يذكر عَن الْأسود الحبشي أَنه كَانَ يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَقيل لَهُ مَا هَذَا الِالْتِفَات قَالَ انْظُر ملك الْمَوْت من أَيْن يأتيني وَأنْشد بَعضهم من كلمة
وألبس لهَذَا الْمَوْت جُبَّة خَائِف ... قد ضَاقَ عَنهُ مَسْلَك ومقام
لَا نأمنن عَلَيْك من إقدامه ... فَلهُ على هَذَا الورى إقدام
وأكحل جفونك بالرقاد لأَجله ... فالسهد حل والمنام حرَام
إِلَّا غرارا كالغذاء تناله ... لَوْلَا الضَّرُورَة مَا وجدت تنام
وَمن الْعَجَائِب أَن ترَاهُ نَائِما ... من طالبوه ساهرون ينَام
وَكَانَ بعض الصَّالِحين يَقُول مَا أحسبني إِلَّا رجلا قد أقعد ليقْتل وجرد السَّيْف عَلَيْهِ ومدت عُنُقه فَهُوَ ينْتَظر أَن يضْرب فَيلقى رَأسه بَين يَدَيْهِ فشتان مَا بَين الرجلَيْن
وَآخر قد مد فِي عمره وَطول فِي أمله فازداد فِي كسله وَدخل الوهن فِي عمله
وَرجل آخر قد جعل التَّقْوَى بضاعته وَالْعِبَادَة صناعته وَلم يتَجَاوَز بأمله سَاعَته بل جعل الْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ ومثالا قَائِما بَين يَدَيْهِ وسيفا مُصْلِتًا عَلَيْهِ فَهُوَ مرتقب لَهُ مستعد لنزوله لَا يشْغلهُ عَن ارتقابه شاغل وَلَا يصرفهُ عَن الاستعداد لَهُ صَارف قد مَلأ قلبه وجلا وعمره عملا وعد يَوْمًا وَاحِدًا يعيشه بَقَاء ومهلا وغنيمة تملأ نَفسه سُرُورًا وجذلا لازدياده فِيهِ من الْخَيْر وادخاره فِيهِ من الْأجر واكتسابه عِنْد الله ﷿ من جميل الذّكر
وَمثل هَذَا قد رفع التَّوْفِيق عَلَيْهِ لِوَاءُهُ وَألبسهُ رِدَاءَهُ وَأَعْطَاهُ جماله وبهاءه
فَانْظُر رَحِمك الله تَعَالَى أَي الرجلَيْن تُرِيدُ أَن تكون وَأي العملين تُرِيدُ أَن تعْمل وَبِأَيِّ الرداءين تُرِيدُ أَن تشْتَمل وبأيهما تُرِيدُ أَن تتزين وتتجمل فلست تلبس هُنَاكَ إِلَّا مَا لبسته هُنَا وَلَا تحْشر هُنَاكَ إِلَّا فِيمَا كنت فِيهِ هُنَا إِن
1 / 72