الحكمة الجميلة
قال: وهل أتاك نبأ الحكمة الجميلة، والجوهرة البديعة، واليتيمة الفريدة؟ إن الناس يحبون من أغدقوا هم عليهم النعم، وليس المنعم عليهم بأشد حبا لمن أسداهم المعروف من المحسنين لهم. فقلت: أوضح المقال. فقال: الوالد والمعلم والحكيم والنبي أشد حبا للولد وللمتعلم وقارئ الحكمة والمؤمن من الآخرين للأولين. فقلت: زدني إيضاحا. فقال: الوالد يحب ولده أكثر من حب الولد له، وهكذا المتعلم مع الأستاذ، وسائر المحسنين، ألا ترى أن أولئك المحسنين يرون في إبقاء صنائعهم إحياء لمجدهم، وتخليدا لذكرهم، وشرفا عظيما لهم، ولا جرم أن رب الدين يحب بقاء المدين ليستوفي دينه.
ألا إن أولئك أشبه بالمدينين، والأولون أشبه بالدائنين. ولو أن الأمم عرفت النافع والضار لأحبت بقاء جاراتها، وسرها تعميرها الأرض، ورقيها وحضارتها، لا سيما إذا أدركن ما بينهن من التضامن في المنافع، وعملت كل منها لغيرها عملا مقصودا بالذات، مخلصة في نفعها، دائبة على إخلاصها، فيصبح الناس أجمعون محبين محبوبين، وترى كل أمة محسنة لغيرها مدينة لها، ولكن أكثر الناس لا يحبون إلا بالرياء، ولا يعملون لسواهم إلا وهم يخادعون. فقلت: إن الإنسانية سائرة على هذا النهج القويم، فالتجارة متبادلة، والحياة مشتركة، والصنائع موزعة، والأسواق آهلة نافعة، والمدارس عامرة. فقال: كلا، ولكنها الحقيقة المحزنة. فقلت: فأفدني ما الحقيقة المحزنة؟
الحقيقة المحزنة
قال: الأمم الإنسانية اليوم تحسن لغيرها طمعا في ابتلاعه ، وحبا في اقتناصه، فعلها مع الشياه المعلوفة، والبقر السائمة، والجمال السارحة، يربي الرجل الشاة ويذبحها، فيذهب شرهه برحمته ، وحرصه بشفقته، وطمعه بعطفته، قد غلبت شهواته رحماته، وأمات حرصه وجدانه، إذا ساغ هذا مع الشياه فكيف يسوغ مع الإنسان.
هكذا فعل مع الإنسان، وقرنه في عقله مع الخرفان، فلا فارق عنده بين الحيوان والإخوان، وإذا أطعم أخاه فإنما يطعمه ليكون له طعاما، والأمم الراقية لا تمتاز عن الهمجية في هذه القضية، فإن خدموا غيرهم، وأصلحوا أرضهم، وساعدوا أبناءهم فإنما ذلك ليكونوا لهم مسخرين، الخراف عندهم والإنسان سواء، جهل الناس عقولهم، وإذا اجتمعت طائفة من العقلاء وتشاورت، فإنما يتبعون أخس الآراء، كمثل السباع الضارية، ذلك لأن كل فرد يسند الرأي للمجموع ويحمل بهم على الجموع، إن الإنسان لظلوم كفار جهول.
ثم أومأ إلى غلمان وراءه، وكلمهم بما لا أفهم، إذا كتاب مطبوع بالتصوير الشمسي بحروف إنجليزية، وهو كتاب اللورد أفبري
The Peace and Happiness
فأراني في صفحة 292 عبارة في فصل تحت عنوان
The Peace of Nations
Página desconocida