2 - لم يكن مثقفا، ولكنه لم يكن مشكولا أو مربوطا (Untramell)
فلم تقف عقبات الآراء المحفوظة في طريقه، ولم تعقه القواعد التقليدية في دراسة الآراء، ولكن فقدان الشكال على كل حال لا يوجد لنا الجواد، فلا بد من جواد سباق وراء ذلك اللجام المخلوع أو المفقود.
ويجوز أن «فلادلفيا» ساعدت على التجارب الكهربية، ولا يمتنع أن يكون الجو الرطب مساعدا عليها في معرض آخر من معارض البحث والدراسة. ولقد حصل فرنكلين من بوستون على جهاز أعاره إياه صديقه الدكتور سبنس
Spence
الذي لا نعلم عنه شيئا غير هذه الإشارة إليه لهذه المناسبة في ترجمة فرنكلين، وكم بين المنتقلين من بوستون إلى فلادلفيا من مسافر ومقيم؟ وكم بينهم من فرنكلين؟
إن الملكة العلمية الطبيعية في هذا العقل العبقري هي التفسير الذي لا غنى عنه لجميع أعماله وبحوثه، وغير هذا التفسير تفسيرات كثيرة من قبيل ما تقدم، لا يستغني واحد منها عن هذا المرجع الأول والأخير لجميع تلك التفسيرات.
وهذه الملكة الطبيعية هي التي أوحت إليه بغير تعليم وبغير تلقين أن يضع البحث العلمي في موضعه الواجب، فكل ما يقع تحت الحس فهو موضوع بحث ودراسة من الوجهة العلمية. وربما عاش معه في عصره - أو عاش قبل عصره - أناس من الباحثين جعلوا هذه البحوث ترفا مختارا ترتقي إليه بعض الموضوعات وتقصر دونه موضوعات أخرى، ولكنه هو لم يكن ليفرق بين ما هو صالح للحس، وما هو صالح للبحث والدراسة، فتراوحت مباحثه بين السحب والأمواج، وبين درجات الحرارة وألوان الأقمشة، وبين إصلاح النظارات، وإصلاح نظام الإضاءة في المدن، وبين التبريد بالتبخير ، وتهذيب الحروف الأبجدية، ولم يتفتح أمامه موضوع بحث فأعرض عنه؛ لأنه لا يدخل في صدد البحوث العلمية كما يصنع الباحثون الذين لم يرزقوا مثل هذه الهبة الفطرية.
وقد كان للخيال شأنه - كما كان للواقع شأنه - في البحث الذي اشتهر به وأكسبه إعجاب العارفين وغير العارفين، وهو بحثه في الكهربا، واستخدامه في الوقاية من الصواعق، أو من غضب الآلهة كما كانوا يسمونه في الأزمنة الغابرة.
فقد كان المعجبون به يقولون عنه: إنه انتزع الصولجان من عاهل الدولة البريطانية، وانتزع الصولجان من رب الصواعق والبروق جوبيتير إله الآلهة عند الأقدمين، ولم يخلع الخيال على عمل فرنكلين هذا مكانة أكبر من مكانته الحقيقية التي لا مجاز فيها، فإن الوقاية من الصواعق حقيقة أعظم من خيال المتخيلين عن عروش الأساطير، وحقيقته العظمى فوق ذلك أنه صحح العقول والعقائد فأدركت حوادث الأرض والسماء كما ينبغي أن تدرك، وأدركت صفات الإله المعبود كما ينبغي له من التنزيه والتعظيم.
ولقد تناول فرنكلين بحوث الكهربا وهي - على أحسن ما تكون - لعبة للتسلية، فإن هذه البحوث بدأت في حجر الكهربا الذي تنسب إليه قبل الميلاد بستة قرون، وعرف طاليس (600 ق.م) أن الكهربا المحتكة تجذب الزغب والنثارة الخفيفة فلم يفهم منها إلا أنها «ذات روح» أو ذات حياة، ثم جاء ثيوفراستس
Página desconocida