5
هؤلاء يحملون غصن التحية.
وأناس آخرون يثنون عليه وهم لا يحملون غير الميزان، وقد يحسنون حمله باليمين وباليسار.
قال ليونل الفين
Lionel Elvin
في كتابه رجال أمريكا:
كان للحياة في نفسه حب وعلاقات شتى، وكان يحسن المتعة باللغو، ويجتذب إليه القلوب ويملكها بتلك المودة التي تنجم من القناعة العميقة والصفاء القرير. وحق أنه كان إلى العطف أقرب منه إلى الشعور اللاعج، وإلى الفطنة أقرب منه إلى القريحة الشعرية، وإلى الأخلاق العملية أقرب منه إلى السريرة الصوفية، وإلى الإصلاح أقرب منه إلى الثورة، والانقلاب، وإلى أن يعد في زمرة أبناء الدنيا أقرب من أن يعد في زمرة الأنبياء، ولو أنه قذف به إلى جزيرة خالية لكان مسلكه فيها كمسلك روبنسون كروزو، ولم يكن مسلكه ثمة كمسلك إسكندر سلكيرك من تصنيف كوبر، وإن اختلاف الرأي في عرض هذا الخلق على معيار النقد ليتوقف على مزاج الناقد وتقديره، وإنما أساس النقد كله أن فرنكلين قد أفرط في التوحيد بين الفضيلة والنجاح المحترم، أو كما كتب على هامش ترجمته: ما من شيء كالفضيلة يكفل للمرء حظه، ولكن مما يوضع له في الكفة الأخرى أنه إذا لم يكن قد عبر علمه وحبه لخير بلاده الأمريكية، كما جعل الدنيا كلها مكانا أصلح للعيش فيه. وقد صعد بمجهوده في سلم وطنه الجديد، وقذف بكل عن أرفع الآفاق وأبعد الأعماق في الطبيعة الإنسانية. قد جعل بفضل ما عنده في معركة الديمقراطية التي تقابل المجتمع الخاضع لسلطان الاستبداد، وآمن بأن الناس جميعا ينبغي أن يكونوا - في كل مكان - راضين سمحين أحرارا مثقفين، وأن العمل لمثل هذه الغاية وحسن الإبانة عنها ليس بالمطلب الصغير ولا بالأمر الهين.
ومن الذين يثنون عليه من لا يحملون غصن التحية ولا يحملون ميزان الحساب، ولكنهم يحتكمون إلى هوى العاشق وشوق المفتون، ويقولون بلسان قائلهم لورنس نبي الجسد في القرن العشرين: «إنني لأعجب به.» «أعجب بشجاعته الدءوب قبل كل شيء، ثم أعجب بحصافته، ثم ببصره النافذ في غمائم البروق والرعود والكهربا، ثم بفكاهته الدارجة؛ كلها خصال الرجل العظيم الذي لم يكن قط أكبر من مواطن عظيم.»
ثم يقول، أو تقول شيعته كلها بلسانه: «إنه طابع، فيلسوف، عالم، مؤلف، وطني، زوج صالح، مواطن، فما باله لا يكون نموذجا يقاس عليه؟»
أتراه رائدا؟ يا للرواد!
Página desconocida