القرآن إنما وقعت في أفصح وجوه البيان وأحسنها، لوجودنا أشياء منها بخلاف هذا الوصف عند أصحاب اللغة وأهل المعرفة بها كقوله: ﴿فأكله الذئب﴾ وإنما يستعمل مثل هذا في فعل السباع خصوصًا "الافتراس"، يقال: افترسه السَّبُعُ. هذا هو المختار الفصيح في معناه، فأما الأكل فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان دون نوع. وكقوله: ﴿ذلك كيل يسير﴾ قالوا: وما اليسير والعسير من الكيل والاكتيال، وما وجه اختصاصه بهذه وأنت لا تسمع فصيحًا يقول: كِلت لزيد كيلًا يسيرًا إلا أن يعني به أنه يسير العدد والكمية. وكقوله ﴿وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم﴾، والمشي في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل ذلك أن امضوا وانطلقوا لكان أبلغ وأحسن. وكقوله: ﴿هلك عني سلطانية﴾ وإنما يستعمل لفظ الهلاك في الأعيان والأشخاص كقوله: هلك زيد، وهلك مال عمرو ونحوهما، فأما الأمور التي هي معان وليست بأعيان ولا أشخاص فلا يكادون يستعملونه فيها. ولو قال قائل: هلك عن فلان علمه أو هلك جاهه على معنى ذهب علمه وجاهه لكان مستقبحًا غير مستحسن. وكقوله سبحانه: ﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾ وأنت لا تسمع فصيحًا يقول: أنا لحب زيد شديد، وإنما وجه الكلام وصحته أن يقال: أنا شديد الحب لزيد، وللمال ونحوه. وكقوله سبحانه: ﴿والذين هم للزكاة فاعلون﴾ ولا يقول أحد من الناس: فعل زيد الزكاة، إنما يقال: زكى الرجل ماله، وأدى زكاة ماله، أو نحو ذلك من الكلام، وكقوله سبحانه: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًا﴾، ومن الذي يقول:
1 / 38