لناظرها حسنا قباب زبرجد
وقد علقت من حولها زينة لها
قناديل ياقوت بأمراس عسجد
فقال: لعلك أعجبت بهذا الجمال؟ قلت: بلى، ما أجمله! قال: فانظر فيما حول هذه الجنات، فنظرت إذا تلال من السرجين، وآكام من القاذورات، فأحسست بانقباض. فقال: ماذا ترى؟ قلت: منظر عري من الجمال، وتسربل بالوبال. فقال: لقد حكمت حاسة البصر، وعزلت قوة البصيرة، ولو أنك فكرت، لعلمت أن هذه النخلات وأثمارها، والأشجار وجناها، والمزارع وبهاها، ثمرات تلك التلال، بل تلك البلحات الحمر والصفر، والرطب الأسود، والتفاح الملون ، البهي العجيب، هي نفس تلك الآكام المنبوذة، والتلال المركومة، صنعتها اليد الإلهية، وزوقتها الحكمة الربانية، وصاغتها ودورتها ولونتها ومزجتها بالحلاوة، فهذا المكروه هو المحبوب، وهذا المنبوذ هو المطلوب، وفي الأرض أمم عريقة في الجهل والوحشية كما تزعمون، وسيقرءون العلوم كما تقرءون، وترون منهم منظرا جميلا، كهذه التلال صارت بالصنعة والاعتناء ثمرا جنيا.
وهكذا فلتعلموا أن الشر والمصائب في بني الإنسان، أشبه الأشياء بهذه التلال والآكام، فإذا رويتموها بماء العلم، وبذرتم فيها بذور الحكمة أثمرت لكم ثمرا طيبا، وجني دانيا، فمن هذه التلال صنعت الأثمار، وبالعبرة نمت العقول وصحت الأفكار.
ثم انطلقنا حتى أشرفنا على بستان جميل بديع، خلفه سهل منبسط، وراءه نهر تجري فيه المنشئات كالأعلام، ومن ورائه جبل شاهق صعب المرتقى، طامس الأعلام.
فقال: انظر، فنظرت إذا ست مناظر تجلت لعيني بغتة، أشبه شيء بما رآه الحكيم قابس اليوناني في العصور القديمة، والدهور البعيدة، قبل دولة الرومان والعرب والإفرنج المعاصرين.
المنظر الأول:
نساء جميلات كأنهن مومسات.
المنظر الثاني:
Página desconocida