وفي ربيع الأول وصل شيخ برط من ذي محمد، قاسم بن علي ومعه قدر أربعين نفرا، والقاضي علي بن محمد العنسي معه، فوصلوا إلى حضرة أحمد بن الحسن الغراس، ثم ساروا إلى حضرة الإمام ومن معه من الناس، وسبب وصولهم أن محمد بن أحمد طلب منهم أنه سيقدم بلادهم، فأرادوا العذر عن ذلك، فصرفهم إلى الإمام، فأمرهم الإمام بأنه لا بد من دخولها ومشاهم وزلجهم من عنده على ذلك الكلام. وفي خلال وصولهم وعودهم تعرض جماعة من ذي حسين لطريق خيوان ، فصادفوا فيها سيدا وولده من حوث في الجبل الأسود فرموهما، فأصيب ولد السيد وسلم أبوه[8/أ] وهربوا، تعديا وظلما وتمردا وعنادا. ثم إن محمد بن أحمد تحرك حينئذ إلى بلد الخراب، رأس وادي المراشي ، وهي باب برط وطريقه، وأهل برط صاروا مختلفين فمنهم راضي بدخوله، ومنهم كاره، فمن الراضين: ذو محمد، قالوا: حيث قد رجح الإمام ذلك فعلى ما يراه، ولا خلاف.ثم تحرك أحمد بن الحسن من الغراس بجموع كثيرة بعسكره، وضم معهم من قدامهم من القبائل كنهم، ومن الجوف ، وجاءت طريقه الجوف، فلما بلغ برط جاؤوا إلى محمد بن أحمد واهتموا بالطلوع والنفوذ إلى بلادهم، وأرادوا بذلك أو تحصل الكفاية بدخوله عن حركة أحمد بن الحسن، وكتبوا إلى الإمام بأن محمد بن أحمد قد دخل البلاد حسبما أمر، وأحمد بن الحسن تقدم إليهم وجاءت طريقه بطن الجوف مشرقا، في بلاد قافرة ضعيفة شاقة، سار إلى معين ، ثم خرج منه إلى أبراد، وأخذ العسكر من [8/ب] أطراف مواشي بني نوف بعضا جزاء بما فعلوه العام الأول في الجوف، وخرج أحمد بن الحسن إلى وادي خب في بلاد بني نوف من دهمة ، واستقر في طرفه مما يلي برط قدر شهر، فحصل التضرر مع أصحابه فيه، لبعد القوافل والطعامات عن الوصول إليه وكثرة الناس، ثم طلع برط، فأول دخوله بلاد ذي حسين قهرا، واستقر في بلد رجوزة وسط بلاد ذي حسين، فبقى فيها أياما، وكان قد نالهم بهذه الطريقة مشقة وكثرة حيات وعسرة الطريق وكثرة الأشجار، حتى هلك بعض من هلك منها يقال: حرمة من جواري أحمد بن الحسن، وآخرون لدغتهم الحيات، ومات كثير من الخيل والقراش يقال: قدر سبعين حصانا فأكثر، ومحمد بن أحمد حال دخوله برط حصلت فرقة بين ذي محمد وذي حسين، وارتجام فيما بينهم.
ولما استقر أحمد بن الحسن ببرط بعد دخوله شق بأصحابه وجموعه، لضعف البلاد، وعدم ما يقوم بهم من الطعامات والزاد، تفرقوا وسار أكثرهم وعادوا، ولم يبق مع أحمد بن الحسن إلا خاصة أصحابه وعبيده، وأهل[9/أ] برط منهم من تشرق في المحطة، وصار اليأس معه ومن بقى عنده في الحاجة والضرورة، وعدم وجود الحبوب المجلوبة، حتى بلغ القدح قريب خمسة حروف وأربعة.
وفي هذه الأيام أخرب محمد بن أحمد بيتا كان في طرف بلد الأوساط التي سكنها؛ لأجل أنه كان مع برط مجمعا للفساد، وأصله بيت قري جمعة التركي أيام دخل برط، عمره أيام دخوله فيما سبق .
وفي هذه الأيام اعتنى صاحب المخا بعمارة القليع عند المخا وتصليحها وافتقادها؛ لأجل ما وقع من الفرنج وفسادها.
وفي خامس عشر شهر جمادى الأولى خسفت القمر، أكثر جرمها في برج الحمل، وغربت خاسفة.
وفي هذا الشهر مات محمد كاشف ببرط حضرة أحمد بن الحسن، وهذا المذكور كان أول رياسته مع شرف الإسلام الحسن بن الإمام آخر أيامه، ثم ولده أحمد إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان متوليا في المدة السابقة بأصاب ، وهو ممن خرج مع أحمد بن الحسن في الحوادث تلك المدة السابقة، في مدة الإمام المؤيد بالله، ثم عزله أحمد بن الحسن، ولم يترك رعايته، وكان شافعيا في مذهبه، رأيت بخطه في بعض كتبه يقول محمد كاشف الشافعي مذهبا، الشيعي [9/ب] معتقدا.
Página 304