فرمقه حسن بريبة ثم قال: الرأي رأي والد العريس.
فقال عم جابر برقة: أنت من نفضل يا سي حسن، ولكن أمهلني حتى أشاور عم جبران التوني.
فتفكر حسن مليا، وقد أخذ دم الغيظ يجري في عروقه، ثم قال بلهجة ذات معنى: شكرا لك يا عم جابر، ولكني أحب أن أذكرك بالفوائد التي تقترن بإحيائي ليلة الفرح، وأهم هذه الفوائد في نظري أن شخصا مهما بلغ من القوة والشر لن تحدثه نفسه بالاعتداء على الحفلة كما يحدث كثيرا.
فلاح الاهتمام في وجه الرجل العجوز، وأدرك بسهولة ما وراء هذا الكلام الطيب من الوعيد، ونظر في وجه الشاب المخيف مبتسما، وتساءل في لين ورقة وابنه يتابعه فاغرا فاه: لا تخلو ليلة من حفلة فرح تمر بأمن وسلام.
فضحك حسن ضحكة غريبة وقال: يوجد كثيرون لا هم لهم إلا الشر والاعتداء، وهم يتصيدون الأفراح عادة للنهب والاعتداء ...
فقال العجوز بحذر: كان هذا في الزمن الغابر، أما الآن فلعلهم يخافون الشرطة.
فقال حسن وهو يهز رأسه مبتسما: إنهم لا يحسبون للشرطة حسابا، وينتهون من عدوانهم عادة قبل حضور الشرطة، وما أيسر عملهم الذي يتوجه بادئ الأمر إلى تحطيم المصابيح، فإذا انقلب الفرح ظلاما وركب الخوف النفوس أتم المدعوون عملهم وهم يتخبطون في الظلام لا يدرون أين تقع أرجلهم، فتنهار الزينات وتنقلب المقاعد ويندلق الطعام، وتسرق الملابس، ويصاب أهل العروسين بجروح خطيرة. وإذا انجابت موجة الشر يجد القوم أنفسهم أشد حاجة إلى رجال الإسعاف منهم إلى رجال الشرطة، وأين الفاعل؟ مجهول! وإذا أرشد إليه أحد عرض نفسه لخطر أكبر يحول القضية من محكمة الجنح إلى محكمة الجنايات، وأعطني عقلك؛ ما جدوى العقاب على فرض نزوله بالجاني بعد ضياع الأنفس والأموال؟
وأنصت عم جابر بانتباه، وفي تشاؤم ثقيل، وشعر بعجزه حيال الشر الماثل أمامه الذي يعرف من سيرته ما يعرف الجميع، ولم يدر كيف يدفعه؛ فتعزى قائلا إنه على أية حال يحسن الغناء لدرجة لا بأس بها، وابتسم الرجل ابتسامة باهتة وقال: مهما يكن من أمر هؤلاء الأشرار فلن تسول لهم نفوسهم الاعتداء علينا وأنت مطرب ليلتنا!
فابتسم حسن في ارتياح وقال: إنك رجل كريم يا عم جابر، ولعل الأيام تسعدني بإحياء فرحك أنت إذا نويت الزواج مرة أخرى.
فضحك سلمان ضحكة من ينعم بلذة النجاة بعد الخطر المحقق، أما الأب فابتسم ابتسامة صفراء وغمغم: عفا الله عنك ...
Página desconocida