Secretos de los palacios: políticos, históricos, amorosos, literarios
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Géneros
فلم يجب حسن على هذا الكلام؛ لأنه كان من حزب تركيا القديم الكاره للأفكار الجديدة والإصلاحات الأوروبية.
وكان السلطان عبد العزيز يفضل سراي بيكلر بك على جميع قصوره بعد سراي «طلمه بغجه»، فكان ينتقل إليها مدة فصل الصيف تاركا شئون الدولة ملقيا مهام المملكة على عاتق الصدر الأعظم عالي باشا الذي كان صارفا جل اهتمامه في إخماد ثورة كريت.
وبينما كان السلطان محتجبا في قصره معتزلا أشغال الدولة التي كان مصوبا إليها أولا جل اهتمامه كان هوبار باشا محاصرا سيرا بالأسطول العثماني، وفؤاد باشا يقدح زناد فكره آناء الليل وأطراف النهار في سبيل مرضاة سفراء الدول في الأستانة، وكان مدحت باشا واليا لولاية الطونة، فاستدعي إلى الأستانة، وقلد رئاسة شورى الدولة.
ولا يختلف اثنان في أنه لو سلمت مقاليد الدولة في ذلك العهد إلى هؤلاء الوزراء الثلاثة لسلمت من العطب، وأمنت العثار، واستغنت عن السلطان عبد العزيز الذي كان قد بدأ فيه حب الأثرة والاستبداد، وصرح بأن ما أظهره قبلا من الميل إلى الحرية والإصلاحات ليس إلا سياسة منه اكتسابا للأميال وتهدئة للأفكار الثائرة.
ففي صباح شهر سبتمبر 1867م (الواقع في 4 شعبان) أمر السلطان أن يسرج له جواد عربي يخرج عليه للنزهة، فسار وحده بين البساتين والحدائق صعدا، يتبعه من بعيد أحد يورانه حتى وصل إلى أعلى الأكمة، فوقف في المكان الذي وقف فيه قبله صلاح الدين منذ شهرين يسرح الطرف في ذلك المنظر الجميل، وإذا به يسمع حديثا همسيا داخل البستان، فدفعته الرغبة والريبة إلى معرفة المتحدثين ورؤيتهم، فدخل البستان من الباب الصغير. •••
وكانت عائشة جالسة على العشب الأخضر متكئة على صدر رفيقة لها شركسية جميلة الوجه بهية المنظر، وأمامها امرأة عجوز راقدة في ظل شجرة.
فتنهدت الشركسية، ثم أكملت حديثها قائلة: نعم إني أحب السلطان، ولا أتجاسر على رفع نظري إليه، فإذا نظرته ارتجفت أعضائي ... ثم أخذت يد رفيقتها، وقالت لها: ضعي يدك على قلبي فتسمعي دقات اختلاجه ... ثم قالت: ما الذي جاء به إلى هنا يا ترى هذا الصباح ...؟ وهو كسول لا ينهض من رقاده حتى الظهر. - لعله عرف بمجيئك إلى هنا، ويحتمل أن يكون قد جاء يبحث عنك. - كفاك هزءا وسخرية ... أنت سعيدة بحبك لألطف شاب في تركيا فهنيئا لك، أما أنا فقد تطاولت في حبي إلى ما وراء الآمال، وبنيت قصورا شاهقة لأوهامي. - لا ... ألست بربة الجمال ...؟ وأنت في حرم والدة السلطان، تتسنى لك رؤية السلطان كل يوم. - نعم، فإني كل يوم «أشاهد معنى حسنه فيلذ لي»، ولكن نحن السراري والجواري نعد هنا بالعشرات والمئات وكلنا جميلات، وهو مع ذلك قليل الاكتراث بنا جميعا وخصوصا بي، مع أن نظري لا يقع عليه مرة حتى أنتفض «كما انتفض العصفور بلله القطر». - ما أشد حبك وأعظم تعلقك مهرى ...! بمثل هذا الحب تعلقت بصلاح الدين بك منذ شهرين، واشتد بك الوجد والهيام إلى درجة أن دبت في قلبي عقارب الغيرة، ثم صرت هائمة بحب السلطان، وسنرى إذا كان لهذا الحب دوام. - ما الحيلة يا عزيزة ... وقد حكم علينا الدهر بهذه المعيشة؛ فلا بد أن يتعلق قلبنا بشيء سواء كان أهلا له أو لم يكن ... تذكرين القصة التي قصتها فاطمة قادين على مسامعنا ... أتظنين أن تلك المسكينة أحبت ذلك الباشا السمين الغليظ الكبد الذي مات متخوما؟ - فأجابت عائشة: وا حسرتاه ... لقد كانت ولادتي سببا لورودها حتفها، وهذا سيكون شؤما علي كل أيام حياتي، ولم تتم عائشة هذا الكلام حتى صاحت مهرى هانم مذعورة؛ لأنها لمحت عيني رجل ينظر إليهن من خلال سياج الورد كأنه يتلصص لسماع حديثهن، وانذعرت القادين من رقادها الهني، فقامت تنظر من ذا الذي تجاسر أن يرسل نظره إلى الحرم السلطاني. •••
وكان صلاح الدين يمر كل يوم من ذلك المكان، فيلقي من فوق السياج باقة من الزهر الجميل إلى عائشة مليكة قلبه، وكانت العجوز جاهلة أو متجاهلة حادثة الخوخ حتى كتمتها عن الجميع، ولم تخبر بها إلا رفيقتها مهرى هانم الشركسية.
أما صلاح الدين فكان قد أباح بسره إلى والدته نعمت هانم، وكشف لها عن لواعج غرامه، وكانت تعرف جميع عائلات الأستانة الكبيرة، فأخذت تسعى منذ ذاك العهد وراء معرفة أصل عائشة هانم التي هام ابنها بحبها، فقصدت جميع العائلات، فلم يهدها أحد إلى خبرها، فسارت إلى الحمامات، وهي - كما لا يخفى في الشرق - جرائد المدينة يقف الإنسان فيها على جميع الحوادث المحلية، وغاسلاتها يعرفن جميلات البلاد أصلا وفصلا، لكنها لم تستفد شيئا. فكلف صلاح الدين صديقه حسنا بأن يستعلم شقيقته مهرى هانم، فتجاهلت ولم تخبره أمرا، وأخيرا عزمت والدته على أن تقصد العجوز فاطمة قادين والدة الفتاة.
فقامت ذات يوم قاصدة سراي «بيكلر بك» متخذة حجة بسيطة، وسألت مقابلة الباش قادين؛ أي رئيسة الحرم، وكانت من أعز صديقاتها، فاقتبلتها بمزيد الأنس والترحاب، فكشف لها نعمت هانم غمتها، والتمست منها أن تسمح لمهرى هانم بمرافقتها إلى بيت عائشة هانم، فأجابتها الصديقة: ابقي هنا إلى ما بعد صلاة الظهر، حيث نتناول الطعام معا، وسنخرج اليوم جميعا إلى البستان، وهناك ربما يتسنى لك معرفة ما تريدين من مهرى، أو أننا نخرج بحجة النزهة إلى كرم العنب، فتذهبين إلى بيت عائشة وهي كما لا يخفاك جارتنا؛ فقبلت نعمت هانم هذه الدعوة بمزيد الشكر والامتنان.
Página desconocida