قلت: وهذا القول الآخر هو الذي ذكروه في كتبهم المتأخرة فإنه قال في شرح المقاصد مجيبا عن المعتزلة في قولهم: لو لم يثبت القبح والحسن إلا بالشرع لم يثبت أصلا؛ لأن العلم يحسن ما أمر به الشارع أوأخبر عن حسنه، ويقبح ما نهى عنه أو أخبر عن قبحه يتوقف على أن الكذب قبيح لا يصدر عنه، وأن الأمر بالقبح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به وذلك إما بالعقل والتقدير أنه معزول لا حكم له، وإما بالشرع فيدون.
والجواب: أنا لا نجعل الأمر والنهي دليل الحسن والقبح لنرد ما ذكرتم، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلق الأمر والمدح، والقبح عن كونه متعلق الذم والنهي.
قال إمام الحرمين: ومما يجب التنبيه له قولنا لا يدرك الحسن والقبح إلا بالشرع تجوز حيث يوهم كون الحسن زائدا على الشرع موقوفا إدراكه عليه، وليس الأمر كذلك، بل الحسن عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله، وكذلك في القبح وإذا وصفنا فعلا بالوجوب فلسنا نقدر للفعل الواجب صفة بها يتميز عما ليس بواجب، وإنما المراد بالواجب الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابا، وكذا الحظر. انتهى.
فحاصل ما ذكروه أن الفعل ليس له صفة حسن ولا قبح لا قبل ورود الشرع ولا بعده، فالإيمان ليس له صفة حسن، وكذلك عبادة الأوثان ليس لها صفة قبح لا سمعا ولا عقلا كما حققوه عن أنفسهم في تحقيق مقالتهم لما لزمهم القول به أو الدور.
Página 28