الخطبة بها فقال: ﴿يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش ...﴾ إلى آخر السورة. وأنت علقت هذا القول على دابة يدركها البصر في مدى اللحظة ويحيط بمعانيها العلم في اليسير من مدة الفكر، ثم اقتصرت من عظيم ما فيه من العجب على ذكر المشفر والذنب، فما أشَبِّه قولك هذا إلا بما أنشدنيه بعض شيوخنا لبعض نظرائك:
وإني وإني ثم إني وإنني ... إذا انقطعت نعلي جعلت لها شسعا
أي صغير ما أتيت به في عجز كلامك من عظيم ما أصميته في صدره ويسير ما رضيت به في آخره من كثير ما أنميته في أوله، وإذ قد دلك فيالة رأيك وسوء اختيارك على معارضة القرآن العظيم بذكر الفيل وأوصافه، فهلا أتيت منها بما هو أشف قليلًا وأشفى وأجمع لخواص نعوته وأوفى فتذكر ما أعطيته هذه البهيمة العجماء من الذهن والفطنة التي بها تفهم عن سائسها ما يومئ به إليها من تدبيره، وهلا تعجبت وعجبت من ذلك من حسن مواتاتها وطاعتها له إذا أغراها، وقرب ارتداعها إذا زجرها ونهاها. وهلا فرنت إلى ذكر مشفرها ذكر نابيها اللذين بهما تصول، وبسنانهما تطعن وتجرح.!! وكيف أغفلت أمر أذنيها العريضتين اللتين تلحفهما وجهها وتذب بتحريكهما البق والذباب عن صما خيها وعينيها، وبهما تروح على نواحي رأسها،
1 / 67