وكان مسعود بن سلطان الرياحي المعروف بمسعود البلطي، وفد على أمير المؤمنين من هذه البلاد، وكانت له عنده مزية، وكان يحضر معه أكثر الأوقات في الخلوات. قال: فدخلت عليه يوما فوجدته مغتما وقد ظهر التغير في وجهه، فقلت له يا سيدي يا أمير المؤمنين ما الذي أهمكم لا أهمكم الله؟ فقال لي أن كاتب سرنا فلانا قد مات، وقد احتجنا إلى من نقيمه مقامه وما وجدنا، لأنه يحتاج في كاتب السر أن يكون على صفة كذا وعلى نعت كذا. فقلت له بشراك يا سيدنا يا أمير المؤمنين، هذا الرجل ببجاية أبو الفضل ابن محشرة، ووصف له من صفاته ما وقع منه موقع القبول، فكتب إليه أمير المؤمنين من حينه، وأمر والي بجاية أن يحتفى به ويحمله خير محمل، فلم يمكنه بعد وصول الأمر إلا طاعة أمير المؤمنين ولم يمكنه التخلف، ولما وصل إلى حضرة مراكش ومثل بين يدي الخليفة رأى من حسن سيمته وروائه ووقاره، ما أغناه عن اختباره، فأكرم نزله، ورفع منزلته ومحله، ولما وقع الاطلاع على ما عنده من فنون العلم علم أن الكتابة التي وقع الاستدعاء بسببها إنما هي بعض صفاته، وإحدى آلاته وأدواته. وكان عادته إنه إذا وجه إليه أمير المؤمنين ليأتي محله، يتأنى ويتربص، ويأتي على التؤدة والتأني والوقار وإصلاح الهيئة واستكمال الزينة، ولم يزل ذلك دأبه إلى أن وشى به عند الملك من غص منه، فقال إنه لا يأتي إلا على قعود عن الخليفة، وقال ما شاء الله أن يقول. فوقع في نفس الملك من ذلك شيء، فاستدعاه واعجله، فتأنى وجرى على عادته، ولما حضر بين يديه عاتبه وقال له: يا فقيه كثيرا ما تبطئ علينا إذا استدعيناك فما هذا منك؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أنت إمام المسلمين، وما أحسب أن محل الإمامة إلا كمحل الصلاة، فكما آتي إلى الصلاة آتي إلى هذا المحل، وقد قال رسول الله ﷺ: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون واتوها تمشون وعليكم السكينة، فما
1 / 54