Árabes de este tiempo: una nación sin dueño
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Géneros
ولا فرق في ذلك بين الاقتصاد والسياسة، بين المحكوم والحاكم؛ فإذا ما سقطت شرعية الحاكم لتبعيته للخارج، وصلحه وتطبيعه مع المحتل، وقهره في الداخل، وسلبيته أمام الفساد ابتداء من الحاشية حتى المجتمع الكبير، فإنه يستعمل شرعية الدين. يحضر احتفالات توزيع الجوائز على الفائزين في مسابقات تحفيظ القرآن الكريم، ويتصدر الاحتفالات بالأعياد والموالد الدينية. يلبس ملابس الإحرام، والزبيبة على الرأس، والعصا في اليد، والدعاء على اللسان، وتسبيل العينين تقوى وخشوعا. وبعضهم يأخذ لقب «أمير المؤمنين»، «خادم الحرمين»، «الرئيس المؤمن»، «خامس الخلفاء الراشدين»، أو «آخر فراعنة مصر»، كما تأخذ حرمه لقب «ملكة مصر» بدلا من «السيدة الأولى». يختلط الديني بالدنيوي، وتتداخل السلفية مع العلمانية. والغاية إيجاد شرعية للرئيس ولنظام غير شرعي.
والعجيب أنه في مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي يزدهر القطاع الخاص على حساب القطاع العام بدعوى العولمة، وفي نفس الوقت تزداد الحمية الدينية والتمسك بالمحافظة الإسلامية. كل منهما يغذي الآخر ويدعمه. الدين كغطاء شرعي للربح، والربح كغطاء شرعي للدين. كلاهما من عند الله ؛ فالله هو الهادي والموفق، وهو الرازق والعاطي. وما من مولود يولد إلا ورزقه معه. وفي الأمثال العامية: «المتعوس متعوس ولو علقوا على راسه فانوس»، «يا متعوس غير رزقك ما تحوش».
وفي مصر أيضا عديد من الأمثال العامية التي تدحض هذا التداخل بين الدين والتجارة: «اللي عايزه البيت يحرم على الجامع.» فالحياة لها الأولوية المطلقة على الدين، «خذ من كلام الشيخ ولا تأخذ من أفعاله.» لأن كلامه مجرد غطاء شرعي لأفعال مناقضة للأقوال. الدين والمصلحة الشخصية متداخلان؛ فإذا بال الكلب على حائط الجار عليه أن يهدمه ويبنيه سبع مرات، وإذا كان الحائط هو حائط الشيخ فقليل من الماء يطهره.
نقد الوعظ الديني
يبلغ الوعظ الديني ذروته في شهر رمضان. وقد مر نصفه الأول، وبدأ نصفه الثاني. وهو وقت مراجعة النفس والفكر وتقديم الحساب. ما الذي جنيناه على مستوى الوعي الديني، وهو أساسا الوعي بالحياة وبالواقع وبالتاريخ؟ ما الجديد بالنسبة لما قيل في الأعوام الماضية، وربما ما سيقال في الأعوام القادمة؟ أليست مجرد خطب ووصايا ومواعظ نمطية «رمضانية» عن فائدة الصيام وأركانه، والتي تمتلئ بها أيضا صفحات الفكر الديني وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، والتي يعرفها الأطفال والتلاميذ في المدارس والأبناء في المنازل؟ هل يؤدي الوعظ الديني وظيفته أم إنه أصبح حرفة يتكسب بها الوعاظ والدعاة كما يتكسب بقراءة القرآن على المقابر بدعوى طلب الرحمة على الموتى؟
الوعظ الديني نشاط ذهني ونفسي على مستوى الكلام وليس الفعل، باللسان وليس باليد. في حين أن الفعل يتطلب السكوت، «واستعينوا على قضاء حاجتكم بالكتمان». وكتب الفقهاء مثل ابن أبي الدنيا عن آفة الكلام وفضيلة الصمت. والصمت عند الصوفية لغة أبلغ من الكلام، غايته التأثير في السامعين، واستجداء استحسانهم وتصفيقهم وتهليلهم وتكبيرهم. يقوم الخطاب الوعظي على جماليات اللغة وفنون الإلقاء وكل صنوف المحسنات البديعية، خاصة التشبيهات والمجازات والاستعارات وضرب الأمثال. هو عالم مستقل بذاته لا يشير إلى عالم آخر خارج نطاق اللغة وسحرها وبلاغتها في ثقافة الشعر قلبها، والقرآن مركزها لدرجة اتهام بعض المستشرقين لها بأنها ثقافة صوتية، مع أنه فنون السمع أقرب إلى القلب وأعمق وأكثر قدرة على التعبير عند هيجل من فنون الصورة والشكل.
وهو خطاب مناسبات في الأعياد والموالد، وفي المآتم والأفراح على المقابر وأمام العروسين في عقد القران. وقد استمعنا إلى كثير منه على موائد الإفطار الرسمية في رمضان التي تقيمها المؤسسات والهيئات من كبار الدعاة ورؤساء الطوائف بملابسهم وألوانها الزاهية، وكأننا في سوق عكاظ ومهرجانات الشعر والخطابة.
أصبح الوعظ الديني حرفة لها رجالها وخطباؤها ومدارسها ومعاهدها الرسمية والأهلية. الوعظ صناعة بتعبير القدماء، تخصص فيها مشايخ الفضاء بملابسهم الفضفاضة البيضاء، وذقونهم الطويلة السوداء، وملامح الوجه المليح، والعيون التي يشع منها بريق الإيمان، والشباب الصبوح القادر على سحر النساء، والدخول إلى القلب مباشرة عن طريق الإيمان الذي يحتاج إليه الناس بعد أن تم بيع كل شيء والتجارة بكل شيء. وأصبحت القلوب فارغة من أي ولاء، والنفوس شاغرة من أي مبدأ أو قضية. وفي ذلك يتنافس مشايخ الفضاء نجوم الفن وأساطين الغناء. كلاهما طرب، طرب القلوب في الوعظ الدين، وطرب النفوس في الفن والغناء. وتحولت شخصية الواعظ إلى شخصية رئيسية في الأعمال الدرامية، في الرواية والقصة والمسرح والسينما مثل مشاهير النجوم
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (المطففين: 26).
والوعظ المرئي جزء من فن التمثيل والإلقاء بالإضافة إلى الأزياء والماكياج. هناك الأضواء والأصوات والأثاث وكل عناصر الإخراج في العمل الفني؛ حتى يصبح الوعظ فنا متكاملا من المقدمة الموسيقية أو التلاوة القرآنية الأولى حتى الابتهالات والدعوات والصلوات والبكائيات الأخيرة. وتضاف إلى فنون الإخراج فنون التمثيل ولغة الجسد والحركة، وهز الكتفين، ورفع الحاجبين، وطريقة الجلوس على كرسي الوعظ المرتفع، والمستمعون أمامه يستحسنون الإلقاء، لا فرق بين المغني والواعظ، كلاهما منشد، أو بالتعبير الشعبي «صييت».
Página desconocida