في بدء الحلقة الرابعة، جميلة رشيقة، يشع من عينيها العسليتين ذكاء، شعرت في محضرها بوجود مسافة بيني وبينها لا يمكن أن تعبر. وهي ابنة آي وتي وأخت نفرتيتي، وتقيم في جناح خاص بها في قصر آي. وثمة لغز رابض في حياتها، وهو أنها لم تتزوج رغم كثرة خطابها. وما كدت أجلس بين يديها وأبسط أوراقي حتى أنشأت تقول: قدر لنا أن نشارك في مأساة إخناتون المارق؛ فقد اختير أبي الحكيم آي معلما له، فحمل أبي إلينا أخباره وأفكاره، ومن أول الأمر أسأت به الظن، واتهمت عقله، ثم أثبتت الأيام صدق شعوري وتفكيري. وكان لنفرتيتي موقف آخر دهشت له الأسرة، أما أنا فلم أدهش له. كانت تحب دائما أن تلفت الأنظار بتحديات مفتعلة، وتود أن تثير من حولها عواصف المناقشات. أجل كانت ذكية، ولكنها لم تكن صادقة ولا مخلصة، هذا ما أغراها بعبادة آتون وتفضيله على آمون، وما دعاها أخيرا للكفر بجميع الآلهة والإيمان بإله لم نسمع عنه من قبل. وقد سمعتها مرة وهي تقول لأبي: أبلغ يا أبي ولي العهد أنني مؤمنة بإلهه.
فقال لها أبي متجهما: إنك حمقاء يا نفرتيتي ولا تقدرين العواقب!
وكنت بسبب تجديفها أخاف أن تحل اللعنة بنا جميعا. لقد بقي إيماني بآلهتي حيا في قلبي لا يتزعزع. أجل أعلنت إيماني بالإله الجديد لانتمائي للأسرة الملكية، وبقصد أن أبذل ما أستطيعه في موقعي الجديد دفاعا عن آلهتي المقدسة، ولكن إيماني بآلهتي لم يهن قط. وأتيح لي أن أرى المارق لأول مرة في حفل العيد الثلاثيني للجلوس على العرش، فعجبت للشبه الخارق بين أفكاره المنحرفة وبين صورته المتنافرة الجامعة بين الهزال والقبح؛ لذلك فلا تأخذ مأخذ الجد ما قد تسمع عن الحب النبيل الذي جمع بين قلبي المارق وملكته العظمى نفرتيتي؛ فإني أعرفها حق المعرفة، وأعرف المثال الذي حلمت به كفتى لأشواقها، إنه لا يمت بصلة للفتى الهزيل القبيح العاجز الذي خلق نصف أنثى ونصف ذكر. وكانا يزعمان أنهما يعيشان في الحقيقة، أما هو فكان يعيش في الجنون، وأما هي فعاشت في الكذب والخديعة، ولم تحب سوى العرش والسلطان. وفي الحفل غلبتها طبيعتها الدفينة فأعلنت عن جمالها بلا حياء كأنها امرأة محترفة، ورمت شباكها حول حور محب، ولكنه لم يكن يكترث لذلك النوع من النساء المبتذلات. ولما دعينا نحن بنات الأشراف للرقص والغناء، قمت أنا فرقصت في احتشام، واخترت أغنية موجهة لفرعون:
أنت تجيء كالشبع فينتهي الجوع.
أنت تجيء كالثياب فينتهي العري.
أنت كالسماء الهادئة بعد عاصفة هوجاء.
تعطي الدفء لمن أصابه البرد.
أما نفرتيتي فقد أذهلت الجميع برقصتها الداعرة، ولكنها سرقت استحسان الفاسقين، وما أكثرهم! ثم اختارت أغنية خليعة فغنت:
في صحتك،
اشربي حتى تثملي،
Página desconocida