وكيفما كانت الحال ودارت القصة، فقد حصل باعترافهم قولًا، وانقطاعهم عن معارضته فعلًا أنه معجز، وفي ذلك قيام الحجة وثبوت المعجزة، والحمدلله.
ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذى يكون معه سقوط البلاغة، ذلك أن فى الكلام ألفاظًا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب؛ كالعلم والمعرفة، والحمد والشكر، والبخل والشح، وكالنعت والصفة، وكقولك: اقعد والجلس، وبَلَى ونعم، وذلك وذاك، ومن وعن، ونحوهما من الأسماء والأفعال والحروف والصفات مما سنذكر تفصيله فيما بعد، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك، لأن كل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها وإن كانا قد يشتركان في بعضها. تقول: عرفت. يقتضى مفعولًا واحدًا كقولك: عرفت زيدًا، وعلمت يقتضى مفعولين، كقولك: علمت زيدًا عاقلًا ولذلك صارت المعرفة تستعمل خصوصًا في توحيد الله تعالى وإثبات ذاته، فتقول عرفت الله، ولا تقول علمت الله، إلا أن تضيف إليه صفة من الصفات فتقول: علمت الله عدلًا، وعلمته قادرًا، ونحو ذلك من الصفات. وحقيقة
1 / 29