فالمجتمع في عصر الإمام الحَوفي مجتمع غير متوازن، لأن الحكام من طبقة غريبة بعيدة عن الشعب، وهم خليط من الموالي والأعاجم، وأما الكثرة الغالبة فهم أهل السنة، الذين غلبوا على أمرهم، يشاركهم قلة من الجراكسة والأتراك، وهؤلاء في أغلب الأحيان يعدون من الدرجة الثالثة، لا حق لواحد منهم أن يظهر في المجتمع، وإذا ظهر فإنهم يأخذون منه كل شئ.
ولاشك في أن الحالة السياسية إذا كانت مضطربة، تبعها اضطراب في الحياة الاجتماعية، حيث يسود الجاهل، ويتسلط الظالم، وبالتالي تضيع القيم، وتمحى المبادئ، وينتشر الجهل، فيعم الفساد بعموم الجهل- ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيترتب على ذلك انحلال اجتماعي، وفساد خلقي، وتفكك أسري، لأن الحياة القاسية تجعل الإنسان لا يفكر إلا في نفسه (١)، ولا يشغله إلا حاله بخاصة، لأن الدافع الديني قد ضعف فقد أضعفته الدولة، وقضت عليه (٢)، ولم تترك الأغنياء، ليساعدوا الفقراء.
وفي عهد الفاطميين، بنى الخليفة العزيز الفاطمي كثيرا من القصور، التي تدل على وفرة ثروة مصر، ومن ذلك، القصر الغربي- وكان يقع غربي القصر الشرقي الذي بناه جوهر الصقلي للخليفة المعز، شرقي مدينة القاهرة. ويمتاز الفاطميون ببناء المناظر، وهي أماكن اتخذها الخلفاء في القاهرة، وغيرها، للتنزه، والاحتفال ببعض الأعياد.
كان الحاكم بأمر الله سفاكًا للدماء، معطاء للمال، قتل عددا كثيرا من كبراء دولته صبرا بلا ذنب، وكتب سب الصحابة على المساجد، واتخذ له فقيهين يعلمانه، ثم ذبحهما صبرا، وقتل عدة سبايا، وغرق عجائز، وأثقلت الدولة المحتاجين بالإتاوات.
_________
(١) حسن، مرجع سابق، ٣/ ٤٩٠.
(٢) الذهبي، دول الإسلام، مرجع سابق، ١/ ٢٤٢، ٢٤٥.
1 / 26