وحين عاودا امتطاء حصانيهما وجدا المسير في قطع الروابي والسهول المحيطة بنجد، أكمل أبو زيد ليونس مطلعا إياه على الكيفية التي صاحبت قتله لشقيقي العالية بنت جابر بالهند وسرنديب.
لقد وصل الشره بأولهما وهو الأمير عقيل للحصول على كنوز الأسلاب والسبي التي وقعت في أيدي الهلالية مما تزخر به قصور الهند والتركستان من ثمين الجواهر وعروش ملوكها ومهراجاتها وأمرائها، من أطنان الذهب وغالي الأحجار الكريمة من ياقوت وبلخش وزمرد وأكداس المال والسيوف المهندة؛ فاندفع بأقصى طاقات شرهه يطالب أبا زيد بحراستها مع «البوش» ومؤن الحرب والأسرى.
حتى إذا ما حقق له أبو زيد مبتغاه لم يصن الأمانة وحاول في صباح أحد الأيام الهرب بما استطاعت كتائبه حمله والفرار.
وما إن تواترت الأخبار إلى أبي زيد بفعلته حتى جد السير في أثره برا وبحرا، إلى أن تمكن من إيقاعه وكتائبه في الأسر. هنا لم يكتف عقيل بما حدث، بل شهر سيفه في وجه أبي زيد محاولا طعنه من الخلف، فما كان من أبي زيد إلا أن نازله وقطع رأسه، ليصبح عبرة لمن تسول له نفسه من زعماء القبائل المتحالفة نهب أموال الهلالية دون حق.
أما الأخ الثاني - الأصغر - زيد، فقد رفض الواقعة من أساسها، محاولا إثارة الفتن الجانبية والإنقاص من قدر أبي زيد جهارا، متهما إياه - أي أبي زيد - بأنه مجرد عبد بني الزحلان الذميم ليس إلا، إلى أن تسلل ذات ليلة محاولا الانتقام لأخيه الأكبر الأمير عقيل، والتوصل إلى مضارب أبي زيد واغتياله، وبالطبع استيقظ أبو زيد مع لحظة إطباقه عليه، فهب من فراشه قافزا إلى حسامه ونازله على مرأى من حراسه الغاضبين بعد أن حال بينهم وبين قتله سوى بالمنازلة وجها لوجه في تلك الليلة الحالكة الظلمة إلى أن تمكن منه أبو زيد فقتله.
وأنهى أبو زيد كلامه ليونس بأن ذلك ما حدث.
وطمأنه يونس قائلا: تخطاك العيب يا خال أبو زيد.
إلا أن يونس أعاد سؤاله له: لكن، هل تعرفها؟ - تقصد الأميرة العالية؟ - نعم. - لم أرها قبل اختفائي البتة. - لكنك أدركت ما بها. - لا أعرف يا يونس، كل ما أعرفه هو عيناها اللتان أشهرتهما في وجهي كمثل حدي نصل، هنا اعترتني أقصى لحظات الخجل المحمل بالذنب الذي دفع بي دفعا إلى الاختباء عدوا إلى قلعة يثرب.
وحين أشرفا على سهول نجد المرية، واصل يونس هزله لأبي زيد منبهرا من أصالته وعمق مشاعره، وهو الذي لم تقهره أعتى الجيوش المدججة لكن قهرته امرأة، قائلا: إنه الحب يا خال. •••
ما إن وقعت عينا السلطان حسن بن سرحان على ابنه الأمير يونس مقبلا وحده عليه وعلى من معه، حتى هب من فوره لاستقباله متلهفا سائلا في حدة: أين الأمير أبو زيد؟
Página desconocida