فقالت خديجة بلهجة ذات مغزى: ولكن هذه المرة غير المرة الأولى.
أدركت الفتاة ما وراء هذه الكلمات بسرعة البرق، فخفق قلبها خفقان اللوعة والحسرة، وبكى وجدا وحبا، ذلك الحب الكامن يثار بالإشارة تجيئه من الخارج عفوا أو قصدا كما يثار الجرح أو الدمل باللمس والشك، وهمت بالكلام ولكنها أمسكت مضطرة؛ لأن أنفاسها لم تسعفها فخافت أن تفضحها نبراتها، وعند ذاك تنهدت خديجة قائلة: لهذا تجدينني في غاية الحزن والأسف، ولكن ربنا كريم، وما شدة إلا وبعدها الفرج، فعسى أن ينتظر ويصبر ويكون من نصيبك بالرغم مما بدا.
وهتفت جوارحها: «يا ليت.»
أما لسانها فقال: سيان عندي، الأمر أبسط مما تظنين. - أرجو أن يكون كذلك ... إني جد حزينة وآسفة يا عائشة.
وفتح الباب فجأة وبدا شبح كمال في الشعاع الخافت الذي تسلل من فرجة الباب، فصاحت به خديجة في ضيق: لماذا جئت؟ وماذا تريد؟
فقال الغلام بصوت يشي باحتجاجه على سوء مقابلتها له: لا تنهريني ... وأفسحي لي.
ووثب إلى الفراش وركع بينهما، ثم دس يدا إلى واحدة ويدا إلى الأخرى، وراح يدغدغهما ليهيئ لحديثه جوا طيبا غير الجو الذي أنذرت به نهرة خديجة، ولكنهما نترتا يديه وقالتا بصوتين متتابعتين: آن لك أن تنام، فاذهب ونم.
ولكنه هتف في غيظ: لن أذهب حتى أعرف ما جئت أسأل عنه! - عم تسأل في هذه الساعة من الليل؟
فقال مغيرا لهجته حتى يستجيبا له: أريد أن أعرف هل تتركان بيتنا إذا تزوجتما؟
فصاحت به خديجة: انتظر حتى يجيء الزواج!
Página desconocida