أزرى بغصن البانة المتخطر
متمايل الأعطاف ورد خدوده
يغني المحب عن الشقيق الأحمر
جمع المحاسن إذ تثنى قده
وتفردت ألحاظه بتكسر
فإذا رنا يسبي العقول أو انثنى
تحلو رشاقة قده للمبصر
فوضعت خمارها وبرنيطتها على فراشي، وقالت لي بصوت مضطرب من السرور: «آه يا حبيبي كيف يمضي يوم كامل ولا أراك ...؟ كم كان هذا اليوم طويلا!» فأجلستها قرب المصطلى المشبوب، وجلست على أقدامها أشتم رائحة أنفاسها العطرة، فقالت: ها نحن معا الآن أيها الحبيب لا نخشى رقيبا، كلانا عاشق ومعشوق، ليتك تعلم كم أخاف الرقباء، وأشتهي لهم الضراء؛ لأني أود أن أعيش منعمة سعيدة آمنة، ولا سعادة لي إذا فصلت عنك ... هل وجدت طريقة سهلة لأن نجتمع معا ونتحاب دون أن تصل إلينا أعين العيون والعواذل، أم لم يدر بعد في رأسك العديم الاهتمام بالأشياء هذا الأمر الضروري ... أما أنا فكنت بالأمس أفتش بلا انقطاع على بيت بعيد عن الناس، لا تجوز إليه أنظار الجواسيس الأشرار، وبعد تعب وجهد وجدت منزلا موافقا في طريق كوبنهاك فاكتريته للحال، وجئت إليك لأهنئك، ألا تشكر لي فعلي ...؟ ألا تحرك فمك لتقبيل خدي ...؟ ألا تحرك يديك لتضمني ...؟ فضممتها إلى صدري، وملأتها بالقبل، وقلت: إني كنت أتأمل بهاءك يا خنتي المعبود، وكنزي المرصود، فقالت : ويسرك أكثر أن صاحبة البيت أرملة لا تملك غيره، فهي تعيش بأجرته، وللبيت بابان ومفتاحان، هذا مفتاح لك، والآخر لي، وخذ هذه نمرة البيت فيجب عليك من الآن فصاعدا إذا شئت أن ترسل لي كتابا أم تلغرافا أن ترسله بهذا العنوان، وأن تذهب إليه في كل مساء بعد انصرافك من المكتب، فربما أكون هناك من حيث لا تعلم.
ثم قامت ولبست برنيطتها، وقبل أن تضع الخمار على وجهها ضمتني إلى أقداس صدرها وقبلتني، ولما رأت علي ملامح الحزن، قالت: خرجت من البيت على غير عادة أن أخرج منه في مثل هذه الساعة، وأخاف أن يسأل عني البارون إذا طالت غيبتي ... فأستودعك الله يا حبيبي وحياتي ... موعدنا قريب.
كانت زيارتها أقصر من لمع البرق، ولما خرجت شعرت بميل لرؤية بيتنا الجديد، وإذ لم تكن لي أشغال تمنعني سرت إلى حي أوروبا، وبينا كنت سائرا كنت أتأمل بجرأة ريتا، وحرية ضميرها، وأحسدها على شجاعتها، ونشاطها الطبيعي، ووددت لو يكون لي مثل أخلاقها وصفاتها ... ومن لا يعجب من ريتا وهي بالأمس ولد حبها، واليوم أضحى لها معبودا وصار كأنه من ضروريات حياتها، أما أنا فلست أكثر من آلة غير عاملة، وكان المنزل الجديد على ما يوافق حالنا خاليا من حركة الناس وأصواتهم، وهو طبقة فوق طبقة، ونوافذه محكمة، وداخله نظيف جدا، أما مفروشاته فكانت من الحرير الأحمر المعرق، وفي القاعة مرآة كبيرة وزخارف عديدة، ومع أن ريتا لم تأته أكثر من مرة، فقد ملأته من آثارها، فوضعت على المصطلى زهورا كثيرة الأنواع، وجرائد مختلفة اللغات واللهجات، ورأيت صورتها على إحدى الطاولات ملفوفة بشرائط حمراء في طاقة كبيرة من الورد.
Página desconocida