Creencias de los Pensadores
عقائد المفكرين
Géneros
الروسي الذي ازدوجت ثورته على الشيوعية وعلى الديانة «الرسمية» واعتقد أن خلاص الإنسان عمل من أعمال الإنسان، فلا يخلصه أحد إن لم تكن في طويته عدة الخلاص، وقد ترددت له كلمات كأنها من كلمات الحلاج في الحلول، لولا أنه لا يؤمن بالحلول، وإنما يقول إن وجود الإنسان في العالم لازم كوجود الله، وإن الحب يمحو ما بين الخالق والمخلوق من الموانع والحجب، فالله يطلب الإنسان والإنسان يطلب الله، وباطل كل «حكم مطلق» في السماء كما هو باطل في الأرض بين المخلوق والمخلوق، وإنه لولا أن خلق الإنسان يضيف شيئا جديدا إلى حقيقة الحياة لما خلقه الله.
وعلى الإنسان أن يعلو بنفسه من الفردية إلى الشخصية؛ لأن الفردية عدد والشخصية قيمة، وفي سبيل القيمة قد ينبذ الفرد حياته ولا خسارة عليه.
كذلك ينبغي للجماعة أن ترتفع من كونها جمهرة إلى كونها رابطة روحية (Community) . فإن الجمهرة مجموعة أفراد، وأما الرابطة فهي مجموعة «شخصيات» يضيف بعضها إلى بعض في قيم الحياة.
ولا بد للعملين من حرية، ولكن حرية الوسيلة غير حرية الغاية، فإذا طلبنا حرية الوسيلة فإنما نطلبها لنختار بين طريقين، وإذا طلبنا حرية الغاية فإنما هي حرية الضمير التي تخلص بها من قيود طباعه السفلى فلا يعوقه منها عائق عن الحق والخير، وينعي بردييف على المصلحين الدينيين في عصر النهضة أنهم جعلوا إرادة الإنسان كأنها مطية يركبها الله أو يركبها الشيطان، فإنما إرادة الإنسان هي التي تختار طريقها ومطيتها أو تعجز عن المسير فلا تخطو خطوة تستحق عناء المسير.
ولم تكن فلسفة بردييف فلسفة اطلاع ودراسة وحسب، بل كانت خبرته بالحياة أعظم أثرا في نفسه من مطالعاته ودروسه، فاختبر أزمات الأمم الأوروبية في جميع أقطارها، وشهد القارة الأوروبية من مشرقها إلى مغربها وهي في أحرج أزماتها.
شهد أزمة القيصرية في روسيا ثم شهد أزمة الشيوعية فيها، ثم انتقل إلى برلين فضاق ذرعا بالنازية وهجر البلاد الألمانية إلى فرنسا حيث أقام بباريس وظل مقيما بها إلى أن دخلها الألمان، فاعتقلوه برهة ثم أطلقوه فشهد في العاصمة كل نوع من أنواع الحكم وخالط كل مدرسة من مدارس الفكر إلى أن مات بها (سنة 1948).
ولم تزده هذه الأزمات المطبقة إلا إيمانا بالحرية الشخصية واعتصاما بالضمير الروحاني في وجه العالم الخارجي بجميع أهواله وأوقاره، وساء ظنه بثقافة الغرب وحضارته في وقت واحد؛ لأن الثقافة تنزع إلى نقد كل شيء وتستقبل الحياة بروح مجزأة مبعثرة ثم تستغرق النفوس بالشواغل الدنيوية التي تنحصر في السطوة والمال. أما الحضارة فهي مجاز من الثقافة والتأمل والنقد إلى الحياة العملية الواقعية التي تختتم بانتحال العقيدة المادية الاقتصادية (Economic Materialism)
كما حدث في ظل الحكم الأوروبي الحديث على تعدد عناوينه وأسمائه، ولا تستقيم حياة الإنسان - على مذهب بردييف - إلا بالاشتراكية الشخصية؛ أي بالقضاء على الاستغلال وسلطان المال مع الإبقاء على حرية الفكر والضمير، وهذه هي الحرية التي تسمح لكل معتقد بالاطمئنان إلى خلاص روحه حسب اجتهاده وعلى هداية فكره وبصيرته، فيدين كل ذي روح بالصوفية التي تقربه من الله وتتمم فيه مهمة الإنسان على هذه الأرض، وهي استحقاق الحرية والقداسة.
وفي الفصل الأخير من آخر كتاب ألفه قبيل وفاته
1
Página desconocida