هذه الأشواك في الأماكن البعيدة عن التقدم والعمران، ويبتعدون عن مواطن العلم ومراكز التثقيف.
أما شيخنا الغبريني، الذي وقع تحت رهبة التقديس، شأنه شأن الكثيرين من رجالات الدين القدماء في العالم الإسلامي، الذين جنت عليهم شطحاتهم إلى حد الاغراق والمبالغه، التي يحانبها الإبداع الفكري، فإنه لم يكتف بسرد وتسجيل القصص التي اعتقد أنها حدثت في عصره، إنما عاد إلى الكتب القديمة المحشوة بمثا هذه القصص، ونقل مجموعة منها ثم جعل واحدة ذيلا لقصة من قصص بعض شيوخه، كأنه يقول لقارئه- وقد رأى عليه ملامح الشك- إن لم تصدق الحاضر فدونك حكايات من الماضي، أو بمعنى آخر، أراد- وهو الخبير بشؤون القضاء- أن يكثر من الأدلة والبينات التي تؤيد وجهة نظره، ويجعل منها حجة قوية في يده ضد خصمه الذي لا يؤمن بصحة مثل هذه القصص والحكايات ولا يصدقها؛ فسجلها في كتابه.
أسلوبه:
لا نعتقد أن الغبريني ترك من المؤلفات غير "عنوان الدراية" فلا هو نفسه ولا الذين ترجموا له أو أرخوا لعصره، ذكروا غير هذا الكتاب. ولذا نستطيع أن نحكم على أسلوبه النثري من خلال مضمون كتابه الوحيد.
تأثر الغبريني تأثرا قويا بالسجع، فلازمه في كتابه من عنوان الكتاب نفسه إلى آخر سطر من سطور صفحاته. كما أنه أغرم بالجمل القصيرة والتزيينات اللفظية. فعمد في كل ترجماته إلى صيغ وعبارات تكاد تكون واحدة في الأسلوب. فعبارة " الفقيه المجتهد المحصل المتقن" مثلا، وكذلك عبارة "الفقيه الصالح الزاهد الورع" نجدها وصفا أطلقه المؤلف على المترجم لهم دون تمييز أو تفريق بين أديب وشاعر ومحدث ومؤرخ، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذ من غير المعقول، أن يكون جميع الأشخاص على مستوى واحد في المعلومات
1 / 12