[المتقي العارف]
قال الوافد: صف لي المتقي العارف ؟
قال العالم: إن من صفات المتقي العارف، أن يكون غذاؤه ذكر الله، ورأس ماله اليقين بالله، ومطيته الهيبة من الله، ولباسه التقوى، وتحريكه التفويض لأمر الله، وعزمه التسليم إلى الله، وخوفه التعظيم لله، وهو محبوس في سجن الرهبة، مقيد بالحياء، متنعم بالمناجاة، قد أمرضه الشوق، وأشغفه الحب، فهو مستأنس بطبيبه، ممكن بحبيبه، وله ) ورع، لا يشوبه طمع، ويقين لا يشوبه طلب، وانتباه لا تشوبه غفلة، وذكر لا يشوبه نسيان، وعزم لا يشوبه تواني، وتعب لا يشوبه عجز، وعلم لا يشوبه جهل، ورجاء لا يشوبه غرة، ودعاء لا يشوبه فترة، وتفكر لا يشوبه توهم، وتوحيد لا يشوبه تشبيه، وتصديق لا يشوبه تكذيب، وتعديل لا يشوبه تجوير. فهذه صفة المتقي العارف.
فعليك بهذه الطريقة فالزمها، وأقبل عليها بقولك وفعلك، ( وحركتك وسكونك، وبصرك وظاهرك وباطنك، ونظرك وتمييزك، فإن الخير والبركة بحذاريفها لمن سلك هذه الطريقة.
واعلم أنك إذا صدقت عليها نيتك، وعلم الله منك المجهود في ذلك، نصرك عليها وظفرك بها)، فمن صبر على هذه الصفة أربعين يوما لا يشوب عمله بالكدرة والتخاليط والآفات، اتقد في قلبه مصباح النور، وانفتح له عينا قلبه، فيبصر بهما إلى جميع الدنيا والآخرة، فيعرف ( عند ذلك مصائب الدنيا، ومصائب الآخرة، فيصبر على مصائب الدنيا، ويخاف من مصائب الآخرة، لأن مصائب الدنيا نعم، ومصائب الآخرة نقم، فإذا ميز بينهما واعتبر، أقبل على خيرهما عاقبة، وعمل لآخرته بطيبة من نفسه، وانتبه واطمأن، وعرف أن الآخرة خير من الدنيا، وتحصن بذكر الله في دنياه، وعمل لعقباه )، فطوبى له وحسن مآب.
قال الوافد: فما يجب عليه بعد ذلك ؟
Página 321