واقتضى من كل واحد منهما أخص البيانين فيما وضع له من المعنى وضمنه من المراد. وحدثني عبد الله بن أسباط عن شيوخه قال جمع هارون الرشيد سيبوبه والكسائي فألقى سيبويه على الكسائي مسألة فقال: هل يجوز قول القائل: كاد الزنبور يكون العقرب فكأنه إياها أو كأنها إياه؟ فجزوه الكسائي على معنى كأنه هي أو كأنها هو، وأباه سيبويه، فأحضر الرشيد جماعة من الأعراب الفصحاء كانوا مقيمين بالباب وسألهم عنها بحضرتهما فصوبوا قول سيبويه ولم يجوزوا ما قاله الكسائي، قيل وذلك أن حرف (إيَّا) إنما يستعمل في موضع النصب، وهي هنا في موضع رفع فلم يجز. ومثل هذا كثير واستقصاؤه يطول.
قلت: ومن هاهنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن، وتركوا القول فيه حذرًا أن يزلوا فيذهبوا عن المراد، وإن كانوا علماء باللسان، فقهاء في الدين؛ فكان الأصمعي - وهو إمام أهل اللغة - لا يفسر شيئًا من غريب القرآن. وحكي عنه أنه سئل عن قوله سبحانه: ﴿قد شغفها حبًا﴾ فسكت وقال: هذا في القرآن، ثم ذكر قولًا لبعض العرب في جارية لقوم أرادوا بيعها: أتبيعونها وهي لكم شغاف؟. ولم يزد على ذلك، أو نحو هذا الكلام.
قلت: ولهذا ما حث النبي ﷺ على تعلم إعراب القرآن وطلب معاني الغريب منه. نا إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدثني محمد بن وهب الثقفي، قال حدثني محمد بن سهل العسكري قال حدثني ابن أبي زائدة عن عبدالله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ".
1 / 34