وكان السؤال مفاجأة لها فقد كانت تأمل ألا يرى أحد توقفها.
فقالت في تردد: أنا؟ - نعم أنت، لماذا توقفت؟ - يا أخي، مسألة بسيطة، ألا يفوتك شيء أبدا؟! وماذا ستفعل؟! - أتخفين عني؟ عني أنا؟! أنا طبيب فإن كنت لا أعجبك فدعيني أذهب بك إلى أي طبيب يعجبك. - يا سيدي الحكاية لا تحتاج إليك والحمد لله. ابعد عني وابحث عن رزقك مع غيري. - بل معك أنت. - يظهر أن الزبائن انفضوا عنك في هذه الأيام، على أي حال أمرك.
وذهبت بها إلى العيادة وكان اليوم إجازة فانفردت بها في عيادتي ورحت أسألها في دقة عن كل ما تحس به، وأخذ قلبي يزداد خفوقا مع كل إجابة، واتصلت بأحد أطباء التحليل من أصدقائي وطلبت إليه أن يذهب إلى عيادته فورا، وذهبنا، النتيجة سرطان في الدم، عرفت أنا النتيجة ولم تعرفها هي.
وعدت بها إلى المنزل، نعم أنا طبيب، وأعرف ألا أمل مطلقا، لكنني إنسان أيضا يا أخي، ومحب ، أنا لا أطيق الحياة خالية من هذه المريضة، لا، لا أطيقها.
لم أخبر أحدا من أهلها بمرضها، وحملت العبء وحدي وأنا وحدي بين الناس جميعا الذي كان خليقا أن يتهاوى تحت هذا العبء ولكني حملته.
تركتها في البيت وخرجت وحدي إلى الطريق إلى قلبي المحطم، أمرن لساني على ما سيقول، وأهيئ نفسي للطريق الذي اخترته. ولكنني في وحدتي هذه لم أشعر بحيرة، ولم أفكر في طريق آخر غير الطريق الذي رسمته لنفسي في سرعة خاطفة واستقر أمري عليه.
ذهبت في اليوم التالي إلى أهلها وأخبرتهم أني مسافر إلى الخارج في مهمة علمية، ورحت أدور بالحديث معهم حتى أقنعتهم أنه لا بد من الزواج العاجل، وجاءت هي بعد أن انتهينا إلى هذا القرار، وفوجئت به ثم ما لبثت أن دخلت غرفة وحدها ونادتني فذهبت إليها: - أحمد، ماذا عرفت أمس من تحليل الدم؟
كنت قد أعددت نفسي لكل مفاجأة؛ فصنعت ضحكة كبيرة وقلت: عرفت أنه لا بد من الزواج السريع. - أهذا وقت الضحك؟ - وماذا أعمل مع خطيبتي العبيطة التي تربط تعجيلي الزواج بتحليل الدم؟ - لماذا لم تخبرني أمس عن رحلتك إلى الخارج، أنت لم تخف عني شيئا. - أخفيت هذا الشيء. - لماذا؟ - لأنني اعتقدت أنه لو تم لهيأ لي مفاجأة سارة أفاجئك بها، وخشيت أن أخبرك ثم لا يتم فيسبب لك هذا ضيقا لا أريده لك أبدا. - أحمد، هل أنت صادق؟ - وهل كنت عمري كاذبا؟ - أحمد إني خائفة.
ولم أستطع أن أتحكم في لساني وهو يقول: وأنا أشد خوفا.
وارتاعت المسكينة فانتفضت تقول: لماذا، لماذا يا أحمد؟
Página desconocida