مستعار من إراحة الراعي الإبل إلى مباتها، وهو كلام مطبوع سهل يجمع البلاغة والعذوبة؛ إلا أن في أبيات امرئ القيس من ثقافة الصنعة وحسن التشبيه وإبداع المعاني ما ليس في أبيات النابغة، إذ جعل لليل صلبا وأعجازا وكلكلا، وشبه تراكم ظلمة الليل بموج البحر في تلاطمه عند ركوب بعضه بعضًا حالا على حال، وجعل النجوم كأنها مشدودة بحبال وثيقة فهي راكدة لا تزول ولا تبرح، ثم لم يقتصر على ما وصف من هذه الأمور حتى عللها بالبلوى ونبه فيها على المعنى، وجعل يتمنى تصرم الليل بعود الصبح لما يرجو فيه من الروح، ثم ارتجع ما أعطى واستدرك ما كان قدمه وأمضاه فزعم أن البلوى أعظم من أن يكون لها في شيء من الأوقات كشف وانجلاء، والمحنة فيها أعلظ من أن يوجد لدائها في حال من الأحوال داء وشفاء، وهذه الأمور لا يتفق مجموعها في اليسير من الكلام إلا لمثله من المبرزين في الشعر الحائزين فيه قصب السبق، ولأجل ذلك كان يركض الوليد برجله إذ لم يتمالك أن يعترف له بفضله.
فبمثل هذه الأمور تعتبر معاني المعارضة فيقع بها الفصل بين الكلامين من تقديم لأحدهما أو تأخير أو تسوية بينهما.
وقد يتنازع الشاعران معنى واحدًا فيرتقي أحدهما إلى ذروته ويقصر شأو الآخر عن مساواته في درجته، كالأعشى والأخطل حين انتزعا
1 / 63