التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Géneros
(١) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُم فِي سُوْرَةِ الجِنِّ ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ (الجِنّ:١٣). (٢) رَوَى أَحْمَدُ ﵀ فِي كِتَابِ (فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ) (ص٣٠٤) عَنْ أَبِي مُوْسَى الأشعريِّ؛ أَنَّهُ أبطأَ عَلَيْهِ خَبَرُ عُمَرَ؛ وَكَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ لَهَا قَرِيْنٌ مِنَ الجِنِّ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَرَكَ عُمَرَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ. وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ جَيْشًا فَقَدِمَ شَخْصٌ إِلَى المَدِيْنَةِ فَأَخْبرَ أَنَّهُم انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِم وَشَاعَ الخَبَرُ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فذُكِرَ لَهُ، فَقَالَ: (هَذَا أَبُو الهَيْثَمِ بَرِيْدُ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الجِنِّ، وَسَيَأْتِي بَرِيْدُ الإِنْسِ بَعْدَ ذَلِكَ)، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَيَّامٍ. أَوْرَدَهُ بَدْرُ الدِّيْنِ الشُّبليِّ فِي كِتَابِ (آكَامِ المَرْجَان فِي أَحْكَامِ الجَانِّ) (ص ١٣٩) بِدُوْنِ سَنَدٍ. اُنْظُرْ كِتَابَ (المُنْتَخَبُ مِنْ كُتُبِ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة) (ص٩٩) لِلشَّيْخِ عَلَوِيّ السَّقَّافِ حَفِظَهُ اللهُ. (٣) قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي كِتَابِهِ (الآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ) (١٩٨/ ١): (قَالَ أَحْمدُ ﵀ فِي الرَّجُلِ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُعَالِجُ المَجْنُوْنَ مِنَ الصَّرَعِ بِالرُّقَى وَالعَزَائِمِ، أَوْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ الجِنَّ وَيُكَلِّمُهُم، وَمْنُهم مَنْ يَخْدُمُهُ؛ قَالَ: مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، تَرْكُهُ أَحَبُّ إليَّ)، وَهَذَا يُرَادُ بِهِ التَّحْرِيْمُ، كَمَا هُوَ المَعْلُوْمُ مِنْ نُصُوْصِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَلْفَاظِهِ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: (أَكْرَهُ ذَبَائِحَ الجِنِّ) وَمُرَادُهُ التَّحْرِيْمُ. (٤) وَإِذَا كَانَتِ الاسْتِعَانَةُ بِالجِنِّ هِيَ فِيْمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى؛ كَانَتْ حَيْنَئِذٍ شِرْكًا أَكْبَرًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيْهَا يَخْتَصِمُوْنَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِيْنٍ، إِذْ نُسَوِّيْكُمْ بِرَبِّ العَالَمِيْنَ﴾ (الشُّعَرَاء:٩٨). (٥) فَائِدَةٌ: وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِم - عِنْدَمَا يَصْطَدِمُ بِنُصُوْصِ المَنْعِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ الجِنِّ إِطْلَاقًا - أَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَ المَلَائِكَةِ؛ وَأَنَّهُ يَسْتَعِيْنُ بِهِم عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ؛ فَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ المَلَائِكَةَ خَلْقٌ مُطِيْعٌ لَهُ سُبْحَانَهُ يَعْمَلُوْنَ بِأَمْرِهِ ﷾، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُوْنَ، لَا يَسْبِقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ﴾ (الأنبياء:٢٧)، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيْمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيْرُ يُفِيْدُ الحَصْرَ، فَالمَلَائِكَةُ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا أَصْلًا إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ.
1 / 92