ولنشرع في ذم الرأي فنقول وبالله التوفيق * (فصل) * شريف في بيان الذم من الأئمة المجتهدين للقول في دين الله تعالى بالرأي لا سيما الإمام أبو حنيفة اعلم أنني إنما قدمت هذا الفصل على ما بعده من الجمع بين الأحاديث والأقوال لأنبه طالب العلم على شدة تبري جميع المجتهدين من القول في دين الله بالرأي ليقبل على العمل بجميع أقوال الأئمة المجتهدين بطيب نفس وانشراح صدر على حكم مرتبتي الميزان فإن أقوالهم كلها لا تخرج عن مرتبتي الميزان وتخفيف وتشديد وقد كان الأئمة المجتهدون كلهم يحثون أصحابهم على العمل بظاهر الكتاب والسنة ويقولون إذا رأيتم كلامنا يخالف ظاهر الكتاب والسنة فاعملوا بالكتاب والسنة واضربوا بكلامنا الحائط ا ه وإنما قالوا ذلك احتياطا للأمة وأدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يزيد أحدهم في شريعته صلى الله عليه وسلم شيئا لم يرده ولم يرضه وخوفا أن يكتب أحدهم من جملة الأئمة المضلين إذا زاد في الشريعة شيئا مما ذكر فإن قلت فما حد القول الذي لا يرضاه الله ورسوله فالجواب حده أن يخرج عن قواعد الشريعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل ما شهدت له الشريعة بالصحة وموافقة القواعد فهو معدود من الشريعة وإن لم يصرح به الشارع وعبارة البيهقي في باب القضاء من سننه الكبرى اعلم أن الرأي المذموم هو كل ما لا يكون مشبها بأصل قال وعلى ذلك يحمل كل ما جاء في ذم الرأي ا ه إذا علمت ذلك فاعلم أن الشريعة منقسمة على ثلاثة أقسام الأول ما أتى به الوحي من الأحاديث مثل حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ومثل حديث لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ومثل حديث لا يحرم في الرضاعة المصة ولا المصتان ومثل حديث الدية على العاقلة وما جرى مجرى ذلك من الأصول الثابتة في الشريعة فإنه كالقرآن من حيث انعقاد الاجماع على عدم مخالفته القسم الثاني ما أباح الحق تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسنه على رأيه هو على وجه الارشاد لأمته كتحريم لبس الحرير على الرجال وقوله في حديث تحريم مكة إلا الإذخر حين قال له عمه العباس إلا الإذخر يا رسول الله ولولا أن الله تعالى كان يحرم جميع نبات الحرم لم يستثن صلى الله عليه وسلم الإذخر لما سأله عمه العباس في ذلك ونحو حديث لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل ونحو حديث لو قلت نعم لوجبت ولم تستطيعوا في جواب هن قال له في فريضة الحج أكل عام يا رسول الله قال لا ولو قلت نعم لوجبت الحديث وقد كان صلى الله عليه وسلم يخفف على أمته حسب طاقته وينهاهم عن كثرة السؤال ويقول اتركوني ما تركتكم خوفا من كثرة تنزل الأحكام عن سؤالهم فيعجزون عن القيام بها القسم الثالث ما جعله الشارع فضيلة لأمته وتأديبا لهم فإن فعلوه حازوا الفضيلة وإن تركوه فلا حرج عليهم وذلك كنهيه صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكأمره بالمسح على الخفين بدلا عن غسل الرجلين وكنهيه النساء عن زيارة القبور وعن لبس الحرير ومعلوم أن السنة فاضية على الكتاب ولا عكس من حيث إنها بيان لما أجمل في القرآن كما أن الأئمة المجتهدين هم الذين بينوا لنا ما في السنة من الاجمال كما أن أتباع المجتهدين هم المبينون لنا ما أجمل في كلام المجتهدين وهكذا إلى يوم القيامة وسمعت
Página 52