Carais Bayan
عرائس البيان في حقائق القرآن
Géneros
خلقه رحمة على أوليائه ، وحجة على أعدائه ، فهم الدعاة إلى الله بالحكمة والموعظة ، مبشرين عباده جزيل الثواب ، ومنذرين أليم العقاب ، ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [النساء : 165] إذ لو شاء لهداهم أجمعين.
قال الواسطي : اصطفاهم للولاية ، وقال أيضا : واصطفاهم في أزليته ، وصفاهم لقربه ، وصافاهم لمودته.
وقال أيضا : اصطفاء في الأزل قبل كونه ، أعلم بهذا خلقه أن عصيان آدم لا يؤثر في اصطفائيته له ؛ لأنه سبق العصيان مع علم الحق بما يكون منه.
وقال أيضا : اصطفى الأنبياء للمشاهدة والتقريب ، واصطفى المؤمنين للمطالعة والتهذيب ، واصطفى العالم للمخاطبة والترتيب.
وقال النصر آبادي : إذا نظرت إلى آدم عليه السلام بصفته لقيته ، بقوله : ( وعصى آدم ربه ) وإذا لقيته بصفة الحق لقيته ، بقوله : ( إن الله اصطفى آدم ) وماذا يؤثر العصيان في الاصطفاء.
وقال الواسطي : الاصطفائية قائم بالحق ، والمعصية إظهار البشرية وتوبة أعجب لأنه من نفسه إلى نفسه رجع.
( إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36) فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (37) هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38))
قوله تعالى : ( إني نذرت لك ما في بطني محررا ) أي : حرا عن رق النفس ، مقدسا عن مس الشيطان ، صافيا لك عما سواك ، مخلصا في مودتك ، صادقا في طاعتك ، موافقا لخدمة أوليائك ، وأيضا حرا في مقام مشاهدتك عن الاشتغال بخدمتك ليكون لك خالصا في حظ الربوبية ، وأيضا حرا في مقام عبوديتك بنعت محبتك ، منفردا عن الاشتغال بالجنة والنار حتى يكون في عبادتك لك مفردا عن الالتفات إلى شيء غيرك ، وأيضا أيقنت أسرار باطنها وقوع الأنثى ، وإن لم يعلمها بنص العقل ، فقالت : أحررت لك ؛ لأنها موقع كلمتك يعني عيسى عليه السلام
Página 144