ثم تساءل في نفسه ترى هل أفضت أمه للشاب بالسر الذي دفعها إلى زيارته منذ عام ونصف؟ ولما لم يشر حسنين إلى الموضوع بكلمة اطمأن إلى أنها كتمت الأمر كله، وهو ما ترجح لديه من بادئ الأمر، وذكره هذا الخاطر بآلامه الماضية، ولكنه ذكرها بقلب خال هادئ لولا حنينه العام إلى الرفيق والحب ما تشكى قط، ثم وجد نفسه وهو لا يدري يسأل حسنين عن خطيبته! وأجاب الشاب إجابة عامة قائلا: «بخير والحمد لله.» وساءل نفسه هل يصارح أخاه بما طرأ على نفسه من تغير وتطور؟ ولكنه جفل عن هذا، وأجله إلى المستقبل إذا جد جديد من الأمر، وكان يعلم سلفا بأن حسين لا يمكن أن يوافق على نواياه أو يرضى عن منازعه. وتواصل الحديث بينهما طيبا لطيفا حتى عزم حسنين على خوض الموضوع الخطير الذي يشغله فقال متنهدا: تصور كم كانت الحياة جميلة لولا ماضينا وأخونا حسن.
وأحس حسين بما وراء هذا التنهد من حزن وسخط فقال ببساطة: أعتقد أن آلامنا قد انتهت، أما ماضينا فليس فيه ما يخجل، وأما حسن فلن يضر وا أسفاه إلا نفسه.
فهز رأسه دلالة على عدم الموافقة وقال في حزن: أما علمت أن حسن قد انقلب مع الزمن بلطجيا وتاجر مخدرات!
ومع أن حسين كان يتخيل شقيقه الأكبر على أسوأ حال، إلا أنه لم يكن يظن أنه تردى إلى هذا القرار، فهتف في ارتياع: لا تقل هذا!
فكان جواب حسنين على ارتياعه أن قص عليه ما شاهده في زيارته الأخيرة لحسن وما سمع، وأصغى إليه أخوه في صمت ووجوم، ولما طال صمته سأله حسنين: ما رأيك؟
فبسط له راحتيه كأنه يقول له: «ما حيلتنا؟» ثم غمغم: وا أسفاه، كان حسن ضحية للمرحوم والدنا، وكان والدنا ضحية لضيق ذات اليد!
فقال حسنين بجزع: ألا تستطيع إقناعه بالإقلاع عن أسلوب حياته؟
فقال الآخر متنهدا: لن يقلع عنها مهما قلنا أو فعلنا، شيء واحد يستطيع أن يعدل به حياته، وهو أن نهيئ له رأس مال مناسبا كي يبدأ حياة جديدة، فهل يسعنا هذا؟!
وتبادلا نظرة يائسة لأن السؤال لم يكن في حاجة إلى جواب، ثم قال حسنين بحدة: أنتركه في غيه كي يقضي على آمالنا! - لقد قضى على نفسه. - وعلينا! كيف تواجه العالم ولك مثل هذا الأخ؟! سوف تظهر أسماؤنا يوما في الجرائد بين أعمدة الحوادث والجنايات!
فتنهد حسين محزونا متفكرا في كلام أخيه الذي رجع أصداء أفكار طالما أكربته في وحدته، ولكنه قال معارضا أخاه ونفسه معا: لا ذنب لنا، ولا يصح أن ندع الخوف يتهول في قلوبنا، قد يصيبنا رشاش من ألسنة الناس، الآن أو فيما بعد، ولكننا لن يمكننا مواجهة الحياة إذا لم ندرع بقدر من عدم المبالاة.
Página desconocida