نص
الكتاب
Página 30
بسم الله الرحمن الرحيم لك الحمد يا من نور عقولنا بالدين، وطهر قلوبنا من زيغ الملحدين، وصفى عقائدنا من ضلالات المبتدعين، وخلص أعمالنا من أقاويل المبطلين، وجعلنا من القوم الهادين المهتدين، والصلاة والسلام على خير مبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وعلى تابعيهم إلى يوم الدين.
وبعد؛ فهذه منظومة من علي بها الرحمن المنان، في قواعد التوحيد وأصول(_( ) سقطت من (ب) كلمة أصول. _) الأديان، سالكة أعلى منهج في هذا الشأن، واردة أعذب منهل يجلو الأذهان، تنطق بالصدق في كل نادي، وتصدع بالحق بين الحاضر والبادي، قريبة المأخذ للمتناول، بعيدة الغور عن اعتراض المجادل، سميتها (أنوار العقول)، وما أجدرها بما فيها أقول:
هذه الأنوار لا نجم زهر
فلها ألباب أرباب العلى
قربت في فنها ما قد نأى
ليت أشياخي الألى قد سلفوا
ورأوا تنقيحها في جمعها
فلهم فيها مجال واسع
لا ولاإشراق شمس أوقمر
مطلع زانت به تلك الفكر
وحوت كل مهم معتبر
شهدوا وضع مبانيها الغرر
وانتخابي لمعانيها الدرر
ولها عندهم أعلى قدر
_
وقد كنت شرحتها شرحا مختصرا، على معاني أبياتها مقتصرا، ثم إني زدت على نظمها زيادات، وألحقته جملة أبيات، فرجعت إلى ذلك الشرح فنقحته وإلى هذا المزيد فشرحته، فهاك نظما محررا وشرحا مهذبا مختصرا سميته (بهجة الأنوار) جعله الله لي ذخرا في دار القرار، وهو حسبي ونعم الوكيل.
(بسم الله الرحمن الرحيم)(_( ) في (أ) كتب بعد البسملة "رب يسر وأعن ياكريم" وهي ساقطة من (ب) ويحتمل أن هذه اللفظة من زيادة الناسخ أو أنها زيدت فيما بعد كما يظهر من تغير الخط إلا أن يقال أن المصنف كان قد أتى بها في أول نظمه ل"أنوار العقول" وأدرجها هنا. _)
(الباء) للإستعانه متعلقة بمحذوف مقدم عند النحويين، ومؤخر عند البيانيين لفائدة القصر والإهتمام، وهل ذلك المحذوف اسم أو فعل؟، والحق انه فعل مناسب لغرض المبسمل تقديره بسم الله أبتديء أو أألف أو نحو ذلك.
Página 31
وإضافة اسم إلى الله للبيان أو للحقيقة أو للإستغراق كما في "الهميان"(_( ) هيميان الزاد (1/54 و55)._) وصرح في "حاشية الشذور" أن الإضافة تأتي لما تأتي عليه ال من المعاني، و(الله) علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد.
(الرحمن الرحيم) هل هما اسمان من اسماء الله؟ أو صفتان ؟ وعلى كلا القولين فليسا بعلمين؛ لأن كل واحد منهما كلي ينحصر فيه فرد، والعلم ليس كذلك، وهل هما في أوجه الإعراب صفتان لله ؟ اوبدلان منه ؟ او عطفا بيان؟ وجوه..وهل الرحمن أبلغ معنى من الرحيم؟ أو الرحيم أبلغ معنى من الرحمن؟. أو هما مترادفان في المعنى؟ كما يعلم من المطولات.
Página 32
وابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بما جاء في الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم - : (كل أمر ذي بال لايبدؤ فيه ببسم الله فهو أبتر((_( ) الحديث رواه التاج السبكي بسنده في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/12) بلفظ: "لايبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع". ورواه عبد القاهر الرهاوي في "الأربعين" كما في "كنز العمال" للمتقي الهندي برقم [2491]. قال السيوطي في تفسيره "الدر المنثور" عند الكلام على البسملة من سورة الفاتحة: "وأخرج الحافظ عبد القاهر الرهاوي في "الأربعين" بسند صحيح! عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : »كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع«" ا.ه. _)، وفي رواية (أقطع(، وفي رواية (أجذم(، والمعنى متحد في كلها أي منقطع عن البركات وإن تم بناء لايتم معنى، وكذلك يكون الإبتداء بالحمدلة بعد البسملة اقتداء بالكتاب العزيز؛ فإنها في أول الفاتحة، وعملا بما في الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم - : (كل أمر ذي بال لايبدؤ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة((_( ) الحديث بهذا اللفظ رواه الخليلي في "الإرشاد" ص(118 /دار الفكر) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . ومن طريقه التاج السبكي في "الطبقات الكبرى" (1/15) ورواه الرهاوي في "الأربعين" كما في "كنز العمال" للهندي برقم [2510].
وجاء بلفظ: »كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع«. رواه ابن ماجة برقم [1894] والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/296) والتاج السبكي في "الطبقات الكبرى" (1/7) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . وعند الطبراني في "الكبير" (19/72) من طريق كعب بن مالك - رضي الله عنه - .
Página 33
وبلفظ: »بحمد الله فهو أقطع« النسائي في "السنن الكبرى" برقم [10328] وهو أيضا في "عمل اليوم والليلة" له برقم [498] والبيهقي في "شعب الإيمان" برقم [4372] وابن حبان في صحيحه برقم [1و2/ الإحسان] والدارقطني في سننه برقم [872] والخليلي في "الإرشاد" ص(117) وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (19/218 مع التاريخ) من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - .
كما جاء بلفظ: »كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم« رواه أبو داود في سننه برقم [4840] من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - وحسنه النووي في "رياض الصالحين" عند كتاب: حمد الله تعالى وشكره ورواه أيضا ابن أبي شيبة في "المصنف" برقم [26674] بلفظ (أقطع) وكذا الخليلي في "الإرشاد" ص(381) ومن طريقه التاج السبكي في "الطبقات الكبرى" (1/12) و (1/15) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وبلفظ: »كل كلام لا يبدأ في أوله بذكر الله فهو أبتر« النسائي في "السنن الكبرى" برقم [10331] ومثله في "عمل اليوم والليلة" له برقم [501] وهو في هذين الموضعين من مراسيل الزهري وهي بمنزلة الريح عند يحي القطان.
وجاء بلفظ: »كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عزوجل فهو أبتر أو قال: أقطع« هكذا في مسند الإمام أحمد (2/359 القديمة) و(2/477 برقم 8733/ الكتب العلمية). ومن طريقه التاج السبكي في "الطبقات" (1/16) ورواه أيضا الدارقطني في سننه برقم [873] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وجاء بلفظ: »كل كلام لايذكر الله فيه فيبدأ به ويصلى علي فيه فهو أقطع أكتع ممحوق من كل بركة«. رواه أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون في "فضائل علي" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - كما في "كنز العمال" للمتقي الهندي برقم [6463].
Página 34
وقد أطال الكلام عن الروايتين اللتين ذكرهما المصنف هنا التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/5 24 تحقيق الحلو والطناحي) فليطالعه من أراد التوسع في طرق الحديث وأسانيده. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/278 /الكتب العلمية) بعد نقله لكلام النووي عن روايات هذا الحديث: "والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في صحيحه وصححه ابن حبان أيضا وفي سنده مقال، وعلى تقدير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ (حمد الله) وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية". وأنظر أيضا كلام الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/14و15) و (3/300) و كلام المناوي في "فيض القدير" (5/13و14)._) (_( ) في (ب) زيادة :وهذه المنظومة فقال شعرا. _).
Página 35
(1)(الحمد لله الذي قد أشرقا شمس الأصول في نهى ذوي التقى) قال الملوي(_( ) أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجيري الملوي أبو العباس شهاب الدين، الأزهري شافعي المذهب، ولد في القاهرة سنة 1088ه وتوفي بها عام 1181ه وصفه الجبرتي بأنه: إمام وقته في حل المشكلات، المعول عليه في المعقولات والمنقولات. له تصانيف كثيرة منها "شرحان لمتن السلم" في المنطق كبير وصغير، و"شرح عقيدة الغمري" و "منهل التحقيق في مسألة الغرانيق" و "عقد الدرر البهية في شرح الرسالة السمرقندية" وغيرها. (الأعلام 1/152)._): "الحمد هو الثناء بغير الحادث المطبوع". فدخل فيه الثناء على الله بصفاته القديمة فإنه من أجل المحامد، وبهذا يعترض على غير هذا التعريف من التعاريف فإنها تخرج هذا الحمد وإن كان قد أجيب عن ذلك بتعسفات في بعضها سوء أدب مع الرب تعالى وليس هذا محل بسطه. وخرج عن الثناء وصف من هو في الدرك الأسفل من النار بما(_( ) في (ب) : لما. _) تضمنه { ذق انك أنت العزيز الكريم } الدخان : 49 فإنه ليس بثناء بل تنقيص له وسخرية. والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب الإنعام وقيل لابد أن يكون الإنعام على الشاكر فعلم أن بينهما عموما من وجه.
و(ال) في الحمد إما للعهد والمعهود حينئذ الحمد القديم، وإما للجنس وهو مذهب الزمخشري(_( ) تأتي ترجمته عند التعليق على البيت رقم (143). _) في "كشافه" وعليه فجائز تارة وممتنع أخرى على حسب الإحتمالات كما في "الهميان".
Página 36
وإما للإستغراق فيكون المعنى كل فرد من أفراد الحمد لله - وهو الحق - وعليه اعتمد القطب(_( ) هو العلامة المغربي محمد بن يوسف اطفيش أحد كبار علماء الإباضية في الجزائر نابغة زمانه كان حريصا على العلم في صغره ولما بلغ سن الخامسة عشرة من عمره جلس للتدريس في حلقات العلم يقول الأستاذ الراحل عدون جهلان في كتابه "الفكر السياسي" ص (105): "وحين بلغ العشرين كان أكبر عالم في وادي ميزاب المنطقة التي يقطنها إباضية الجزائر ففتح دارا للتعليم وعكف على التأليف وشمر للإصلاح الإجتماعي والسير بالنهضة الحديثة، وليس هذا بالأمر الهين على مفكر أعزل نشأ في وطن عظمت فيه المحن وانعدمت وسائل الراحة وقلت مذكيات المواهب بل عاش في وسط كثير الفتن اشتدت فيه وطأة الإضطهاد للعلماء العاملين .." انتهى وما بين الشرطتين مني للتوضيح. وأزيد هنا بأن هذا العالم كان له دور كبير في النضال ضد الفرنسيين وكان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ممن يجله ويحترمه وكذا سلاطين عمان في تلك الفترة وتوفي سنة 1332ه وله من المؤلفات ما يشار إليه بالبنان عند الإباضية ك"شرح النيل" في الفقه المقارن طبع في 17ج "وهيميان الزاد" في التفسير طبع في 15ج و"تيسير التفسير" في التفسير أيضا طبع في 15ج و"شرح لامية الأفعال" في فن التصريف طبع في 3ج و "شرح لشرح مختصر العدل والإنصاف للشماخي" في أصول الفقه بلغ 6ج - لم يطبع للأسف - وغيرها كثير.
وكلمة القطب هي اللقب الذي اشتهر به، ولا يعني الإباضية بهذا اللقب المعنى الذي فسر به الصوفية لمصطلح القطب عندهم، فالقطب هو الذي تدور عليه الأشياء قال في "مختار الصحاح" ص (541): "وقطب القوم سيدهم الذي يدور عليه أمرهم، وصاحب الجيش قطب رحى الحرب" ا.ه. وإنما لقبوه بهذا للمنزلة التي بلغها من العلم حتى صار مدار الفتوى عليه في ذلك الوقت، قال ابن دريد في مقصورته:
Página 37
فإن سمعت برحى منصوبة للحرب فاعلم أنني قطب الرحى أما عند الصوفية فلهذا الإسم تفسير خاص بهم فترى المناوي يصفه في "التوقيف على مهمات التعاريف" ص (586) بقوله: "القطب: وقد يسمى غوثا؛ باعتبار التجاء الملهوف إليه، عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله تعالى في كل زمان أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، وزنه يتبع علمه، وعلمه يتبع علم الحق، وعلم الحق يتبع الماهيات الغير مجعولة، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس لا من حيث إنسانيته، وحكم جبريل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية، وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها، وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الدافعة فيها". انتهى بنصه وفيه مغالاة وانحراف فتبين الفرق ولا تخلط بين مراد الإباضية وتفسير الصوفية._) في "الهميان" ويؤيده قوله تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله } النحل : 53 وينصره ما حكى الملوي في حاشيته مما وجده مكتوبا بخط شيخه: "قال الإمام الفخر(_( ) تأتي ترجمته عند البيت رقم (125)._): الحمد معرفا لايقال إلافي حق الله عز وجل ولا يجوز أن يقال الحمد لزيد. قاله سيبويه".
واللام في (لله) للإختصاص وينصره تقديم الجار والمجرور في سورة التغابن وذلك [عند](_( ) زيادة مني للسياق. _) قوله تعالى { له الملك وله الحمد } التغابن : 1 و(أشرقا..الخ) الهمزة للصيرورة فكان المعنى صير الأصول التي هي كالشمس في الاهتداء بها مشرقة؛ فإن قلت: قد جعلت الشمس من باب المشبه به فلم لم تجعلها من باب الإستعارة؟. قلت: لايصح أن يكون من باب الإستعارة إلا حيث يطوى ذكر المشبه أصلا وهو هنا مذكور وهوالاصول، والاضافة بينهما من باب اضافة المشبه به الى المشبه.
Página 38
و(الأصول) جمع أصل وهو ما عرف حكم غيره به. و(النهى) جمع نهية وهي(_( ) في (ب): وهو ._) العقل، و(التقى) اسم بمعنى التقوى وهو(_( ) في (أ): وهي. _) الزهد عن المحارم والمسارعة إلى تأدية اللوازم؛ وفيه اشارة إلى أن العلم النافع لايعطى لغير المتقي لأن وعاء العلم الورع؛ وفي الخبر: (يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء((_( ) مقطع من خبر موقوف من كلام معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أوله: "تعلموا العلم فإن تعلمه لله تعالى خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ...الخ" رواه أبو نعيم الأصفهاني في "حلية الأولياء" (1/302 برقم 809 دار الكتب العلمية) وعزاه الشيخ أبو سته محمد بن عمر في "حاشية الترتيب" (1/44) لأبي الشيخ الأصفهاني وابن عبد البر. والله أعلم._)
وفي قوله (شمس الأصول) براعة الاستهلال؛ وهي أن يجعل المتكلم في أول كلامه اشارة إلى مقصوده، وأحسنها مايكون على وجه التورية.
(2)(فأبصروا بنورها المسالكا وجانبوا بسرها المهالكا)
قوله: (فأبصروا) المراد بالبصيرة لابالبصر، والباء في قوله: (بنورها) للسببية أوللمصاحبة، و(الهاء) منه عائدة إلى الأصول لا إلى الشمس كما قد يتوهم، و(المسالك) جمع مسلك وهو مكان السلوك، و(جانبوا) فاعل من المجانبة وهي المباعدة؛ فإن قلت: لم أتيت بفاعل في هذا المقام مع أنه موضوع للمفاعلة غالبا ولم تأت بافتعل مع أنه موضوع للتجنب والاتخاذ ونحوهما؟ قلت: الإتيان بفاعل في هذا الموضع أولى من التعبير بافتعل لكونه أبلغ معنى وأنجح فائدة وأوفى بتأدية المقصود؛ ألا ترى أن المعنى حينئذ كأن المهالك جانبتهم بنفسها بسبب ذلك السر الذي أودع في الأصول فلم تتعرض لهم أصلا وبهذا يظهر لك المقصود و(المهالك) جمع مهلك وهو موضع الهلاك.
(3)(حتى استووا على بساط القرب في حضرة قدسية فى القرب)
Página 39
( الاستواء) هو الاعتدال، و (بساط القرب) عبارة عن كون الوصول(_( ) في (ب) الأصول. وهو تصحيف. _) إلى خير مأمول إلى مقام المشاهدة ودرجة المكاشفة، وتقرب العبد إلى مولاه امتثاله لأمره وزجره، وتقريب الله لعبده توفيقه اياه لطاعته واعانته له وتخليصه له من كثيف الأغيار، و (الحضرة) عبارة عن دائرة الكمال.
قال الدمنهوري(_( ) أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، شيخ الجامع الأزهر وأحد علماء مصر المكثرين من التصنيف، كان يعرف بالمذاهبي لعلمه بالمذاهب الأربعة. ولد في دمنهور عام 1101ه وتعلم بالأزهر، وولي مشيخته. من تصانيفه: "نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف خ" و "الفيض العميم في معنى القرآن العظيم خ" و "إيضاح المبهم من معاني السلم ط" في المنطق ، و"حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون ط" و "سبيل الرشاد إلى نفع العباد ط" وغيرها. توفي بالقاهرة عام 1192ه. (الأعلام للزركلي 1/164)._): "المراد بالحضرة ويعبر عنها بحضرة القدس وهي الحالة التي اذا وصل اليها السالك سمي عارفا وواصلا أن يكون في حالة لايرى فيها الا المولى سبحانه وتعالى". والمراد بقوله(_( ) أي الدمنهوري. _): (لايرى فيها الا المولى(. أي لايرى صدور الأشياء على الحقيقة الا منه تعالى فانيا عن الأكوان؛ متوجها بقلبه إلى الرحمن، متلقفا ما يلقيه المولى سبحانه وتعالى في قلبه من لطائف العرفان، ولاشك أن الوسيلة إلى هذه الحالة ذكر المولى سبحانه وتعالى، و(القدسية) نسبة إلى القدس وهو البعد عما لايليق بها، ولا ايطاء في البيت لأن القرب الأول بمعنى التقرب الذي هو فعل العبد والقرب الثاني بمعنى التقريب الذي هو فعل الله.
Página 40
(4)(فانتعشت عقولهم بالذكر وبسقت أسرارهم بالفكر) يقال انتعش العاثر اذا نهض من عثرته، و (العقول) جمع عقل وقد اختلف فيه فقال الشافعي: "هو آلة خلقها الله في عباده يميزون بها بين الأشياء وأضدادها ركبها فيهم سبحانه ليستدلوا بها بين الأمور الغائبة بالعلامات، نصبها لهم منا منه ونعمة". وقال قوم: هو معين(_( ) في (أ): معنى. والتصحيح من (ب). _) في القلب وسلطانه في الدماغ؛ لأن أكثر الحواس في الرأس، ولذلك قد يذهب بالضرب على الدماغ. وقال آخرون: هو قوة وبصيرة في القلب منزلته منه منزلة البصر من العين ويسمى عقلا لكونه مانعا للنفس عن فعل ماتهواه مأخوذ من عقال الناقة المانع لها أن تذهب حيث شاءت وهومخلوق في الإنسان أن يزداد وينتقص جميع المعلومات بحس وغيره اليه مرجعها وهو يميزها ويقضي عليها.
و(الذكر) القرآن العظيم وهو أصل للعلوم بأسرها فما من أصل إلا وهو مستنبط منه؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(العلم كله القرآن وهو الأصل والتنزيل وما بعده من العلم تفسير له وتأويل((_( ) لم يتيسر لي العثور عليه. _)، وسماه ذكرا لقوله تعالى: { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } الأنبياء : 50 .
وقول الناظم: (بسقت) أي طالت كما عن مجاهد وعكرمة في تفسير قوله تعالى: : { والنخل باسقات } ق : 10 ، والمراد ب (الأسرار) العقول وضع الظاهر في موضع المضمر على لفظ غير الأول وهو أحسن ما يكون فيه، و(الفكر) حركة النفس في المعقولات، وحركتها في المحسوسات تخييل.
(5)(فأبرزوا نتائج الأفكار فأعربت عن شرف المقدار)
(الإبراز) نقيض الإستار، و (النتائج) هي التي تنشأ عن الفكر جمع نتيجة؛ وهي لغة الثمرة واضافة النتائج إلى الأفكار من باب اضافة المتسبب إلى السبب، (فأعربت) أي أبانت، و(شرف المقدار)(_( ) تصحفت هذه العبارة في (أ) فكتبت: أي أبانت فأعربت المقدار. والتصحيح من (ب). _) عبارة عن الرتبة العالية التي وصلوا اليها ووقفوا لديها بواسطة العلم.
( 6)(ثم صلاة الله مع سلامه مصطحبان بسنا انعامه)
Página 41
(7)(ممتزجان بالثنا الجميل على النبي المصطفى الجليل)
الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الناس دعاء، وقيل بل صلاة الملائكة دعاء أيضا وفي معناه قلت:
صلاة الله رحمته وأما صلاة الخلق معناها الدعاء
وجملة (الصلاة) خبرية لفظا انشائية معنى، و(السلام) التحية، ورفع (مصطحبان) على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما(_( ) في (ب): هنا. وهو خطأ._) مصطحبان و(السناء) بفتح السين الضوء، و(الانعام) بفتح الهمزة جمع نعمة، وبكسرها مصدر أنعم عليه، واضافة السناء إلى الانعام من باب اضافة الصفة إلى موصوفها، والمعنى فيه مصطحبان بانعامه السنية، ورفع (ممتزجان) على أنه خبر لمبتدأ أيضا، والنبي انسان أوحي اليه بشرع؛ فإن أمر بتبليغه سمي رسولا(_( ) الظاهر أن الصواب مع من قال أن النبي مبعوث بدعوة من سبقه من الرسل إذ لا معنى في أن يوحى إليه بشرع خاص له وحده هذا إذا صح التعريف في عدم مطالبته بالتبليغ أما لو طلب منه التبليغ فيحتمل أن يكون بشرع من سبقه فيلازمه وصف النبوة لأجل التمييز بينه وبين الرسول في كون الثاني له تشريع مستقل أو أن يكون بشرع خاص وحينها يسمى رسولا وهذه القواعد لا يوجد لها ضابط من النصوص حتى يوصف مخالفها بمجانبة الصواب إلا أنها ترجع إلى تحري الأنسب بما يتلائم مع الطرفين، قال العلامة الثميني في (معالم الدين): (2/50) بعد ذكر الخلاف في المسألة: "وقيل هما بمعنى"ا.ه أي النبوة والرسالة بمعنى واحد. ومن أوضح أدلة القائلين بأن النبي هو الذي يحكم بشريعة من قبله قوله تعالى: { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } (المائدة : 44) فذكر سبحانه أن التوراة هي شريعة الأنبياء من بني إسرائيل، فيظهر منه أن النبي يحكم بشرع من قبله. والله أعلم.
Página 42
_) أيضا، وهو بالهمزة من النبأ اي الخبر فيصح أن يكون بمعنى فاعل باعتبار أنه مخبر بكسر الباء عن الله عزوجل أو بمعنى مفعول باعتبار أن جبريل أخبره عن الله تعالى .. وبالنبأ من النبوة وهي الرفعة؛ فيصح أن يكون بمعنى مفعول لأنه مرفوع الرتبة عن غيره أوفاعل لرفعة غيره إذ ما من مرفوع الا وباب رفعته النبي - صلى الله عليه وسلم - ، و(المصطفى) الخالص(_( ) الخالص . سقطت من (ب). _)، و(الجليل) العظيم.
(8)(محمد سيد كل من شفع والآل والصحب الرضى ومن تبع)
(محمد) مفعل من الحمد؛ علم لخاتم النبيين والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - ، وسمي بذلك لكثرة خصاله المحمودة، و(سيد كل من شفع) أي أشرفهم وأفضلهم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - :(أنا سيد ولد آدم ولا فخر((_( ) الحديث بهذا اللفظ رواه ابن ماجة برقم [4308] عن أبي سعيد - رضي الله عنه - ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" برقم [31940] والحارث في "مسنده" برقم [937 بغية الباحث] كلاهما عن السيدة عائشة رضي الله عنها، والبيهقي في "شعب الإيمان" برقم [1488] عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، وابن أبي عاصم في "سنته" [793] عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - .
وجاء بلفظ: »أنا سيد الناس يوم القيامة« رواه البخاري في "صحيحه" برقم [4712] ومسلم في "صحيحه" [194] كلاهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، والحاكم في "المستدرك" برقم [82] عن عبادة و[8712] عن حذيفة - رضي الله عنه - .
Página 43
وجاء بلفظ: »أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر« رواه الامام أحمد في "مسنده" برقم [2550 و 2696] وابن حبان [6444] كلاهما عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، والترمذي في "سننه" برقم [3148 و 3615] عن أبي سعيد - رضي الله عنه - ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" برقم [1489] عن أنس - رضي الله عنه - وأبو يعلى في "مسنده" [1256 المقصد العلي] عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - ، ومسلم في "صحيحه" برقم [2278] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - دون لفظة "ولا فخر" .
وجاء بلفظ: »أنا سيد ولد آدم« عند أبوداود في "السنن" برقم [4673] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" برقم [7] عن عائشة رضي الله عنها. .. وغيرهم._)، و(الآل) المراد بهم آله - صلى الله عليه وسلم - وهم هنا كل من كان على طريقته، متمسكا بشريعته بدليل ما في الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم - :(آل محمد كل مؤمن(، وفي رواية (آل محمد كل تقي((_( ) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/218 برقم 2873) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آل محمد؟. فقال: »كل تقي«. وقال البيهقي عقب ذلك: "وهذا لا يحل الاحتجاج بمثله؛ نافع السلمي أبو هرمز بصري كذبه يحي بن معين وضعفه أحمد بن حنبل وغيرهما من الحفاظ." ورواه أيضا تمام الرازي في "الفوائد" برقم [1567] عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آل محمد؟. فقال: »كل تقي من أمة محمد«. ورواه عنه كذلك ابن مردويه في "تفسيره" واسناده تراه في "تفسير ابن كثير" (2/293 الأنفال/34) ورواه ابن عدي في "الكامل" (7/41) والعقيلي في "الضعفاء" (4/287) بلفظ »كل مؤمن تقي« بأسانيد فيها ضعفاء.
Página 44
وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (2/217 برقم 2872) موقوفا على جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: "آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أمته". وفيه (2/217 برقم 2869) من طريق عبدالرزاق قال: سمعت رجلا يقول للثوري: من آل محمد؟. قال: قد اختلف الناس فمنهم من يقول: أهل البيت. ومنهم من يقول: من أطاعه وعمل بسنته.
( وله شاهد عن عمرو بن العاص قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهارا غير سر يقول: »إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين. قال عمرو: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ولكن لهم رحم أبلها ببلالها« يعني أصلها بصلتها". أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" [5990] والامام أحمد في "مسنده" (4/249 برقم 17821) وأبو عوانة في "مسنده" (1/96). والشاهد في هذه الرواية أن قوله »إن آل أبي فلان« التي لا يبعد أن الرواة أبهموها مشعرة بقرابتهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل قوله : »ولكن لهم رحم«. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/514 و515 /الكتب العلمية): "قلت: قال أبو بكر بن العربي في (سراج المريدين): كان في أصل حديث عمرو بن العاص: »إن آل أبي طالب« فغير »آل أبي فلان«. كذا جزم به، وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشنيع ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب، ولم يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في (مستخرج أبي نعيم) من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبدالواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه: »إن لبني أبي طالب رحما أبلها ببلالها« وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ "طالب" وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب وليس كما توهموه." ا.ه
Página 45
( وله شاهد آخر: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليان حبشي وقبطي فاستبا يوما فقال أحدهما: يا حبشي. وقال الآخر: يا قبطي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : »لا تقولا هكذا، إنما أنتما رجلان من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - «. رواه الطبراني في "المعجم الصغير" برقم [564] وفي "الأوسط" أيضا وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/462 دار الفكر): "رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله موثقون". ا.ه ويكفي في هذا المقام قوله تعالى: { إن أولياؤه إلا المتقون } (الأنفال : 34). والله أعلم. _) وعلى هذا المعنى أنشدوا:
آل النبي هم أتباع ملته من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله الا قرابته صلى المصلي على الغاوي أبي لهب
و(الصحب) بفتح المهملة الأولى واسكان الثانية اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، قال المناوي(_( ) زين الدين محمد عبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي أحد علماء الشافعية ولد بالقاهرة سنة 952ه من مؤلفاته: "فيض القدير ط" شرح الجامع الصغير للسيوطي وهو أشهرها، و"التيسير ط" اختصار للأول، و "كنوز الحقائق ط" و"شرح الشمائل للترمذي ط" و"الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية ط" و"التوقيف على مهمات التعاريف ط" وغيرها وتوفي سنة 1031ه.
("الأعلام" للزركلي 6/204 مقدمة د. رضوان الدايه على كتاب "التوقيف" للمناوي ص 5 7 وهو ينقل هناك من "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" للمحبي)._) في "التيسير": "هو من لقيه بعد النبوة وقبل موته مؤمنا به" (انتهى). و(الرضى) بكسر الراء مصدر رضي بفتحها صفة للآل والصحب على حد زيد عدل، ويجوز أن تقول على حذف مضاف تقديره أهل الرضى ونحوه.
Página 46
وقوله: (ومن تبع) أراد التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، فإن قلت قد جعلت آله كل من كان على طريقته متمسكا بشريعته ونفيت أن يكون آله على الخصوص أهل بيته تشريفا لهم على غيرهم فما الفائدة في عطف الصحب على الآل ؟. قلت: هذا العطف من باب عطف الخاص على العام لنكتة يدريها من خاض رياض جنان علم البيان؛ وقد ورد مثل هذا في القرآن الكريم منها قوله تعالى: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } البقرة : 238 .
(9)(وبعد فالدين أهم مقصدا وأنه أجل علم قصدا)
(10)(لأنه يعرب للانسان عن كل ما كلف بالبرهان)
Página 47
( الواو) من قوله: وبعد إما عاطفة والمعطوف حينئذ قصة على قصة، وإما نائبة عن إما التفضيلية؛ وهذا الوجه أحسن من الأول لاقترانها بالفاء، وعليه فيكون المعنى على مذهب سيبويه(_( ) إمام النحو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي الأصل والحارثي بالولاء من أهل البصرة الشهير بسيبويه وهي كلمة فارسية تعني رائحة التفاح. ولد سنة 148ه في إحدى قرى شيراز وانتقل إلى البصرة، واستملى على حماد بن سلمة وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب ولازم الخليل بن أحمد وأخذ عن أبي الخطاب الأخفش الكبير (والأخافشة ثلاثة). وصفه العيشي بقوله: "كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب في كل أدب بسهم مع حداثة سنه وبراعته في النحو". وقال الذهبي: طلب الفقه والحديث مدة ثم أقبل على العربية فبرع وساد أهل العصر؛ وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. ورحل إلى بغداد وجرت بينه وبين الكسائي وأصحابه مناظرة. من تصانيفه كتابه الشهير في النحو المسمى "الكتاب ط" وتوفي سنة 180 على الصحيح قيل في شيراز وقيل في البصرة والله أعلم. ("تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي 12/190 الكتب العلمية "سير النبلاء" للذهبي 7/583 الفكر "الأعلام" للزركلي 5/81)._) مهما يكن من شيء مهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أولياء الله فهو علم الدين لشدة الاحتياج اليه وكثرة التعويل عليه، وقوله: (فالدين) أي فعلم الدين..الخ. والدين هو وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات.
Página 48
ويسمى شريعة باعتبار أن الله شرعه لنا دينا، ويسمى ملة باعتبار أن الملك أملاه على النبي، أو باعتبار املاء النبي على أمته فالمعنى واحد، واختلاف العبارات باختلاف الإعتبارات، وقوله: (أهم مقصدا) أي مقصده أهم أي أشد هما من مقصد غيره، والهم هنا بمعنى العزم، وقوله: (وانه أجل علم) أي وأن علم الدين أعظم [من](_( ) زيادة مني للسياق. _) كل علم طلب لينتفع به، وقوله: (يعرب) أي يبين، و(الانسان): هو الحيوان الناطق، والمراد به هنا المكلف، و(التكليف): هو إلزام الله العبد ما يشق على النفس فعله، وعرفه بعضهم بأنه الأمر والنهي اللذان يجب بهما العقاب والثواب. وفيه نظر لأن التكليف شيء غير الأمر والنهي، و(البرهان) هو ما أثبت المعنى في النفس وهو والحجة والدليل ألفاظ متحدة المعنى.
(11)(وقد نظمت دررا في أصله إن تدرها جزت طريق عدله)
(النظم) لغة لف الشيء إلى الشيء؛ يقال نظمت اللؤلؤ في السلك اذا ضممت بعضه إلى بعض، وفي الاصطلاح: وزن مخصوص على قافية مخصوصة. و (الدرر) اللؤلؤ شبه المسائل التي نظمها بالدرر واستعار لها اسمها، وقوله: (في أصله) أي في أصوله؛ والضمير عائد إلى الدين لأنه شامل للأصول والفروع، أي وقد نظمت هذه المسائل التي هي كالدرر في حسنها وصفائها في علم أصول الدين: وهو معرفة ما للنفس وما عليها اعتقادا؛ وانما سمي هذا العلم أصول الدين لأن الدين كله مبني عليه صحة وفسادا فلا دين لمن لا اعتقاد له، وقوله: (ان تدرها) أي تعلمها من درى الشيء اذا علمه، و (جزت) بمعنى سلكت. و(طريق عدله) عبارة عن الاستقامة في الدين.
(12)(لقطتها من زاخر الآثار عن الكرام السادة الأبرار)
Página 49