الرجل من إحاطة واسعة بثفافة وعلوم عصره، إلا أنه قد تأثر إلى حد كبير بسلوك فئة قليل من شيوخه من الزهاد والمتصوفين، المؤمنين بقدرة قيام بعض الناس بعمل المعجزات والخوارق، فآمن مثلهم وسلك سبيلهم، ثم عمد إلى تسجيل ما سمع منهم من قصص لا يقبلها عقل، ضمن إطار من التهليل والتكبير، بالاضافة إلى توبيخ المعرضين عنها والمنكرين لها وانذارهم بسوء العاقبة والمصير في الحياة الدنيا والآخرة.
وإذا علمنا أن الغبريني ألف معظم كتابه في السنوات الأخيرة من حياته، وبعد أن، سلك طريق اليأس من مداخلة الناس، أدركنا مدى أثر بعض هؤلاء الشيوخ في نفسه وعلى تفكيره وحياته .. ولعل قوله- بعد ان سرد قصة من هذه القصص- "وقد يقع في هذا انكار من ملحد لا علم له، وحقه الإعراض عنه وعدم الالتفات إليه، وإن زاد فيصفع في وجهه عوضا عن قفاه، كما جمع الله له الخزي في أولاه وآخراه" (١). لعل هذا القول أصدق برهان على صحة ما ذكرناه.
وهذه اللوحة البسيطة التي رسمناها لفترة من حياة الغبريني، تنطبق على غيره أيضا، فالرجل لم يكن أول المؤلفين في هذا الميدان. إنما سبقه بعض من ترجم لشيوخه وأتى على ذكر مثل هذه القصص والدعوة إلى تصديقها والايمان بها. ثم جاء بعده آخرون وساروا على نفس الطريق. ولا أكون مغاليا إذا قلت: أن في العالم الإسلامي وفي يوم الناس هذا، يوجد من يكتب مثل هذه القصص في مؤلفاته، إلا أننا نؤمن، أن هؤلاء المعاصرين الذين يقومون بهذا العمل، لا يقومون به عن إيمان خالص أو لوجه الله والوطن، إنما عن قصد سيء ونية خبيثة، ولوجه غير وجه الله والوطن. وهم يعلمون أن الإنسان العربي في هذا العصر، مهما كان مذهبه أو دينه الذي ينضوي تحت لوائه، يفحص ويحلل ويقارن دون أن تتغلب عليه رهبة التقديس، وأنه لا يستطيع تصديق مثل هذه القصص أو قبول نظرتها للحياة والفكر والوجود. ولذلك نجدهم يزرعون
_________
(١) راجع الترجمة رقم ٥
1 / 11