Creencias de los Pensadores
عقائد المفكرين
Géneros
Fundamental Questions of Philosophy »:
يعترض علينا بأن وجود إله قادر كريم يناقض وجود الشر في العالم، ولكن هذا الاعتراض على أسوأ احتمالاته لا يمكن أن يبطل وجود الله؛ لأننا قد نتصور الله محدودا تحده العقبات التي تحول دون القضاء على الشرور، غير أن تصور الله كذلك على جميع الصور، التي عرضت حتى الآن، ليس بالمقبول في العقول المتدينة ولا تسلمه تلك العقول إلا إذا استحال القول بغيره، بل هو في الواقع يصطدم بالبديهة الدينية، فلا غرابة إذا اشتدت المحاولات في سبيل حل يوافق الإيمان بقدرة الله على كل شيء، ومن هذه المحاولات أن يعتبر الشر وهما غير صحيح، ولكنها محاولة لا تطاق إذا اعتمد أصحابها الجد فيما يقولون. لأنها تناقض أحكامنا على ما نحسه ونتفقده من شعورنا أو تناقض أحكامنا في الأخلاق، فإذا نحن قلنا إننا في الحقيقة لا نحس الألم الذي ندعي أننا نحسه ولا نقترف الإثم الذي نظن أننا اقترفناه، فنحن ننقض أحكام الوجدان والذاكرة. وإذا نحن قلنا إننا أحسسنا الألم واقترفنا الإثم ولكنهما ليسا من الشر في الواقع، فنحن ننقض أوثق مقررات الأخلاق.
وأشيع من ذلك وأقل نكرا حل القائلين إنه لا بد من شر كثير ليتحقق خير كثير، وربما لاح أن هذا القول يستتبع الحد من قدرة الله، لولا أننا نعلم أن الفلاسفة حين وصفوا الله بالقدرة المطلقة لم يقصدوا أن قدرته تتعلق بالنقائض، أو تجعل مجموع الاثنين خمسة، أو تخلق كائنا هو إنسان وليس بإنسان في وقت واحد. ولا ريب أننا إذا عنينا بقدرة الله المطلقة هذا المثال من القدرة وجب أن نسلم أن مشكلة الشر لا تحل على صورة من الصور ، إذ لا يسعنا في هذه الحالة أن ندعي أن خلق الشر سائغ لتحصيل الخير الأعظم، وفي وسع الله على هذا الفهم أن يمحو الشر ولو كان وجوب الخير متوقفا عليه. إلا أنه واضح أن هذا الفهم ينقض بعضه بعضا، وأن ما يفهم من قدرة الله لا يعني هذا. وإنما يعني أنه قادر على غير المتناقضات وأنه لا يحده شيء من غير إرادته.
وقد قيل إن الإنسان إذا وجب أن يكون كائنا ذا فضيلة فهذه الفضيلة تستلزم ألا يكون مسخرا ... فإذا كان الله لا يمنع الناس أن يذنبوا إلا بسلب إرادتهم؛ فقد بطل خير ما فيهم. ... وعلينا إذ نتناول الكلام على الشرور أن نرجع إلى القول بأن وقوع الشرور - لا مجرد إنكارها - يسوغه أنه ضرورة لا محيد عنها لوجود الخيرات، وهذا القول بالنسبة إلى القدري هو الحل الوحيد لجميع الشرور.
وإنها لحقيقة واقعة أن ثمة خيرات ... لا تأتي بغير محصول الشر، فكيف تتسنى الفضيلة مثلا بغير المغريات والعوائق، ومن ثم بغير الشر ولو في صورة الألم والعرقلة؟ وكيف توجد شجاعة بغير ألم أو مشقة أو خطر؟ وكيف يوجد الحب في أرفع حالاته التي نعرفها ما لم يكن هنالك داعية للعطف والإشفاق والتضحية ... لا بد من شر نغلبه كي نحصل على فضيلة الغلبة عليه، وربما كان هناك ضروب أخرى من الحب والفضيلة كالتي نتخيل أن الكائنات العليا التي تعلو على طوق الإنسان متصفة بها ولا تنطوي على شر من الشرور، ولكنها - إذا صح تخيلنا - نوع آخر غير حبنا وفضيلتنا، وكلما تعددت أنواع الفضائل كان ذلك أفضل وأجمل. ... ومن اللازم أن نضيف إلى ما تقدم - نظرا لتفاقم الشر وانتشاره في العالم - أن حلا كهذا لمشكلة الشر لا يمكن أن يقبل أقل قبول ما لم يكن للإنسان بقاء بعد موت جسده، وأننا إذا وقفنا عند هذه الحياة وحدها؛ فمن غير المعقول أن تكون الدنيا خلقة إله كامل قادر على كل شيء. وإن هذا لحجة قوية تؤيد الحياة الأخرى إذا سلمنا مذهب الربانيين، ولست أرى وجها ما للاعتراض من الوجهة المنطقية على تقدير تلك الحياة الأخرى، وحجة تضاف إلى هذه الحجة أننا متى تصورنا الله لطيفا رحيما تصورناه لا محالة محبا (للشخصيات) التي يخلقها، وإذا أحبها فكيف يسمح بفنائها؟
إن الشرور التي في هذا العالم لا ريب مفزعة بفرط كثرتها وانتشارها، ولكننا لا نستطيع أن نعرف حقا مقدار الشرور التي لا بد منها لتحصيل الخير الأعظم، فإن أعظم فضائل الأخلاق إنما تتحقق عند مفاضلة أعظم الآفات. ... وهناك قضايا غير قضية الشر تتصل بالبحث عن الله مما قد تصدى الإلهيون والفلاسفة قديما للنظر فيه، فينبغي لهذا النظر أن نشجعه ونحض عليه لا أن نبخسه ونصد عنه. إذ ليس من أعمال الإنسان ما هو أنبل من تحصيل العلم بحقيقة الحقائق جهد المستطاع، إلا أن الإلهي الذي ينظر هذا النظر مطلوب منه أن يذكر على الدوام أن الله أعظم كثيرا جدا من كل صورة نحن قادرون على إدراكها ...
وعلى هذا النحو معظم الحلول التي يرجحها أوساط المفكرين في القرن العشرين، ونريد بأوساط المفكرين أولئك الذين يدرسون ويتأملون ويقابلون بين الآراء ثم يجتهدون في تنسيق حل يستريحون إليه بتفكيرهم وشعورهم، فهم آحاد مستقلون يتخيرون الآراء ولا ينخرطون في سلك مذهب يتشيعون له مقلدين أو متعصبين.
وليس في هذه النماذج التي أجملناها شيء مبتكر لم يسمع قبل القرن العشرين، وما كان لنا أن نترقب شيئا مبتكرا كل الابتكار في مشكلة عريقة كمشكلة الشر التي خامرت كل فكر، وساورت كل نفس، وتعلقت بكل معتقد، فغاية ما يستحدثه المفكرون في أمثال هذه المشكلات أن يعرضوها على مناهج عصورهم وأن يصبغوها بصبغة عقولهم، وهذا الذي صنعه مفكرو القرن العشرين إذ عرضوا لها من ناحيتها الفلسفية، فإنهم أطلقوها من صبغة الأوامر الحتمية (Dogma)
التي اتسمت بها فلسفة الدين في القرون الماضية، وأنهم تخاطبوا بها كما يتخاطب الإنسان والإنسان بمعزل عن البيعة والصومعة، وأنهم راجعوا من سبقهم فانتفعوا بفرصة المراجعة والانتقاء.
وجديد المسألة من الوجهة الشعورية في هذا العصر هو كما أسلفنا يدور على وجهة الشعور لا على أصل الشعور. فقد كانت شرور الحروب العالمية أوسع الشرور ميدانا وأشدها إثارة للسخط والتساؤل، مع تعود الناس في هذا العصر أن يتساءلوا عن كل أمر جلل وأن يطلبوا الإقناع الذي لا تحكم فيه.
Página desconocida