وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين ، فقدمتها مرة وقد أصيب ملكهم بسمعه ، وبكى بكاءا شديدا ، وحثه جلساؤه على الصبر ، فقال : أما إني لست أبكي بالبلية النازلة ، ولكني أبكي المظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته ، ثم قال : أما وقد ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب ، نادوا الناس أن لا يلبس ثوبا أحمر إلا متظلم ، ثم كان يركب الفيل طرفي النهار ، وينظر هل يرى مظلوما ، فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله ، بلغت رأفته بالمشركين هذا المبلغ ، وأنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شخ نفسك ، فإن كنت إنما تجمع الأموال لولدك ، فقد أراك الله عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه ، ماله على الأرض مال ، وما من مال إلا دونه يد شحيحة تحويه ، فما يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الله له ، ولست الذي تعطي ، بل الله تعالى الذي يعطي من يشاء ما يشاء ، فإن قلت إنما تجمع المال لشديد السلطان ، فقد أراك الله عبرا من بني أمية ، ما أغنى جمعهم من الذهب وما أعدوا من الرجال والسلاح والكراع حين أراد الله بهم ما أراد ، وإن قلت إنما تجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنت فيها ، فوالله ما فوق ما أنت عله يا أمير المؤمنين ، هل يعاقب من عصاك بأشد من القتل ؟ فقال المنصور : فكيف تصنع بالملك الذي خولك ملك الدنيا ؟ وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل ، ولكن بالخلود في العذاب الأليم ، قد يرى ما عقد عليه قلبك ، وعملته جوارحك ، ونظر إليه بصرك ، واجترحته يداك ، ومشت إليه رجلاك ن هل يغني عنك ما شححت عليه من ملك الدنيا إذا انتزعه من يدك ودعاك إلى الحساب ؟ قال : فبكى المنصور ثم قال : ليتني لم أخلق ن ويحك كيف احتال نفسي ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ، ويرضون بهم في دنياهم ، فاجعلهم بطانتك يرشدونك ، وشاورهم في أمرك يسددوك . قال : قد بعثت إليهم فهربوا مني . قال : خافوك أن تحملهم على طريقتك ، ولكن افتح بابك وسهل حجابك ، وانصر المظلوم ، واقمع الظالم ، وخذ الفيء والصدقات على حالها ، واقسمها بالحق والعدل على أهلها ، وأنا ضامن عنهم أن يأتوك يساعدوك على صلاح الأمة ، وجاء المؤذن فأذنوه بالصلاة ، فصلى ، وعاد إلى مجلسه وطلب الرجل فلم يوجد .
الفصل السادس : في الحث على التناصر .....
Página 51