Entre la religión y la filosofía: En opinión de Averroes y los filósofos de la Edad Media
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Géneros
وذلك أنه بعد وفاة الحكم الثاني المستنصر بالله (366ه/976م)، خلفه ابنه هشام المؤيد، وكان غلاما حدثا لم يجاوز العاشرة من عمره، فاستبد به الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، وساعدته على هذا والدة الخليفة، ولم يجد الحاجب المنصور بدا من استمالة العامة إليه ولم جميع عناصر الشعب حوله.
وكان من هذا أن استجاب لجهل الجمهور وتعصب الفقهاء، وعمد أول تغلبه على السلطة إلى خزائن الكتب التي بذل الحكم عمره وكل ما يملك في جمعها، وأفرز ما فيها - بمحضر من أهل العلم والدين - من كتب علوم الأوائل القديمة، ما عدا كتب الطب والحساب، وبعد ذلك أمر بإعدامها.
فأحرق بعضها وطرح بعضها في آبار القصر وهيل عليها التراب والحجارة، وغيرت بضروب من التغايير، وفعل ذلك تحببا إلى عوام الأندلس، وتقبيحا لمذهب الحكم عندهم، إذ كانت تلك العلوم مهجورة عند أسلافهم، مذمومة بألسنة رؤسائهم، وكان كل من قرأها متهما عندهم بالخروج من الملة ومظنونا به الإلحاد في الشريعة.
14
وتوج المنصور فعلته بأن أصدر مرسوما حرم به الاشتغال بهذه العلوم!
وهنا يحق للباحث أن يتساءل: هل ارتكب الحاجب المنصور هذا الجرم استمالة للعامة وفقهاء الأندلس ، وتشويها لذكرى الحكم، واستبقاء لسلطته، مع مشاركته سرا في هذه العلوم، كما يشير إلى ذلك المقري نقلا عن ابن سعيد؟
15
أو كان - وهو رجل قد اغتصب السلطة من صاحبها الشرعي الضعيف هشام المؤيد، وكان همه الأول الحرب يضيف فيها نصرا إلى نصر - يكره العلوم التي قد تعارض الدين، ومع هذا ففي العلوم الإسلامية غنى عنها، ففعل ما فعل بقلب راض، وإن كان متأثرا ببعض العوامل التي تقدمت الإشارة إليها؟
على أنه ليس مما يهم كثيرا في هذا البحث أن نحقق الدوافع التي دفعت المنصور إلى إعدام كتب العلوم القديمة، وإن كنا نكاد نجزم بأنه ليس منها الحدب على الدين ودفع ما قد يتعارض مع بعض العقائد التي جاء بها، بل لعل اجتماع تلك العوامل يرجع إلى عمله على ستر فعلته في اغتصابه السلطة، واسترضاء العامة ورجال الدين؛ ليتأتى له المحافظة على الجاه والسلطان.
نقول: إن تحقيق ذلك ليس مما يهمنا كثيرا هنا، وإنما المهم أن نسجل أمورا لها خطرها بالنسبة للفلسفة ومن كانوا يعنون بها: (1)
Página desconocida