Batl Fatif Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Géneros
إنها كانت ترغب دائما في العمل مع إنكلترا والنمسا وروسيا وبروسيا لخدمة السلام، ولم تنظر إلى المقترحات التي عرضت عليها من وجهة مصلحتها الخاصة، بل من وجهة المصلحة العامة؛ لأنها - دون سائر الدول - منزهة في الشرق عن الأغراض. لهذا اعتبرت كل المقترحات التي ترمي إلى حرمان محمد علي بقوة السلاح المنطقة التي يحكمها الآن من أملاك تركيا، مقترحات جائرة، ولا تظن أن ذلك مفيد للسلطان؛ لأنهم يعطونه ما لا يستطيع صيانته ولا إدارته، ولا ترى أن ذلك مفيد لتركيا على وجه عام، ولا للتوازن الأوروبي على وجه التخصيص؛ لأنه يضعف تابعا يستطيع أن يدافع عن وجود الدولة دون أن ينيل المتبوع أية فائدة، على أن المسألة مسألة أسلوب وطريقة تختلف فيها الأنظار. وإذا كانت فرنسا قد عارضت في استخدام القوة، فلأنها لم تعرف الوسائل التي تتذرع بها الدول الخمس، وظهر لها أن هذه الوسائل إما أنها نافعة وإما أنها مضرة. ومع ذلك لم يقترح عليها في العهد الأخير أي اقتراح تستطيع المناقشة فيه، فلا يصح أن يعزى إليها رفض ما لم يعرض عليها. وعلى ذلك هي تعلن أن اتخاذ أي قرار دون التذرع بوسائل التنفيذ، لهو قرار ليس ثمرة التفكير، بل هو قليل التدبير، كذلك القرارات دون وسائل التنفيذ أو بوسائل مترددة بين النفع والضرر.
لا شك أنهم غنموا فرصة انتقاض بعض أهالي لبنان ليجدوا في هذا الانتقاض وسيلة التنفيذ التي لم تبد قبل اليوم. فهل هذه الوسيلة وسيلة شريفة؟ وهل هي مفيدة لتركيا ضد والي مصر؟ فلم يريدون تعزيز السلام وهم في الوقت ذاته يبذرون بذور الفتن والثورات في أراضي السلطنة؟! فهم يزيدون الاضطراب العام الشامل اضطرابات جديدة. وهل هم يقدرون على إخضاع هذه الشعوب بعد إثارتها على الوالي؟
فهب أن محمد علي أخمد الثورة، وهب أنه أعاد حكمه على سوريا؛ فهل تكون بعد ذلك أقل تمسكا وألين شكيمة؟ وهل إذا رفض المقترحات التي تعرض عليه ماذا تكون وسائل الدول الأربع؟
إن هذه الوسائل التي صرفوا سنة في البحث عنها لم يجدوها فجأة، وفي هذه الحالة يكونون قد أوجدوا خطرا جديدا أشد من سواه، وهو أن محمد علي الذي أثاروا حفيظته والذي ساعدت فرنسا على إيقافه، قد يتجاوز طوروس ويكرر تهديد إستامبول. فماذا تفعل الدول الأربع في هذه الحالة؟ وما هي وسائلها لدخول الأراضي التركية لإعانة السلطان؟ إن فرنسا ترى أنهم أعدوا لاستقلال تركيا وللسلم العام خطرا أشد من خطر مطامع والي مصر.
فإذا كانت الدول الأربع لم تنظر إلى هذه النتائج، فإنها تكون قد اتجهت طريقا مظلما وخطرا، وأما إذا كانت قد نظرت إلى الوسائل والنتائج، فالواجب عليها أن تعلنها لأوروبا ولفرنسا على وجه التخصيص، وهي لا تزال تطلب منها استخدام نفوذها الأدبي في الإسكندرية.
وفرنسا تعتبر أن ما بذلته من النفوذ الأدبي كان فرضا عليها، وترى أن هذا الفرض محتم أيضا عليها في الموقف الذي وقفته الدول الأربع ... إلخ.
ولما سلم سفير فرنسا هذه المذكرة للورد بالمرستون وسأله عن سبب إهمال فرنسا، أجابه: إن حكومتكم لم ترض أن تكون حدود حكم محمد علي خليج عكا، وأجابتنا أن محمد علي لا يسلم بأي تقسيم لبلاد سوريا، فاعتبرنا ذلك من حكومة فرنسا قرارا حاسما، فانصرفنا لغرضنا. وزاد على ذلك قوله إنهم لا يحصرون السواحل؛ لأن محمد علي ليس سيد البلاد وليست له صفة المحارب، فحق الحصار للسلطان وحده، فهو سيعمل كل ما يستطيع عمله بقوته، ونحن لا نتعرض للمصالح التجارية ولا لحقوق المحايدين. •••
ولا شك في أن ثورة اللبنانيين - كما جاء في مذكرة فرنسا - كانت السبب الأول الذي دفع الدول الأربع للإقدام على الإسراع بعملها، بعد أن عملت لإعداد تلك الثورة منذ زمن بعيد، حتى إن حزب المحافظين في إنكلترا - وكان يعارض سياسة بالمرستون - أوفد إلى سوريا اثنين من نوابه لدرس الحالة، فلما عاد اللورد إجرتون واللورد ألفونيلي قدما تقريرا عن إعداد الثورة اللبنانية التي تجعل مركز إبراهيم باشا ضعيفا جدا.
بدأت هذه الثورة في أواخر مايو سنة 1840، وكانت لها أسباب عدة؛ أولها: تحريض قناصل الدول في بيروت لما كان بينهم وبين إبراهيم باشا من النزاع على السلطة. والثاني: انتشار رسل الإنكليز والنمساويين وتوزيعهم الأموال على الناس وإغرائهم على الثورة. والثالث: إدخالهم في وهم الأهالي إزالة حكم بلادهم من يد أمرائهم وشيوخهم، وتجنيد شبانهم ونزع سلاحهم، ثم قرار الدول على أن ترسل جيوشها إلى لبنان. حتى إن أولئك الرسل كانوا يئولون أقل حركة تبدو تأويلا يوغر الصدور، كتأويلهم نقل مركز سليمان باشا الفرنساوي من صيدا إلى بيروت بأنه لتجنيد اللبنانيين، والاستشهاد على ذلك بتجنيد بعض الطلبة اللبنانيين الذين كانوا يتلقون العلم في مصر، وكتأويلهم وصول مركب من مصر إلى بيروت مشحونا بالملابس العسكرية، بأن هذه الملابس للشبان اللبنانيين الذين يجندون، وضاعف في هذه الدعاية إضعاف سلطة الأمير بشير والأمراء وطلب الفردة (وهي الضريبة الشخصية عن سبع سنين مقدما. والفردة أن يدفع كل شخص من سن الخامسة عشرة فصاعدا ضريبة أقلها 15 قرشا وأكثرها 500 قرش)، وعن الأحياء والأموات المقيدة أسماؤهم بالدفاتر وكانوا يدفعون المال لأميرهم. أضف إلى ما تقدم سخط أصحاب الإقطاعيات الذين زل نفوذهم. ولما وصلت في أثناء ذلك قوة من الجيش المصري إلى بعلبك وأخرى إلى طرابلس أولوا مجيئها بأنه لإكراه اللبنانيين على تسليم السلاح، وعلى دفع الفردة عن سبع سنين، وعلى تجنيد الشبان. فدارت المفاوضة بين النصارى والدروز على ما يجب عمله، فقرر زعماؤهم في اجتماع عقدوه في دير القمر مقاومة إبراهيم باشا إذا هو حاول أخذ جندي واحد منهم، وأنشئوا صناديق لمشترى السلاح، وكانت كل مقاطعة قد انتدبت اثنين للنيابة عنها. واتفق الجميع على بث دعوة العصيان، ووجهوا إلى أعيان البلاد رسالة قالوا فيها إن إبراهيم باشا أمر بجمع السلاح، وأنهم بسطوا له الرجاء مرارا ليبقي لهم السلاح في أيديهم، فرفض. والمراد من نزع السلاح تحصيل فردات وتجنيد الشبان؛ لذلك أعلنوا العصيان خوف الغدر بهم، وهم لا يقدمون الطاعة إلا لأميرهم ... إلى قولهم في تلك الرسالة:
أمس تاريخه حضر لنا علم من صيدا بأنه تتوجه علينا عسكر. وفي النهار ذاته توجه من هذا الطرف عسكر وصحبته المشايخ بيت أبو نكد. وساعة تاريخه نهار الخميس حضرت لنا بشارة سنية بأنهم ظفروا بهؤلاء الخارجين، وأخذوا منهم مائة وثمانين بارودة، ولا زالوا منتظرين على جسر صيدا بانتظار العساكر التي تمر لجهتنا، فنرغب أن تكونوا - كما نحن - منتظرين سهرانين ولكم أعين بجهة نواحي بيروت وجهة الشمالية. وكلما جد عندكم عرفونا حالا صحبة مخصوص، وبحوله تعالى أنتم الظافرون، ولا يلزم أن نحثكم على التيقظ، كون هذا صالحه عائد للجميع. نسأله تعالى أن نسمع عنكم كل ما يسر الخاطر حسب عوائدكم السابقة.
Página desconocida