أما من الجهة العلمية فيقول عنهم الكوثري بإنصاف في تقدمته لكتاب "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر ص (18): "والمعتزلة على ضد الحشوية بخط مستقيم أنتجها البحث العلمي، ساقهم شره عقولهم إلى محاولة اكتناه كل شيء وعداؤهم الأصلي نحو الجمود وخطتهم دفع الآراء المتسربة من الخارج إلى الإسلام بحجج دامغة وأدلة عقلية مفحمة ولهم مواقف شريفة في الدفاع عن الدين الإسلامي ازاء الدهريين ومنكري النبوة والثنوية والنصارى واليهود والصابئة وأصناف الملاحدة، وترى الذهبي يترحم على الجاحظ في سير النبلاء حين يذكر كتابه في النبوة، ولم نر ما يقارب كتاب "تثبيت دلائل النبوة" للقاضي عبدالجبار في قوة الحجاج وحسن الصياغة في دفع شكوك المشككين، وليس بجيد الإعراض الكلي عن كتبهم وكم فيها من الفوائد التي لا تزال في أثوابه القشيبة لم تبل بكرور الزمن عليها. وكم كان الاستاذ الامام يجد فيها ما يدفع به خصوم العصر ولا يتحاشى عن الأخذ به من غير بخس لحقهم، إلا أنهم لكثرة اشتغالهم بمناظرة الأخصام عدت منهم إلى عقولهم آراء ابتعدوا بها عن الصواب وانغمسوا في بدع ردها الأصحاب. قال الخطابي صاحب معالم السنن: كانت المعتزلة في الزمان الأول على خلاف هذه الأهواء وانما أحدثها بعضهم في الزمان المتأخر." ا.ه وجاءت تسميتهم بالنظر إلى طرد الحسن البصري لشيخهم واصل بن عطاء حين قرر أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين أي ليس بمؤمن خالص ولا كافر خالص فطرده الحسن من مجلسه فاعتزل واصل إلى احدى السواري وجلس إليه أصحابه فسموا معتزلة، لكن هذا التفسير لاقى معارضة من قبل كثير من الباحثين في القديم والحديث حيث يقول النديم في "الفهرست" ص(282): "قال أبوبكر بن الاخشيد: ان الأعتزال لحق بالمعتزلة أيام الحسن على ما ذكره قوم ولم يصح عندنا ولا رويناه. قال: والمشهور عند علمائنا أن ذلك اسم حدث بعد الحسن. قال: والسبب فيه أن عمرو بن عبيد لما مات الحسن وجلس قتادة مجلسه فاعتزله عمرو ونفر معه فسماهم قتادة المعتزلة. واتصل ذلك بعمرو فأظهر تقبله والرضا به، وقال لأصحابه: إن الإعتزال وصف مدحه الله في كتابه؛ فهذا اتفاق حسن فاقبلوه." ا.ه ويقول أبو الحسين الملطي الشافعي في كتابه "التنبيه والرد" ص(36): "وهم سموا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن بن علي عليه السلام معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك معتزلة." ا.ه ويقول الكوثري في تقديمه لكتاب "التنبيه والرد" للملطي ص(ج،د): "ويظهر من أن هذا لقب اختاروه لأنفسهم فسايرهم الناس في هذا التلقيب مع أن المشهور في سبب تلقيبهم كونهم يقولون بالمنزلة بين المنزلتين، أو اعتزالهم مجلس الحسن البصري وما في هذا الكتاب في سبب التلقيب أقرب وأقعد في المعنى مع كونه من أقدم الروايات على بعد المؤلف من التحيز لهم ..
Página 154