الباب الرابع: فيمن يجوز له الفتوى
(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يفتي إلا أن يعرف أقاويل العلماء يعني أبا حنيفة وصاحبيه، ويعلم من أين قالوا ويعرف معاملات الناس، فإن من عرف أقاويل العلماء ولم يعرف معاملات الناس ومذاهبهم فإن سئل عن مسألة يعلم أن العلماء الذين ينتحل مذهبهم قد اتفقوا عليها فلا بأس بأن يقول هذا جائز وهذا لا يجوز ويكون قوله على سبيل الحكاية، وإن كانت مسألة قد اختلفوا فيها فلا بأس بأن يقول هذا جائز في قول فلان؛ ولا يجوز له أن يختار قولا فيجيب بقول بعضهم ما لم يعرف حجته. وروي عن عصام بن يوسف أنه قال: كنت في مأتم فاجتمع فيه أربعة من أصحاب أبي حنيفة منهم زفر بن الهذيل وأبو يوسف وعاقبة بن يزيد وآخر وهو الحسن بن زياد، فكلهم أجمعوا أنه لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا. وروى إبراهيم بن يوسف عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال: لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا. وروي عن عصام بن يوسف أنه قيل له إنك تكثر الخلاف لأبي حنيفة قد أوتي من الفهم ما لم نؤت فأدرك بفهمه ما لم ندركه، ونحن لم نؤت من الفهم إلا ما أوتينا ولا يسعنا أن نفتي بقوله ما لم نفهم من أين قال.
(قال الفقيه) رحمه الله: ينبغي لمن جعل نفسه مفتيا أو تولى شيئا من أمور المسلمين وجعل وجه الناس إليه أن لا يردهم قبل أن يقضي حوائجهم إلا من عذر، ويستعمل الرفق والحلم وروى القاسم بن محمد عن ابن أبي مريم وكانت له صحبة مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ولي من أمور المسلمين شيئا واحتجب دون خلتهم يوم حاجتهم وفاقتهم احتجب الله تعالى يوم القيامة دون خلته وفاقته وحاجته)) وينبغي للمفتي أن يكون متواضعا لينا ولا يكون جبارا عنيدا ولا فظا غليظا لأن الله تعالى قال: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)).
الباب الخامس: من الاختلاف
Página 307