ولما كانت السورة مضمنة جهات الاعتبار ومحركة إلى النظر ومعلنة من
مجموع آياتها أن المعتبر والمتأمل وإن لم يكن متيقظا بأول وهلة، ولا سامعا أول محرك ولا مستجيبًا لأول سامع قد تنقل حاله عن جموده وغفلته إلى أن يسمع ويلحق بمن كان تيقظ في أول وهلة، ناسب تحريك العباد وأمرهم بالنظر أن تقع الإشارة في صدر السورة إلى حالتين: حالة السامعين لأول وهلة، وحالة السامعين في ثاني حال فقيل: " إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ والموتى يبعثهم الله ".
ولم تقع هنا إشارة إلى القسم الثالث مع العلم به وهو الباقي على هموده وموته ممن لم يحركه زاجر ولا واعظ ولا اعتبار، وكان هذا الضرب لو ذكر هنا لكان فيه ما يُكسل من ضعفت همته ورجعت حاله ابتدائية، فقيل "والموتى يبعثهم الله " وأطلق القول ليعمل الكل على هذا البعث من الجهل والتيقظ من سنة الغفلة، كا دعي الكل إلى الله دعاء واحدًا فقيل: "يا أيها الناس اعبدوا لربكم " (البقرة: ٢١)
ثم اختلفوا في إجابة الداعي بحسب السوابق هكذا ورد في هذا "والموقى ييعثهم الله "
اسماعًا للكل، وفي صورة التساوي مناسبة للدعاء لتقوم الحجة على العباد، حتى إذا انبسطت الدلائل وانشرحت الصدور لتلقيها، وتشبثت النفوس وتعلقت بحسب ما قدر، وفاز بالخير أهله قال تعالى بعد آى "أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " (آية: ١٢٢) وكان قد قيل لمن انتقل عن حالة الموت فرأى قدر نعمة الله عليه بإحيائه هل تشبه الآن حالك النيرة بما منحت حين اعتبرت (بحالك الجمادية فاشكر ربك، واضرع إليه في طلب الزيادة (واتعظ بحال من لزم حال موته، فلم تغن عنه الآيات وهو المشار إليه بقوله: "كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" (آية: ١٢٢) "إنا جعلنا على قلوبهم
1 / 208