49

وقيل في قوله : ( ممن أسلم وجهه ) [النساء : 125] أي : أعتق وجهه عن عبودية غيره ، وهو محسن آداب العبودية ، فله أجره عند ربه ، دوام المعونة إليه من رضاه ، ولا خوف عليهم من فوت حظهم من الحق ولا هم يحزنون ؛ بأن يشغلهم عنه بالجنة.

قال ابن عطاء : من جعل طريقه ووجهه ومراده وقصده وتدبيره لله ، فلا يبقي له وجه إلا إليه ، ولا يكون إلا عليه ، وهو محسن.

قال : يري الحق بسره ، ويشاهده بحقائق معرفته ، ويطالعه بمعاني إخلاصه.

قال عبد العزيز المكي : في هذه الآية حال مخلص في عمله ، هائب عن ربه.

وقال أيضا : من أخلص قلبه لله محبة ، ( وهو محسن ) أي : كامل في محبته ، وبالغ في مودته.

( فأينما تولوا فثم وجه الله ) أي : فأينما تولوا بعيون الأسرار ، فثم مكاشفة الأنوار.

وأيضا أشار بهذه الآية إلى مشاهدة المشهود في الشواهد ، كما كشف خليله حيث قال : هذا ربي ، إذا نظر في دائرة الكون ، وفهم هذه الآية ، أنه من نظر بعين العقل فقبلته الآيات ، ومن نظر بعين الروح فقبلته الصفات.

وقال ابن منصور : وجهه حيث توجهت ، وفقده أين فقدت.

فقال بعضهم : القصد إليه توجهك ، والطريقة إليه استقامتك منك بفهمك ، وعنك بعلمك ، ارتبط كل شيء بضده ، وانفرد بنفسه.

( بديع السماوات والأرض ) أي : خلق السماوات والأرض ، وألبسهما من لباس سنا عزه ؛ حتى تسكن قلوب أحبائه ، بالنظر إلى مشاهدة الصانع في المصنوعات.

( وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون (118))

وقال بعضهم : علة لكل صنع صنعه ، ولا علة لكل صنع صنعه ، ولا علة لصنعه ، وليس لكأنه كان ؛ لأنه قبل الكون والكان ، وأوجد الأكوان ، بقوله : ( كن ).

( وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله ): لم يسمعوا كلام الله من داخل قلوبهم ، فثقلت أسماعهم من وقر الضلال.

وأيضا ظنوا أنهم من أهل المخاطبة ، وجهلوا مقام المشاهدة ، وقد أخطئوا فيما ظنوا ؛ لأنهم لا يطيقون رؤية الوسائط ، أعنى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فهم خطابه ، فإذا كان الأمر كذلك كيف يسمعون صرف الخطاب من حضرة الكمال.

Página 59