لاهيا عن تبصر واعتبار
حنانيك يا وطنا عزيزا خصيبا يا ملعبي في طفولتي، ونزهتي في شبابي، إني سأقضي فيك شهرا مثل الشهور العديدة التي قضيتها فيك من قبل فرحا، مسرورا، محاطا بعناية أمي وعمي، سأقضي في ربوعك شهرا أبكيه بعد ذهابه، وأحن إلى مثله ما دمت بعيدا عنك ... والآن فلنغنم اللذات ولا نرثيها قبل الفوات ... (انتهى الجزء الأول ويتبعه الجزء الثاني.)
الجزء الثاني
العلم عذاب وأعلم الناس أبكاهم على الحقيقة المقدرة.
شجرة العلم ليست شجرة الحياة.
بيرن منفرد
الفصل الأول
لما عدت من افريه بعد شهر كان قصيرا، قضيته في خمائلها أجدد ذكرى أيام صباي، وجدت في بيت فركنباك ذات الوجوه والعوائد التي كنت أعهدها، واستقبلني البارون كالمعتاد بهز كتفه، ووجه يغيب في الابتسام، ولم يتغير شيء في الحال التي عهدتهم عليها منذ شهر، فوصلت طرف السلسلة الأخيرة بطرفها الأول، ولحمتهما باعتناء ودقة، بحيث صارت يصعب على المتأمل رؤية لحام فيها.
وفي اليوم التالي قال لي البارون: قد ارتكبت غباوة ما بعدها غباوة، حين أذنت بسفرك، على أن هذا لا يكون مرة أخرى فتأكد ذلك، فإنك لا تستطيع معرفة الفراغ الذي وسمته غيبتك في قلبي، وليس ذلك من حيث الشغل فقط، أبشرك أن أقواما من أصدقائي سيحيون ليالي رقص تنهال انهيالا، ونظرا لما بيننا من صلات الود والصداقة طلبت إليهم أن يجعلوك في عدادهم فلبوا مطيعين، فهيئ فخذيك للرقص.
فلم أظهر له ارتياحا للرقص على أنه استأنف الكلام فقال: ماذا؟ ألا تدري أن ريتا لا تفارق البيت، وأن لويزا ستكون في هذه الهيئة بدلا منها، أولا تعلم أني أكره الرقص والمراقص كالموت، وأفضل سيقان جوزيفا على ألف رقصة وراقصة؟ فماذا يحل بتلك الغادة الصغيرة بين ملأ وفير لا تعرفه إذا لم يكن ثمت من يقدم لها ذراعه من أصدقائها؛ فتذهب معه إلى المطعم إذا جاعت أو عطشت؟ إني أحتم عليك أن ترافقها إلى كل المراقص، وتكون رفيقها في كل الرقصات. أتفهم؟ ألا تشكرني على هذا الفضل أيها الحيوان؟
Página desconocida