ولم يركبوا تلك الفواقر المبيرة، ولم يكونوا تركوا السهل الدمث من القول إلى الحزن الوعر من الفعل، وهذا ما لا يفعله عاقل ولا يختاره ذولب. وقد كان قومه قريش خاصة موصوفين برزانة الأَحلام، ووفارة العقول والألباب. وقد كان فيهم الخطباء المصاقع والشعراء المفلقون. وقد وصفهم الله تعالى في كتابه بالجدل واللدد فقال سبحانه: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بل هُمْ قومٌ خَصِمون﴾ وقال سبحانه: ﴿وتُنذِرَ بِه قوما لُدَّا﴾. فكيف كان يجوز - على قول العرب ومجرى العادة مع وقوع الحاجة ولزوم الضرورة - أن يغفلوه ولا يهتبلوا الفرصة فيه، وأن يضربوا صفحًا، ولا يحوزوا الفلح والظفر فيه لولا عدم القدرة عليه والعجز المانع منه. ومعلوم أن رجلا عاقلا لو عطش عطشًا شديدا خاف منه الهلاك على نفسه وبحضرته ماء معرض للشرب فلم يشربه حتى هلك عطشَا [لحكمنا] أنه عاجز عن شربه غير قادر عليه. وهذا بين واضح لا يُشكل على عاقل.
قلت: وهذا - من وجوه ما قيل فيه - أبينها دلالة وأيسرها مؤونة. وهو مقنع لمن تنازعه نفسه مطالعة كيفية وجه الإعجاز فيه.
وذهب قوم إلى أن العلة في إعجازه الصرفة، أَي صرف الهمم عن المعارضة، وإن كانت مقدورًا عليها، وغير معجزة عنها؛ إلا أن العائق من حيث كان أمرًا خارجًا عن مجاري العادات صار كسائر المعجزات. فقالوا: ولو كان الله ﷿ بعث نبيًّا في زمان النبوات، وجعل معجزته في تحريك
1 / 22