Mis Documentos … Mi Vida (Primera Parte)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Géneros
الآنسة المهذبة زينب هانم شكري، كريمة صاحب العزة محمود بك شكري مدير القرعة العسكرية.
تزف إلى السيد أفندي السعداوي، المدرس بوزارة المعارف العمومية.
يقام حفل الزفاف في السابعة مساء 25 مارس 1929م، بفيلا شكري بك رقم 6 بشارع الزيتون، عزبة الزيتون، ضاحية مدينة القاهرة.
تسمرت ذاكرتها مع قدميها فوق عتبة غرفة النوم، كان هناك السرير النحاسي الأصفر بأعمدته الأربعة، ورجل عريض طويل منتصب مثل عمود السرير، لم تره من الوجه أبدا، من وراء شقوق الشيش، لم تكن ترى إلا قفاه، غليظا محلوقا بالموسى، ملفوفا بعمامة مثل الفقيه في المقابر يقرأ القرآن على أرواح الموتى، ويتلقى بعض الفطائر، ستكون بعد دقائق قليلة فوق السرير بين ذراعي هذا الرجل مغمضة تحبل بطفلها الأول دون أن تخلع ملابسها، دون أن تفتح عينيها، تلده بعد تسعة شهور كاملة، ثم تحبل من جديد قبل أن تفطم طفلها الأول، دون أن تخلع ملابسها أيضا ، في الظلمة الدامسة دون أن تدوس على النور أو تفتح عينيها لترى وجه الرجل الذي يمتطيها العام بعد العام.
وهكذا في ظلمة الليل حملت أمي عشر مرات، ولدت تسعة من الأطفال، أجهضت الحمل العاشر، قبل أن تبلغ الثلاثين من العمر، دون أن تعرف ذلك الشيء الذي اسمه لذة الجنس، ثم ماتت في ريعان الشباب ممسكة يدها في يدي، عيناها العسليتان الطفوليتان تتطلعان نحوي في اندهاش، تكتشف لأول مرة في حياتها أنها تمسك يدي، أصابعها الخمسة تلتف حول يدي كما التفت أصابعي الخمسة حول يدها وأنا أرقد بجوارها ليلة مولدي.
في المرآة أرى وجهي شاحبا طويلا يشبه وجه أمي حين ماتت، كانت في ريعان الشباب، وأنا تجاوزت الستين، ثلاثون عاما مرت من حياتي دون أن أدري، أجزاء من عمري سقطت في العدم، أحاول أن أستعديها، أن أشدها من براثن الماضي ... لحظات تريد الفرار والاختفاء بعيدا عن الذاكرة وأعين الناس، لحظات الألم واليأس والضعف والانحدار حين كنت أنسى اليوم والساعة والمكان الذي أنا فيه، أنسى اسمي واسم أمي وأبي ومسقط رأسي، لحظات الغضب تتملكني فأود الإقدام على جريمة قتل، أرى نفسي أمشي في الشارع بلا هدف، ألمح وجهي داخل مرآة أو زجاج، شاحب أسمر حزين، ينظر إلى الدنيا بعين سواء داكنة السواد مثل عين الليل.
كنت أغمض عين أحوال الهروب من وجهي، أستعيد وجه أمي حين كانت تضحك، لا أعرف كم كان عمري حين سمعتها تضحك لأول مرة، كانت لها ضحكة مميزة خاصة بها لا تشبه أي ضحكة في العالم، ترى في البيت تجاوز الجدران إلى الشارع إلى الكون كله، أسمعها وأنا أمشي في الطريق بجوار أبي، لها رنين في أذني عجيب مثل رنين الماء الرائق العذب المقطر داخل إبريق من الفضة أو البلور، أسمعها قبل أن أدخل إلى البيت، أنفلت من يد أبي وأجري إلى أمي تحملني فوق صدرها وتطعمني، رائحة أمي لا تزال في أنفي كأنما هي رائحة جسدي، ومعها رائحة اللبن الطازج والخبز الساخن والشوربة يتصاعد منها الدخان في الشتاء البارد.
رقدت أمي عامين اثنين في فراش المرض، في السرير النحاسي الأصفر ذي الأعمدة الأربعة الذي رقدت فوقه ليلة زفافها، الذي حبلت فيه بأطفالها، ثلاثة من الذكور وست من البنات، أحمل أمي من فراش الموت فوق صدري وأطعمها، لم يحملها فوق صدره أحد من الذكور.
في المرآة ألمح نفسي وأندهش، كيف مرت السنون وأصبحت أطعم الأم التي كانت تطعمني، في المرأة أرى الملعقة في يدي أقربها من فمها ورأسها فوق صدري كما كنت أضع رأسي فوق صدرها أهمس لها بأحلامي، هي التي تهمس هذه اللحظة بأحلامها، صوتها متقطع، أنفاسها خافتة، الكلمات مبتورة ممزقة، أرهف أذني، أستجمع حواسي كلها في حاسة واحدة هي السمع، أستمهل الزمن، أستوقف عقارب الساعة لتكمل أمي النطق، ألصق أذني بفمها، أستنطق الصمت، أساعدها على العثور على الكلمات كما كانت تعلمني الكلام، تفتح فمها تحاول النطق، لكن الكلمات تفلت منها، الزمن يفلت، كل شيء يفلت، يروح في العدم.
في المرآة أرى وجهي، والقلم في يدي أحركه فوق الورق، الساعة العاشرة صباحا، المكان هو مدينة ديرهام بأمريكا الشمالية، وجهي أصبح أكثر طولا، بشرتي أكثر سمرة وشحوبا، عيناي السوداوان أقل بريقا، في أعماقي لحظات تولد من العدم، أطرد بيدي شبح الموت كأنما هو ذبابة، ألمح فوق مكتبي مظروفا أبيض عليه اسمي: الدكتورة السعداوي، الأستاذة في جامعة «ديوك»، كلمة «ديوك» ترن في أذني غريبة، أغرب منها اسم «السعداوي»، من هو صاحب الاسم؟ قالت جدتي: إنه رجل مجهول الأصل، حملته مياه النيل من الحبشة أو الجنوب داخل قارب من القش أو الجريد، يشبه القارب الذي رقد فيه سيدنا موسى بعد أن ولدته أمه وتركته لمصيره يسبح مع مياه النيل.
Página desconocida