ولكم نظمت لكم الحكومات، لتحفظ أمنكم، وترفع شأنكم وترتق فتقكم، فظننتم في الملوك مثل ما كنتم تظنون في الأصنام، وانقدتم انقياد العميان، وخضعتم للظالمين، فأف لهذا الإنسان. •••
جهل الناس عجائب الرموز، وحكمة الظلمة والنور، والظل والحرور، جهلوا مزية الديانات ووقفوا عند ظاهر الكلمات.
ومن جهل هذه الكائنات، وضل عن هذه المخلوقات، فأحر به أن يجهل سر نظام الحكومات، ألا فليعم التعليم والتعقل في أنحاء الكرة الأرضية.
ألا فليعقل الناس ما حولهم، إن حياتكم اليوم عار وألف عار، أزيلوا ما لديكم من النظامات العتيقة الفاسدة، واستبدلوها بخير منها، فالعلم عجيب، والله سميع قريب، ونظام هذا العالم بديع، والعقل الإنساني شريف رفيع. (10) الخمر والخراب
هل قرأت ما سطره الفرنسي هنري في الخمر، وعلاقته بالشرقيين؟ قلت: بلى إنه يقول: إن الخمر أمضى سلاح يحصد به نسل الشرقيين، وأنكى جيش يبيد الوثنيين والمسلمين، إنه ضعف الجسد، وموت العدد، وفقد المدد، وضياع البلد، ورق الولد، وذل الأبد، ثم أخذ بيدي وانطلقنا إذا رجل بيده زجاجتان إحداهما مملوءة بالنار، والأخرى بالماء. فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا مثال الحاكم الأجنبي في الأمم الجاهلة، يسقي من زجاجة الماء أبناء بلاده، ومن زجاجة النار أبناء الأمة المحكومة، فيذيع الخمر، ويبيح الميسر لعلهم ينقرضون ويقلون، فما أجهل الرجلين، الغاش والمغشوش، هلا عرف هذا الحاكم الجهول أن الناس إخوان، هلا عرف أن الناس كجسد واحد، فتبا لجهال بني الإنسان، إنهم قوم طاغون، أنتم جهال بالجمال، وأكثر الناس في غفلة وجهل عظيم، صم، بكم، عمي، فهم لا يعقلون، ما أقبح سيرتكم وأضلكم يا بني آدم في العالمين . (11) الحروف الكبيرة والصغيرة
الناس لا يعقلون إلا الحروف الصغيرة، ولا يفقهون الكبيرة، لضعف فطنهم، وقلة فهمهم، وموت نفوسهم ، الشمس والقمر والنجوم، والجبال والشجر والدواب، والبحار والسحاب والأنهار، وما فوقها وما تحتها، هذا لعمرك هو الحروف الكبيرة. لما ضعف تعليمكم، قصرت عقولكم على الحروف الأبجدية، وكلماتها الرسمية، وظننتم أنكم بالكون عالمون، وبما في الأرض والسماء محيطون، ولكن أكثركم عن الحقائق معرضون. (12) الغراب والعود
ثم قال: انظر، فنظرت، إذا غراب يحمل عودا يطير به في الجو إلى عش في شجرة في أعلى أغصانها، حيث الهواء جميل، والنسيم عليل. فقلت: ماذا تعني؟ فقال: هذه الطيور اتخذت من الأعواد والنسالة ودقائق الأشياء التي يحقرها الناس بيتا مزخرفا محصنا بديعا ناعم الباطن، أسكنت فيه أبناءها. فقلت: ماذا تريد بهذا؟ فقال: لو أن الناس عقلوا لبنوا لأنفسهم، وشيدوا لأرواحهم بيوتا من الحكمة والفضيلة، فمرت عليها الحوادث مرور العواصف على عش هذا الطائر وأفراخه، الغراب في حرز حريز. فقلت: لكن المصائب مرة المذاق كالفقر والفراق. (13) الليل والنهار
فقال: ألست ترضى بنظام الليل والنهار، والظل والحرور، والموت والحياة، والحيوان والجماد، والزرع والحصاد، والبر والبحر، والصحو والمطر، والسفر والحضر؟ فقلت: بلى، إني أعرف بعض حكمها. قال: مثل النفوس مثل الآفاق، تجمع الضدين، وتولد النقيضين، كالقبض والبسط، والحزن والفرح، والضيق والشدائد، والآلام واللذات، فارض نظام نفسك كما رضيت بما في الآفاق. (14) السرجين والحدائق
قلت: ما أغمض هذا المقال! وما أبعد هذا المثال! فقال: سر بنا في هذا الصراط المستقيم، فلما سرنا رأيت نخلا يميس في وسط مزارع نضرات، وأشجار خضرات، وأعناب وجنات:
كأن النخيل الباسقات وقد بدت
Página desconocida