Lo que queda del tiempo es una hora
الباقي من الزمن ساعة
Géneros
ومن شدة حبها لرشاد قالت أيضا: التنوع له جماله أيضا!
أما شفيق فكان أشبه الأحفاد بحامد برهان، فاق والده محمد في ذلك، وكان ذا صوت مقبول يحاكي به الأغاني الخفيفة، وبشر اجتهاده بحياة مدرسية ناجحة، وكان يغالي في عواطفه حتى يضيق به أبوه أحيانا، ويحول بينه وبين محاولة التسلط على أخته سهام. وكانت سهام صورة من عمتها منيرة في جمالها البراق وذكائها اللامع فسر محمد بذلك سرورا لا مزيد عليه. وأما ابنا منيرة فقد عرف أمين بالاجتهاد كما عرف علي بالعناد، واتفقا معا في طول غير عادي، حتى قال سليمان بهجت: هكذا كان والدي.
واعتاد محمد ومنيرة - وأفراد أسرتيهما - أن يتناولوا الغداء كل جمعة في البيت القديم مع سنية وكوثر ورشاد. توثقت الصلات بين الصغار، ووضح الخلاف بجلاء بينهم وبين آبائهم. وسعدت سنية بالزيارة الدورية سعادة خففت من وطأة آلامها الدفينة وأحلامها الملحة. وبإزاء تعنت أحلامها تحول اهتمامها مؤقتا إلى ذاتها، ند ذلك عنها دون شعور أو تخطيط ولكنها انساقت إليه خطوة بعد خطوة، كأنما قررت أن تصون نفسها من شوائب الزمن؛ مرة لا تعجبها أسنانها فتمضي إلى طبيب الأسنان للتنظيف أو الحشو أو الوقاية، ومرة تتوعك عيناها وهي تقرأ فتذهب إلى طبيب العيون فيعد لها نظارة طبية. وعلى حين أن كوثر تتوارى في زهد وتكبر قبل الأوان وتتعبد في حماس فإن سنية - على تدينها وتقواها - ضاقت بأول شعرة بيضاء تحبو وسط شعرها الفاحم، كرهت منظر الشيب ووجدته متنافرا مع ما تحظى به من صحة جيدة. وفي الحال أحيت تقليدا كانت أمها تتبعه في حياتها وهو صبغ شعر رأسها بالحناء فتحل الحمرة الداكنة المتفردة محل السواد التليد والبياض الوليد. وترى كوثر وهي ترمقها باسمة فتقول بوقار متغلبة على حيائها: إنها وصية جدتك يا بنت!
وهي فخور بنفسها، بذكائها واطلاعها الدائب، وتضع نفسها في موضع أعلى من محمد ومنيرة المتعلمين في إدراك أبعاد الحياة المعاصرة، بالإضافة إلى موهبة الحلم والحدس التي لم ينعم الله عليهما بشيء منها، ولكنها كانت تكره الشيخوخة ومظاهرها وترنو إلى شباب دائم مازجة ذلك بحب صاف للحياة ولله خالق كل شيء. وفي لقاءات الجمعة لمست تطلع محمد ومنيرة لإعداد أبنائهما للطب أو الهندسة فخامرها قلق من ناحية حبيبها رشاد وما يستطيع أن يحققه لمستقبله. وتملت جمال سهام بنت محمد فرأت أنه سيكون هدفا يدور حوله رشاد وأمين وعلي، وأنه سيثير متاعب عاطفية في أسرتها الممتحنة بعواطفها دائما وأبدا؛ فسألت الله السلامة، وعزت نفسها متنبئة بأن صاحب القسمة والنصيب سيفور بها قبل أن يقع أحد أقربائها في حبها. وفي حماية العلاقة الأسرية نشبت مناقشات صريحة بين محمد وسليمان بهجت، تبدأ عادة عندما يذهب الأحفاد للعب في الحديقة أو للمشي في شوارع حلوان الهادئة المترعة بالنقاء والجفاف. يقول محمد متأسفا: حتى أمام الابن لا يأمن الأب أن يفضي بذات نفسه!
فيقول سليمان ومنيرة تضحك منه في سرها: ملايين الفقراء لا يعرفون الخوف، إنه عهد الفقراء!
فيقول محمد: خير من ذلك أن يكون عهد الفقراء والأغنياء على السواء فالله خالق الجميع ومدبر لكل عملا صالحا يرضاه!
ومضت الزعامة الجديدة تتوطد وتعلو من سماء إلى سماء حتى وحد سحرها المتطاير ما بين مصر وسوريا في وحدة باهرة. تجسدت القومية العربية كحقيقة زاحفة مثلما تتجسد في الخيال كحقيقة تاريخية. وعبده الأحباب، وسلم به الأعداء مقرين بأنه ليس ابنا للمصادفات أو المؤامرات الأجنبية ولكنه ابن القدر المنذور لتغيير مجرى التاريخ. وانقلبت الرعية إلى نسور ودناصير، وتعملقت الدولة الجديدة، وألقت السماء بلسما ليداوي جرح أمة تمرغت في التراب قرونا تحت أقدام القهر والعدوان. وما مضى وقت يذكر في تاريخ الأمم حتى انتبه السعداء على جعجعة نيزك داهم على الوحدة فيفتتها في لحظة مهداة للأحزان. أي رد فعل عنيف هز الناس المتزاحمين حول الراديو في شتى المواقع! قال كل إنسان ما يشتهي، وانتفضت من جديد أصوات الشماتة والسخرية. وتلقى الزعيم الضربة بغضب، ثم ردها بعنف نحو مرمى جديد فانفجرت القرارات الاشتراكية، وحقق الفقراء نصرا تاريخيا من خلال معركة لم يقتربوا خطوة من ميدانها. وقال الأستاذ عبد القادر قدري لمحمد: لم يعد للمحاماة وزن! - كان الرجل في الأربعينيات عضوا بمجلس النواب، وعين في الخمسينيات عضوا بمجلس الشيوخ، وكان خطيبا ذا شأن وبرلمانيا ممتازا، وهو اليوم يبدو شاحبا هرما دائم الامتعاض، معدا حقيبته لأي اعتقال محتمل. وأدرك محمد أبعاد الموقف فأفضى به لألفت، ثم قال: ستزداد الحياة عسرا.
واهتمت كوثر لأول مرة بما يجري حولها. لم تمسها الإقرارات في شيء ولكنها شعرت بأن فوهة المدفع مسددة نحو القلعة التي تنتمي إليها، وسألت أمها: ماذا يخبئ لنا الغد؟
فقالت سنية: المخبأ في الغد مكتوب قبل أن تخلق السماوات والأرض!
فقالت كوثر بإشفاق: إني أفكر في رشاد، وفيك أيضا يا ماما!
Página desconocida