التكريم لأن الشيخ من رواد إحسانها الدائمين، ونور الله لأنه ينبثق أول ما ينبثق من الكتاب.
غير أن عزت تساءل في توجس: أليست الحديقة أفضل؟
فمسحت على رأسه براحتها وقالت: للرجولة أحكام.
وتذكر عزت جماعات الصبيان والبنات وهم يغادرون الكتاب في العصاري. لا تفصح وجوههم عن سعادة بما جاءوا منه، ولا رضا عن شيخه القزم المشوه. ورمقها بنظرة حائرة فقالت: يحب الكتاب الأولاد الصالحون، في الكتاب نتعلم، ولا احترام لإنسان بغير العلم، واحترام الشيخ واجب كاحترام الأم. إياك وأن تسول لك نفسك الضحك منه؛ فذلك حرام، والله لا يغفره لعبد.
إنه يتذكر الشيخ العزيزي، فصورته الغريبة ماثلة في كل ذاكرة، قزم مقوس الساقين أقعس الصدر، صغير القسمات كطفل، يتمايل في مشيته من جنب إلى جنب متوكئا على عصا قصيرة طولها ذراع أو دون ذلك، كأنه لعبة مما تعرض في الموالد، وهيهات أن ينسى أنه رآه في يوم ممطر وقد حمله فاعل خير على كتفه ليعبر به الطريق. - أوصيك بصفة خاصة باحترام الشيخ.
وكررت ذلك بصوت واضح؛ فشعر بنذير الفراق، وبالتوجس من تجربة مجهولة.
واستطردت وهي تحد من نظرة عينيها الجميلتين: واسلك مع البنات السلوك الذي يرضي الله!
فتخايلت لعينيه الخميلة تحت ستار الليل فتورد وجهه وتحرك رأسه ارتباكا، فتمتمت بلطف: عن الماضي قد قبل الله توبتك. •••
وحينما تلقى الشيخ العزيزي الخبر في حجرة الاستقبال - وهو يجلس على حافة مقعد مدلى الساقين فوق سطح الأرض بشبرين - تهلل وجهه وقال: طالما انتظرت هذا اليوم لعلي أرد جزءا من ألف جزء من جميلك.
لكن عزت حين تربع في الصف الأول - فوق الحصيرة - أمام سدة الشيخ بدا هذا شخصا آخر، لا رحب به ولا شجعه بابتسامة وكأنه لم يره ولم يسمع به. عجب أيضا للنظرة الثلجية التي تستقر في محجريه، والصرامة التي تكسو وجهه الصغير، على حين جلس الصغار والصغيرات في صمت تلفهم رهبة وتتحكم فيهم قوة مجهولة. أين اللعبة التي تتابعها الأعين في الطريق بعطف وسخرية؟ إنه الآن يتسلطن في مملكته، يمارس قوة غير محدودة، الجريدة منطرحة جنبه تهدد أيادي وأقدام المتمردين. أيقن عزت أنه أسير، بلا دفاع ولا امتياز، يسري عليه ما يسري على الآخرين، وأضمر ألا يتكرر حضوره مرة أخرى. ولمح سيدة في نهاية الصف، تلاقت عيناهما لحظة فيما يشبه ابتسامة ثم سرعان ما تجاهلته. ضايقه جو المساواة المخيم على المجلس، الجميع سواسية فوق حصيرة واحدة، تخلت عنه الامتيازات التي ينعم بها في أي مكان باعتباره ابن الست عين وربيب الدار الفاخرة. إنه وضع جديد لا يحتمل، ولعل أمه لا تدري عنه شيئا. ولمح لصق سيدة بنتا تماثلها في العمر لم يرها من قبل. شدت عينيه بقوة، لها وجه ثري مستدير وعينان سوداوان منعشتان؛ تركت في نفسه أثرا قويا وبهيجا لطف ألمه وأنساه حزنه. ترى في أي موقع من الحارة تعيش؟ هذه العصفورة التي أقصيت قسرا عن غصنها. إنها البنت التي خطفتها الغولة فغامر ابن السلطان بإنقاذها. ما أعذب صوتها وهي تردد وراء صوت الشيخ الرفيع
Página desconocida