فأما الحربان الأوليان، فليس في نيتي أن أبحث فيما تنطويان عليه من الحكمة والإنصاف؛ إذ لا أحسب أن إنجليزيا يخامره الشك - إذا كان الهولنديون قد أساءوا إلى أجدادنا قديما قبل مائة وخمسين سنة - أن الانتقام منهم واجب في أية لحظة كائنا ما كان مبلغ الصداقة بيننا بعد تلك الإساءة، وأن البرتغاليين - إذا كانوا يشترون ثيابهم من الفرنسيين بأثمان أقل من أثمان الثياب عندنا - حقيقون بأن نوسعهم ضربا حتى يثوبوا إلى الصواب، ويتخذوا لهم رأيا غير ذلك التفضيل والإيثار.
فإذا سلمنا أننا من القوة والبأس بحيث نقدر على ضرب هولندا والبرتغال معا، لسبب أو لغير سبب، ومعهم أصدقاؤهم الذين ينتصرون بهم أو بمعزل من أولئك الأصدقاء، وعلينا أعداؤنا الذين يستثيرهم ذلك الصنيع أو بمأمن من أولئك الأعداء، وسلمنا كذلك أن الهولنديين أيضا خليقون أن يبضوا لنا بالنفقات اللازمة للقتال، إذا سلمنا ذلك جميعا فلا غرض لي إلا أن أضع بين يدي ذوي النظر، بكل خشوع، فرضا يخطر على البال؛ وهو أن تكون لنا على تلك الفروض وسيلة أخرى لفض الخلاف بين وزرائنا الأسبقين ومستعمراتنا بوسيلة غير قطع الرقاب!
وكل خطوة تقودنا الآن إلى السخط على أمريكا، تتطاير النشرات والصحف ويضج خطباء القهوات بالأكاذيب التي تقول عنها أنها ثائرة عاصية، وتستدعي القوة والأساطيل والجحافل للذهاب إليها، وما يوجد منها هنالك ينبغي أن يستدعى من الأرجاء النائية لاحتلال العواصم الكبرى، وينبغي كذلك أن يساق رءوس القوم إلى البلاد الإنجليزية لتعليقهم على المشانق وما شابه ذلك، ولماذا كل هذا؟
لماذا؟ أتسأل لماذا؟
نعم، أرجو أن يؤذن لي أن أسأل: لماذا؟
وجواب لماذا هذه أن القوم يبغون إسقاط الحكومة في هذه البلاد وإقامة أنفسهم في مقامها.
فكيف بدأ ذلك كذلك يا ترى؟
تقول: كيف بدأ؟ أليسوا جميعا يحملون السلاح؟
نقول: كلا، بل هم جميعا في سلام. - أفلم يمتنعوا عن أداء التعويض للمصابين في حوادث الشغب الأخيرة كما طلبت الحكومة هنا؟ - كلا، بل هم قد بذلوا الترضية الوافية، وهي - على فكرة - ترضية لم تبذل هناك لضحايا الشغب الذي حدث منكم هنا. - أفلم يشعلوا النار في دار المكوس والجمرك؟ - كلا، إن القصة كلها أكذوبة ملفقة لا أصل لها على الإطلاق. - أفلم يتمردوا على القانون البرلماني الذي ينص على إيواء الجنود؟ فلم يرسلوا إلى الحكومة هنا طالبين إلغاء الحجر على تجارتهم، وإلغاء قانون الملاحة بهذه المثابة؟ - إن الجمعية في ولاية واحدة - ولاية نيويورك - هي التي أنكرت ذلك القانون، وإن بعض التجار في تلك الولاية هم الذين اجترءوا على ذلك الطلب. فإذا سلمنا أن الإنكار والطلب خيانة عظمى، فهل نسلم أن خمسا وعشرين ولاية تعاقب بجريرة ولاية واحدة؟
هلموا ننظر في سكون في معنى ذلك القانون، ومعنى إنكاره، ومعنى الطلب من أولئك التجار.
Página desconocida