Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
إن أهل الأندلس لم يكونوا في هذا العصر من محبي الدراسات الفلسفية، ويدلنا على هذا ما سبق أن نقلناه عن صاعد الأندلسي، وما ذكره المقري نقلا عن ابن سعيد في بيان حال أهل الأندلس في فنون العلم من أن «كل العلوم لها حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم؛ فإن لهما حظهما عند خواصهم، ولا يتظاهر بهما خوف العامة، فإنه كلما قيل: فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم، أطلقت عليه العامة اسم زنديق وقيدت عليه أنفاسه، فإن زل في شبهة رجموه بالحجارة أو حرقوه قبل أن يرفع أمره للسلطان، أو يقتله السلطان تقربا لقلوب العامة، وكثيرا ما كان يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن إذا وجدت، وبذلك تقرب المنصور بن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه.»
16 (2)
إنه لهذا؛ وبعد مرسوم الحاجب المنصور بتحريم الاشتغال بالفلسفة، صار الذين يشتغلون بها يستخفون حتى عن أصدقائهم الحميمين ، وذلك خشية أن يحكم عليهم بالزندقة والإلحاد إذا افتضح أمرهم.
17
كما كان هؤلاء الذين استمروا يحملون شعلة التفلسف عرضة كذلك لكثير من المحن والأرزاء، بل لفقدان الحياة.
فقد جاء في ترجمة ابن باجة المتوفى سنة 533ه أنه كان «علامة وقته وأوحد زمانه، وبلي بمحن كثيرة وشناعات من العوام، وقصدوا إهلاكه مرات وسلمه الله منهم.»
18
وكذلك يذكر لنا ابن أبي أصيبعة في ترجمة الحفيد أبي بكر بن زهر، أن المنصور أبا يوسف يعقوب من خلفاء الموحدين، وقد ولي سنة 580ه، قصد ألا يترك شيئا من كتب المنطق والحكمة باقيا في بلاده، وأباد كثيرا منها بإحراقها بالنار، وتوعد بكبير الضرر من يضبط مشتغلا بهذه العلوم أو عنده شيء من كتبها.
19
وقد استمر الحال كذلك - إلا في فترات قصيرة - إلى أيام ابن رشد، فقد روى لنا المراكشي خبر أول اتصال بينه وبين أمير المؤمنين أبي يعقوب من الموحدين، وفيه أنه عندما دخل عليه وجده وابن طفيل وحدهما، وبعد أن سأله عن اسمه واسم أبيه ونسبه قال له: ما رأيهم (يعني الفلاسفة) في السماء أقديمة هي أم حادثة؟ فأدرك ابن رشد الحياء والخوف، وأخذ يتعلل وينكر اشتغاله بالفلسفة.
Página desconocida