: خالطه.
وعز:
الوعز والإيعاز بمعنى التقدم .
وكز:
الوكز والنكز بمعنى الضرب والدفع. (11) باب السين
أنس:
الإيناس مصدر أنس بمعنى أبصر، ومنه آية
إني آنست نارا .
بأس:
البأس: العذاب والشدة، والابتئاس: الحزن.
جسس:
التجسس: التفحص، ومنه الجاسوس، وجمعه جواسيس.
خنس:
الخنس: التأخر، والخنس: الكواكب كلها، وقيل السيارة منها.
رعمسيس:
بلدة قديمة بمصر من منشآت الفراعنة.
شكس:
الشكس: صعوبة الخلق، والمتشاكس: المستصعب.
شمس:
الشموس من الخيل: الذي يمنع ظهره من الركوب، واقترانه بالكميت ترشيح للاستعارة، وعين شمس: بلدة قديمة من منشآت الفراعنة.
عبس:
العبوس: مصدر عبس إذا كلح، ودولة بني العباس مشهورة، أول ملوكها السفاح وآخرهم المستعصم.
عسس:
عسعس الليل: أقبل ظلامه، وفي الآية
والليل إذا عسعس
أي: أدبر.
غطس:
المغنطيس: حجر يجذب الحديد، وهو معرب.
قبس:
القبس: شعلة من النار، والاقتباس بمعنى الاستفادة.
قرطس:
القرطاس: ما يكتب فيه، ويطلق كذلك على الغرض، يقال: رمى فلان فقرطس إذا أصاب.
كنس:
الكنس: الكواكب، سميت بذلك لكونها تكنس في المغيب، أي: تستتر.
كيس:
الكيس: خلاف الحمق، والكيس: الظريف، والجمع أكياس.
مسس:
المس مصدر مسست الشيء - بالكسر - ومثله المسيس.
نفس:
النفس: الروح والدم، وتنفس الصبح، أي: تبلج. (12) باب الشين
بطش:
البطش: الأخذ بالعنف. (13) باب الصاد
حصص:
الحصحصة مصدر حصحص الشيء، أي: بان وظهر، ومنه آية
الآن حصحص الحق .
شصص:
الشص - بالكسر: حديدة معوجة دقيقة تسمى بالصنار.
عيص:
العيص: الأصل في النسب، وابن العاص: كنية عمرو الذي فتح مصر في خلافة عمر بن الخطاب.
غصص:
الغصة: الشجا، والجمع غصص، وأغص بمعنى حزن.
قنص:
القنص والقنيص والقناص بمعنى الصيد.
نصص:
النص: الرفع، ومنه منصة العروس.
نوص:
المناص: الفرار والروغ، ومنه آية
ولات حين مناص . (14) باب الضاد
بيض:
بيضة كل شيء: حوزته، والبيضة: واحد البيض من الحديد.
دحض:
الدحوض: بطلان الحجة.
عرض:
العرض - بالتحريك: ما قام بغيره، وهو نقيض الجوهر.
غيض:
الغيض: نضوب الماء، ومنه قوله تعالى:
وغيض الماء .
محض:
المحض: الخالص، وأصله اللبن الذي لم يخالطه الماء. (15) باب الطاء
إبط:
الإبط: ما تحت الجناح، يذكر ويؤنث، والجمع آباط، وتأبط الشيء، أي: جعله تحت إبطه.
ثبط:
التثبيط مصدر ثبط عن الأمر، أي: شغل.
خطط :
الخطة - بالكسر: الأرض يختطها الإنسان لنفسه، والخطة - بالضم: الأمر والقصة.
خيط:
الخياط: الإبرة، ومنه آية
حتى يلج الجمل في سم الخياط .
سخط:
السخط خلاف الرضى، وقد سخط زيد، أي: غضب.
صرط:
الصراط - بالصاد أو بالسين أو بالزاي - بمعنى الطريق.
غبط:
الغبطة: أن تتمنى مثل حال المغبوط، وفي الحديث: «المؤمن يغبط ولا يحسد.»
قرط:
القرط: الذي يعلق في شحمة الأذن، والجمع قرطة وقراط.
قسط:
القسوط: الجور والعدول عن الحق، والقسط بالكسر العدل.
ميط:
الميط: الدفع والإزالة، والهياط والمياط: الإقبال والإدبار.
نبط:
نبوط الماء: نبعه، والاستنباط: الاستخراج.
نشط:
نشط الحبل: عقده أنشوطة، وأنشطه: حله، والهمزة فيه للسلب. (16) باب الظاء
قرظ:
التقريظ: مدح الإنسان حيا، والتأبين: مدحه ميتا. (17) باب العين
جرع:
الجرع: الشرب، والجرعة من الماء: حسوة منه.
رتع:
الرتعة مصدر رتعت الماشية إذا أكلت ما شاءت، ومنه آية
أرسله معنا غدا يرتع ويلعب
أي: ينعم ويلهو.
روع:
الروع - بالفتح: الفزع، ورعت فلانا وروعته فارتاع، أي: أفزعته ففزع.
شيع:
التشييع: خروج الإنسان مع صاحبه عند رحيله مودعا.
صنع:
الصنع - بالضم - والصنيعة مصدر قولك صنعت معروفا، أي: فعلت.
صوع:
الصواع والصاع: الذي يكال به، وهو أربعة أمداد، وقيل: هو إناء للشرب.
طلع:
الطلع - بالكسر: الاسم من الاطلاع.
فجع:
الفجيعة: الرزية، وفجعت فلانا المصيبة، أي: أوجعته.
قطع:
القطيعة مصدر قولك قطعت رحم فلان: إذا لم تصله.
نجع:
النجوع مصدر نجع الطعام إذا هنأ آكله، ونجع في فلان الدواء، أي: أثر.
هجع:
الهجوع بمعنى النوم.
هيع:
المهيع: الطريق. (18) باب الغين
بزغ:
البزوغ مصدر بزغت الشمس، أي: طلعت.
روغ:
الإراغة مصدر أراغ الشيء إذا طلبه على وجه المكر.
سوغ:
السوغ مصدر ساغ، أي: جاز وسهل ولذ. (19) باب الفاء
دنف:
الدنف - بالتحريك: المرض الملازم، ودنف المريض - بالكسر: ثقل.
ذرف:
الذرف مصدر ذرف الدمع إذا سال، والمذارف المدامع.
زخرف:
الزخرف في الأصل الذهب، والزخرفة التزيين.
شأف:
الشأفة: قرحة تخرج في أسفل القدم فتذهب بالكي، وفي المثل: استأصل الله شأفته ، أي: أذهبه كما أذهب تلك القرحة.
شغف:
الشغاف: غلاف القلب ، وشغف فلانا الحب، أي: بلغ شغافه.
شوف:
التشوف إلى الشيء: التطلع إليه.
صرف:
صرف الدهر: حدثانه ونوائبه، والجمع صروف.
صفف:
المصف: الموقف في الحرب، والجمع مصاف.
طرف:
الطرفة - بالضم: الشيء المستحدث، واستطرفته، أي: استحدثته.
عجف:
العجف - بالتحريك: الهزال، ومنه الأعجف والعجفاء، والجمع عجاف.
عرف:
العارفة: المعروف، والجمع عوارف، واليعروف: العارف بالأمور.
عكف:
الاعتكاف: الاحتباس، والعكوف على الشيء: الإقبال عليه مع المواظبة.
قرف:
الاقتراف: الاكتساب، وقارف فلان الخطيئة، أي: خالطها.
قرقف:
القرقف: من أسماء الخمرة.
قطف:
القطف - بالكسر: عنقود العنب، والجمع قطوف، والقطاف: وقت القطف.
كلف:
الكلف: شدة الحب.
كنف:
الكنف - بالتحريك: الجانب، والجمع أكناف.
كيف:
الكيف: ما لا يقبل القسمة بالنظر لذاته.
منف:
منف أو منفيس: مدينة قديمة كانت تخت ملك لبعض الفراعنة.
ورف:
الورف والوريف مصدر ورف الظل، أي: اتسع، والوارف: الناضر.
وكف:
الوكف مصدر وكف بمعنى قطر، ومنه استوكف، أي: استنزل.
هتف:
الهتاف مصدر هتف فلان بزيد، أي: صاح به.
هدف:
الهدف: كل ما ارتفع من طود أو بناء، ومنه سمي الغرض هدفا. (20) باب القاف
أبق:
الإباق مصدر أبق العبد إذا هرب.
أرق:
الأرق مصدر أرق بالكسر بمعنى سهر مع حزن.
حدق:
الإحداق: شدة النظر.
حقق:
الحقيقة: خلاف المجاز، والحقيقة: الراية.
خفق:
الخفوق والخفقان مصدر أخفق القلب واللواء إذا اضطربا.
خلق:
الخليقة: الطبيعة، والخليقة: الخلق، والجمع فيهما خلائق.
روق:
الرواق: سقف في مقدم البيت، والجمع روق وأروقة.
زهق:
الزهوق مصدر زهق بمعنى مات، وزهق الباطل أي: اضمحل.
سبق:
السبق بمعنى المسابقة، وفي الآية
ذهبنا نستبق
أي: نتنضل.
سردق:
السرادق: الذي يمد فوق صحن الدار، والجمع سرادقات.
شفق:
الإشفاق مصدر أشفق زيد على عمرو إذا أخذته الشفقة عليه.
صفق:
الصفقة: البيعة، وأصلها من الصفق، وهو ضرب يد على يد.
طرق:
الطروق مصدر طرق إذا جاء ليلا، والطارق: نجم يسمى كوكب الصبح.
طفق:
طفق من أفعال الشروع التي يجب ترك أن معها.
عبق:
العبق - بالتحريك - مصدر عبق الطيب بزيد أي : لصق به.
عرق:
العرق: الأصل، والجمع أعراق.
نشق:
النشق مصدر نشق بمعنى اشتم، واستنشق مثله.
نطق:
النطاق: شقة تلبسها المرأة، والجمع نطق.
نفق:
الإنفاق مصدر أنفق بمعنى صرف، والنفاق - بالفتح: الرواج.
ورق:
الإيراق مصدر أورقت الشجرة إذا خرج ورقها، والورقاء: الحمامة. (21) باب الكاف
شرك:
الشرك - بالكسر: الكفر، والشرك - بالتحريك: حبالة الصائد، الواحدة شركة.
فتك:
الفتك: قصد الرجل صاحبه حتى يشد عليه فيقتله على غرة منه.
مسك:
التمسك بالشيء: الاعتصام به، والتمسك: الصبغ بالمسك من الطيب.
مشك:
المشكاة: السراج، وقيل إنها كلمة حبشية معربة.
نسك:
النسك: العبادة، والنسيكة: الذبيحة، والجمع نسك ونسائك.
نهك:
الانتهاك مصدر انتهك الحرمة إذا تناولها بما لا يحل.
وشك:
الوشك والوشكان: السرعة، وأوشك: من أفعال المقاربة التي تقترن غالبا بأن.
هتك:
الهتك مصدر هتك الستر إذا خرقه عما وراءه، والتهتك مصدر تهتك، أي: افتضح. (22) باب اللام
أبو الهول:
اسم صنم كان يعبده قدماء المصريين، وهو بجانب الهرمين.
أفل:
الأفول مصدر أفلت الشمس، أي: غابت.
أول:
المآل: المرجع والمصير.
بول:
البال: الحال الذي يهتم به شرعا.
جزل:
الإجزال مصدر أجزلت لفلان من العطاء، أي: أكثرت.
حبل:
الحبالة - بالكسر: التي يصاد بها، والجمع حبائل.
حجل:
التحجيل في الأصل مصدر حجلت الفرس إذ ابيضت قوائمه.
حفل:
الاحتفال مصدر احتفلت بكذا، أي: باليت به، ويطلق كذلك على الاجتماع والاحتشاد.
خطل:
الخطل: المنطق الفاسد المضطرب.
خلل:
الخلة: الخصلة، والجمع خلال، والخلة أيضا: الحاجة والفقر.
خمل:
الخمول مصدر خمل زيد، أي: سقط وعري عن النباهة.
خيل:
الخال والخيلاء: الكبر، تقول منه اختال فلان فهو ذو خال وذو خيلاء وذو مخيلة.
دلل:
الإدلال مصدر أدل إذا وثق وأعجب بنفسه واغتر.
سدل:
السدل مصدر سدل فلان ثوبه، أي: أرخاه.
سول:
التسويل مصدر سولت لفلان نفسه أمرا، أي: زينته له.
شكل:
الإشكال مصدر أشكل الأمر، أي: التبس، والشكل - في اصطلاح المناطقة: الهيئة الحاصلة من اجتماع الصغرى مع الكبرى.
شمل:
الشمال والشمأل: الريح التي تهب من ناحية القطب، والجمع شمائل على غير قياس، والشمال أيضا: الخلق، والجمع شمائل.
طلل:
الطل: المطر الخفيف، والجمع طلال، والطلل: ما شخص من آثار الديار، والجمع أطلال.
عدل:
العدل: الذي ترضى شهادته، وهو في الأصل مصدر، والجمع عدول، والعدول مصدر عدل فلان عن كذا، أي: جار وحاد.
عذل:
العذل مصدر عذل، أي: لام، والاسم منه العذل بالتحريك.
عطل:
العطل مصدر عطلت المرأة إذا خلا جيدها من قلائد.
عقل:
عقيلة كل شيء أكرمه، والعقال: ظلع يأخذ في قوائم الدابة.
علل:
التعليل مصدر علل بمعنى سقى مرة بعد أخرى، وفلان يعلل نفسه بتعلة كذا، أي: يتلهى به ويجتزئ.
غلل:
الغل - بالضم: السلسلة من الحديد، والجمع أغلال، والغلة والغليل: حرارة العطش.
غول:
الغول مصدر غال زيد عمرا إذا قتله على غرة أو ذهب به.
كلل:
الكلال مصدر كل بمعنى أعيا، ومنه طرف كليل ولسان كليل.
نضل:
النضال والمناضلة مصدرا ناضل زيد عمرا أي: راماه.
نفل:
النافلة: عطية التطوع من حيث لا تجب، وتطلق على ولد الولد.
وبل:
الوابل: المطر الشديد. (23) باب الميم
أمم:
أم الشيء: أصله، والأم - بالفتح - مصدر أم بمعنى قصد، والائتمام: الاقتداء.
أرم:
الأرومة - بفتح الهمزة: أصل الشجرة.
أزم:
الأزمة: الشدة والقحط.
أيم:
الأيم: من أدوات القسم.
تهم:
الإتهام مصدر أتهم الرجل، أي: صار إلى تهامة.
جثم:
الجثوم مصدر جثم زيد بمعنى تلبد ولازم موضعه.
جرم:
الجرم - بالضم - والجريمة: الذنب، ولا جرم، أي: لا بد ولا محالة.
جرثم:
الجرثومة: الأصل، وجرثومة النمل: قريته، واجرنثم الشيء: اجتمع.
جهم:
الجهام - بالفتح: السحاب الذي لا ماء فيه.
حجم:
الإحجام: خلاف الإقدام، ومنه حجمت فلانا عن الشيء، أي: كففته.
حرم:
الحرمة: ما لا يحل انتهاكه، والمحرمة: الحرمان، والحرام: ضد الحلال.
حلم:
الحلم - بالضم: الرؤيا، وبالكسر: العقل والأناة، ومنه آية
إن إبراهيم لأواه حليم .
حوم:
الحوم مصدر حام بمعنى دار، وحومة القتال: معظمه.
ديم:
الديمة: المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق، والجمع ديم.
ذمم:
الذمام: الحرمة، والجمع أذمة، والتذمم مصدر تذمم بمعنى استنكف.
رحم:
الرحم - بالضم - والرحمة: التعطف، والرحم: رحم الأنثى، والجمع أرحام.
سدم:
السدم - بالتحريك الحزن والندم.
سلم:
السلام والسلامة بمعنى، والسلام: من أسمائه تعالى.
سنم :
السنام: واحد أسنمة الإبل، والتسنيم: ماء في الجنة.
سوم:
السوم في المبايعة مصدر سام، ومنه السيمة بمعنى القيمة.
شيم:
الشامة: الخال، والجمع شام، والشيمة: الخلق، والجمع شيم.
ضرم:
الضرام - بالكسر: اشتعال النار.
عدم:
العندم: البقم، وهو صبغ معروف.
عصم:
العصمة: الحفظ، وفلان يعتصم بالله أي: يمتنع بلطفه من المعصية.
العلم:
العلم: الجبل، ومنه آية
وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ، ويطلق أيضا على الراية والعلامة.
فعم:
الفعومة والفعامة مصدر فعم - بضم العين - بمعنى امتلأ.
قحم:
القحوم مصدر قحم في الأمر، أي: رمى بنفسه فيه من غير روية.
قسم:
التقسم مصدر تقسم القوم، أي: تفرقوا، والقسم: النصيب من الخير.
كم:
الكم: ما يقبل القسمة بالنظر لذاته.
لهم:
الإلهام مصدر ألهم الله فلانا كذا، أي: ألقى في روعه.
نسم:
النسم: الريح حين تقبل، والجمع نسمات.
هكم:
التهكم مصدر تهكم فلان، أي: اشتد غضبه، والمستهكم: المغرور.
يمم:
اليم: البحر، والتيمم مصدر تيمم؛ إذا توخى وقصد، ثم استعمل في مسح الوجه واليدين بالتراب، ومنه آية
فتيمموا صعيدا طيبا . (24) باب النون
أذن:
الإيذان مصدر آذن، أي: أعلم، والأذن: الحاجب.
أسن:
الآسن والآجن من الماء: ما تغير طعمه ولونه.
جبن:
الجبن صفة الجبان: وهو الوجل.
جنن:
الجنة - بالضم: الوقاية، والجمع جنن، والجنة - بالكسر: الجن والجنون، ومن الأول آية
من الجنة والناس ، ومن الثاني آية
أم به جنة .
حقن:
الحقن مصدر حقنت دم فلان إذا منعته أن يسفك.
حنن:
الحنين مصدر حن أي: تشوق، والحنان: الرحمة، ومنه آية
وحنانا من لدنا .
دمن:
الدمنة: آثار الناس، والجمع: دمن.
دين:
الدين مصدر دان أي أذل، وفي الحديث: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.»
ركن:
الركون مصدر ركن بمعنى مال وسكن، ومنه آية
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا .
سكن:
السكون مصدر سكن أي استقر، والاستكانة: الذل.
سنن:
السنن: الطريقة، والسنة: السير، والسنة - بالكسر: أول النوم.
شجن:
الشجن - بالتحريك: الحزن، والجمع أشجان، والشجن: الحاجة، والجمع شجون.
عنن:
العنن مصدر عن بمعنى عرض واعترض.
غنن:
الأغن: الكثير العشب، والمؤنث غناء .
فتن:
الفتون والفتنة: الاختبار، والفتن بمعنى الإحراق.
فنن:
الفنن: الغصن، والجمع أفنان، ثم أفانين.
قرن:
القرن: الخصلة من الشعر، وذو القرنين: لقب إسكندر الرومي.
قمن:
القمن - بالتحريك - والقمين بمعنى الخليق.
كمن:
الكمون مصدر كمن بمعنى اختفى، ومنه كمين الحرب.
لبن:
اللبان - بالضم: الحاجة، واللبون من الشاة والإبل: ذات اللبن.
مزن:
المزنة: السحابة البيضاء، والجمع مزن.
معن:
المعان - بالفتح: المبأة والمنزل، والماعون: اسم جامع لمنافع البيت، والمعين: الماء الجاري.
منن:
المن: القطع والنقص، والمنون: المنية، سميت بذلك لكونها تقطع المدد وتنقص العدد.
وهن:
الوهن - بالتحريك: الضعف. (25) باب الهاء
كنه:
كنه الشيء غايته ونهايته. (26) باب الواو والياء
أخا:
الإخاء والمؤاخاة مصدرا آخا؛ أي: اتخذ أخا.
أسا:
الأسى بمعنى الحزن، والآسي: الطبيب، والجمع إساء، والتأسي: التعزي.
ألا:
الإيلاء مصدر آلى، أي: حلف، والآلاء: النعم.
بغى:
البغي والابتغاء مصدرا بغى وابتغى، أي: طلب، والبغي أيضا التعدي.
بلا:
الابتلاء مصدر ابتلى، أي: اختبر، ومنه آية
وإذ ابتلى إبراهيم ربه .
ثنى:
المثنى من أوتار العود ما فتل على قوتين، والجمع مثان، والمثاني من القرآن سورة الفاتحة، أو ما دون المائتي آية من السور.
ثوى:
الثواء مصدر ثوى بالمكان إذا أقام به.
جذى:
الجذوة: القطعة من الجمر، ومنه آية
أو جذوة من النار .
جنى:
الجني مصدر جنى الثمرة، والجناية: الذنب.
حدا:
الحداء مصدر حدا الإبل؛ أي: ساقها وغنى لها، وتحديت فلانا: باريته.
حرا:
التحري مصدر تحرى؛ أي: قصد، ومنه آية،
فأولئك تحروا رشدا .
حفا:
الحفي: المستقصي للأمور الحريص على العناية بالرجل.
حمى:
حميا الكأس: أول سورتها.
خنا:
الخنا: الفحش في الكلام، وأخنى الدهر على فلان؛ أي: أتى عليه وأهلكه.
دجا:
المداجاة مصدر داجي؛ أي: داري.
رثا:
الرثاء: تعديد محاسن الميت وبكاؤه.
رجا:
الرجاء - بالمد: الأمل والخوف، والرجا - بالقصر: الناحية، والجمع أرجاء.
رخا:
الرخاء - بالضم: الريح اللينة، ومنه آية
فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء .
ردى:
التردي والارتداء مصدر تردي، وارتدى بمعنى لبس الرداء، والتردي: السقوط أيضا.
رشا :
الرشاء: الحمل، والجمع أرشية، والرشاء: كواكب صغار على صورة السمكة يقال لها بطن الحوت.
رفا:
الرفو مصدر رفوت الثوب، ورفوت الرجل أي: سكنت روعه.
رمى:
الرمية: الصيد الذي يرمى.
روى:
الراية: العلم، والراوية: الدابة التي يستقى عليها.
زجى:
الإزجاء مصدر أزجى؛ أي: ساق، والمزجى: الشيء اليسير.
زكى:
التزكية مصدر زكى نفسه؛ أي: امتدحها، وتطلق أيضا على التصديق.
زنى:
الزنا - بالقصر أو المد: صنع الفاحشة.
سجا:
السجية: الخلق، والجمع سجايا، والسجو مصدر سجا؛ أي: سكن ودام.
سدا:
الإسداء مصدر أسدى بمعنى أعطى.
سرا:
السري: الشريف، والجمع سراة على غير قياس.
سوا:
السواء: العدل، والاستواء مصدر استوى فلان على دابته؛ أي: علا.
شدا:
الشدو: الإنشاد على سبيل الغناء، ومنه الشادي بمعنى المغني.
شذا:
الشذا - بالقصر: حدة ذكاء الرائحة، ويطلق أيضا على الأذى.
شرى:
الشراء مصدر شرى؛ إذا باع أو اشترى، والمشترى نجم.
شفا:
شفا كل شيء: حرفه، ومنه آية
وكنتم على شفا حفرة .
شقا:
الشقاء والشقاوة نقيض السعادة.
صبا:
الصبوة: الميل إلى العشق، والصبابا - بالفتح: ريح، - وبالكسر: عصر الشباب.
صفا:
الصفاء مصدر صفا الشراب إذا خلص، والصفي المختار والمصافى.
صلا:
الاصطلاء مصدر اصطلى زيد بنار؛ أي: احترق.
صما:
الإصماء مصدر أصميت الصيد؛ إذا رميته فقتلته.
ضفا:
الضفو مصدر ضفا الثوب؛ إذا سبغ، وضافي الرأس: الكثير شعره.
طغا:
الطغيان مصدر طغى؛ أي: جاوز الحد، والطاغوت: الشيطان والكاهن، ومنه آية
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به .
عدا:
العدو ضد الولي، والعادية: الظلم والشر.
عرا:
العري مصدر عرا زيد من ثيابه، وعرا فلانا كذا؛ أي: غشيه.
عزا:
العزاء: الانتماء والصبر والتأسي.
عصا:
العصا مؤنثة والجمع عصى، وفي المثل: العصا من العصية.
عفا:
العفو مصدر عفوت عن ذنب فلان؛ أي: تجاوزت عنه.
علا:
العلو مصدر علا زيد؛ أي: ارتفع، والعلاء مصدر على؛ إذا شرف.
عنا:
العناء مصدر عني المرء - بالكسر - أي: تعب ونصب.
غدا:
الغدو مصدر غدا، نقيض راح.
غشا:
الغشاء الغطاء، والغشاوة مثله، والغاشية: القيامة أو المصيبة.
غضى:
الإغضاء مصدر أغضى إذا أدنى جفنه، وغض الطرف: خفضه.
غفا:
الإغفاء مصدر غفا بمعنى نام.
غنى:
المغنى: الموضع الذي كان به أهله ثم ظعنوا، والجمع مغان.
غوى:
الغي والغواية مصدر غوى؛ أي: ضل.
فدا:
الفداء مصدر فدى؛ أي: أعطى الفدية.
قدا:
القدوة: الأسوة.
قذى:
القذى: ما سقط في العين أو في الشراب، والجمع أقذاء.
قرا:
القرى - بالكسر - مصدر قريت الضيف أي: أحسنت إليه، وفي الحديث: «اللقا خير من القرى.»
قصا:
القصو مصدر قصا أي: بعد، وقاصية الشيء غايته.
قضى:
القضاء: الحكم، ومنه آية
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه .
قطا:
القطاة طير يضرب به المثل في الاهتداء، والجمع قطا.
كرى:
الكرى: النعاس، والإكراء من الأضداد؛ يطلق على الزيادة والنقصان.
كمى:
الكمي: الشجاع، المتكمي في سلاحه أي: المستتر، والجمع كماة.
كنى:
الكناية: إطلاق اللفظ وإرادة أمر من لوازم معناه، وكنى الرؤيا: الأمثال التي يكنى بها عن حقائقها.
لبى:
التلبية مصدر لبيت الرجل إذا قلت له لبيك، وأصلها الإقامة.
لدى:
لدي ظرف مكان يستعمل في معنى لدن.
لظى:
اللظى: النار، والتظاؤها وتلظيها: التهابها.
لغا:
الإلغاء مصدر ألغى الشيء أي: أبطله، ومنه اللغو واللاغية.
لفا:
اللفاء: الشيء اليسير، وألفيت الشيء: وجدته، وتلافيته: تداركته.
لقى:
الإلقاء مصدر ألقى الشيء أي: طرحه، وتلقاء الشيء: حذاؤه.
لمى:
اللمى: سمرة في الشفة تستحسن، واللمة: الأصحاب من الثلاثة إلى العشرة.
لوى:
اللواء واحد الألوية، وهي دون الأعلام والبنود.
مدى:
المدية: الشفرة، والجمع مديات ومدى، والمدى: القفيز الشامي.
مرا:
المراء مصدر مارى أي: جادل، والمرية والامتراء: الشك في الشيء.
مزا:
المزية الفضيلة، والجمع مزايا.
مضى:
المضاء مصدر مضى في الأمر، أي: نفذ.
مطا:
الامتطاء مصدر امتطى فلان الناقة؛ أي: اتخذها مطية.
منا:
المنا: وزن معروف، والجمع أمناء، ومنيت زيدا بكذا: ابتليته.
نأى:
النأي مصدر نأى؛ أي: بعد.
نبا:
النبوة: ما ارتفع من الأرض، ومنه أخذ النبي لشرف رتبته.
نجا:
المناجاة مصدر ناجى؛ أي: سار، والاسم منه النجوى.
نحا:
النحو لغة: القصد والناحية، وفي الاصطلاح علم معروف، والجمع أنحاء.
ندا:
النداء: الصوت، والندي : مجلس القوم، والجمع أندية.
نصا:
الناصية: مقدم الرأس، والجمع نواص .
نضا:
الانتضاء مصدر انتضى الفارس سيفه؛ أي: سله، ونضا مثله.
نعا:
النعي مصدر نعا؛ أي: جاء بخبر الموت.
نقا:
الانتقاء مصدر انتقى؛ أي: اختار.
نما:
النماء مصدر نما المال؛ أي: زاد.
نوى:
النية مصدر نوى؛ أي: عزم.
نهى:
النهي مصدر نهى وهو ضد أمر، والنهية: العقل، والجمع نهى.
وجى:
الوجى مصدر وجي الفرس - كرضى - أي: وجد وجعا في حافره.
وحى:
الوحي: الكتاب والكلام الخفي، والجمع وحى على وزن حلي وحلى.
وخى:
الوخي مصدر وخى؛ أي: قصد، وتوخيت مرضاة فلان؛ أي: تحريت.
ورى:
الورى - بالتحريك: الخلق، والورى مصدر ورى الزند أي: أنار.
وسى:
الإيساء مصدر أوسى رأسه؛ أي: حلقه، والموسى: آلة الحلق.
وشى:
الوشى مصدر وشى الثوب؛ أي: نقشه، والشية: كل لون مغاير.
وصى:
التوصية مصدر أوصى، ووصى إذا عهد بأمر، والاسم الوصاية.
وعى:
الوعي مصدر معناه الحفظ، والوعاء: ما يجعل فيه المتاع، والجمع أوعية.
وغى:
الوغى - في الأصل: الصوت والجلبة، ومن ثم سميت الحرب وغى.
وفى:
الوفاء مصدر وفى زيد بعهده؛ أي: قام بوفائه.
وقى:
الوقاية مصدر وقى؛ أي: حفظ، والأوقية وزن معروف، والجمع أواق.
وكى:
الوكاء - ككساء: رباط القربة أو غيرها.
ولى:
الولي ضد العدو، وتولى زيد عن عمرو؛ أي: أعرض عنه، والولاء النصرة.
ونى:
الونى - كفتى: الكلال والتعب والإعياء.
وهى:
الوهي: الشق في الشيء والجمع أوهية.
وي:
كلمة تعجب مثل ويحك، وتدخل على كأن المشددة والمخففة.
هبا:
الهباء ما يشبه الدخان في البيت من ضوء الشمس.
هجا:
الهجاء تقطيع اللفظة بحروفها، والهجاء مصدر هجا؛ أي: سب نظما.
هدى:
الهدى والهداية مصدر هدا؛ أي: أرشد ودل.
هذى:
الهذي والهذيان مصدر هذى في منطقه؛ إذا تكلم بغير معقول.
هرا:
الهراوة: العصا، والجمع هراو.
هفا:
الهفوة مصدر هفا الرجل؛ أي: ذل، والطائر خفق بجناحيه.
همى:
الهمي مصدر همى الدمع أو الماء؛ أي: سال، والهميان: وعاء النقود.
هنو:
الهن - على وزن أخ - الشيء، وقيل هو كناية عما يستقبح ذكره.
هوا:
الهوى - بالقصر : إرادة النفس، والجمع أهواء.
يدى:
اليد: الكف، والجمع أيدي، واليد : النعمة، والجمع أياد. (27) باب الألف اللينة
أ:
حرف هجاء، وتكون همزة استفهام، وينادى بها نحو: أزيد أقبل.
آ: - بالمد - حرف لنداء البعيد.
إذا:
ظرف لما يستقبل من الزمان، وتكون للمفاجأة، فتختص بالجمل الاسمية.
إلى:
حرف جر، من معانيه انتهاء الغاية زمانية كانت أو مكانية.
ألا:
حرف استفتاح، ويأتي للتنبيه والاستفهام وغيرهما.
أولو:
جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: اسم جمع واحده ذو.
إلا:
حرف استثناء، وتكون صفة بمنزلة غير وعاطفة بمنزلة الواو وزائدة.
ألا:
حرف تحضيض يختص بالدخول على الجمل الفعلية الخبرية.
أما: - بالفتح والتخفيف - أداة استفتاح بمنزلة ألا، ويكثر بعدها القسم.
أما: - بالفتح والتشديد - حرف شرط وتفصيل وتوكيد.
إما: - بكسر الهمزة وتشديد الميم - حرف عطف يأتي للشك وللتفصيل وغيرهما.
أنى:
من الظروف التي يجازى بها، وهو بمعنى أين ومتى وكيف.
أيا: - بفتح الهمزة وتخفيف الياء - حرف لنداء القريب.
إيا: - بكسر الهمزة وتشديد الياء - اسم مبهم تتصل به ضمائر النصب.
بلى:
حرف جواب أصلي الألف يختص بالنفي لإلغائه.
تا:
اسم يشار به إلى المؤنث المفرد.
حتى:
حرف غاية وجر بمعنى إلى، وتخالفها في اللفظ لعدم اقترانها بالضمير.
خا:
خا - بالبناء على الكسر - اسم صوت معناه أعجل، واستعماله بلفظ واحد
خلا:
أداة استثناء مثل حاشا تتردد بين الفعلية والحرفية.
ذا:
اسم يشار به للمذكر المفرد، وذي وذه للمؤنث للمفرد.
ذو:
كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس، ومعناها صاحب.
على:
حرف جر من معانيه الاستعلاء والمرادفة والتعليل.
فا:
الفاء حرف عطف مدلوله الترتيب والتعقيب وغير ذلك.
كذا:
اسم مبهم يجري مجرى كم، فينتصب ما بعده على التمييز.
كلا:
كلمة زجر وردع معناها انته، ومنه آية
كلا إنها كلمة هو قائلها .
لو:
حرف امتناع لما يليه واستلزامه لتاليه.
لولا:
حرف امتناع لوجود، ويختص بالدخول على الجملة الاسمية، ولوما مثله.
ما:
على قسمين؛ اسمية وحرفية، ومن الأولى الموصولة، ومن الثانية النافية.
مهما:
كلمة بسيطة تستعمل في الشرط والجزاء لما لا يعقل.
متى :
ظرف غير متمكن، وهو سؤال عن زمان ويجازى به.
وا :
حرف يختص في النداء بالندبة، نحو وا زيداه.
ها:
حرف تنبيه، ويكون ضميرا للغائب في حالتي النصب والجر.
هلا: - بفتحتين مع التخفيف - كلمة زجر للخيل، - وبالتشديد - حرف تحضيض.
هنا:
اسم يشار به إلى المكان القريب، ومثله ههنا.
هيا:
حرف نداء، وأصله أيا.
يا:
أكثر حروف النداء استعمالا، وينادى به البعيد حقيقة أو حكما.
يقول مؤلف القصة ومنشيها، ومطرز حلة تصحيحها في الطبع وموشيها المعتمد على الله فيما يعيد ويبدي، المفوض أموره إليه تعالى وهبي أفندي:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
إلى هنا امتلأ الحوض، وأحسب القلم ما جاء به عن الخوض، وإنها لقصة استوعبت اللطائف فروعا وأصولا، وتنوعت طرائفها مقامات وفصولا، أخذت من كل معنى طرفا، وحوت من صناعة الصياغة طرفا، فهي أحسن القصص على الإطلاق، والباعثة بكلمها النوابغ وحكمها البوالغ على الكلف بمكارم الأخلاق. وقد نسجتها على منوال المقامات، وإن لم أكن حريريا، وجلوتها على نظر أولي المقامات، فجاء تمثيلها بالإطراء حريا، نهضت به مع طلبة مدارس حارة السقائين، فجاءوا بالعجب العجاب، وانتدبوا لإعلاء كلمة الآداب أيما انتداب، فأنا أفاخر بهم وهم أولو الفطن، وأحتسب كوني مفتتح باب التمثيل دون أبناء الوطن، حتى ينفسح نطاقه بعناية أولي الأمر، ونكون في غنية عن زيد وعمرو؛ لأنه الفن المحرض على الفضائل، الحاث على نبذ الرذائل؛ ولهذا أشكر الجمعية الخيرية القبطية على سعيها الجليل، وأذكر سعادة الباشا رئيسها وحضرة مديرها وأعضائها الأجلاء بالجميل، حيث تطولوا علي في تمثيلها بأنواع المكارم، وأبانوا عن عزيمة غبطة الأب البطريرك الأكرم، في تقدم المدارس على السنن الأقوم، أمضى من الصارم، لا برح عصر الجناب الخديوي غرة جبين الأعصار، ما سجا ليل وطلعت شمس نهار، آمين.
وقد تم طبعها وحسن وضعها بالمطبعة الإعلامية، ما خلا بعض ملازم منها طبعت مطبعة مرآة الشرق المصرية، وذلك في العشر الأواخر من شهر جمادى الثانية سنة 1302 هجرية، الموافق شهر إبريل الإفرنجي سنة 1885، وشهر برمهات سنة 1601 قبطية. (تم)
ملحق قصة يوسف عليه السلام في الكتب السماوية الثلاثة
(1) العهد القديم (التوراة): سفر التكوين
الإصحاح السابع والثلاثون
وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان، هذه مواليد يعقوب: يوسف إذ كان ابن سبع عشرة سنة كان يرعى مع إخوته الغنم، وهو غلام عند بني بلهة وبني زلفة امرأتي أبيه. وأتى يوسف بنميمتهم الرديئة إلى أبيهم. وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه؛ لأنه ابن شيخوخته، فصنع له قميصا ملونا، فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته أبغضوه، ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام. وحلم يوسف حلما وأخبر إخوته، فازدادوا أيضا بغضا له. فقال لهم: «اسمعوا هذا الحلم الذي حلمت، فها نحن حازمون حزما في الحقل، وإذا حزمتي قامت وانتصبت فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي». فقال له إخوته: «ألعلك تملك علينا ملكا، أم تتسلط علينا تسلطا؟» وازدادوا أيضا بغضا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه. ثم حلم أيضا حلما آخر، وقصه على إخوته فقال: «إني قد حلمت حلما أيضا، وإذا بالشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة لي». وقصه على أبيه وعلى إخوته، فانتهره أبوه وقال له: «ما هذا الحلم الذي حلمت! هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟» فحسده إخوته، وأما أبوه فحفظ الأمر. ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. فقال إسرائيل ليوسف: «أليس إخوتك يرعون عند شكيم؟ تعال فأرسلك إليهم». فقال له: «ها أنذا». فقال له: «اذهب انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم، ورد لي خبرا». فأرسله من وطاء حبرون، فأتى إلى شكيم، فوجده رجل وإذا هو ضال في الحقل، فسأله الرجل: «ماذا تطلب؟» فقال: أنا طالب إخوتي، أخبرني أين يرعون. فقال الرجل: «قد ارتحلوا من هنا؛ لأني سمعتهم يقولون: لنذهب إلى دوثان». فذهب يوسف وراء إخوته فوجدهم في دوثان. فلما أبصروه من بعيد قبلما اقترب إليهم احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعض: «هو ذا هذا صاحب الأحلام قادم، فالآن هلم نقتله ونطرحه في إحدى الآبار، ونقول: وحش رديء أكله، فنرى ماذا تكون أحلامه». فسمع رأوبين وأنقذه من أيديهم وقال: «لا نقتله»، وقال لهم رأوبين : «لا تسفكوا دما، اطرحوه في هذه البئر التي في البرية، ولا تمدوا إليه يدا» لكي ينقذه من أيديهم ليرده إلى أبيه. فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عنه قميصه الملون الذي عليه وأخذوه وطرحوه في البئر. وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء. ثم جلسوا ليأكلوا طعاما، فرفعوا عيونهم ونظروا وإذا قافلة إسماعيليين مقبلة من جلعان، وجمالهم حاملة كثيراء وبلسانا ولاذنا ذاهبين لينزلوا بها إلى مصر. فقال يهوذا لإخوته: «ما الفائدة أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟ تعالوا فنبيعه للإسماعيليين ولا تكن أيدينا عليه لأنه أخونا ولحمنا». فسمع له إخوته، واجتاز رجال مديانيون تجار فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر، ورجع رأوبين إلى البئر وإذا يوسف ليس في البئر، فمزق ثيابه، ثم رجع إلى إخوته وقال: «الولد ليس موجودا وأنا إلى أين أذهب؟» فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا من المعزى وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوا القميص الملون وأحضروه إلى أبيهم وقالوا: «وجدنا هذا، حقق أقميص ابنك هو أم لا؟» فتحققه وقال: قميص ابني، وحش رديء أكله! افترس يوسف افتراسا! فمزق يعقوب ثيابه ووضع مسحا على حقويه، وناح على ابنه أياما كثيرة، فقام جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه، فأبى أن يتعزى وقال: «إني أنزل إلى ابني نائحا إلى الهاوية»، وبكى عليه أبوه، وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط.
الإصحاح الثامن والثلاثون
وحدث في ذلك الزمان أن يهوذا نزل من عند إخوته، ومال إلى رجل عدلامي اسمه حيرة، ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع، فأخذها ودخل عليها فحبلت وولدت ابنا ودعا اسمه «عيرا»، ثم حبلت أيضا وولدت ابنا ودعت اسمه «أونان»، ثم عادت فولدت أيضا ابنا ودعت اسمه «شيلة»، وكان في كزيب حين ولدته. وأخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار، وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب، فأماته الرب. فقال يهوذا لأونان: «ادخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلا لأخيك»، فعلم أونان أن النسل لا يكون له، فكان إذ دخل على امرأة أخيه أنه أفسد على الأرض لكي لا يعطى نسلا لأخيه، فقبح في عيني الرب ما فعله فأماته أيضا. فقال يهوذا لثامار كنته: «اقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني»؛ لأنه قال: «لعله يموت هو أيضا كأخويه»، فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها. ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا، ثم تعزى يهوذا فصعد إلى جزاز غنمه إلى تمنه هو وحيرة صاحبه العدلامي، فأخبرت ثامار: «هو ذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه»، فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلفقت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة؛ لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة. فنظرها يهوذا وحسبها زانية؛ لأنها كانت قد غطت وجهها، فمال إليها على الطريق وقال: «هاتي أدخل عليك»؛ لأنه لم يعلم أنها كنته، فقالت: «ماذا تعطيني لكي تدخل علي؟» فقال: «إني أرسل جدي معزى من الغنم»، فقالت: «هل تعطيني رهنا حتى ترسله؟» فقال: «ما الرهن الذي أعطيك؟» فقالت: «خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك»، فأعطاها ودخل عليها، فحبلت منه، ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها، فأرسل يهوذا جدي المعزي بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة فلم يجدها، فسأل أهل مكانها: «أين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق؟»
فقالوا: «لم تكن ها هنا زانية»، فرجع إلى يهوذا وقال: «لم أجدها، وأهل المكان أيضا قالوا: لم تكن ها هنا زانية»، فقال يهوذا: «لتأخذ لنفسها لذلا نصير إهانة، إني قد أرسلت هذا الجدي وأنت لم تجدها». ولما كان نحو ثلاثة أشهر أخبر يهوذا وقيل له: «قد زنت ثامار كنتك، وها هي حبلى أيضا من الزنا»، فقال يهوذا: «أخرجوها فتحرق». أما هي فلما أخرجت أرسلت إلى حميها قائلة: «من الرجل الذي هذه له أنا حبلى!» وقالت: «حقق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه؟» فتحققها يهوذا وقال: «هي أبر مني؛ لأني لم أعطها لشيلة ابني»، فلم يعد يعرفها أيضا، وفي وقت ولادتها إذا في بطنها توأمان، وكان في ولادته أن أحدهما أخرج يدا فأخذت القابلة وربطت على يده قرمزا قائلة: «هذه خرج أولا»، ولكن حين رد يده إذا أخوه قد خرج، فقالت: «لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحام»، فدعي اسمه «فارص»، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعي اسمه «زارح».
الإصحاح التاسع والثلاثون
وأما يوسف فأنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط، رجل مصري من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك، وكان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا، وكان في بيت سيده المصري، ورأى سيده أن الرب معه، وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده، فوجد يوسف نعمة في عينيه وخدمه، فوكله على بيته ودفع إلى يده كل ما كان له. وكان من حين وكله على بيته وعلى كل ما كان له أن الرب بارك بيت المصري بسبب يوسف، وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل، فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف شيئا إلا الخبز الذي يأكل، وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر. وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف وقالت: «اضطجع معي»، فأبى وقال لامرأة سيده: «هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكل ما له قد دفعه إلى يدي، ليس هو في هذا البيت أعظم مني، ولم يمسك عني شيئا غيرك لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟» وكان إذا كلمت يوسف يوما فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها، ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله، ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك في البيت، فأمسكته بثوبه قائلة: «اضطجع معي»، فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج إلى خارج.
وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وقالت: انظروا! قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا. دخل إلي ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيم، وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلى خارج. فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته، فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة: «دخل إلي العبد العبراني الذي جئت به إلينا ليداعبني، وكان لما رفعت صوتي وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارج». فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلة: «بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك» أن غضبه حمي، فأخذ يوسف ووضعه في بيت السجن، المكان الذي كان أسرى الملك محبوسين فيه. وكان هناك في بيت السجن، ولكن الرب كان مع يوسف وبسط إليه لطفا، وجعل نعمة له في عيني رئيس بيت السجن، فدفع رئيس بيت السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئا البتة مما في يده؛ لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب ينجحه.
الإصحاح الأربعون
وحدث بعد هذه الأمور أن ساقي ملك مصر والخباز أذنبا إلى سيدهما ملك مصر، فسخط فرعون على خصييه: رئيس السقاة ورئيس الخبازين، فوضعهما في حبس بيت رئيس الشرط في بيت السجن المكان الذي كان يوسف محبوسا فيه، فأقام رئيس الشرط يوسف عندهما فخدمهما. وكانا أياما في الحبس، وحلما كلاهما حلما في ليلة واحدة، كل واحد حلمه كل واحد بحسب تعبير حلمه: ساقي ملك مصر وخبازه المحبوسان في بيت السجن.
فدخل يوسف إليهما في الصباح ونظرهما وإذا هما مغتمان، فسأل خصيي فرعون اللذين معه في حبس بيت سيده: «لماذا وجهاكما مكمدان اليوم؟» فقالا له: «حلمنا حلما وليس من يعبره»، فقال لهما يوسف: «أليست لله التعابير؟ قصا علي». فقص رئيس السقاة حلمه على يوسف وقال له: «كنت في حلمي، وإذا كرمة أمامي، وفي الكرمة ثلاثة قضبان، وهي إذا أفرخت طلع زهرها وأنضجت عناقيدها عنبا، وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون، وأعطيت الكأس في يد فرعون»، فقال له يوسف: «هذا تعبيره: الثلاثة القضبان هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام أيضا يرفع فرعون رأسك ويردك إلى مقامك، فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولى حين كنت ساقيه، وإنما إذا ذكرتني عندك حينما يصير لك خير تصنع إلي إحسانا وتذكرني لفرعون وتخرجني من هذا البيت؛ لأني قد سرقت من أرض العبرانيين، وهنا أيضا لم أفعل شيئا حتى وضعوني في السجن.» فلما رأى رئيس الخبازين أنه عبر جيدا قال ليوسف: «كنت أنا أيضا في حلمي، وإذا ثلاثة سلال بيضاء على رأسي، وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز، والطيور تأكله من السل عن رأسي»، فأجاب يوسف وقال: «هذا تعبيره: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام، في ثلاثة أيام أيضا يرفع فرعون راسك عنك، ويعلقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك عنك.» فحدث في اليوم الثالث يوم ميلاد فرعون أنه صنع وليمة لجميع عبيده، ورفع رأس رئيس السقاة ورأس رئيس الخبازين بين عبيده، ورد رئيس السقاة إلى سقيه، فأعطى الكأس في يد فرعون، وأما رئيس الخبازين فعلقه كما عبر لهما يوسف، ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه.
الإصحاح الحادي والأربعون
وحدث بعد سنتين من الزمان أن فرعون رأى حلما، وإذا هو واقف عند النهر، وهو ذا سبع بقرات طالعة من النهر حسنة المنظر وسمينة اللحم فارتعت في روضة، ثم هو ذا سبع بقرات أخرى طالعة وراءها من النهر قبيحة المنظر ورقيقة اللحم، فوقفت بجانب البقرات الأولى على شاطئ النهر، فأكلت البقرات القبيحة المنظر والرقيقة اللحم البقرات السبع الحسنة المنظر والسمينة. واستيقظ فرعون، ثم نام فحلم ثانية، وهو ذا سبع سنابل طالعة في ساق واحد سمينة وحسنة، ثم هو ذا سبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها، فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع السمينة الممتلئة، واستيقظ فرعون وإذا هو حلم. وكان في الصباح أن نفسه انزعجت، فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها، وقص عليهم فرعون حلمه، فلم يكن من يعبره لفرعون. ثم قال رئيس السقاة لفرعون: «أنا أتذكر اليوم خطاياي، فرعون سخط على عبديه فجعلني في حبس بيت رئيس الشرط أنا ورئيس الخبازين، فحلمنا حلما في ليلة واحدة أنا وهو، حلمنا كل واحد بحسب تعبير حلمه. وكان هناك معنا غلام عبراني عبد لرئيس الشرط، فقصصنا عليه فعبر لنا حلمينا، عبر لكل واحد بحسب حلمه، وكما عبر لنا هكذا حدث. ردني أنا إلى مقامي وأما هو فعلقه.»
فأرسل فرعون ودعا يوسف، فأسرعوا به من السجن، فحلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون، فقال فرعون ليوسف: «حلمت حلما وليس من يعبره، وأنا سمعت عنك قولا إنك تسمع أحلاما لتعبرها»، فأجاب يوسف فرعون: «ليس لي، الله يجيب بسلامة فرعون»، فقال فرعون ليوسف: «إني كنت في حلمي واقفا على شاطئ النهر، وهو ذا سبع بقرات طالعة من النهر سمينة اللحم وحسنة الصورة، فارتعت في روضة، ثم هو ذا سبع بقرات أخرى طالعة وراءها مهزولة وقبيحة الصورة جدا ورقيقة اللحم، لم أنظر في كل أرض مصر مثلها في القباحة، فأكلت البقرات الرقيقة والقبيحة البقرات السبع الأولى السمينة، فدخلت أجوافها. ولم يعلم أنها دخلت في أجوافها، فكان منظرها قبيحا كما في الأول. واستيقظت، ثم رأيت في حلمي وهو ذا سبع سنابل طالعة في ساق واحد، ممتلئة وحسنة، ثم هو ذا سبع سنابل يابسة رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها، فابتلعت السنابل الرقيقة السنابل السبع الحسنة. فقلت للسحرة ولم يكن من يخبرني»، فقال يوسف لفرعون: «حلم فرعون واحد، قد أخبر الله فرعون بما هو صانع، البقرات السبع الحسنة هي سبع سنين، والسنابل السبع الحسنة هي سبع سنين، هو حلم واحد، والبقرات السبع الرقيقة القبيحة التي طلعت وراءها هي سبع سنين، والسنابل السبع الفارغة الملفوحة بالريح الشرقية تكون سبع سنين جوعا. هو الأمر الذي كلمت به فرعون، قد أظهر الله لفرعون ما هو صانع، هو ذا سبع سنين قادمة شبعا عظيما في كل أرض مصر، ثم تقوم بعدها سبع سنين جوعا، فينسي كل الشبع في أرض مصر ويتلف الجوع الأرض، ولا يعرف الشبع في الأرض من أجل ذلك الجوع بعده؛ لأنه يكون شديدا جدا . وأما عن تكرار الحلم على فرعون مرتين؛ فلأن الأمر مقرر من قبل الله، والله مسرع ليصنعه، فالآن لينظر فرعون رجلا بصيرا وحكيما، ويجعله على أرض مصر، يفعل فرعون فيوكل نظارا على الأرض ويأخذ خمس غلة أرض مصر في سبع سني الشبع، فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيدة القادمة، ويخزنون قمحا تحت يد فرعون طعاما في المدن ويحفظونه، فيكون الطعام ذخيرة للأرض لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر، فلا تنقرض الأرض بالجوع.» فحسن الكلام في عيني فرعون وفي عيني جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده: «هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله؟» ثم قال فرعون ليوسف: «بعد ما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي، إلا أن الكرسي أكون فيه أعظم منك.» ثم قال فرعون ليوسف: «انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر»، وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص، ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا أمامه «اركعوا»، وجعله على كل أرض مصر.
وقال فرعون ليوسف: «أنا فرعون، فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر». ودعا فرعون اسم يوسف «صفنات فعنيح»، وأعطاه أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون زوجة، فخرج يوسف على أرض مصر، وكان يوسف ابن ثلاثين سنة لما وقف قدام فرعون ملك مصر. فخرج يوسف من لدن فرعون واجتاز في كل أرض مصر، وأثمرت الأرض في سبع سني الشبع بحزم، فجمع كل طعام السبع سنين التي كانت في أرض مصر وجعل طعاما في المدن، طعام حقل المدينة الذي حواليها جعله فيها، وخزن يوسف قمحا كرمل البحر كثيرا جدا، حتى ترك العدد إذ لم يكن له عدد. وولد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع، ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون، ودعا يوسف اسم البكر منسى قائلا: «لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي»، ودعا اسم الثاني أفرايم قائلا: «لأن الله جعلني مثمرا في أرض مذلتي»، ثم كملت سبع سني الشبع الذي كان في أرض مصر وابتدأت سبع سني الجوع، تأتي كما قال يوسف، فكان جوع في جميع البلدان. وأما جميع أرض مصر فكان فيها خبز، ولما جاعت جميع أرض مصر وصرخ الشعب إلى فرعون لأجل الخبز قال فرعون لكل المصريين: «اذهبوا إلى يوسف والذي يقول لكم افعلوا.» وكان الجوع على كل وجه الأرض. وفتح يوسف جميع ما فيه طعام وباع للمصريين، واشتد الجوع في أرض مصر، وجاءت كل الأرض إلى مصر إلى يوسف لتشتري قمحا؛ لأن الجوع كان شديدا في كل الأرض.
الإصحاح الثاني والأربعون
فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في مصر، قال يعقوب لبنيه: «لماذا تنظرون بعضكم إلى بعض؟ إني قد سمعت أنه يوجد قمح في مصر، انزلوا إلى هناك واشتروا لنا من هناك لنحيا ولا نموت.» فنزل عشرة من إخوة يوسف ليشتروا قمحا من مصر. وأما بنيامين أخو يوسف فلم يرسله يعقوب مع إخوته؛ لأنه قال: «لعله تصيبه أذية». فأتى بنو إسرائيل ليشتروا بين الذين أتوا؛ لأن الجوع كان في أرض كنعان. وكان يوسف هو المسلط على الأرض وهو البائع لكل شعب الأرض. فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض، ولما نظر يوسف إخوته عرفهم فتنكر لهم وتكلم معهم بجفاء، وقال لهم: «من أين جئتم؟» فقالوا: «من أرض كنعان لنشتري طعاما»، وعرف يوسف إخوته، وأما هم فلم يعرفوه، فتذكر يوسف الأحلام التي حلم عنهم وقال لهم: «جواسيس أنتم! لتروا عورة الأرض جئتم!» فقالوا له: «لا يا سيدي، بل عبيدك جاءوا ليشتروا طعاما، نحن جميعنا بنو رجل واحد، نحن أمناء، ليس عبيدك جواسيس»، فقال لهم: «كلا! بل لتروا عورة الأرض جئتم»، فقالوا: «عبيدك اثنا عشر أخا، نحن بنو رجل واحد في أرض كنعان، وهو ذا الصغير عند أبينا اليوم والواحد مفقود»، فقال لهم يوسف: «ذلك ما كلمتكم به قائلا: جواسيس أنتم، بهذا تمتحنون، وحياة فرعون لا تخرجون من هنا إلى بمجيء أخيكم الصغير إلى هنا. أرسلوا منكم واحدا ليجيء بأخيكم، وأنتم تحبسون فيمتحن كلامكم هل عندكم صدق، وإلا فوحياة فرعون إنكم لجواسيس!» فجمعهم إلى حبس ثلاثة أيام، ثم قال لهم يوسف في اليوم الثالث: «افعلوا هذا وأحيوا، إني خائف الله، إن كنتم أمناء فليحبس أخ واحد منكم في بيت حبسكم، وانطلقوا أنتم وخذوا قمحا لمجاعة بيوتكم، وأحضروا أخاكم الصغير إلي فيتحقق كلامكم ولا تموتوا»، ففعلوا هكذا، وقالوا بعضهم لبعض: «حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع؛ لذلك جاءت علينا هذه الضيقة»، فأجابهم رأوبين: «ألم أكلمكم قائلا: لا تأثموا بالولد وأنتم لم تسمعوا؟ فهو ذا دمه يطلب»، وهم يعلموا أن يوسف فاهم؛ لأن الترجمان كان بينهم، فتحول عنهم وبكى. ثم رجع إليهم وكلمهم وأخذ منهم شمعون وقيده أمام عيونهم، ثم أمر يوسف أن تملأ أوعيتهم قمحا، وترد فضة كل واحد إلى عدله، وأن يعطوا زادا للطريق، ففعل لهم هكذا. فحملوا قمحهم على حميرهم ومضوا من هناك، فلما فتح أحدهم عدله ليعطي عليقا لحماره في المنزل رأى فضته، وإذا هي في فم عدله، فقال لإخوته: «ردت فضتي، وها هي في عدلي»، فطارت قلوبهم وارتعدوا بعضهم في بعض قائلين: «ما هذا الذي صنعه الله بنا؟» فجاءوا إلى يعقوب أبيهم إلى أرض كنعان، وأخبروه بكل ما أصابهم قائلين: «تكلم معنا الرجل سيد الأرض بجفاء، وحسبنا جواسيس الأرض، فقلنا له: نحن أمناء لسنا جواسيس، نحن اثنا عشر أخا بنو أبينا، الواحد مفقود والصغير اليوم عند أبينا في أرض كنعان، فقال لنا الرجل سيد الأرض: بهذا أعرف أنكم أمناء، دعوا أخا واحدا منكم عندي وخذوا لمجاعة بيوتكم وانطلقوا، وأحضروا أخاكم الصغير إلي فأعرف أنكم لستم جواسيس بل أنكم أمناء، فأعطيكم أخاكم وتتجرون في الأرض.» وإذ كانوا يفرغون عدالهم إذا صرة فضة كل واحد في عدله، فلما رأوا صرر فضتهم هم وأبوهم خافوا، فقال لهم يعقوب: «أعدمتموني الأولاد! يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه! صار كل هذا علي!» وقال رأوبين لأبيه: «اقتل ابني إن لم أجيء به إليك، سلمه بيدي وأنا أرده إليك»، فقال: «لا ينزل ابني معكم؛ لأن أخاه قد مات وهو وحده باق، فإن أصابته أذية في الطريق التي تذهبون فيها تنزلون شيبتي بحزن إلى الهاوية.»
الإصحاح الثالث والأربعون
وكان الجوع شديدا في الأرض، وحدث لما فرغوا من أكل القمح الذي جاءوا به من مصر أن أباهم قال لهم: «ارجعوا اشتروا لنا قليلا من الطعام»، فقال له يهوذا: «إن الرجل قد أشهد علينا قائلا: لا ترون وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم، إن كنت ترسل أخانا معنا ننزل ونشتري لك طعاما، ولكن إن كنت لا ترسله لا ننزل؛ لأن الرجل قال لنا: لا ترون وجهي بدون أن يكون أخوكم معكم»، فقال إسرائيل: «لماذا أسأتم إلي حتى أخبرتم الرجل أن لكم أخا أيضا؟» فقالوا: «إن الرجل قد سأل عنا وعن عشيرتنا قائلا: هل أبوكم حي بعد؟ هل لكم أخ؟ فأخبرناه بحسب هذا الكلام، هل كنا نعلم أنه يقول انزلوا بأخيكم؟» وقال يهوذا لإسرائيل أبيه: «أرسل الغلام معي لنقوم ونذهب ونحيا ولا نموت نحن وأنت وأولادنا جميعا، أنا أضمنه، من يدي تطلبه، إن لم أجيء به إليك وأوقفه قدامك أصر مذنبا إليك كل الأيام؛ لأننا لو لم نتوان لكنا قد رجعنا الآن مرتين». فقال لهم إسرائيل أبوهم: إن كان هكذا، فافعلوا هذا: خذوا من أفخر جنى الأرض في أوعيتكم، وأنزلوا للرجل هدية، قليلا من البلسان وقليلا من العسل وكثيراء ولاذنا وفستقا ولوزا، وخذوا فضة أخرى في أياديكم، والفضة المردودة في أفواه عدالكم ردوها في أياديكم، لعله كان سهوا، وخذوا أخاكم وقوموا ارجعوا إلى الرجل، والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامين. وأنا إذا عدمت الأولاد عدمتهم. فأخذ الرجال هذه الهدية وأخذوا ضعف الفضة في أياديهم وبنيامين، وقاموا ونزلوا إلى مصر، ووقفوا أمام يوسف، فلما رأى يوسف بنيامين معهم قال للذي على بيته: «أدخل الرجال إلى البيت واذبح ذبيحة وهيئ، لأن الرجال يأكلون معي عند الظهر»، ففعل الرجل كما قال يوسف، وأدخل الرجل الرجال إلى بيت يوسف.
فخال الرجال إذا أدخلوا إلى بيت يوسف وقالوا: «لسبب الفضة التي رجعت أولا في عدالنا نحن قد أدخلنا ليهجم علينا ويقع بنا، ويأخذنا عبيدا وحميرنا»، فتقدموا إلى الرجل الذي على بيت يوسف وكلموه في باب البيت، وقالوا: «استمع يا سيدي، إننا قد نزلنا أولا لنشتري طعاما، وكان لما أتينا إلى المنزل أننا فتحنا عدالنا، وإذا فضة كل واحد في فم عدله، فضتنا بوزنها، فقد رددناها في أيادينا، وأنزلنا فضة أخرى في أيادينا لنشتري طعاما، لا نعلم من وضع فضتنا في عدالنا». فقال: «سلام لكم، لا تخافوا، إلهكم وإله أبيكم أعطاكم كنزا في عدالكم، فضتكم وصلت إلي»، ثم أخرج إليهم شمعون، وأدخل الرجل الرجال إلى بيت يوسف، وأعطاهم ماء ليغسلوا أرجلهم، وأعطى عليقا لحميرهم، وهيأوا الهدية إلى أن يجيء يوسف عند الظهر؛ لأنهم سمعوا أنهم هناك يأكلون طعاما. فلما جاء يوسف إلى البيت أحضروا إليه الهدية التي في أياديهم إلى البيت، وسجدوا له إلى الأرض، فسأل عن سلامتهم وقال: «أسالم أبوك الشيخ الذي قلتم عنه؟ أحي هو بعد؟» فقالوا: «عبدك أبونا سالم، هو حي بعد»، وخروا وسجدوا. فرفع عينيه ونظر بنيامين أخاه ابن أمه، وقال: «أهذا أخوكم الصغير الذي قلتم لي عنه؟» ثم قال: «الله ينعم عليك يا ابني»، واستعجل يوسف لأن أحشاءه حنت إلى أخيه وطلب مكانا ليبكي، فدخل المخدع وبكى هناك، ثم غسل وجهه وخرج وتجلد وقال: «قدموا طعاما»، فقدموا له وحده ولهم وحدهم وللمصريين الآكلين عنده وحدهم؛ لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين؛ لأنه رجس عند المصريين. فجلسوا قدامه: البكر بحسب بكوريته، والصغير بحسب صغره، فبهت الرجال بعضهم إلى بعض، ورفع حصصا من قدامه إليهم، فكانت حصة بنيامين أكثر من حصص جميعهم خمسة أضعاف، وشربوا ورووا معه.
الإصحاح الرابع والأربعون
ثم أمر الذي على بيته قائلا: «املأ عدال الرجال طعاما حسب ما يطيقون حمله، وضع فضة كل واحد في فم عدله، وطاسي طاس الفضة تضع في فم عدل الصغير وثمن قمحه»، ففعل بحسب كلام يوسف الذي تكلم به، فلما أضاء الصبح انصرف الرجال هم وحميرهم. ولما كانوا قد خرجوا من المدينة ولم يبتعدوا قال يوسف للذي على بيته: «قم اسع وراء الرجال، ومتى أدركتهم فقل لهم: لماذا جازيتم شرا عوضا عن خير؟ أليس هذا هو الذي يشرب سيدي فيه؟ وهو يتفاءل به، أسأتم في ما صنعتم»، فأدركهم وقال لهم هذا الكلام، فقالوا له: «لماذا يتكلم سيدي مثل هذا الكلام؟ حاشا لعبيدك أن يفعلوا مثل هذا الأمر! هو ذا الفضة التي وجدنا في أفواه عدالنا رددناها إليك من أرض كنعان، فكيف نسرق من بيت سيدك فضة أو ذهبا؟ الذي يوجد معه من عبيدك يموت، ونحن أيضا نكون عبيدا لسيدي». فقال: «نعم، الآن بحسب كلامكم هكذا يكون، الذي يوجد معه يكون لي عبدا، وأما أنتم فتكونون أبرياء»، فاستعجلوا وأنزلوا كل واحد عدله إلى الأرض، وفتحوا كل واحد عدله، ففتش مبتدئا من الكبير حتى انتهى إلى الصغير، فوجد الطاس في عدل بنيامين، فمزقوا ثيابهم وحمل كل واحد على حماره ورجعوا إلى المدينة. فدخل يهوذا وإخوته إلى بيت يوسف وهو بعد هناك، ووقعوا أمامه على الأرض، فقال لهم يوسف: «ما هذا الفعل الذي فعلتم؟ ألم تعلموا أن رجلا مثلي يتفاءل؟» فقال يهوذا: «ماذا نقول لسيدي؟ ماذا نتكلم وبماذا نتبرر؟ الله قد وجد إثم عبيدك، ها نحن عبيد لسيدي نحن، والذي وجد الطاس في يده جميعا»، فقال: «حاشا لي أن أفعل هذا! الرجل الذي وجد الطاس في يده هو يكون لي عبدا، وأما أنتم فاصعدوا بسلام إلى أبيكم.» ثم تقدم إليه يهوذا وقال: «استمع يا سيدي، ليتكلم عبدك كلمة في أذني سيدي ولا يحم غضبك على عبدك؛ لأنك مثل فرعون. سيدي سأل عبيده: هل لكم أب أو أخ؟
فقلنا لسيدي: لنا أب شيخ وابن شيخوخة صغير مات أخوه وبقي هو وحده لأمه، وأبوه يحبه. فقلت لعبيدك: انزلوا به إلي فأجعل نظري عليه. فقلنا لسيدي: لا يقدر الغلام أن يترك أباه، وإن ترك أباه يموت. فقلت لعبيدك: إن لم ينزل أخوكم الصغير معكم لا تعودوا تنظرون وجهي. فكان لما صعدنا إلى عبدك أبي أننا أخبرناه بكلام سيدي، ثم قال أبونا: ارجعوا اشتروا لنا قليلا من الطعام. فقلنا: لا نقدر أن ننزل، وإنما إذا كان أخونا الصغير معنا ننزل؛ لأننا لا نقدر أن ننظر وجه الرجل وأخونا الصغير ليس معنا. فقال لنا عبدك أبي: أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي اثنين، فخرج الواحد من عندي وقلت: إنما هو قد افترس افتراسا، ولم أنظره إلى الآن، فإذا أخذتم هذا أيضا من أمام وجهي وأصابته أذيته تنزلون شيبتي بشر إلى الهاوية. فالآن متى جئت إلى عبدك أبي والغلام ليس معنا ونفسه مرتبطة بنفسه يكون متى رأى أن الغلام مفقود أنه يموت، فينزل عبيدك شيبة عبدك أبينا بحزن إلى الهاوية؛ لأن عبدك ضمن الغلام لأبي قائلا: إن لم أجئ به إليك أصر مذنبا إلى أبي كل الأيام، فالآن ليمكث عبدك عوضا عن الغلام عبدا لسيدي ويصعد الغلام مع إخوته؛ لأني كيف أصعد إلى أبي والغلام ليس معي؟ لئلا أنظر الشر الذي يصيب أبي!»
الإصحاح الخامس والأربعون
فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه لدى جميع الواقفين عنده، فصرخ: «أخرجوا كل إنسان عني!» فلم يقف أحد عنده حين عرف يوسف إخوته بنفسه، فأطلق صوته بالبكاء، فسمع المصريون وسمع بيت فرعون، وقال يوسف لإخوته: «أنا يوسف، أحي أبي بعد؟» فلم يستطع إخوته أن يجيبوه؛ لأنهم ارتاعوا منه. فقال يوسف لأخوته: «تقدموا إلي»، فتقدموا، فقال: «أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر، والآن لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا؛ لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم؛ لأن للجوع في الأرض الآن سنتين، وخمس سنين أيضا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، وليستبقي لكم نجاة عظيمة، فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا بل الله، وهو قد جعلني أبا لفرعون وسيدا لكل بيته، ومتسلطا على كل أرض مصر. أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له: هكذا يقول ابنك يوسف، قد جعلني الله سيدا لكل مصر، انزل إلي، لا تقف، فتسكن في أرض جاسان وتكون قريبا مني أنت وبنوك وبنو بنيك وغنمك وبقرك وكل ما لك، وأعولك هناك؛ لأنه يكون أيضا خمس سنين جوعا لئلا تفتقر أنت وبيتك وكل ما لك. وهو ذا عيونكم ترى وعينا أخي بنيامين أن فمي هو الذي يكلمكم، وتخبرون أبي بكل مجدي في مصر، وبكل ما رأيتم، وتستعجلون وتنزلون بأبي إلى هنا». ثم وقع على عنق بنيامين وبكى، وبكى بنيامين على عنقه، وقبل جميع إخوته وبكى عليهم. وبعد ذلك تكلم إخوته معه، وسمع الخبر في بيت فرعون وقيل: «جاء إخوة يوسف»، فحسن في عيني فرعون وفي عيون عبيده، فقال فرعون ليوسف: «قل لإخوتك: افعلوا هذا، حملوا دوابكم وانطلقوا، اذهبوا إلى أرض كنعان، وخذوا أباكم وبيوتكم وتعالوا إلي فأعطيكم خيرات أرض مصر، وتأكلوا دسم الأرض، فأنت قد أمرت، افعلوا هذا. خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم، واحملوا أباكم وتعالوا، ولا تحزن عيونكم على أثاثكم؛ لأن خيرات جميع أرض مصر لكم». ففعل بنو إسرائيل هكذا، وأعطاهم يوسف عجلات بحسب أمر فرعون، وأعطاهم زادا للطريق، وأعطى كل واحد منهم حلل ثياب. وأما بنيامين فأعطاه ثلاثمائة من الفضة وخمس حلل ثياب، وأرسل لأبيه عشرة حمير حاملة من خيرات مصر، وعشر أتن حاملة حنطة وخبزا وطعاما لأبيه لأجل الطريق. ثم صرف إخوته، فانطلقوا وقال لهم: «لا تتغاضبوا في الطريق»، فصعدوا من مصر وجاءوا إلى أرض كنعان إلى يعقوب أبيهم وأخبروه قائلين: «يوسف حي بعد، وهو متسلط على كل أرض مصر!» فجمد قلبه لأنه لم يصدقهم، ثم كلموه بكل كلام يوسف الذي كلمهم به، وأبصر العجلات التي أرسلها يوسف لتحمله، فعاشت روح يعقوب أبيهم، فقال إسرائيل: «كفى! يوسف ابني حي بعد. أذهب وأراه قبل أن أموت.»
الإصحاح السادس والأربعون
فارتحل إسرائيل وكل ما كان له، وأتى إلى بئر سبع وذبح ذبائح لإله أبيه إسحاق، فكلم الله إسرائيل في رؤى الليل وقال: «يعقوب يعقوب»، فقال: «ها أنذا»، فقال: «أنا الله إله أبيك، لا تخف من النزول إلى مصر؛ لأني أجعلك أمة عظيمة هناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أصعدك أيضا، ويضع يوسف يده على عينيك»، فقام يعقوب من بئر سبع، وحمل بنو إسرائيل يعقوب أباهم وأولادهم ونساءهم في العجلات التي أرسل فرعون لحمله، وأخذوا مواشيهم ومقتناهم الذين اقتنوا في أرض كنعان، وجاءوا إلى مصر. يعقوب وكل نسله معه، بنوه وبنو بنيه معه وبناته وبنات بنيه وكل نسله، جاء بهم معه إلى مصر. وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر: يعقوب وبنوه، بكر يعقوب رأوبين، وبنو رأوبين: حنوك وفلو وحصرون وكرمي. وبنو شمعون: يموئيل ويامين وأوهد وياكين وصوحر وشأول ابن الكنعانية. وبنو لاوي: جرشون وقهات ومراري. وبنو يهوذا عير وأونان وشيلة وفارص وزارح. وأما عير وأونان فماتا في أرض كنعان. وكان ابنا فارص حصرون وحامول. وبنو يساكر: تولاع وفوة ويوب وشمرون. وبنو زبولون: سارد وإيلون وياحلئيل. هؤلاء بنو ليئة الذين ولدتهم ليعقوب في فدان أرام مع دينة ابنته. جميع نفوس بنيه وبناته ثلاث وثلاثون. وبنو جاد: صفيون وحجي وشوني وأصبون وعيري وأرودي وأرئيلي. وبنو أشير: يمنة ويشوة ويشوي وبريعة وسارح هي أختهم. وابنا بريعة حابر وملكيئيل. هؤلاء بنو زلفة التي أعطاها لابان لليئة ابنته فولدت هؤلاء ليعقوب ست عشرة نفسا. ابنا راحيل امرأة يعقوب: يوسف وبنيامين. وولد ليوسف في أرض مصر: منسى وأفرايم اللذان ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون. وبنو بنيامين: بالع وباكر وأشبيل وجيرا ونعمان وإيحي وروش ومفيم وحفيم وأرد. هؤلاء بنو راحيل الذين ولدوا ليعقوب. جميع النفوس أربع عشرة. وابن دان حوشيم. وبنو نفتالي: ياحصئيل وجوني ويصر وشليم. هؤلاء بنو بلهة التي أعطاها لابان لراحيل ابنته. فولدت هؤلاء ليعقوب جميع الأنفس سبع. جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه، ما عدا نساء بني يعقوب، جميع النفوس ست وستون نفسا. وابنا يوسف اللذان ولدا في مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون. فأرسل يهوذا أمامه إلى يوسف ليري الطريق أمامه إلى جاسان، ثم جاءوا إلى أرض جاسان، فشد يوسف مركبته وصعد لاستقبال إسرائيل أبيه إلى جاسان. ولما ظهر له وقع على عنقه وبكى على عنقه زمانا، فقال إسرائيل ليوسف: «أموت الآن بعدما رأيت وجهك أنك حي بعد». ثم قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه: «أصعد وأخبر فرعون وأقول له: إخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إلي، والرجال رعاة غنم، فإنهم كانوا أهل مواش، وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل ما لهم، فيكون إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أن تقولوا: عبيدك أهل مواش منذ صبانا إلى الآن، نحن وآباؤنا جميعا؛ لكي تسكنوا في أرض جاسان؛ لأن كل راعي غنم رجس للمصريين.»
الإصحاح السابع والأربعون
فأتى يوسف وقال لفرعون: «أبي وإخوتي وغنمهم وبقرهم وكل ما لهم جاءوا من أرض كنعان، وهو ذا هم في أرض جاسان.» وأخذ من جملة إخوته خمسة رجال وأوقفهم أمام فرعون، فقال فرعون لإخوته: «ما صناعتكم؟» فقالوا لفرعون: «عبيدك رعاة غنم نحن وآباؤنا جميعا»، وقالوا لفرعون: «جئنا لنتغرب في الأرض إذ ليس لغنم عبيدك مرعى؛ لأن الجوع شديد في أرض كنعان. فالآن ليسكن عبيدك في أرض جاسان.» فقال فرعون ليوسف: «أبوك وإخوتك جاءوا إليك، أرض مصر قدامك، في أفضل الأرض أسكن أباك وإخوتك، ليسكنوا في أرض جاسان، وإن علمت أنه يوجد بينهم ذوو قدرة فاجعلهم رؤساء مواش على التي لي.» ثم أدخل يوسف يعقوب أباه وأوقفه أمام فرعون، وبارك يعقوب فرعون، فقال فرعون ليعقوب: «كم هي أيام سني حياتك؟» فقال يعقوب لفرعون: «أيام سني غربتي مائة وثلاثون سنة، قليلة وردية كانت أيام سني حياتي، ولم تبلغ إلى أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم»، وبارك يعقوب فرعون وخرج من لدن فرعون، فأسكن يوسف أباه وإخوته، وأعطاهم ملكا في أرض مصر في أفضل الأرض، في أرض رعمسيس - كما أمر فرعون - وعال يوسف أباه وإخوته وكل بيت أبيه بطعام على حسب الأولاد، ولم يكن خبز في كل الأرض ؛ لأن الجوع كان شديدا جدا، فخورت أرض مصر وأرض كنعان من أجل الجوع، فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان بالقمح الذي اشتروا، وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون، فلما فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض كنعان أتى جميع المصريين إلى يوسف قائلين: «أعطنا خبزا فلماذا نموت قدامك؟ لأن ليس فضة أيضا»، فقال يوسف: «هاتوا مواشيكم، فأعطيكم بمواشيكم إن لم يكن فضة أيضا»، فجاءوا بمواشيهم إلى يوسف، فأعطاهم يوسف خبزا بالخيل وبمواشي الغنم والبقر وبالحمير، فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم. ولما تمت تلك السنة أتوا إليه في السنة الثانية وقالوا له: «لا نخفي عن سيدي أنه إذ قد فرغت الفضة ومواشي البهائم عند سيدي، لم يبق قدام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا. لماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعا؟ اشترنا وأرضنا بالخبز فنصير نحن وأرضنا عبيدا لفرعون، وأعط بذارا لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قفرا»، فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون إذ باع المصريون كل واحد حقله؛ لأن الجوع اشتد عليهم، فصارت الأرض لفرعون.
وأما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاه، إلا أن أرض الكهنة لم يشترها؛ إذ كانت للكهنة فريضة من قبل فرعون، فأكلوا فريضتهم التي أعطاهم فرعون؛ لذلك لم يبيعوا أرضهم. فقال يوسف للشعب: «إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون، هو ذا لكم بذار فتزرعون الأرض، ويكون عند الغلة أنكم تعطون خمسا لفرعون، والأربعة الأجزاء تكون لكم بذارا للحقل وطعاما لكم ولمن في بيوتكم وطعاما لأولادكم»، فقالوا: «أحييتنا، ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي فنكون عبيدا لفرعون»، فجعلها يوسف فرضا على أرض مصر إلى هذا اليوم؛ لفرعون الخمس، إلا أن أرض الكهنة وحدهم لم تصر لفرعون. وسكن إسرائيل في أرض مصر في أرض جاسان، وتملكوا فيها وأثمروا وكثروا جدا. وعاش يعقوب في أرض مصر سبع عشرة سنة، فكانت أيام يعقوب سنو حياته مائة وسبعا وأربعين سنة. ولما قربت أيام إسرائيل أن يموت دعا ابنه يوسف وقال له : «إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك، فضع يدك تحت فخذي واصنع معي معروفا وأمانة، لا تدفني في مصر، بل أضطجع مع آبائي، فتحملني من مصر وتدفنني في مقبرتهم». فقال: «أنا أفعل بحسب قولك»، فقال: «احلف لي»، فحلف له، فسجد إسرائيل على رأس السرير.
الإصحاح الثامن والأربعون
وحدث بعد هذه الأمور أنه قيل ليوسف: «هو ذا أبوك مريض»، فأخذ معه ابنيه منسى وأفرايم، فأخبر يعقوب وقيل له: «هو ذا ابنك يوسف قادم إليك»، فتشدد إسرائيل وجلس على السرير. وقال يعقوب ليوسف: «الله القادر على كل شيء ظهر لي في لوز في أرض كنعان وباركني، وقال لي: ها أنا أجعلك مثمرا وأكثرك وأجعلك جمهورا من الأمم، وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك ملكا أبديا. والآن ابناك المولودان لك في أرض مصر قبلما أتيت إليك إلى مصر هما لي، أفرايم ومنسى كرأوبين وشمعون يكونان لي، وأما أولادك الذي تلد بعدهما فيكونون لك، على اسم أخويهم يسمون في نصيبهم، وأنا حين جئت من فدان ماتت عندي راحيل في أرض كنعان في الطريق إذ بقيت مسافة من الأرض حتى آتي إلى أفراتة، فدفنتها هناك في طريق أفراتة (التي هي بيت لحم)». ورأى إسرائيل ابني يوسف فقال: «من هذان؟» فقال يوسف لأبيه: «هما ابناي اللذان أعطاني الله ههنا»، فقال: قدمهما إلي لأباركهما. وأما عينا إسرائيل فكانتا قد ثقلتا من الشيخوخة، لا يقدر أن يبصر، فقربهما إليه فقبلهما واحتضنهما. وقال إسرائيل ليوسف: «لم أكن أظن أني أرى وجهك، وهو ذا الله قد أراني نسلك أيضا.» ثم أخرجهما يوسف من بين ركبتيه وسجد أمام وجهه إلى الأرض، وأخذ يوسف الاثنين أفرايم بيمينه عن يسار إسرائيل ومنسى بيساره عن يمين إسرائيل، وقربها إليه، فمد إسرائيل يمينه ووضعها على رأس أفرايم - وهو الصغير - ويساره على رأس منسى، وضع يديه بفطنة فإن منسى كان البكر، وبارك يوسف وقال: «الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق، الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين. وليدع عليهما اسمي واسم أبوي إبراهيم وإسحاق، وليكثرا كثيرا في الأرض.» فلما رأى يوسف أن أباه وضع يده اليمنى على رأس أفرايم ساء ذلك في عينيه، فأمسك بيد أبيه لينقلها عن رأس أفرايم إلى رأس منسى، وقال يوسف لأبيه: «ليس هكذا يا أبي؛ لأن هذا هو البكر. ضع يمينك على رأسه»، فأبى أبوه وقال: «علمت يا ابني علمت! هو أيضا يكون شعبا وهو أيضا يصير كبيرا، ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه ونسله يكون جمهورا من الأمم.» وباركهما في ذلك اليوم قائلا: «بك يبارك إسرائيل قائلا: يجعلك الله كأفرايم وكمنسى»، فقدم أفرايم على منسى، وقال إسرائيل ليوسف: «ها أنا أموت، ولكن الله سيكون معكم ويردكم إلى أرض آبائكم. وأنا قد وهبت لك سهما واحدا فوق إخوتك، أخذته من يد الأموريين بسيفي وقوسي.»
الإصحاح التاسع والأربعون
ودعا يعقوب بنيه وقال: «اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام، اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، وأصغوا إلى إسرائيل أبيكم. رأوبين أنت بكري قوتي، وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز، فائرا كالماء لا تتفضل لأنك صعدت على مضجع أبيك، حينئذ دنسته، على فراشي صعد. شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما، في مجلسهما لا تدخل نفسي، بمجمعهما لا تتحد كرامتي؛ لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا وفي رضاهما عرقبا ثورا، ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما فإنه قاس، أقسمهما في يعقوب وأفرقهما في إسرائيل. يهوذا إياك يحمد إخوتك، يدك على قفا أعدائك، يسجد لك بنو أبيك. يهوذا جرو أسد، من فريسة صعدت يا ابني، جثا وربض كأسد وكلبوة، من ينهضه؟ لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب، رابطا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه، غسل بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه، مسود العينين من الخمر، ومبيض الأسنان من اللبن. زبولون عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن وجانبه عند صيدون. يساكر حمار جسيم رابض بين الحظائر، فرأى المحل أنه حسن والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدا . دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل، يكون دان حية على الطريق، أفعوانا على السبيل، يلسع عقبي الفرس، فيسقط راكبه إلى الوراء. لخلاصك انتظرت يا رب. جاد يزحمه جيشه، ولكنه يزحم مؤخره، أشير خبزه سمين وهو يعطي لذات ملوك. نفتالي أيلة مسيبة يعطي أقوالا حسنة. يوسف غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على عين، أغصان قد ارتفعت فوق حائط، فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام، ولكن ثبتت بمتانة قوسه وتشددت سواعد يديه، من يدي عزيز يعقوب من هناك من الراعي صخر إسرائيل من إله أبيك الذي يعينك، ومن القادر على كل شيء الذي يباركك تأتي بركات السماء من فوق وبركات الغمر الرابض تحت، بركات الثديين والرحم، بركات أبيك فاقت على بركات أبوي، إلى منية الأكام الدهرية تكون على رأس يوسف وعلى قمة نذير إخوته. بنيامين ذئب يفترس، في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهبا.» جميع هؤلاء هم أسباط إسرائيل الاثنا عشر، وهذا ما كلمهم به أبوهم وباركهم، كل واحد بحسب بركته باركهم، وأوصاهم وقال لهم: «أنا أنضم إلى قومي، ادفنوني عند آبائي في المغارة التي في حقل عفرون الحثي، في المغارة التي في حقل المكفيلة التي أمام ممرا في أرض كنعان التي اشتراها إبراهيم مع الحقل من عفرون الحثي ملك قبر. هناك دفنوا إبراهيم وسارة امرأته، هناك دفنوا إسحاق ورفقة امرأته، وهناك دفنت ليئة. شراء الحقل والمغارة التي فيه كان من بني حث.» ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضم إلى قومه. (2) العهد الجديد (الإنجيل): سفر أعمال الرسل
الإصحاح السابع
فقال رئيس الكهنة: «أترى هذه الأمور هكذا هي؟» فأجاب: «أيها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا، ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران، وقال له: اخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التي أريك، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران. ومن هناك نقله بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها، ولم يعطه فيها ميراثا ولا وطأة قدم، ولكن وعد أن يعطيه ملكا له ولنسله من بعده، ولم يكن له بعد ولد. وتكلم الله هكذا: أن يكون نسله متغربا في أرض غريبة فيستعبدوه ويسيئوا إليه أربعمائة سنة، والأمة التي يستعبدون لها سأدينها أنا يقول الله، وبعد ذلك يخرجون ويعبدونني في هذا المكان، وأعطاه عهد الختان، وهكذا ولد إسحاق وختنه في اليوم الثامن، وإسحاق ولد يعقوب، ويعقوب ولد رؤساء الآباء الاثني عشر، ورؤساء الآباء حسدوا يوسف وباعوه إلى مصر، وكان الله معه وأنقذه من جميع ضيقاته وأعطاه نعمة وحكمة أمام فرعون ملك مصر، فأقامه مدبرا على مصر وعلى كل بيته. ثم أتى جوع على كل أرض مصر وكنعان وضيق عظيم، فكان آباؤنا لا يجدون قوتا. ولما سمع يعقوب أن في مصر قمحا أرسل آباءنا أول مرة، وفي المرة الثانية استعرف يوسف إلى إخوته، واستعلنت عشيرة يوسف لفرعون، فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفسا، فنزل يعقوب إلى مصر ومات هو وآباؤنا، ونقلوا إلى شكيم ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم. وكما كان يقرب وقت الموعد الذي أقسم الله عليه لإبراهيم، كان الشعب ينمو ويكثر في مصر، إلى أن قام ملك آخر لم يكن يعرف يوسف، فاحتال هذا على جنسنا وأساء إلى آبائنا حتى جعلوا أطفالهم منبوذين لكي لا يعيشوا. «وفي ذلك الوقت ولد موسى، وكان جميلا جدا، فربي هذا ثلاثة أشهر في بيت أبيه. ولما نبذ اتخذته ابنة فرعون وربته لنفسها ابنا، فتهذب موسى بكل حكمة المصريين، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال. ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل، وإذ رأى واحدا مظلوما حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري، فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة، وأما هم فلم يفهموا.
وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون، فساقهم إلى السلامة قائلا: أيها الرجال أنتم إخوة، لماذا تظلمون بعضكم بعضا؟ فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلا: من أقامك رئيسا وقاضيا علينا؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري؟ فهرب موسى بسبب هذه الكلمة وصار غريبا في أرض مديان حيث ولد ابنين. ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء في لهيب نار عليقة، فلما رأى موسى ذلك تعجب من المنظر، وفيما هو يتقدم ليتطلع صار إليه صوت الرب: أنا إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، فارتعد موسى ولم يجسر أن يتطلع. فقال له الرب: اخلع نعل رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة، إني رأيت مشقة شعبي الذين في مصر، وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم، فهلم الآن أرسلك إلى مصر». هذا موسى الذي أنكروه قائلين: من أقامك رئيسا وقاضيا؟ هذا أرسله الله رئيسا وفاديا بيد الملاك الذي ظهر له في العليقة، هذا أخرجهم صانعا عجائب وآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية أربعين سنة. «هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون. هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء ومع آبائنا. الذي قبل أقوالا حية ليعطينا إياها، الذي لم يشأ آباؤنا أن يكونوا طائعين له، بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر قائلين لهارون: اعمل لنا آلهة تتقدم أمامنا؛ لأن هذا موسى الذي أخرجنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه، فعملوا عجلا في تلك الأيام، وأصعدوا ذبيحة للصنم وفرحوا بأعمال أيديهم، فرجع الله وأسلمهم ليعبدوا جند السماء كما هو مكتوب في كتاب الأنبياء: هل قربتم لي ذبائح وقرابين أربعين سنة في البرية يا بيت إسرائيل؟ بل حملتم خيمة مولوك ونجم إلهكم رمفان التماثيل التي صنعتموها لتسجدوا لها، فأنقلكم إلى ما وراء بابل.» وأما خيمة الشهادة فكانت مع آبائنا في البرية كما أمر الذي كلم موسى أن يعملها على المثال الذي كان قد رآه، التي أدخلها أيضا آباؤنا إذ تخلفوا عليها مع يشوع في ملك الأمم الذين طردهم الله من وجه آبائنا إلى أيام داود الذي وجد نعمة أمام الله، والتمس أن يجد مسكنا لإله يعقوب، ولكن سليمان بنى له بيتا، لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي كما يقول النبي: السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدمي. أي بيت تبنون لي يقول الرب وأي هو مكان راحتي؟ أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها؟ يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان، أنتم دائما تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم. أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم، وقد قتلوا الذين سبقوا، فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه، الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه؟»
فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه. وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله، فقال: «ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائما عن يمين الله»، فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة وأخرجوه خارج المدينة ورجموه، والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول، فكانوا يرجمون أستفانوس وهو يدعو ويقول: «أيها الرب يسوع اقبل روحي»، ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: «يا رب لا تقم لهم هذه الخطية»، وإذ قال هذا رقد. (3) القرآن الكريم: سورة يوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
الر تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين * إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين * قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين * وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم * لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين * قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين * قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون * قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون * فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون * وجاءوا أباهم عشاء يبكون * قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون * وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون * وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين * وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين * وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم * قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين * وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان * وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين * وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون * وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم * قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين * ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم * وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين * قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين * ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون * وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون * ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين * فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون * وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون * فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل * وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم * قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون * فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين * ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون * قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون * فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين * قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين * ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم * فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون * وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون * قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين * وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون * حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين * لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
Página desconocida