وجاء فارس تحالف عرب جنوب الجزيرة القحطانيين دياب بن غانم الزغبي ووالده الضرير الأمير غانم، الذي كلت عيناه إلى حد فقدان النظر الكامل ليشارك في العزاء ويلتقي بابنته «نوفلة» لوجه السلطان حسن الصديق الحميم لأبي زيد الهلالي.
وأقام دياب بن غانم الدنيا وأقعدها حين لم يجد أبا زيد الهلالي في استقباله، وحين ألح في سؤال السلطان حسن وابنه الأكبر يونس ولم يجد جوابا، استبد به الضيق الذي أفصحت عنه أساريره القاسية الملامح: - أين أبو زيد؟!
ومن جديد واصل السلطان حسن إرسال فرسانه وأبنائه وعيونه في كل مكان بحثا عن أبي زيد الذي بدا كما لو أن الأرض عن آخرها انشقت وابتلعته دون أثر، منذ أن لامست يده يد الأميرة العالية (بنت جابر) مترجلة عن هودجها الذي أقلها من وادي الحجاز.
غيرة الجازية من حب العالية وأبي زيد
هكذا وجد فارس الهلالية أبو زيد نفسه بين لحظة وما أعقبها ينبض قلبه بلا هوادة أو توقف بحب العالية بنت جابر، وهو الذي منذ بضع سنوات فقط ليست بالبعيدة قطع بحسامه - المهند - رأس شقيقيها الأميرين عقيل وزيد، حين اشتد به الغضب ووصل به الهياج من جشعهما وتسلطهما حين تفتحت عيونهما على أسلاب الهلالية من كنوز أكاسرة الهند وسرنديب وعروشهم وثرواتهم.
وصل به الغضب والغيرة دفاعا عن حقوق المجاهدين من معدمين ومعوزين وجرحى وأسرى وشهداء، إلى حد التهديد بغزو مضارب الأمير الأكبر «جابر» ذاته واستباحتها.
إلا أن العالية بصائب بصيرتها تمكنت منذ أن تصافحا داخل معازي الحريم من أن تضمد له غائر جرحه الدفين الذي عاناه أبو زيد وحده السنين الطوال، وهو أن يرفع سلاحه يوما ليشهره في ذات - قبائله - جسده كمثل رجل ينتحر ...
تمكنت العالية بعمق مشاعرها من تجفيف دماء إحساسه الدفين بالذنب والإدانة، وعفا الله عما سلف، فيبدو أنه كان محقا فيما أقدمت عليه ذراعه الضاربة في عنقي فارسين من أخلص فرسان الهلالية وأقدرها على المنازلة سوى من هفوة الجشع المفضي إلى التسلط، حتى إذا ما انتهت جلستهما القصيرة المؤثرة وعاد أبو زيد متخذا طريقه إلى ديوان السلطان حسن والرجال معتذرا مرحبا رواده من فورة الإحساس الذي عرفه كثيرا عقب فك قيود الأسر وانتزاع سلاسل الإدانة، فاستراحت عضلات وجهه وعاد استرخاؤها وحبورها على مشهد من عيون الجميع وأولهم صديقه وموضع سره المقرب الأمير الشاب يونس.
فكان يونس هو الوحيد الذي استنجد به السلطان ليعود إليه برقبة أبي زيد، فهو الوحيد الذي يعرف مكمنه.
هنا اعتلى يونس جواده قاطعا السهول والوديان إلى أن تسلل وهو يغوص سراديب وزوايا ذلك الحصن الذي غيبت السنون والعصور معالمه وأبهاءه حتى توقف عند رأس أبي زيد الهلالي الذي هب من إغفاءته، كما لو كان يعاود الإطلال على عالم غريب غير مألوف هاتفا: يونس.
Página desconocida